وصول طوبيا لأبويه وشفاء طوبيا الأب من العمى
(1) عودة طوبيا مع الملاك لأبويه (ع1-12):
1 وفيما هم راجعون وقد بلغوا إلى حاران التى فى وسط الطريق جهة نينوى فى اليوم الحادى عشر. 2 قال الملاك يا أخى طوبيا إنك تعلم كيف فارقت أباك. 3 فلنتقدم نحن أن أحببت والعيال وزوجتك يلحقوننا على مهل مع المواشى. 4 وإذ توافقا على المضى قال رافائيل لطوبيا خذ معك من مرارة الحوت فإن لنا بها حاجة فأخذ طوبيا من المرارة وانطلقا. 5 وأما حنة فكانت كل يوم تجلس عند الطريق على رأس الجبل حيث كانت تستطيع أن تنظر على بعد. 6 فلما كانت تتشوف ذات يوم من ذلك الموضع نظرت على بعد وللوقت عرفت أنه ابنها قادمًا فبادرت وأخبرت بعلها قائلة هوذا ابنك آت. 7 وقال رافائيل لطوبيا إذا دخلت بيتك فاسجد فى الحال للرب إلهك واشكر له ثم أدن من أبيك وقبله. 8 واطلِ لساعتك عينيه بمرارة الحوت هذه التى معك واعلم أنه للحين تنفتح عيناه ويرى أبوك ضوء السماء ويفرح برؤيتك. 9 حينئذ سبق الكلب الذى كان معه فى الطريق وكان كأنه بشير يبدى مسرته ببصبصة ذنبه. 10 فقام أبوه وهو أعمى وجعل يجرى وهو يتعثر برجليه فناول يده لغلام وخرج لملاقاة ابنه. 11 واستقبله وقبله هو وامرأته وطفقا كلاهما يبكيان من الفرح. 12 ثم سجدوا لله وشكروا له وجلسوا.
ع1: حاران : مدينة ما بين نهرى دجلة والفرات، تقع شمال شرق دمشق على بعد مئتين وثمانين ميلاً وهى مدينة تجارية ومعنى اسمها الطريق، إذ تقع على طريق تجارى. وقد تغرب فيها تارح وابنه إبراهيم، قبل أن يذهب إبراهيم إلى كنعان وأقام فيها أيضًا يعقوب عشرين عامًا، تزوج فيها وأنجب أبناءه.
بلغ طوبيا والملاك إلى حاران، التى تقع فى وسط الطريق إلى نينوى فى اليوم الحادى عشر (أنظر خريطة 2 صـ265).
ويلاحظ على الخريطة أن حاران تقع شمال غرب نينوى ولكنها كانت محطة على الطريق الآتى من راجيس، ثم بعدها ينحدر المسافر إلى الجنوب الشرقى إلى نينوى.
ويرمز طوبيا هنا إلى أصحاب الساعة الحادية عشر، الذين وصلوا إلى الأب طوبيا، أى نالوا الخلاص وهم اليهود، الذين عاصروا المسيح وآمنوا وقد سبقهم الكثيرون الذين ماتوا على رجاء القيامة، ويرمز أيضًا للأمم البعيدة عن الإيمان والتى آمنت بالمسيح.
ع2، 3: كان طوبيا يريد أن يسرع لرؤية والديه ليطمئنهما، ولشعور الملاك بقلق الوالدين؛ فقد اقترح على طوبيا، أن يقسم القافلة إلى قسمين، يسرعا هما أولاً – وغالبًا كانا يركبان فرسًا، أو إثنين – ثم تلحق بهما باقى القافلة، التى تشمل سارة والعبيد والجوارى (العيال) – وأحيانًا كان يسميهم الغلمان – ومعهم الماشية.
ع4: وقد وافق طوبيا وحينئذ نبهه الملاك، أن يأخذ معه جزءاً من مرارة السمكة، فسيحتاج إليها.
وإسراع طوبيا للوصول إلى أبيه يرمز إلى صعود المسيح نائبًا عن البشرية كلها؛ ليعد لعروسه وكنيسته (سارة) مكانًا، ويفرح قلب الله الآب (طوبيا الأب). ونجاة طوبيا من الموت وخلاص سارة يرمز لقيامة المسيح من بين الأموات مقدمًا الفداء لكنيسته.
