زواج طوبيا من سارة
(1) طلب طوبيا الزواج من سارة (ع1-14):
1 ثم دخلا على رعوئيل فتلقاهما رعوئيل بالمسرة. 2 وإذ نظر رعوئيل إلى طوبيا قال لحنة زوجته ما أشبه هذا الرجل بذى قرابتى. 3 وبعد هذا الكلام قال رعوئيل من أين أنتما أيها الأخوان الفتيان فقالا له من سبط نفتالى من جلاء نينوى. 4 فقال لهما رعوئيل هل تعرفان طوبيا أخى فقالا نعرفه. 5 فلما أكثر من الثناء عليه قال الملاك لرعوئيل أن طوبيا الذى أنت تسأل عنه هو أبو هذا. 6 فألقى رعوئيل بنفسه وقبله بدموع وبكى على عنقه. 7 وقال بركة لك يا بنى إنك ابن رجل صالح فاضل. 8 وبكت حنة امرأته وسارة ابنتهما أيضًا. 9 وبعد أن تحادثوا أمر رعوئيل أن يذبح كبش وتهيأ مأدبة ودعاهما أن يتكئا للغذاء. 10 فقال طوبيا إنى لا آكل اليوم طعامًا ههنا ولا أشرب ما لم تجبنى إلى ما أنا سائله وتعدنى أن تعطينى سارة ابنتك. 11 فلما سمع رعوئيل هذا الكلام ارتعد لمعرفته بما اصاب السبعة الرجال الذين دخلوا عليها وخاف أن يصيب هذا ما أصابهم. وفيما هو متردد ولم يردد عليه جوابا. 12 قال له الملاك لا تخف أن تعطيها لهذا فإن ابنتك له ينبغى أن تكون زوجة لأنه يخاف الله ولذلك لم يقدر غيره أن يأخذها. 13 حينئذ قال رعوئيل لا شك أن الله قد تقبل صلواتى ودموعى أمامه. 14 ولعله لأجل ذلك ساقكما الله إلىّ حتى تتزوج هذه بذى قرابتها على حسب شريعة موسى والآن لا تشك أنى أعطيكها.
ع1: وصل الملاك وطوبيا إلى بيت رعوئيل ودخلا عليه، فاستقبلهما بالترحاب والفرح وهذا يدل على تمتعه بفضيلة إضافة الغرباء، وهكذا نرى بركات الله للأتقياء محبى الفضيلة، فرعوئيل بمحبته لكل الناس وإضافته للغرباء منهم، قد ربح بركة عظيمة، بحل مشكلة حياته، ألا وهى موت أزواج ابنته الوحيدة، إذ أرسل لـه قريبه التقى طوبيا؛ ليتزوجها وينجبا نسلاً صالحًا. وهكذا كل من يسعى لاقتناء فضيلة، تقوده لفضائل أخرى وبركات وفيرة من الله، بل وأيضًا ترفع عنه ضيقاته المختلفة.
ع2: وبدأ التعارف بين أهل البيت والضيوف وقبل أن يتكلم رعوئيل معهما، لاحظ التشابه الكبير فى الشكل بين الشاب الذى أمامه وقريبه طوبيا الأب وحدث زوجته حنة همسا بهذا الكلام. وتقول النسخة المطولة للسفر أن رعوئيل هو ابن عم طوبيا الأب.
ع3: ثم سأل رعوئيل الشابين عن أصلهما ومكان سكنهما، فقالا له أنهما من المسبيين من سبط نفتالى، الذين نقلوا إلى مدينة نينوى عاصمة أشور (أنظر خريطة 2 صـ265).
ع4: فسأل رعوئيل على الفور هل تعرفان طوبيا أخى؟ وهذا يوضح أنه لم يكن مجرد قريبًا له من سبطه وعشيرته، بل وأيضًا محبوبًا جدًا لقلبه، بالإضافة إلى مكانة طوبيا الأب الروحية والعالمية. فأجابا أنهما يعرفانه.
ع5: ففرح رعوئيل وبدأ يتكلم عن قريبه، الذى دعاه أخى لشدة قرابته، ويمتدح فضائله الكثيرة وبعد كثرة الكلام عن فضائل طوبيا، قال الملاك أن طوبيا، هذا الذى تتكلم عنه، هو أبو هذا الشاب الذى أمامك، مشيرًا لطوبيا الإبن.
ع6: فلما سمع رعوئيل أن طوبيا الشاب الذى أمامه هو ابن حبيبه طوبيا الأب وكان قد لاحظ الشبه بينهما فى بداية اللقاء، فرح جدًا وأسرع يحتضن طوبيا ومن فرط فرحه بكى كثيرًا.
