طوبيا وسارة يبدآن حياتهما الزوجية
(1) صلاة طوبيا وسارة وقهر الشيطان (ع1-10):
1 ولما فرغوا من العشاء أدخلوا عليها الفتى. 2 فذكر طوبيا كلام الملاك فأخرج من كيسه فلذة من الكبد وألقاها على الجمر المشتعل. 3 حينئذ قبض الملاك رافائيل على الشيطان وأوثقه فى برية مصر العليا. 4ووعظ طوبيا البكر وقال لها يا سارة قومى نصلى إلى الله اليوم وغدًا وبعد غد فإنا فى هذه الليالى الثلاث نتحد بالله وبعد انقضاء الليلة الثالثة نكون فى زواجنا. 5 لأنا بنو القديسين فلا ينبغى لنا أن نقترن اقتران الأمم الذين لا يعرفون الله. 6 فقاما معا وصليا كلاهما بحرارة حتى يعافيهما. 7 وقال طوبيا أيها الرب إله آبائنا لتباركك السموات والأرض والبحر والينابيع والأنهار وجميع خلائقك التى فيها. 8 أنت جبلت آدم من تراب الأرض وأتيته حواء عونًا. 9 والآن يا رب أنت تعلم أنى لا لسبب الشهوة أتخذ أختى زوجة وإنما رغبة فى النسل الذى يبارك فيه اسمك إلى دهر الدهور. 10 وقالت سارة أيضًا ارحمنا يا رب ارحمنا حتى نشيخ كلانا معا فى عافية.
ع1: بعد وليمة الزواج – أى العشاء – دخل طوبيا الزوج إلى المخدع مع زوجته.
وهذا العشاء يرمز إلى العشاء الربانى، الذى عمله المسيح يوم خميس العهد، الذى قدم فيه جسده ودمه قوتًا لتلاميذه وكنيسته.
ع2: فلذة : قطعة.
وفور دخولـه، تذكر كلام الملاك، فأعد جمرًا وألقى عليه بجزء من كبد السمكة وكذا قلبها وإن لم يذكر فى هذه الآية ولكن يفهم مما سبق (طو6: 8).
وهنا نرى أن طوبيا يستخدم شيئًا ماديًا لإتمام عمل روحى، فبحرق الكبد والقلب قيد الملاك رافائيل الشيطان، كما يظهر فى (ع3). وهذا ما تفعله الكنيسة فى أسرارها، فتأخذ شكلاً ماديًا لعمل الروح القدس الروحى السرى، فتجديد طبيعة الإنسان فى سر المعمودية يكون تحت شكل الماء وفى سر الأفخارستيا ننال جسد المسيح ودمه تحت شكل الخبز والخمر؛ لأننا بشر من روح وجسد ونحتاج إلى شئ محسوس يلمسه الجسد، فيما تؤمن الروح بعمل الله.
من أجل ما فعله طوبيا، بإشعال الجمر عند دخوله إلى مخدعه لأول مرة مع زوجته، اهتمت الكنيسة بطقس تبريك المنازل ورفع البخور؛ لتقديس مسكن العروسين، قبل زواجهما وفى كل وقت آخر؛ لطرد أعمال الشياطين وحلول بركة الله.
ع3: أوثقه : قيده.
حينئذ، لم يستطع الشيطان أزموداوس أن يقترب إليهما، بل وأكثر من هذا، هجم عليه رئيس الملائكة رافائيل وقبض عليه وألقاه فى برية مصر العليا، أى فى برية الصعيد الأعلى؛ لأن مصر قاومت أعمال الله فى شكل فرعون وكل شعبه وجنوده، أيام كان يسكن بينهم شعب الله، فضربهم الله بالضربات العشرة. ونرى أن الشياطين يحلو لها أن تسكن فى البرارى بعيداً عن البشر؛ إذ أن بعضهم لـه علاقة بالله فى صلوات وعبادة، والشيطان لا يحتمل الصلوات المرفوعة باتضاع وحب لله. بالإضافة إلى أن برية مصر العليا، أى الصعيد الأعلى هو منطقة الأقصر، التى كانت تسمى طيبة، حيث كان المصريون يعبدون الإله آمون وآلهة كثيرة وانتشرت الأصنام فى هذه المنطقة وهناك يستريح الشيطان؛ لأن المزمور يقول “كل آلهة الأمم شياطين” (مز96: 5).
