صلاة طوبيا الأب الختامية
(1) شكر الله ومباركته (ع1-10):
1 حينئذ فتح طوبيا الشيخ فاه مباركًا للرب وقال عظيم أنت يا رب إلى الأبد وفى جميع الدهور ملكك. 2 لأنك تجرح وتشفى وتحدر إلى الجحيم وتصعد منه وليس من يفر من يدك. 3 إعترفوا للرب يا بنى إسرائيل وسبحوه أمام جميع الأمم. 4 فإنه فرقكم بين الأمم الذين يجهلونه لكى تخبروا بمعجزاته وتعرفوهم أن لا إله قادرًا على كل شئ سواه. 5 هو أدبنا لأجل آثامنا وهو يخلصنا لأجل رحمته.
6 أنظروا الآن ما صنع لنا وإعترفوا له بخوف ورعدة ومجدوا ملك الدهور بأعمالكم. 7 أما أنا ففى أرض جلائى اعترف له لأنه أظهر جلاله فى أمة خاطئة. 8 إرجعوا الآن أيها الخطاة واصنعوا أمام الله برًا واثقين بأنه يصنع إليكم رحمة. 9 أما أنا فنفسى تتهلل به. 10 باركوا الرب يا جميع مختاريه أقيموا أيام فرح واعترفوا له.
ثم وقف رجل الصلاة طوبيا الأب؛ ليعلن خلاصة مشاعره، كإنسان روحى وهى تشمل حكم روحية عظيمة.
ع1: فبعد أن مجد الله الممجد إلى الأبد، أعلن أنه من رحمة الله، أنه يسمح بالضيقة، ثم يعود فيرحمنا.
ع2: وإن سمح بالجرح، يعود فيشفيه، وإن شعر الإنسان بنزوله إلى الحضيض، يعود الله فيرفعه ويرحمه ويكرمه. وهذا يعطى رجاءً لكل من فى ضيقة، فعليه أن يوقن أنها ستزول وأن يد الله الحانية سترحمه، فيشعر الإنسان بأبوة الله، الذى لا يسمح بضيقنا إلى النهاية، بل إلى حين. لذا حين أخطأ داود الملك عندما عدَّ الشعب وتكبر واستحق العقوبة وطلب منه الله أن يختار عقوبة، فقال أقع فى يد الله ولا أقع فى يد الناس، واثقًا فى رحمة الله، الذى يعود ويرفع عنه ضيقته (2صم24: 14).
وبهذه الآية يزيل الله من الأذهان الفكرة الوثنية التى تنادى بإله للخير وإله للشر، فهو الإله الواحد ضابط الكل، الذى يعطى الخيرات ويسمح بالشرور، فكل شئ فى يده وحده وقد أكد هذا المعنى فى مواضع أخرى من الكتاب المقدس مثل (أش40: 7، 1صم2: 6-8).
ع3، 4: ثم يظهر أحد مقاصد الله من ضيقة شعبه وذلك بالسماح لهم بالسبى، وهو أن يبشروا بالله بين الأمم، بحياتهم النقية وسلوكهم الحسن واعترافهم بالله والتحدث عن أعماله، فتؤمن الأمم بالله.
وهذا إعلان واضح أن الله يقدم خلاصه للعالم كله وليس فقط لليهود.
ع5: ويعلن أيضًا، أن سبب الضيقة هو خطايا الشعب، ولكن الله بمحبته يرحمهم، ويرفع الضيقة عنهم عندما يتوبون.
ع6: ثم ينادى شعبه، بعدما رأوا عمل الله معه، أن يمجدوا الله، ويعترفوا بقداسته، فى صلوات مستمرة وشكر دائم وبهذا يصبح سلوكهم مستقيمًا ويمجد الله. وهذا معناه، أن الذى يكثر الصلاة من قلبه، تتنقى حياته، ويسلك باستقامة حسب مشيئة الله.
ع7: ثم يكمل طوبيا صلاته بتسبيح الله وتمجيده، لأنه يرحم شعبه، الذى أخطأ إليه وهذا يظهر مدى رحمته. وأهمية هذا التسبيح، أنه يتم فى السبى، أى أن طوبيا يسبح الله وهو بعد فى الضيقة، مسبيًا لم يعد إلى وطنه. فما أجمل أن يسبح الله فى كل حين، حتى فى أوقات الضيق.
والله أيضًا يظهر للأمم عظمة شعبه وكراهيته للخطية، حتى أنه يؤدب شعبه المحبوب المؤمن به، فهو بهذا يدعو الأمم للإيمان به والبعد عن الخطية التى تغضبه وإن لم يتوبوا فسيؤدبهم وينتقم منهم.
