سفر طوبيا-الأَصْحَاحُ الثَّالِثُ

صلوات طوبيا وسارة وموت أزواج سارة السبعة

(1)  صلاة طوبيا (ع1-6):

1 حينئذ أن طوبيا وطفق يصلى بدموع. 2 وقال عادل أنت أيها الرب وجميع أحكامك مستقيمة وطرقك كلها رحمة وحق وحكم. 3 فالآن أذكرنى يا رب ولا تنتقم عن خطاياى ولا تذكر ذنوبى ولا ذنوب آبائى. 4 لأنّا لم نطع أوامرك فلأجل ذلك أسلمنا إلى النهب والجلاء والموت وأصبحنا أحدوثه وعارًا فى جميع الأمم التى بددتنا بينها. 5 فالآن يا رب عظيمة أحكامك لأنّا لم نعمل بحسب وصاياك ولا سلكنا بخلوص أمامك. 6 والآن يارب بحسب مشيئتك إصنع بى ومر أن تقبض روحى بسلام لأن الموت لى خير من الحياة.

ع1: بعد تزايد الضيقة على طوبيا، لم يخطئ نحو الله، أو الناس ولكنه عبر عن مشاعره وألقى كل حمله على الله، فى صلاة مملوءة بمشاعر الحزن والأنين من الضيقة ومزج صلاته بدموعه، إنها صلاة من القلب. وقدم صلاة متكاملة شملت :

ع2: 1- تمجيد الله، فنسب له العدل والاستقامة والرحمة والحق والحكمة.

ع3-5: أحدوثه : صار مجالاً لسخرية الناس وحديثهم.

2- الاعتراف فى توبة بالخطية وليس خطاياه فقط، بل خطايا آبائه وعدم حفظ وصايا الله والقلب غير النقى والنية غير الخالصة. وهذه الخطايا أدت إلى سقوطهم فى السبى وتعرضهم للنهب والقتل، بل وصاروا عارًا وشعبًا تافهًا مزدرى به.

ع6: 3- وقد طلب من ضغط الضيقة عليه، أن يسمح الله ويأمر بأن تنتهى حياته؛ ليخلص من هذه الأتعاب، ولكنه وضع شرطًا لطلبته، أن تكون بحسب مشيئة الله، فيظهر هنا الاتكال والتسليم لله.

(2)  سارة ابنة رعوئيل وموت أزواجها السبعة (ع7-12):

7 واتفق فى ذلك اليوم عينه أن سارة إبنة رعوئيل فى راجيس مدينة الماديين سمعت هى أيضًا تعييرًا من إحدى جوارى أبيها. 8 لأنه كان قد عقد لها على سبعة رجال وكان شيطان اسمه أزموداوس يقتلهم على أثر دخولهم عليها فى الحال. 9 وإذا كانت تنتهر الجارية لذنب أجابتها قائلة لا رأينا لك إبنًا ولا ابنة على الأرض يا قاتلة أزواجها. 10 أتريدين أن تقتلينى كما قتلت سبعة رجال. فلما سمعت هذا الكلام صعدت إلى عليّة بيتها فأقامت ثلاثة أيام وثلاث ليال لا تأكل ولا تشرب. 11 بل استمرت تصلى وتتضرع إلى الله بدموع أن يكشف عنها هذا العار. 12 ولما أتمت صلاتها فى اليوم الثالث وباركت الرب.

ع7: سارة : كلمة عبرية معناها أميرة.

رعوئيل : كلمة عبرية معناها صديق الله.

لقد كانت هذه الأسرة مرتبطة بالله فى حب وصداقة، كما يظهر من هذا السفر. وكانت سارة متميزة فى علاقتها مع الله كأميرة وكانت تقيم فى مدينة صغيرة بجوار مدينة راجيس فى بلاد الماديين، التى استولى عليها الأشوريون ونقلوا إليها بعض اليهود كما ذكرنا سابقًا. ولقرب مدينة رعوئيل من راجيس سميت باسمها، باعتبار راجيس تشمل المدينة الكبيرة والبلاد المحيطة بها. وفى نفس اليوم الذى سمع فيه طوبيا تعييرًا من زوجته حنة، سمعت سارة تعييرًا من إحدى جوارى أبيها. وهذا يظهر أن رعوئيل كان رجلاً غنيًا، له منزل كبير وجوارى.