ع7، 8: وكذلك بكت حنة وسارة كذلك وأخذ رعوئيل يمتدح طوبيا وباركه؛ لأنه ابن الرجل الصالح ذو الفضائل الكثيرة.
وطوبيا الابن يرمز للمسيح، الذى نزل إلى أرضنا (بيت رعوئيل) بتجسده، وتلقاه الأتقياء بالفرح، وهم يوسف النجار مع العذراء مريم والرعاة والمجوس. وبعد أيام كثيرة (حديث طويل) قضاها فى أرضنا؛ تم فداؤنا على الصليب، ليمحو عقوبة الموت المستحقة علينا. وهكذا اشترانا بدمه كعروس له؛ لنحيا معه حياة جديدة، مملوءة بالسلام والفرح إلى الأبد. أيضًا سارة تمثل الكنيسة المحكوم عليها بالموت، التى افتداها المسيح وصارت عروسًا له.
وطوبيا الابن علم مشكلة سارة وأتى ليتزوجها، فتخلص من عارها وتبدأ حياة جديدة معه. فهو فى هذا يرمز للمسيح، الذى يعلم آلامنا والموت المحكوم به علينا، فتجسد وأتى إلينا وفدانا على الصليب؛ ليخلصنا.
الله يشعر بك ويهتم بصلواتك ويدبر خلاصك فى الوقت المناسب؛ ليرفع عنك آلامك، ليس فقط الجسدية، بل الأهم خلاص نفسك وحياتك الأبدية، فلا تضطرب إن زادت الآلام، أو تأجلت استجابة صلواتك.
ع9: مأدبة : وليمة.
وبعد اللقاء الحار بين طوبيا وعائلة رعوئيل، جلسوا يتحدثون حديثًا طويلاً، كل منهم يحكى للآخر عن حياته ويفرحون بأخبار بعضهم البعض. ثم أمر رعوئيل بذبح كبش وإعداد الطعام للضيوف. والكبش هنا يشير إلى ذبائح العهد القديم، التى كانت دماؤها رمزًا لذبيحة المسيح، ولكن الفداء لابد أن يتم بموت المسيح نفسه، أى بزواج طوبيا، الذى يدخل إلى الموت (المخدع) ويقيد الشيطان، ثم يخرج حيًا بعروسه، أى الكنيسة، للحياة الجديدة.
ع10: ورغم الترحاب الشديد من رعوئيل والعناق والبكاء وإعداد الوليمة، إلا أن طوبيا لم ينشغل عن هدفه الذى أوصاه به الملاك، فطلب من رعوئيل أن يزوجه من ابنته. وطوبيا هنا يمثل الإنسان الروحى، الذى لا ينشغل عن هدفه – وهو الأبدية – بملاذ العالم الباطلة، أو الخادم الذى لا ينشغل عن طلب خلاص النفوس، بأحاديث وأعمال هذا العالم وضروراته المادية.
ع11: فخاف رعوئيل عندما سمع ذلك وارتعد. وهذا يظهر محبة رعوئيل لمن حوله، فلم يكن أنانيًا، إذ تخلى عن فرحته بابنته، مفكرًا فى مصير طوبيا الذى ينتظره وموته، مثل السبعة أزواج السابقين.
ع12: وبينما كان رعوئيل خائفًا ومترددًا، ساعده عزريا – الذى معنى اسمه الله مساعد- وطمأنه أن يزوج ابنته لطوبيا وأنه لن يحدث لـه ضررًا، بل أن موت السبعة أزواج السابقين كان لأنهم اشرار شهوانيون، أما طوبيا فهو الوحيد المستحق للزواج من سارة؛ لأنه يتقى الله ويخافه. ويتضح من هذا، أن من يتقى الله ويخافه ينال بركات كثيرة، أما من يبتعد عن الله وينغمس فى شهوات العالم، يفقد حماية الله لـه ويتعرض لحروب إبليس وفى النهاية للهلاك الأبدى.
ع13، 14: فتيقن رعوئيل بإيمان أن الله قد استجاب لصلواته وأرسل أخيرًا قريبًا يتقى الله، ليتزوج بابنته، حسب شريعة موسى، الذى أمر بتزاوج اليهود من بعضهم وبذى القرابة وليس من الأمم؛ للمحافظة على الأرض والأنساب. وهذه الأمور كلها كانت تمهيدًا لمجئ المسيا المنتظر يسوع المسيح إلهنا، الذى تكمل فيه كل الرموز. ثم وعد وطمأن طوبيا أن يعطيه سارة زوجة له.