ع8: ثم يدعو طوبيا كل الخطاة، أن يرجعوا لله بحياة نقية، واثقين من رحمته عليهم، فهو “يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون” (1تى2: 4).
ع9، 10: ثم ينادى كل أولاد الله، أن يشتركوا مع نفسه المتهللة فى تسبيح الله وتمجيده، بل وتخصيص أيام كاملة للتسبيح والفرح.
سبح الله أولاً، فيمتلئ قلبك فرحًا، وتستطيع حينئذ أن تدعوا الآخرين للتسبيح.
(2) نبوته بعودة العظمة لأورشليم (ع11-23):
11 يا أورشليم مدينة الله إن الرب أدبك بأعمال يديك. 12 أشكرى لله نعمته عليك وباركى إله الدهور حتى يعود فيشيد مسكنه فيك ويرد إليك جميع أهل الجلاء وتبتهجى إلى دهر الدهور. 13 تتلألئين بسنى بهيج وجميع شعوب الأرض لك يسجدون. 14 يزورك الأمم من الأقاصى بقرابينهم ويسجدون فيك للرب ويعتدون أرضك أرضًا مقدسة. 15 لأنهم فيك يدعون الاسم العظيم. 16 ملعونين يكونون الذين استهانوا بك والذين جدفوا عليك يدانون ويبارك الذين يبنونك. 17 أما أنت فتفرحين ببنيك لأنهم يباركون كافة وإلى الرب يحتشدون. 18 طوبى للذين يحبونك ويفرحون لك بالسلام. 19 باركى يا نفسى الرب لأن الرب إلهنا خلص أورشليم مدينته من جميع شدائدها. 20 طوبى لى إن بقى من ذريتى من يبصر بهاء أورشليم. 21 أبواب أورشليم من ياقوت وزمرد وكل محيط أسوارها من حجر كريم. 22 وجميع أسواقها مفروشة بحجر أبيض نقى وفى شوارعها ينشد هللويا. 23 مبارك الرب الذى عظمها وليكن ملكه فيها إلى دهر الدهور. آمين.
ع11: يخاطب طوبيا هنا فى صلاته أورشليم المدينة العظيمة، التى فيها هيكل الله. وهى ترمز أيضًا إلى النفس البشرية، وترمز للكنيسة، فيقول لأورشليم، أو لنفسه، إنه من أجل كثرة الخطية أدانها الله وسمح لها بالضيقة والسبى.
ع12: لكن برجاء ثابت يقول لها، أشكرى الله وباركيه. وكيف يبارك الإنسان الله وهو فى الضيقة، إلا إذا كان واثقًا من رحمة الله، ورجاؤه فيه ثابت، متيقنًا أنه سيرفع عنه هذه الضيقة؛ لذا يقول لأورشليم، إن الهيكل المنهدم فيها سيبنى ثانية، وسيعود إليها أولادها المسبيين وستفرح إلى الأبد.
وهذا ما يحدث مع النفس البشرية التائبة، التى تشعر أن الضيقة بسبب خطاياها، وتشكر الله على كل شئ، وتثق أن الله سيعود، فيبنى مسكنه داخلها ويملك عليها ويملأ قلبها ويعيد إليها كل أولادها المسبيين، أى حواسها وأفكارها وكل أعضائها تعود نقية، كأعضاء للمسيح وتعيش حياة الفرح والتسبيح الدائم.
ع13، 14: تتلألئين بسنى بهيج : تلمعين بنور مفرح.
يعتدون : يعتبرون.
ثم يعد أورشليم بأن تكون مرتفعة فوق جميع الأمم ومتلألئة بعظمة وفرح وبهجة تبهر الأنظار، فتخشع أمامها جميع الشعوب ساجدة فى تقدير واحترام، بل تقدم لها الأمم الهدايا وتشعر أنها أرض مقدسة يسكن فيها الله.
والتاريخ يشهد بذلك فالإسكندر الأكبر – عندما وصل إلى أورشليم – شعر بعظمة الهيكل وسجد أمامه وقدم قرابينه.
وهذا الكلام نبوة عن إيمان الأمم بالمسيحية وسجودهم فى أورشليم الجديدة، أى الكنيسة. التى يدخل إليها المؤمنون من جميع شعوب العالم.
وهذا ما يحدث مع النفس التى يملك الله عليها، إنه يمجدها بين البشر على الأرض، ثم أيضًا فى السماء ويعطيها مهابة فى أعين الكل، فيبتغون رضاها؛ إذ يشعرون أن الله ساكن فيها.