ويفهم من هذا أن ما فعله طوبيا ليس من أعمال السحر، كما يعترض البعض على هذا السفر؛ لأن السحر من أعمال الشياطين، أما هنا فتقييد الشيطان هو من أعمال الله، فكما اتهموا المسيح بأن له علاقة ببعلزبول، رد عليهم بأن المملكة إذا انقسمت على نفسها تخرب. فلا يمكن أن يكون هذا عمل سحر شيطانى، بل عمل الله الذى هو أقوى من الشياطين وقادر على تقييده (مت12: 24-30). وهكذا تظهر بركات الطاعة التى سلك فيها طوبيا؛ فأنقذه الله من الموت. وهكذا نحن أيضًا، بطاعتنا لوصايا الله، ينقذنا من الموت الأبدى.
طوبيا الابن هنا يرمز للمسيح ولقاؤه فى المخدع مع سارة وتقييد الشيطان وإلقاؤه بعيدًا فى برية مصر يرمز لما حدث يوم صلب المسيح، فبموته قيد الشيطان ومات عن كنيسته، متحدًا بها، ليقيمها فيه من الموت بالقيامة فى اليوم الثالث، فهذا اليوم يمكننا أن نسميه يوم الجلجثة، أو يوم الجمعة العظيمة، أما اليوم الثالث فهو يوم القيامة.
وقبض رافائيل على الشيطان وإلقاؤه بعيدًا عن سارة وطوبيا يرمز لتقييد المسيح الشيطان بصليبه وإبعاده عن عروسه الكنيسة.
ليتك تقدس بيتك بالصلوات الكثيرة، فتحرسه الملائكة وتمنع عنه كل أفعال إبليس.
ع4، 5: وتقدم طوبيا، كرب لهذه الأسرة الجديدة وقائدًا لها وكلم زوجته، ليقفا للصلاة ويتمتعا بالاتحاد بالله، من خلال الصلاة لمدة ثلاثة أيام، كمثال الثالوث المقدس، أى كمال الوحدانية والاتصال بالله، وإذ يتحدا بالله، يقدرا أن يتحدا جسديًا فى علاقة زوجية. فهذا هو سلوك أولاد الله المقدسين فيه، حيث تكون علاقتهم بالله، هى أساس كل أعمالهم.
ع6: فقاما الزوجان وصليا صلاة حارة من القلب؛ لكى يحفظهما الله فى محبته، ويبعد عنهما كل أعمال إبليس، ويشفيهما من كل الأمراض الروحية، أى يغفر خطاياهم.
ع7: يذكر لنا هنا الوحى صلاة طوبيا وسارة، وهى تعتبر نموذجًا ممتازًا نهديه لكل عروسين فى بداية حياتهما ليقتديا به. فقد رفع طوبيا قلبه بالتسبيح لله قبل كل شئ، داعيًا الخليقة كلها لتمجد الله معه. فهكذا خلق الإنسان ليكون هو سيد الخليقة كلها والمسئول عن قيادتها فى تسبيح الله.
ع8: وتذكر طوبيا الزواج الأول فى العالم، فى الجنة، قبل السقوط – أى زواج آدم وحواء – متمنيًا أن يكون زواجه فى اتحاد بالله وعلاقة حب وصلاة مستمرة.
