مقابلة الملاك وسفره مع طوبيا الإبن
(1) لقاء طوبيا الإبن بملاك الله (ع1-9):
1 فأجاب طوبيا أباه وقال يا أبت كل ما أمرتنى به أفعله. 2 وأما هذا المال فما أدرى كيف أحصله فإن الرجل لا يعرفنى وأنا لا أعرفه فما العلامة التى أعطيها له بل الطريق التى تؤدى إلى هناك لا أعرفها أيضًا. 3 فأجابه أبوه وقال إن عندى صكه فإذا عرضته عليه فإنه يؤدى عاجلاً. 4 والآن هلم فالتمس لك رجلاً ثقة يصحبك بأجرته حتى تستوفى المال وأنا حى. 5 فبينما خرج طوبيا إذ بفتى بهى قد وقف مشمرًا كأنه متأهب للمسير. 6 فسلم عليه وهو يجهل أنه ملاك الله وقال من أين أقبلت يا فتى الخير. 7 قال أنا من بنى إسرائيل فقال له طوبيا هل تعرف الطريق الآخذة إلى بلاد الماديين. 8 قال أعرفها وقد سلكت جميع طرقها مرارًا كثيرة وكنت نازلاً بأخينا غابيلوس المقيم براجيس مدينة الماديين التى فى جبل أحمتا. 9 فقال له طوبيا أنتظرنى حتى أخبر أبى بهذا.
ع1: يتميز طوبيا الابن بفضيلة الطاعة السريعة الكاملة.
وكما يذكر لنا النص المطول أنه قد مر على كتابة هذا الصك عشرون عامًا وأن هذا الصك كُتب عندما كان طوبيا الابن طفلاً، أى أن طوبيا الابن الآن فى سن العشرينات.
وهو يرمز للمسيح الذى أطاع الآب بتجسده وفدائه حين قال “لأنى قد نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتى بل مشيئة الذى أرسلنى” (يو6: 38).
ع2: ولكن لصغر سنه وقلة خبرته فى المعاملات المالية، وجد أمامه مشكلتين طلب لهما حلاً من أبيه، وهذا يظهر اتضاعه واهتمامه بطلب المشورة. وأول مشكلة، هى كيف سيعطيه غابيلوس المال وهو لا يعرفه ؟ وثانى مشكلة، هى عدم معرفته بالطريق إلى مدينة راجيس.
طوبيا الابن يرمز لأولاد الله فى صلاتهم وطلبهم لمشورة الله وطوبيا الأب يرمز لله، الذى يرشد أولاده ويحل مشاكلهم.
ع3: فأرشده طوبيا الاب وأوضح له أن الصك ورقة مالية كافية لتعريف غابيلوس بشخصه وتضمنه عنده؛ فيعطيه المال.
ع4: أما بالنسبة للطريق إلى راجيس، فقد عرض على ابنه أن يبحث له عن رجل موثوق به، يعرف الطريق، يكون مرشدًا له ويصحبه إليها وينال أجرته. وقد كانت هذه هى الطريقة المتبعة للإرشاد فى السفر، فى زمن لم تكن الطرق فيه ممهدة، أو بها علامات للإرشاد، كما هو الحال الآن. وتمنى طوبيا الأب أن يتم هذا سريعًا؛ ليسافر الابن ويعود فى حياة الأدب؛ ليطمئن عليه، إذ كان يشعر بقرب موته.
ع5، 6: خرج طوبيا الابن؛ لينفذ كلام أبيه، فى البحث عن رجل يرشده، فى الطريق إلى راجيس، وحيث أن صلاة طوبيا الأب استجيبت، فلم يتعب الابن، إذ فور خروجه، وجد شابًا يبدو البهاء على وجهه ومستعدًا للمسير والسفر، فسلم عليه وسأل عن جنسه.
ع7: فأعلمه أنه من بنى إسرائيل، أى من شعب الله، فاطمأن طوبيا أنه من جنسه، فسأله هل يعرف الطريق إلى بلاد الماديين ؟
ع8: فعرفه أنه سلك كل الطرق إليها، بل أكثر من هذا، أعلمه أنه كان عند غابيلوس المقيم بمدينة راجيس مدينة الماديين، التى فى جبل أحمتا (أنظر خريطة 2 صـ265).
ع9: ففرح طوبيا جدًا، إذ وجد علامات كافية تجعله يثق فى هذا الفتى. فهو يهودى ويعرف كل طرق الماديين، بل ويعرف غابيلوس نفسه، الذى يريد طوبيا أن يذهب إليه ولم يعلم طوبيا أن هذا هو ملاك الله رافائيل. وقوله أنه من شعب الله، كان يعنى أنه من المقربين لله ويعرف كل طرق السفر ويعرف غابيلوس ويحل فى بيته وفى كل بيوت أولاد الله. ثم استأذن الشاب؛ ليبشر والده، بأنه قد وجد المرشد المطلوب للطريق.