ع8: ازموداوس : اسم إله وثنى فارسى وإسم أزموداوس معناه روح العنف والتدمير، أو روح الشهوة الجنسية.

وسبب تعيير الجارية لسيدتها، أن سارة كانت قد تزوجت، وفى ليلة الزواج، فور دخول زوجها إليها فى المخدع؛ للاقتران بها، هجم عليه شيطان اسمه أزموداوس، فآلهة الأمم كلها شياطين وهو يمثل القسوة والبطش وقتل الزوج. وقد تكرر هذا الأمر سبع مرات، أى قتل الشيطان سبعة أزواج، حاولوا الاقتران بسارة ولعلهم كانوا من الأمم وعدد سبعة يمثل الكمال، فيظهر سلطان الشيطان. ولعل أزواج سارة ليسوا من شعب الله، أى كانوا وثنيين غير مؤمنين، أو كانوا من اليهود الغير متمسكين بالإيمان ووصايا الله. وأيًا كانوا، فسبب اقترانهم بها، كان الشهوة الجسدية والغنى، الذان كانت تتمتع بهما.

ع9: وإذ أخطأت إحدى الجوارى فى عمل ما، انتهرتها سيدتها سارة، فردت عليها الجارية بوقاحة، بل وباتهامات زور وعيرتها بأنها فشلت فى الزواج سبع مرات وبالتالى لم تنجب ابنا، أو ابنة مثل باقى النساء وكذلك اتهمتها زورًا، بأنها هى القاتلة للأزواج السبعة وهذا أمر يرفضه حتى المنطق العادى، فلماذا تقتل عروس عريسها الذى فرحت بالاقتران به؟!

ع10: واتهمت أيضًا الجارية سيدتها بالشروع فى قتلها وذلك بتساؤلها : هل تريدين أن تقتلينى؟

ع11: ولأن التعيير كان شديدًا، تعبت جدًا سارة وصعدت إلى حجرة فى الدور العلوى (عليّة) ومكثت فيها ثلاثة أيام وثلاث ليال، لم تذق طعامًا فى صوم وصلاة مستمرة بدموع؛ ليرفع الله عنها عارها.

وكان أتقياء اليهود قديمًا يبنون أحيانًا فوق أسطح منازلهم حجرة صغيرة، يقضون فيها بعض الأوقات؛ للتعبد والصلاة. وكانوا يصنعون كوى (نوافذ) لهذه الحجرة تطل على ناحية الهيكل فى أورشليم، حتى أيام السبى؛ ليتذكروا هيكل الله ويقدموا له العبادة. وقد ذكرت هذه العلية فى حياة دانيال (دا 6: 10، 11) وكذلك فى حياة يهوديت (يهو 9: 1). ونلاحظ أيضًا عُلية بيت مارمرقس، التى اجتمع فيها المسيح مع تلاميذه وأسس سر الإفخارستيا وظهر فيها أيضًا بعد قيامته وحل عليهم الروح القدس فيها (مر14: 15، أع 1 : 13).

والدموع تدل على شدة حزنها. وقد تكررت الدموع فى هذا السفر كثيرًا، مما يبين رقة المشاعر وقوة العواطف عند الشخصيات التى ظهرت فى هذا السفر، سواء عند الحزن، أو الفرح. وهذه هى المواقف التى ذكرت فيها الدموع فى هذا السفر :-