ع9: ثم يعلن طوبيا أن الشهوة لم تكن هدف زواجهما، بل إنجاب النسل، الذى يتبارك فيه الله، ويشترك هذا النسل فى تسبيح الله. وقد كان إنجاب النسل فى العهد القديم أمرًا هامًا، أكثر بكثير منه فى العهد الجديد، إذ كان الكل يتمنى أن يأتى المسيح من نسله، لذا فلقد كان العقم دليلاً على الضعف وعدم البركة. أما فى العهد الجديد، فالزواج كامل فى بركته، حتى بلا إنجاب؛ فالبنوة الروحية أكثر أهمية وكذا خدمة الله بالإضافة إلى التسبيح.
ع10: أما سارة فصلت باتضاع، طالبة رحمة الله، لكى ما يغفر خطاياهما ويسندهما طوال حياتهما، حتى الشيخوخة؛ إذ كان العمر المديد دلالة على البركة فى العهد القديم.
(2) صلاة رعوئيل وحنة بعد نجاة طوبيا (ع11-19):
11 وكان نحو وقت صياح الديك أن رعوئيل أمر أن يجمع إليه غلمانه فانطلقوا معه واحتفروا قبرًا. 12 لأنه قال أخشى أن يصيبه ما أصاب غيره من الرجال السبعة الذين دخلوا عليها. 13 فلما أعدوا القبر رجع رعوئيل إلى زوجته وقال لها. 14 ابعثى واحدة من جواريك لترى هل مات حتى أواريه قبل ضوء النهار. 15 فأنفذت إحدى جواريها فدخلت المخدع فإذ هما سالمان معافيان وهما نائمان معا. 16 فعادت وأخبرت بهذه البشرى فبارك رعوئيل وحنة زوجته الرب. 17 قائلين نباركك أيها الرب إله إسرائيل من أجل أنه لم يصبنا ما كنا نتوقعه. 18 فإنك قد أتيتنا رحمتك وحبست عنا العدو الذى يضطهدنا. 19 ورحمت الوحيدين فاجعلهما يا رب يباركانك أتم بركة ويقدمان لك قربان تسبيحك وعافيتهما حتى تعلم الأمم كافة أنك أنت الإله الواحد فى الأرض كلها.
ع11: وطوال ليلة الزواج سهر كلاً من رعوئيل وحنة زوجته، فى قلق على طوبيا؛ لئلا يموت مثل الأزواج السابقين. وعند صياح الديك، أى وقت السحر، قبل طلوع الفجر، جمع رعوئيل بعض عبيده والعاملين عنده وحفروا قبرًا بجوار المنزل؛ ليدفن فيه طوبيا.
ع12: وكان رعوئيل يخشى أن يصيب طوبيا ما أصاب الأزواج السابقين، فقد كان يعتقد أن موت طوبيا أمرًا محتومًا، ولا يستطيع أن يرده.
ع13، 14: لذا فقد أمر رعوئيل بإعداد قبر لطوبيا، ثم طلب من حنة زوجته أن ترسل جارية؛ لتنظر الزوجين فى المخدع، فقد كان عنده رجاءٌ خفىٌ، أن الله قادر أن ينقذ طوبيا.
ع15، 16: عادت الجارية تخبرهما أنها رأتهما سالمين، حيين، نائمين فى هدوء، ففرح الوالدان وشكرا وباركا الرب.
ورعوئيل وحنة يرمزان للنسوة اللاتى رأين الرب يسوع فى القبر، وتحققن من موته، ثم فى فجر الأحد والظلام باق، ذهبن إلى القبر، فقابلهن الملاك، الذى تشير إليه الجارية، وأخبرهن ببشرى القيامة. وطوبيا يرمز – كما ذكرنا – للمسيح، وسارة لكنيسته، التى هى جسده، التى دخل بها إلى الموت وخرج حيًا بقيامته.
ع17، 18: وقدم الوالدان صلاة شكر لله ونادياه بإله إسرائيل، أى الإله المهتم بشعبه وأولاده، لأن رحمته واسعة ويصد عنا أعمال الشياطين، فهو ضابط الكل ويستطيع أن ينقذنا من كل الأخطار.