الصلاة النابعة من قلب المؤمن بالله والذى اجتاز التجربة بصبر واحتمال، تصل سريعًا إلى السماء وتُستجاب فى الحال، بل وتفوق ما يطلبه الإنسان أو يفتكر به. فلم يرسل الله رجلاً يرشد طوبيا إلى مدينة راجيس، بل أرسل ملاكًا وليس ملاكًا فقط، بل رئيس الملائكة رافائيل؛ ليرشده ويصحبه ويفيض عليه ببركات كثيرة من الله. إن الصلاة باب مفتوح لنا كل يوم؛ لنتحدث مع الله ونشعر بوجوده أمامنا وجهًا لوجه ونختبر عمله ورعايته، فى تفاصيل حياتنا اليومية.
(2) لقاء طوبيا الأب مع الملاك (ع10-22):
10 ودخل طوبيا وأخبر أباه بجميع ذلك فتعجب أبوه وطلب أن يدخل عليه. 11 فدخل وسلم عليه وقال ليكن لك فرح دائم. 12 فأجاب طوبيا وأى فرح يكون لى أنا المقيم فى الظلام لا أبصر ضوء السماء. 13 فقال له الفتى كن طيب القلب فإنك عن قليل تنال البرء من لدن الله. 14 فقال له طوبيا هل لك أن تبلغ ابنى إلى غابيلوس فى راجيس مدينة الماديين وأنا أوفيك أجرتك متى رجعت. 15 فقال له الملاك آخذه وأعود به إليك. 16 فقال له طوبيا أخبرنى من أى عشيرة ومن أى سبط أنت. 17 فقال له رافائيل الملاك أفى نسب الأجير حاجتك أم فى الأجير الذى يذهب مع ابنك. 18 ولكن لكى لا أقلق بالك أنا عزريا بن حننيا العظيم. 19 فقال له طوبيا إنك من نسب كريم غير أنى أرجو أن لا يسوءك كونى طلبت معرفة نسبك. 20 فقال له الملاك هأنذا آخذ ابنك سالمًا وسأعود به إليك سالمًا. 21 قال طوبيا أنطلقا بسلام وليكن الله فى طريقكما وملاكه يرافقكما. 22 حينئذ أخذ كل ما أراد أخذه من أهبة الطريق وودع طوبيا أباه وأمه وسارا كلاهما معًا.
ع10: عندما علم طوبيا الأب بما حدث مع ابنه، فرح وتعجب؛ لسرعة استجابة الله لصلاته وإرساله المرشد لابنه، وطلب أن يدخل المرشد إليه.
ع11: وقد دخل الشاب وحياه وطلب له نعمة الله، التى يفيض بها على أولاده وتميزهم عن غيرهم، وهى الفرح الدائم.
وتبشير الملاك رافائيل لطوبيا بالفرح الدائم يرمز لتبشير الملاك للرعاة بالفرح العظيم (لو2: 10، 11).
ع12: ولضيقة طوبيا الأب قال : كيف يكون لى الفرح الدائم وأنا أعمى ؟!
ع13: البرء : الشفاء.
لدن : عند.
فطيب الملاك قلبه وأنبأه بقرب شفائه من مرضه، وهكذا أكد الرجاء فى قلب طوبيا الأب؛ بنهاية ضيقته ولكن ليس بالموت، إنما بالشفاء.
وهكذا قد يكون الحل الإلهى بعيدًا عن ذهننا ولكنه أفضل من الحل البشرى ويتمتع به كل من له رجاء وإيمان بالله.
ع14، 15: طلب طوبيا الأب من الشاب، أن يصحب ابنه إلى راجيس ويأخذ أجرته متى عاد، فوافق.
ع16: ولأجل أن يطمئن الأب، فقد سأل الشاب عن نسبه.
ع17، 18: عزريا : اسم عبرى معناه الله مساعد.
حنانيا : اسم عبرى معناه الله حنان.
فرد عليه بأنه لا حاجة لمعرفة نسب الأجير ولكن حتى يطمئن قلبه، فهو عزريا بن حنانيا العظيم. ويبدو أن عشيرة حنانيا كانت عشيرة معروفة عند اليهود؛ فاطمأن الأب.