1. بكاء طوبيا فى العيد عندما قام ليدفن أحد الموتى اليهود (ص2: 7).
2. دموع طوبيا فى صلاته؛ بعدما فقد بصره (ص3: 1).
3. بكاء سارة، بعد تعيير جاريتها لها (ص3: 10).
4. بكاء أم طوبيا عليه، بعد مفارقته لها وسفره لاسترداد قيمة الصك (ص5: 18).
5. بكاء رعوئيل وزوجته حنة وابنتهما سارة، عندما تقابلوا وتعرفوا على طوبيا الابن (ص7: 6-8).
6. بكاء حنة أم سارة عند زواج ابنتها خوفًا من موت طوبيا (ص7: 16).
7. بكاء غابيلوس عند مقابلة طوبيا فى بيت رعوئيل فرحًا بلقائه (ص9: 6).
8. بكاء حنة أم طوبيا؛ لتأخر طوبيا على الرجوع من سفره (ص10: 3، 7).
9. بكاء طوبيا وحنة امرأته عند رجوع ابنهما طوبيا (ص11: 9، 13).

ع12: وقد كانت صلاة بدون تذمر، إذ كانت سارة تبارك الله فيها.

 إن الله هو ملجأ لأولاده المؤمنين به، فعندما عيرت حنة طوبيا زوجها، أسرع للصلاة ولم يتشاجر مع امرأته ولم يلتجئ للبشر العاجزين عن معونته. وهكذا سارة أيضًا، أسرعت تختلى بالله فى صوم وصلاة، أمام تعييرات واتهامات جاريتها. فالله هو أبونا السماوى وبابه مفتوح لنا دائمًا بالحب والحنان؛ ليسمع صلواتنا ويعيننا فى ضيقاتنا، بل ويرفعها عنا ويعطينا عزاء وسلام أثناء الضيقة وفى كل أيام حياتنا. ليتنا نسرع نحو الله مثل هذين القديسين طوبيا وسارة، فنجد راحتنا فى الكنيسة وأسرارها، أى فى الاعتراف والتناول وكل وسائط النعمة، خاصة الصلاة والكتاب المقدس.

(3)  صلاة سارة (ع13-23):

13 قالت تبارك اسمك يا إله أبائنا الذى بعد غضبه يصنع الرحمة وفى زمان البؤس يغفر الخطايا للذين يدعونه. 14 إليك يا رب أقبل بوجهى وإليك أصرف ناظرى. 15 أتوسل إليك يا رب أن تحلنى من وثاق هذا العار أو تأخذنى عن الأرض. 16 إنك يا رب عالم بأنى لم أشته رجلاً قط وأنى قد صنت نفسى منـزهة عن كل شهوة. 17 ولم أكن قط أمازج أرباب الملاهى ولا أعاشر السالكين بالطيش. 18 وإنما رضيت بأن أتخذ رجلاً لخوفك لا لشهوتى. 19 ولعلى لم أكن مستأهله لهم أو لم يكونوا مستحقين لى فلعلك أبقيتنى لبعل آخر. 20 لأن مشورتك لا يدركها إنسان. 21 على أن من يعبدك يوقن أن حياته إن أنقضت بالمحن فستفوز بإكليلها وإن حلت به شدة فسينقذ وإن عرض على التأديب فله أن يرجع إلى رحمتك. 22 لأنك لا تسر بهلاكنا فتلقى السكينة بعد العاصفة وبعد البكاء والنحيب تفيض التهلل. 23 فليكن اسمك يا إله إسرائيل مباركًا مدى الدهور.

ختمت سارة صلوات الثلاثة أيام بهذه الصلاة، التى تظهر إيمانها ومشاعر قلبها. وفى الجزء الأول من هذه الصلاة تعلن فيه :

ع13: 1- اتضاعها واعترافها بخطيتها، وأيضًا رجاؤها فى الله الرحوم، الذى وإن سمح ببعض الضيق، لكنه يعود فيرحم ويرفع التجربة.

ع14: 2- التجاؤها بكل قلبها ورفع عينيها لله، وليس لأحد آخر فى العالم.

ع15: 3- طلبها من الله أن يرفع عنها العار، الذى يتعبها نفسيًا ويذلها، أو ينهى حياتها على الأرض حسب مشيئته. وهذا يبين مدى الضيق الذى تعانيه.