ع15، 16: ولأجل تمجيد اسم الله العظيم فيك يا أورشليم، فإن من يستهين ويزدرى بك؛ تحل عليه لعنة الله، أما الذى يكرمك ويبنيك فيباركه الله.
وهكذا إذ يسكن الله فى الإنسان ويتمجد فى أعماله، فكل الأشرار الذين يضطهدونه يلعنون من الله، أى يحل بهم عقاب الله ولو بعد حين، ثم يكمل عقابهم فى العذاب الأبدى. أما الذى يكرم الإنسان الروحى ويعمل لبنيانه؛ فيباركه الله.
ع17: ثم يكمل صلاته مناديًا أورشليم أن تفرح ببنيها المجتمعين فيها حول الرب والرب يباركها.
ع18: ثم يطوب الذين يحبون أورشليم ويطلبون لها الخير والسلام.
ع19: وينادى نفسه وسط محبى أورشليم، لكى يبارك الرب من أجل رحمته وإنقاذ أورشليم من الهلاك.
هكذا النفس البشرية، تفرح باجتماع كل أعضائها وحواسها حول الرب، وتتهلل بعبادته وتسبيحه والعمل لمرضاته. وكذلك يبارك الرب متقيه وكل محبيهم وكل أحباء الرب يشكرونه على محبته ورحمته لأولاده. وأيضًا الكنيسة تفرح باجتماع بنيها فيها، مسبحين الله. وكل من يحب الكنيسة ويطلب سلامها؛ يباركه الرب، وكل محبى الكنيسة يمجدون الله على أعماله ورحمته لكنيسته.
ع20: وأخيرًا، يختم صلاته بنبوات عن مجد أورشليم الآتى، ويطوب نفسه إن بقى أحد من ذريته؛ ليرى هذا المجد. وهو هنا يتنبأ عن مجد أورشليم برجوعها من السبى. وأيضًا بتجسد المسيح وافتدائه لكنيسته وفى النهاية يتنبأ عن أورشليم السمائية، لذا نجد تشابهًا واضحًا بين نبواته وكلمات رؤيا يوحنا اللاهوتى فى العهد الجديد.
ع21: يتنبأ عن أبواب أورشليم، أى مداخلها. إنها من ياقوت ولونه أزرق لون السماء، أى أن الداخلين إليها، يكون لهم فكر وحياة السماء الروحية النقية. وهو أيضًا حجر صلب يرمز للصلابة الروحية والقوة والصبر وهو يتنقى بالنار؛ لأن أولاد الملكوت يحملون الصليب ويحتملون آلامًا كثيرة، فيكللون فى السماء.
والأبواب أيضًا من زمرد. ولونه أخضر، وهو يرمز للنضرة والحيوية، أى أن الداخلين إليها بجهادهم الروحى وعمل الروح القدس فيهم ينمون فى معرفة الله ويحيون معه إلى الأبد.
وبعد ذلك يتحدث عن أسوار المدينة. والأسوار هى ما يحيط بالمدينة ويحصنها ويمنع عنها كل أذى، فهى مصنوعة من الأحجار الكريمة، أى أغلى شئ، فليس أغلى من اسم الرب ودم المسيح الفادى، الذى ينقذنا من الموت وبه نحتمى من كل حروب إبليس، كما يقول الكتاب المقدس “إسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع” (أم 18: 10).
ع22: ويواصل نبواته عن أورشليم، أو عن النفس البشرية، التى تحيا مع الله، أو عن الكنيسة، فيصف أسواقها، أنها مفروشة بحجر أبيض نقى. والأسواق هى مكان اجتماع الناس، فهو يعلن أن اجتماع بنيها يتسم بالنقاء ومعاملاتهم تتميز بالاستقامة والبهاء (بيضاء). والحجر يشير إلى القوة والصلابة، أى أن بنيها يتمتعون بصلابة روحية وحياة قوية مع الله، فلا يهتزون من تقلبات الحياة، بل يحيون فى إيمان ثابت.
وفى شوارع المدينة – أى الطرق التى توصل بين أنحائها المختلفة – ينشدون هلليويا، وهى ترمز إلى أن تسبيح اسم الرب هو الذى يربط بين أبناء هذه المدينة بعضهم البعض.
ع23: وفى النهاية يبارك الله، الذى مجد أورشليم، أو كنيسته، أو النفوس المحبة له، بل وعظمها فوق العالم أجمع وذلك بملكه عليها إلى الأبد؛ فيمتعها بعشرته ومحبته.