لم يكذب الملاك رافائيل هنا بل أضفى شخصيته من أجل إتمام التدبير الإلهى وقد استخدم اسمان من باب الاستعارة للدلالة على المهمة المكلف بها فهو “المساعد” المرسل من الله “الحنان”.
ع19، 20: وقد اعتذر طوبيا لسؤاله هذا، فطمأنه الملاك أن ابنه سيعود سالمًا.
الله بحنانه يساعدنا وينقذنا من ضيقاتنا فقد أرسل رئيس ملائكته لمساعدة أحد أبنائه هكذا أنت أيضاً محاط بملائكة وقديسين فلا تخف ولا تضطرب بل أطلب مساعدتهم ومعونتهم دائماً.
ع21: أهبة الطريق : استعدادات السفر.
ودع طوبيا الأب ابنه والشاب عزريا بالسلام، وتمنى لهما أن يحفظهما الله فى الطريق ويرافقهما ملاكه.
ليس أفضل من معية الله فى برية هذا العالم، حتى نصل إلى هدفنا وهو الأبدية السعيدة.
ع22: وأخذ طوبيا الابن كل ما يحتاجه من استعدادات السفر، من أطعمة وملابس وكل الاحتياجات وهى ترمز للأسلحة الروحية، التى يحتاجها المجاهد الروحى فى طريق جهاده؛ ليصل إلى الملكوت، وودع طوبيا والديه وبدأ السفر مع رفيقه عزريا.
ونتوقع أن طوبيا الابن أخذ استعدادات بسيطة للسفر؛ لأنه كان فقيرًا وهو هنا يرمز للمسيح، الذى أخذ فقرنا وعوزنا وتجسد مولودًا فى المزود؛ ليتزوج بكنيسته على الصليب ويرفعها بقيامته ويغنيها ببركاته الجزيلة.
(3) مشاعر الأم بعد غياب ولدها وطمأنة طوبيا الأب لها (ع23-28):
23 فلما فصلا جعلت أمه تبكى وتقول قد أخذت عكازة شيخوختنا وابعدتها عنا. 24 لا كان هذا المال الذى أرسلته لأجله. 25 لقد كان فى رزقنا القليل ما يكفى لأن نعد النظر إلى ولدنا غنى عظيمًا. 26 فقال لها طوبيا لا تبكى إن ولدنا سيصل سالمًا ويعود إلينا سالمًا وعيناك تبصرانه. 27 فإنى واثق بأن ملاك الله الصالح يصحبه ويدبره فى جميع أحواله حتى يرجع إلينا بفرح. 28 فكفت أمه عن البكاء عند هذا الكلام وسكتت.
ع23: فصلا : أى انفصلا والمقصود رحلا، أو اختفيا عن أعينهما.
وبعد أن غاب طوبيا ورفيقه عن عينى الأم حنة، تحركت عواطفها، معبرة فى بكاء كثير، لإحساسها بفقدان ولدها وقلقها ألا تراه ثانية وحاجتها له هى وأبوه؛ لكبر سنهما، إذ كان سن طوبيا الأب كان قد اقترب من الستين.
ع24: وأعلنت الأم عدم أهمية المال، الذى سيحصل عليه ابنها من غابيلوس.
ع25: بل وأظهرت أن تمتعها برؤية ابنها أمامها، هو الغنى العظيم، الذى يعوضها عن فقرها.
ويرمز طوبيا الأب إلى الآب الذى أرسل ابنه الوحيد إلى العالم (يرمز إليه طوبيا الإبن) ليسترد المال المفقود (أى الإنسان الذى فقد بالخطية وحكم عليه بالموت).
ما أحوج الأسرة المسيحية الآن، أن تشعر بأهمية المحبة والود بين أعضائها وأن تمتعهم بشركة واحدة فى المسيح يسوع أفضل من كل ماديات العالم وشهواته، فيتمسكون بعلاقاتهم بعضهم مع بعض، فى صداقة وود، غير مكترثين بما ينقصهم من ماديات العالم، التى توجد عند غيرهم، فالمحبة حقًا هى غنى أفضل من كل مباهج العالم.
ع26-28: أما الأب طوبيا الذى يتمتع بإيمان قوى، فشعر بعاطفة الأمومة وقلقها، لذا طمأنها، بأن ابنها سيعود سالما وسيحفظه ملاك الرب، حتى يرجع فرحًا. وطلب منها أن تكف عن البكاء، فكفت عن البكاء.
وحين طلب طوبيا الأب أن يرسل الله ملاكه ويرافق ابنه ويرشده، نجد استجابة سريعة من الله، الذى جعل مرشده هو رئيس ملائكة وليس ملاكًا فقط. فما أعظم محبة الله ورعايته لأولاده.