ع5: ولاشتياق حنة لرؤية إبنها، الذى تأخر فى الوصول، كانت تخرج كل يوم وتجلس على قمة جبل، خارج نينوى ويطل على الطرق المؤدية إلى المدينة، فمن هناك كانت تستطيع أن تنظر لمسافة بعيدة. وكانت لا تكل من الانتظار؛ لمحبتها لابنها. وهكذا النفوس المحبة لله تنتظر مجيئه وكما يقول بولس الرسول “لى أشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح” (فى1: 23).
ع6: وفى أحد الأيام، بينما هى تنظر الطريق، رأت من بعيد شخصًا مقبلاً، يشبه ابنها فى حركته وبإحساس الأم، تيقنت أنه ابنها، فأسرعت تبشر زوجها طوبيا.
ع7: أدن : اقترب.
وأرشد الملاك طوبيا – وهما يقتربان من المنزل – عما يفعله عند دخوله. وقال له أن يقدم السجود والشكر لله، ثم يقبل والده. فالله هو الأول فى حياتنا وفى ضيقاتنا وفى مسرتنا وينبغى أن يقدم له الخشوع مع الشكر، فهذه هى مشاعر الصلاة، وبعد ذلك، إذ نمتلئ بنعمة الله ومحبته، نستطيع أن نعبر عن محبتنا لأحبائنا.
ع8: أطل : من طلاء، أى أدهن.
ثم أرشده أن يضع من مرارة السمكة على عينى طوبيا الأب؛ فتنفتح عيناه ويرى كل شئ ويفرح برؤية الله.
ويرمز طوبيا الابن إلى المسيح والمرارة إلى الآلام التى احتملها على الصليب؛ لأجل خلاص البشرية، أما طوبيا الأب فيرمز للبشرية، التى نالت الاستنارة الروحية فى سر المعمودية من خلال آلام المسيح وفدائه التى ترمز إليها المرارة.
ع9: بصبصة ذنبه : تحريك ذيله.
وأثناء الكلام اقتربا جدًا من البيت، فأسرع الكلب الذى رافقهما فى الرحلة وكان يحرك ذيله؛ معلنًا فرحته بالرجوع إلى بيته، فكان كمبشر لطوبيا وزوجته بوصول القافلة إلى البيت.
ع10: وإذ وصل الكلب إلى البيت، ورأته الأم ففرحت وأسرعت للقاء ابنها وقام الأب طوبيا الأعمى يجرى هو أيضًا، متناسيًا عدم قدرته على الرؤية، فكان يصطدم فى طريقه بأشياء كثيرة، فتقدم أحد الشباب الذين حوله ليمسك بيده ويساعده لاستقبال ابنه. ويرمز الغلام الذى أمسك بيد طوبيا إلى يوحنا المعمدان، الذى مهد طريق المسيح ببشارته وساعد البشرية، التى كانت تعيش فى ظلمة الخطية والتى يرمز إليها طوبيا الأب حتى تقبل بشارة المسيح، الذى يرمز إليه طوبيا الابن.
ع11: طفقا : ظلا واستمرا.
وكان اللقاء حارًا بين طوبيا ووالديه، ومن فرط فرحهما كانا يبكيان.
ونلاحظ هنا أن طوبيا سبق امرأته على بيت أبيه، كما صعد المسيح إلى السماء، ليعد لكنيسته مكانًا، فتكون حيث يكون هو (يو14: 2)
ع12: ثم تقدم الكل للصلاة وسجدوا شكرًا لله وبعدئذ جلسوا يتحدثون وعبر كل منهم عن مشاعره وهكذا قدموا الله قبل حديثهم الشخصى، كما ذكرنا.
(2) البصـر يعود لطوبيا الأب (ع13-17):
13 فأخذ طوبيا من مرارة الحوت وطلى عينى أبيه. 14 ومكث مقدار نصف ساعة فبدأ يخرج من عينيه غشاوة كغرقئ البيض. 15 فأمسكها طوبيا وسحبها من عينيه وللوقت عاد إلى طوبيا بصره. 16 فمجد الله هو وامرأته وكل من كان يعرفه. 17 وقال طوبيا أباركك أيها الرب إله إسرائيل لأنك أدبتنى وشفيتنى وهأنذا أرى طوبيا ولدى.