ع19: وطلبا من أجل الزوجين، أن يعيشا مع الله فى حياة الشكر، ويقدما أمامه ذبائح التسبيح – أى عبادتهما العقلية – فى صلوات وعبادة مقدسة، وليتمجد الله فيهما ويكونا آية لكل الشعوب، فإنه ليس إله آخر فى الأرض، إلا إله إسرائيل.
(3) وليمة الفرح وعطايا رعوئيل لطوبيا (ع20-24):
20 وللحال أمر رعوئيل غلمانه أن يردموا القبر الذى حفروه قبل ضوء الصباح. 21 ثم أوعز إلى زوجته أن تعد وليمة وتصلح ما ينبغى للمسافرين من الزاد. 22 وأمر بذبح بقرتين سمينتين وأربعة أكبش وأن تهيأ وليمة لجميع جيرانه وأصدقائه. 23 واستحلف رعوئيل طوبيا أن يقيم عنده أسبوعين.
24 وأعطى رعوئيل لطوبيا نصف ماله كله وكتب لطوبيا صكًا بالنصف الباقى أن يستولى عليه بعد موتهما.
ع20: بعد إعلان بشرى الحياة الجديدة، التى أنعم بها الله على الزوجين، كان ينبغى التخلص من كل آثار الموت، فردم رعوئيل القبر قبل الفجر، الذى يشير للقيامة، فقد انتهى الموت مع ظلمة الليل. وردم القبر أيضًا، يرمز لنهاية سلطان الجحيم على أبناء الله، الذين أقامهم معه، كما كان القبر الفارغ دليلاً على قيامة المسيح فى اليوم الثالث.
ع21، 22: ثم طلب من زوجته حنة، أن تعد وليمة عظيمة، ذكر تفاصيلها تعلن مدى فرحته، وأيضًا غناه وكانت لكل الأحباء؛ ليفرحوا بعمل الله. وطلب منها أيضًا أن تعد احتياجات السفر للزوجين ومن معهم.
ففى الوليمة أمر بعمل بقرتين، والبقرة تشير للخير والعطاء والأمومة، إذ تعطى اللبن بوفرة لأبنائها. أما الكبش، أى ذكر الخراف، فيشير للطاعة. والعدد بقرتين يشير إلى أن فداء الله وبركاته هى لكل من اليهود والأمم، ولتأكيد المعنى. أما أربعة كباش، فهى تشير إلى أرجاء المسكونة الأربعة، أى العالم كله. والمعنى الرمزى فى هذه الوليمة، هو أن بركات الله وخيره الفائض، يفيض بها بوفرة على أولاده المطيعين، الخاضعين له فى كل العالم.
ع23: وقد ترجى وألح على طوبيا أن يظل معهما أسبوعين؛ ليفرحوا معًا بعمل الله العجيب، ويعيشوا فى أفراح الزواج، التى تمثل أفراح القيامة وظهورات السيد المسيح.
وقد طلب رعوئيل من طوبيا أن يظل عنده أسبوعين، والسبعة أيام (أسبوع)، تشير إلى تمام عمل الروح القدس، وأسبوعان لتأكيد المعنى، أى تمام الفرح بعمل الروح القدس فى الزيجة المقدسة.
ولم يستخف طوبيا بحلف رعوئيل؛ حتى لا يغضب الله، الذى يكره الرجوع فى القسم واحترامًا لرغبة رعوئيل حميه.
ع24: ثم وهب رعوئيل لطوبيا وسارة ابنته نصف أمواله ووعدهما بالنصف الثانى بعد موته، بل كتب صكا بهذا. وهذا يظهر مدى محبته للزوجين ومحبته للعطاء وعدم تعلقه بالمال. وهكذا تظهر بركات الله، ليس فى حفظنا من الأخطار فقط، بل يهبنا بركات روحية ومادية لا نتخيلها.