(2) زواج طوبيا من سارة (ع15-20):
15 ثم أخذ بيمين ابنته سارة وسلمها إلى يمين طوبيا قائلاً إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب يكون معكما وهو يقرنكما ويتم بركته عليكما. 16 ثم أخذوا صحيفة وكتبوا فيها عقد الزواج.
17 وبعد ذلك أكلوا وباركوا الله. 18 ودعا رعوئيل حنة زوجته وأمرها أن تهيئ مخدعا آخر.
19 وأدخلته سارة ابنتها وهى باكية. 20 وقالت لها تشجعى يا بنية ورب السماء يؤتيك فرحًا بدل الغم الذى قاسيته.
ع15: وبدأت مراسم الزواج، فأخذ رعوئيل بيد إبنته سارة وأعطاها لطوبيا. ومازال هذا الأمر قائمًا حتى الآن، فيسلم والد الخطيبة يدها إلى خطيبها، عند دخولهما للكنيسة؛ لإتمام سر الزيجة، وكذلك يسلم الكاهن العريس يد عروسته، أمام الهيكل، أثناء إتمام السر. وقد كان رب الأسرة فى العهد القديم يقوم بعمل الكاهن (حيث أن الزواج لم يكن سرًا وحيث أن الأسرار لم تكن قد أُسست بعد).
ع16: وبعد إتمام الزواج روحيًا، كتبوا عقدًا للزواج ووقعوا عليه، إثباتًا لما تم بيد الله، ومازال هذا ساريًا حتى الآن.
ونلاحظ أنه لم يذكر شيئًا عن المهر وذلك لأن طوبيا كان فقيرًا، ليس له شئ يقدمه لعروسه إلا نفسه، فهو يرمز للمسيح الذى افتقر من أجلنا وقدم نفسه عريانًا من كل مجد العالم على الصليب وقدم ذاته فداءً وخلاصًا لكنيسته.
ع17: وبعد إتمام الزواج قاموا يأكلون بفرح من الوليمة، وهذا يحدث فى كثير من الأحيان الآن، فبعد إتمام الزيجة، يتم عمل وليمة يحضرها الزوجان مع الأقارب والأحباء، تعبيرًا عن فرحهم بعمل الله. وهذه الولائم لابد أن تختلف عن ولائم أهل العالم، المملوءة بمظاهر لا تناسب أولاد الله، فلا يمكن أن تتفق مباركة الله فى ولائم المحبة، مع المظاهر التى تغضبه.
وطقس الكنيسة يفضل عمل الإكليل قبل القداس الإلهى، بعد رفع بخور باكر؛ ليتناول العروسان من الأسرار المقدسة، لأن كل سر يُكلل بسر الأفخارستيا، الذى هو سر الأسرار. ومن هنا تكون هذه الوليمة رمزًا لسر الأفخارستيا، الذى يتم بعد الزواج.
ع18: وبعد الوليمة، أمر رعوئيل بإعداد مسكن خاص، أى جناح يشمل مخدع وملحقاته للعروسين. وهذا يؤكد الفكر الروحى والنفسى، أن يكون هناك مسكناً مستقلاً لحديثى الزواج، يستطيعان فيه التعاون على تكوين أسرة جديدة، يتمتعان فيها بالوحدانية وبالخصوصية مع محبتهما لأقاربهما. وقد كانت المنازل قديمًا واسعة جدًا، تسمح بوجود أجنحة مستقلة، كمثال ما هو موجود حاليًا من مبانى بها مجموعة من الشقق.
ع19: ودخلت سارة مع طوبيا إلى مخدعها والدموع على عينيها. دموع امتزجت فيها فرحة الزواج بالخوف على عريسها من أن يموت، وكذلك دموع الرهبة من الحياة الجديدة.
ع20: يؤتيك : يعطيك.
كانت حنة أم سارة تشيعها بكلمات التشجيع وتمنيات الرجاء بالفرح، عوض كل أتعابها القديمة.
ترمز الأم وهى تشجع سارة إبنتها بالملاك الذى يشجع الكنيسة. والكنيسة هنا ممثلة فى شخص المسيح الهنا، الذى حملنا فى جسده وكان يصارع من أجلنا فى بستان جثسيمانى، وكان عرقه يتصبب كقطرات دم – مثل دموع سارة التى تتساقط من عينيها – ثم أتى إليه ملاك ليقويه.