ع13: وأخبر طوبيا أباه أن معه دواء لعلاج العينين، قد أحضره معه من الرحلة واستسمحه أن يستخدم هذا الدواء معه، ثم قام وطلى عينى أبيه بمرارة الحوت (السمكة).
واستخدام مادة مرارة الحوت؛ لشفاء مرض طوبيا الأب كان أمرًا مقبولاً فى هذا الوقت، إذ أن الطب عند قدماء المصريين كان معروفًا ويستخدم فيه الكبد والمرارة والأسماك لدهن المرضى، فيبرأوا من أمراضهم.
كان طوبيا مؤمنًا بكلام الملاك أن أبيه سيشفى، لكنه أطاع وطلى عينيه بمرارة الحوت وهذا ما يحدث فى سر مسحة المرضى، عندما يدهن الكاهن المريض بالزيت وبالإيمان يشفى من أمراضه؛ لأن الروح يؤمن والجسد أيضًا يشارك عند لمسه بمادة محسوسة.
ونلاحظ أن الملاك حدد المادة المناسبة لشفاء المرض وهى المرارة وحدد أيضاً من يطلى عينى الأب بالمادة وهو طوبيا الابن وهذا يرمز إلى تحديد زيت مسحة المرضى؛ لشفاء المرضى، بيد كاهن العهد الجديد.
ع14، 15: غرقئ البيض : الغشاء الرقيق المحيط ببياض البيضة المسلوقة تحت القشرة الجافة.
ثم استمرت جلستهم فى أحاديث المحبة، فيحكى طوبيا عن رحلته وما حدث بها، والوالدان يحكيان عن أحوالهما. وبعد مرور حوالى نصف ساعة، بدأ يظهر على عينى الأب طوبيا غشاء رقيق، فأمسك طوبيا الابن بطرف هذا الغشاء وسحبه من عينى أبيه؛ فانفتحت عيناه فى الحال وأبصر كما كان.
ورغم أن الشفاء كله كان من الله بعمل نعمته، لكننا نلاحظ أن طوبيا قد استخدم مادة، هى مرارة الحوت وقد تكوّن غشاء وسحبه من عينى والده، فهذه الأشياء المادية، لم تكن سوى لتأكيد أهمية الجهاد الروحى؛ لنوال عمل النعمة الإلهية. كما كان المسيح ربنا يضع طينًا على عينى المولود أعمى ويطلب منه أن يغتسل، وكما طلب من المحيطين به، أن يرفعوا الحجر عن باب قبر لعازر (يو11: 39)، وكذلك شاول الطرسوسى عندما اعتمد على يد حنانيا الكاهن فى دمشق فسقطت من عينيه قشور وانفتحت عيناه (أع9: 18)
إذًا فانتظار نصف ساعة كان لاختبار إيمان طوبيا الابن والأب، فالله يؤجل عمله أحيانًا ولو فترة صغيرة؛ لاختبار إيماننا، كما يتم فى الأسرار المقدسة مثل سر مسحة المرضى، فتُصلى صلاة لمدة ساعة ويرشم المريض بالزيت، فبالإضافة إلى أهمية الصلاة فهى فرصة لإختبار الإيمان بقوة الله القادر على الشفاء.
ينبغى أن نتمم جهادنا؛ لننال النعمة الإلهية من الله القادر على كل شئ، وبالتالى لا تنزعج قلوبنا، مهما كانت الضيقة صعبة، أو يبدو حلها مستحيلاً “فغير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله” (لو18: 27).
ع16: وكان فرح عظيم بشفاء طوبيا المعجزى، شاركه فيه كل من حوله ومن يعرفه. وفى الحال تحولت مشاعر الفرح إلى تمجيد وشكر لله، وهذا هو سلوك أولاد الله الذى يدفعهم للتسبيح كل يوم فى الكنيسة، شكرًا لله على خلاصه، الذى أتمه على الصليب ويقدمه لهم فى الكنيسة وأسرارها.