ع16: ثم تعلن هنا سارة التقية، تمسكها بحياة العفة، كفتاة قبل الزواج.

ع17: وكذلك اعتزالها عن الشباب الطائش والمحب للملاهى العالمية الفاسدة.

ع18: وأيضًا عندما قبلت الزواج لم يكن هدفها هو الشهوة الجسدية، بل تكوين أسرة فى مخافة الله. ومن أجل نقاوة قلبها لم يستطع الشيطان أزموداوس أن يمسها بأذى مع قتله لأزواجها، فهذا يؤكد اقبالهم على الزواج بغرض الشهوة الجسدية فقط.

ع19: وفى اتضاع وتسليم لمشيئة الله، تقبل فشل زيجاتها السبعة السابقة، حيث تؤمن أنهم غير مناسبين لها وباتضاع تقول أنها غير مستأهلة لهم. وفى رجاء تنتظر الرجل الذى يعده الله زوجًا مناسباً لها.

ع20: وأخيرًا تعلن سارة إيمانها بسمو حكمة الله.

ع21، 22: وإن كان الله يسمح بالتأديب، فكل أولاده يثقون أنه يعود فينقذهم ويرحمهم. فالله يريد ويفرح بخلاص أولاده وليس هلاكهم ويسر بفرحهم وتهليلهم، فيسمح بالضيقة؛ لكيما يعطيهم الفرح بعدها.

ع23: وهو يستحق البركة والإكرام إلى الأبد. وهكذا تنهى سارة صلاتها بتمجيد الله والخضوع له.

 إن سارة مثال للشباب المتزن، الذى يهتم بحياة الطهارة فى كل سلوكه وكلامه، حتى لو ضحى ببعض الأصدقاء الغير أنقياء، مهما كانت معزتهم ولو ضحى أيضًا ببعض وسائل الترفيه والمجالس، التى تفقد الإنسان طهارته. هل تدققون يا إخوتى الشباب، بل وكل إنسان فى حياته للحفاظ على الطهارة والتمتع بعشرة الله ومحبته ؟

وهل يقتدى الشباب المقبل على الزواج، بفكر سارة وسلوكها ؟ ويكون أساس الاختيار ليس مبنيًا على الجمال الخارجى والشهوات والماديات، إنما هو اختيار للشخص الذى يعمل على تكوين أسرة مسيحية، وينمى العلاقة مع الله، فنتمتع بمشاعر حب نقى فى ألفة ومودة فى اتحاد بالمسيح يسوع.

(4)  استجابة صلوات طوبيا وسارة (ع24-25):

24 فى ذلك الحين استجيبت صلوات الإثنين أمام مجد الله العلى. 25 فأرسل الرب ملاكه القديس رافائيل ليشفى كلا الإثنين اللذين رفعت صلواتهما فى وقت واحد إلى حضرة الرب.

ع24: وهنا تظهر الصلوات الحارة النابعة من القلب، التى ترفعها الملائكة فى الحال، أمام عرش الله العظيم فى السماء وكيف يستجيب الله باهتمام لهذه الصلوات، إذ أرسل رئيس الملائكة العظيم رافائيل؛ ليحل ضيقة كل منهما ويشفيه من أتعابه.

ع25: رافائيل : أحد الثلاثة رؤساء الملائكة العظام، ميخائيل وجبرائيل ومعنى اسمه رأفة الله.

وهذا يبين ليس فقط محبة الله وحنانه من نحونا، بل وأيضًا محبة الملائكة وخدمتهم لنا.

وتعيد الكنيسة للملاك رافائيل فى اليوم الثالث من الشهر الصغير (النسئ). ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم أنه فى هذا اليوم ظهر الملاك رافائيل لتلاميذ المسيح. وهناك عيد آخر للملاك رافائيل، تذكارًا لبناء أول كنيسة على اسمه، بناها الملك أركاديوس على شاطئ نهر البوسفور وهذا العيد يوافق يوم 13 كيهك.