عزريا يسترد المال من غابيلوس ويدعوه للعرس
(1) عزريا يسترد المال من غابيلوس (ع1-8):
1 ثم أن طوبيا استدعى الملاك الذى كان يحسبه إنسانًا وقال له يا أخى عزريا أسألك أن تسمع كلامى. 2 إنى لو جعلت نفسى عبدًا لك لما وفيت بعنايتك حق الوفاء. 3 ولكنى مع ذلك أسألك أن تأخذ دواب وغلمانًا وتنطلق إلى غابيلوس فى راجيس مدينة الماديين وترد عليه صكه وتقبض منه الفضة وتدعوه إلى عرسى. 4 لأنك تعلم أن أبى يحسب الأيام فإن زدت فى إبطآءى يومًا واحدًا حزنت نفسه. 5 وأنت ترى أن رعوئيل قد استحلفنى ولست أستطيع أن أستخف بحلفه. 6 حينئذ أخذ رافائيل أربعة من غلمان رعوئيل وجملين وسافر إلى راجيس مدينة الماديين ولقى غابيلوس فدفع إليه صكه واستوفى منه المال كله. 7 وعرفه أمر طوبيا بن طوبيا وكل ما وقع وأتى به معه إلى العرس. 8 فلما دخل بيت رعوئيل وجد طوبيا متكئًا فنهض قائمًا وقبلا بعضهما بعضًا وبكى غابيلوس وبارك الله.
ع1، 2: شعر طوبيا أمام عمل الله العظيم معه، فى إنقاذه من الموت وفرحته بالزواج من سارة، بأن كل هذا كان بفضل إرشاد الشاب عزريا، فأحسَ أن لسانه لا يستطيع أن يعبر عن مدى شكره له. فطوبيا يتمتع بفضيلة العرفان بالجميل. وهو أيضًا إنسان متضع ويتضح هذا من قوله للملاك، لو صرت لك عبدًا، لما أوفيتك محبتك وعنايتك بى.
ع3: وبدالة المحبة، تجرأ طوبيا وطلب من عزريا؛ استغلالاً للوقت، أن يذهب إلى راجيس وهى المدينة الكبيرة القريبة منهم ويستوفى الفضة من غابيلوس ويعطيه الصك ويدعوه أيضًا لحضور أفراح العرس.
ع4: فضيلة أخرى كان يتمتع بها طوبيا، وهى تقدير مشاعر الآخرين؛ إذ أراد ألا يتأخر على والديه؛ لئلا يقلقا لتأخره، فالقلق يحارب الوالدين كبار السن.
ع5: ومن ناحية أخرى، كان طوبيا يقدر مشاعر حميه رعوئيل، الذى يريده أن يبقى أسبوعين عنده، للفرح بزواجه. فهو مثال للإنسان الروحى المملوء فضائل.
هل تشكر الآخرين على كل ما يقدمونه لك، وتعبر بكل الوسائل عن تقديرك لأى عمل يعملونه معك، مهما كان صغيرًا. ليتك تكون متضعًا؛ فتشعر بفضل الآخرين عليك وخاصة أهل بيتك، حتى لو كان قلقهم يظهر فى توبيخ أو عتاب لك، فهذا نابع من حبهم وارتباطهم بك. إعتذر لهم وعدهم أن تهتم بمشاعرهم وقدم لهم حبًا أوفر، فالحب هو أعظم شئ فى الوجود.
ع6: فى محبة كبيرة لبى عزريا طلب طوبيا وجهز نفسه للسفر بأربعة غلمان وجملين. ووصل إلى راجيس وقابل غابيلوس واستوفى منه الفضة وأعطاه الصك. وهنا تظهر عناية الله، فى أن غابيلوس كان قد اجتاز أزمته المالية؛ فكان قادرًا على رد المال كله لصاحبه.
وعزريا هنا يرمز للإنسان الروحى، المجاهد فى سفره، فى برية هذا العالم. فقد أخذ جملين معه والجمل هنا يمثل احتمال التعب فى السفر (الجهاد). وجملان يشيران لكل من الجهاد الداخلى والجهاد الخارجى ولتأكيد أهمية الجهاد. وأربعة غلمان يشيرون إلى الجهاد ضد حروب إبليس، الآتية من جميع جهات المسكونة الأربع، أى جميع أنواع الحروب. وإذ أكمل جهاده، حقق هدفه وهو تحصيل المال من غابيلوس، كما يفوز المجاهد بالملكوت والميراث الأبدى.
ويرى بعض الآباء أن عزريا، أو الملاك رافائيل يرمز للروح القدس والأربعة كباش ترمز للأربعة أناجيل والجملين يرمزان للرسل والمبشرين وقد بشر الملاك رافائل غابيلوس وأخبره بكل ما أمر طوبيا الذى يرمز للمسيح.