ع17: والجميل أنه لم يوجد أدنى تذمر عند طوبيا الأب، بل كان متقبلاً للتجربة؛ كتأديب من الله، واثقًا فى رحمته وشفائه الذى أنعم به عليه. فالرضى والشكر يفتحان الباب لعمل نعمة الله مع الإنسان.
(3) وصول سارة والقافلة بسلام (ع18-21):
18 وأما سارة كنته فوصلت بعد سبعة أيام هى وجميع العيال بسلام والغنم والإبل ومال كثير مما للمرأة مع المال الذى استوفاه من غابيلوس. 19 وأخبر أبويه بجميع إحسانات الله التى أنعم بها عليه على يد ذلك الرجل الذى ذهب معه. 20 ووفد على طوبيا أحيور ونباط وهما ذوا قرابة له فرحين وهنآه بجميع ما من الله به عليه من الخير. 21 وعملوا وليمة سبعة أيام وفرحوا كلهم فرحًا عظيمًا.
ع18، 19: واستمر طوبيا الابن يحكى لوالديه كل تفاصيل الرحلة وكل نعم الله، التى أنعم بها عليه بواسطة عزريا، رفيقه ومرشده. والوالدان يسمعان بفرح واشتياق ويشكران الله على بركاته.
وعزريا أى الملاك رافائيل يرمز – كما ذكرنا – للروح القدس وبواسطته نال طوبيا إحسانات الله الكثيرة، فالروح القدس هو الذى يهبنا بركات الخلاص، التى أتمها المسيح على الصليب.
وبعد انقضاء سبعة أيام، مرت سريعًا كأنها لحظات، من فرط الفرح بلقاء طوبيا لوالديه. وصلت سارة مع العبيد والجوارى وكل الماشية وكل الأموال، سواء التى أخذتها من والديها، أو التى حصلوا عليها من غابيلوس. وهى تمثل بركات الله لأولاده المطيعين لوصاياه. وعدد سبعة يرمز لكمال انتظار بركة الله، وتشير أيضًا إلى زمان استكمال الكنيسة (سارة) لجهادها على الأرض، حتى تصل إلى السماء.
فإن كان طوبيا الإبن يرمز للمسيح الذى وصل إلى بيت أبيه، أى صعد إلى السموات، فسارة التى ترمز للكنيسة قد وصلت بعده إلى السماء، حيث أعد لها مكانًا؛ لتكون معه إلى الأبد ومعها كل ما اقتنته فى العالم من فضائل (التى ترمز إليها مقتنياتها المادية من عبيد وأموال وماشية) وقد اقتنت كل هذا بسبب اقترانها بطوبيا، أى المسيح الذى خلصها من أسر الشيطان (ازموداوس).
ع20: أحيور : اسم عبرى معناه آخر.
نباط : إسم عبرى معناه الله يرى.
وأقبل أقرباء طوبيا الأب، عندما سمعوا بخبر شفائه ورجوع ابنه متزوجًا ومعه أموال كثيرة لتهنئته. وكان أشهر إسمين من أقربائه ذكرهما الكتاب المقدس، هما أحيور (أخر) ونباط (الله يرى) وهما يرمزان إلى أنه إن طالت الضيقة، فالله ضابط الكل يرى كل شئ وأخيرًا يفيض بمراحمه ويفرح قلب أولاده.
ع21: وقد عبر الجميع عن فرحهم بوليمة استمرت سبعة أيام. والوليمة ترمز إلى وليمة العهد الجديد، أى جسد الرب ودمه، مصدر فرحنا الكامل. أما عدد سبعة، فيرمز لكمال الفرح. وإذا كان طوبيا الأب يرمز إلى الآب، فاقربائه يشيرون إلى الملائكة، التى تفرح بوصول الكنيسة إلى السماء، بعد نهاية هذا العالم ويحيون فى الوليمة السمائية إلى الأبد.
وإن كانت الكنيسة، التى ترمز إليها سارة، فرحت فى بيت أبيها رعوئيل بوليمة، فهى ترمز للفرح بالمسيح على الأرض ولكن فى السماء أيضًا فرح آخر لا يعبر عنه، ترمز إليه الوليمة التى أقيمت عند طوبيا الأب، الذى يرمز إلى الآب.