ما أجمل التعاون بين الرفيقين، فهما مثال لكل صديقين أو رفيقين يعملان أو يخدمان معًا. كيف يتعاونان لتحقيق أهدافهما، دون التفكير فى كم التعب الذى تعباه، ويسرعان معًا فى العمل المطلوب، وحتى لو كان أحد الرفيقين هو الأكبر والأعظم، فبإتضاع يقبل أن يعمل أى عمل مهما كان وضيعًا، فها رئيس الملائكة يسرع لجمع المال لطوبيا، مع أنه أسمى من كل هذه الأعمال المادية الزائلة. إنه الحب الممتزج بالإتضاع، الذى يدفع إلى التعاون.
ع7، 8: وإذ علم غابيلوس بالأخبار الطيبة التى لطوبيا وزواجه، أسرع مع عزريا ليهنئه. وتعانق غابيلوس مع طوبيا، الذى اندفع نحوه حالما دخل. وظهرت مشاعر غابيلوس نحو طوبيا الأب وابنه فى دموعه حين عانق طوبيا. فغابيلوس أيضًا يتمتع بفضيلة العرفان بالجميل وتقديره لمحبة طوبيا الأب، الذى وقف معه فى أزمته المالية؛ لذا أسرع يهنئ ابنه.
وهكذا حضر وليمة العرس أهل بيت رعوئيل والجيران وهم يرمزون لليهود الذين آمنوا بالمسيح وتناولوا من جسده ودمه. أما غابيلوس فيرمز للأمم البعيدة، مثل المجوس وكل من آمن بالمسيح من الأمم وتمتع بالأسرار المقدسة.
(2) صلاة البركة المقدمة من غابيلوس (ع9-12):
9 وقال يباركك الرب إله إسرائيل لأنك ابن رجل صالح جدًا بار متق لله صانع صدقات.
10 وتحل البركة على زوجتك وعلى والديكما. 11 وتريان بنيكما وبنى بنيكما إلى الجيل الثالث والرابع ويكون نسلكما مباركًا من إله إسرائيل المالك إلى دهر الدهور. 12 فقالوا كلهم آمين ثم تقدموا إلى الوليمة إلا أنهم اتخذوا وليمة العرس بخوف الله.
ونقابل صلاة بركة جميلة مقدمة من غابيلوس، قاد فيها المجتمعين فى عرس طوبيا وهى صلاة جميلة من الصلوات الكثيرة التى يذخر بها هذا السفر العظيم.
ع9: طلب غابيلوس بركة الله المهتم بشعبه وأولاده (إله اسرائيل)، وسبب البركة هى صلاح وفضائل طوبيا الأب، فبركة الآباء تحل على الأبناء، ويمكن للأبناء أن يستغلوا هذه البركة ويزدادوا فى التقوى؛ فتحل عليهم بركات أوفر. وقد لا يستفيدوا منها، بل تكون سببًا لدينونتهم، إذا لم يسلكوا باستقامة.
ع10: وطلب من الله أن يفيض بركته على سارة أيضًا وعلى الوالدين رعوئيل وحنة وأيضًا طوبيا الأب وحنة زوجته.
ع11: بل وطلب أيضًا، بركة للأبناء، الذين تمنى أن يعطيهم الله لطوبيا، بل وبنى البنين والنسل الممتد عبر السنين. فقد كانت ولادة البنين – كما ذكرنا – بركة كبيرة؛ لأن الكل كان فى انتظار ولادة المسيا المنتظر من نسله. كل هذه البركات طلبها من الله، المالك إلى دهر الدهور، ضابط الكل، القادر أن يعطى بركة مستمرة؛ لذا يطمئن قلب أولاد الله؛ لأنهم فى رعاية هذا الإله العظيم المحب. ورد كل المجتمعين آمين على هذه الصلاة العظيمة، متمنين مع غابيلوس كل هذه البركات.
ما أجمل أن نقدم صلوات وتمنيات بركة لكل من حولنا ونشجعهم بها؛ فيمتلئون رجاءً.
ع12: وتعبيرًا عن الفرح، تقدم الجميع للأكل من الوليمة (وليمة العرس)، التى امتدت طوال الأسبوعين اللذين قضاهما طوبيا عند رعوئيل بعد زواجه. وهنا تظهر سمات أفراح أولاد الله، فهى تكون فى خوف الله؛ فهم يشعرون بوجود الله فى وسطهم، فلا يتمادون فى مظاهر الفرح المادى، الذى يتنافى مع وجود الله وترمز أيضًا الوليمة إلى سر التناول من جسد الرب ودمه، الذى يفرح به المؤمنون ويتناولونه بخشوع وخوف ومهابة عظيمة.