قلق والدى طوبيا – ووداع سارة وطوبيا
(1) حزن حنة على ولدها وتعزية طوبيا الأب لها (ع1-7):
1 ولما أبطأ طوبيا هناك لسبب العرس قلق أبوه طوبيا وقال لماذا ترى أبطأ ابنى وما الذى عاقه هناك. 2 العل غابيلوس قد مات وليس من يرد له المال. 3 وأخذه حزن شديد هو وحنه امرأته وطفقا كلاهما يبكيان لتخلف ابنهما عن الرجوع فى يوم الميعاد. 4 وكانت أمه تبكى بدموع لا تنقطع وهى تقول آه أوه يا بنى لماذا أرسلناك فى الغربة يا نور أبصارنا وعكازة شيخوختنا وعزاء عيشتنا ورجاء عقبنا. 5 لقد كان لنا فيك وحدك كل شئ فلم يكن ينبغى لنا أن نرسلك عنا. 6 فكان طوبيا يقول لها اسكتى ولا تقلقى إن إبننا سالم والرجل الذى أرسلناه معه ثقة جدًا. 7 فلم يكن ذلك يفيدها أدنى تعزية وكانت كل يوم تقوم مسرعة فتتشوف من كل جهة وتنظر فى جميع الطرق التى كانت تظن أن ابنها يرجع منها لعلها تراه عن بعد مقبلاً.
ع1: تظهر مشاعر الأبوة والأمومة فى انتظار والدى طوبيا له. وعندما أبطأ عن الميعاد المتوقع لرجوعه؛ بسبب زواجه وولائم العرس التى استمرت أسبوعين، قلق أبواه وبدأ طوبيا الأب يفكر، فيما يا ترى أسباب تأخره.
ع2: وقال ألعله مازال يبحث عن غابيلوس، أو أن غابيلوس قد مات.
ع3: طفقا : ظلا واستمرا.
ومن شدة التأثر والقلق بكى الوالدان.
ع4: عقبنا : نسلنا الذى يخلفنا ويتحدث عنا بعد موتنا.
تتميز المرأة بعاطفتها الجياشة أكثر من الرجل، فعبرت الأم حنة عن عواطفها المتوترة؛ بسبب تأخر ابنها بدموع كثيرة وكلمات تظهر مشاعر الوالدين كبار السن نحو ابنهم الشاب الوحيد. فكانت تشعر أن ابنها، هو نور عينيها هى وزوجها؛ فهو لحيويته كشاب، يستطيع أن يتحرك بسرعة ويرى أمورًا كثيرة ويعلم والديه، بما لا يستطيعان الوصول إليه. وهو المساعد والمعين لوالديه كبيرى السن والضعيفى الحركة؛ لقضاء حاجاتهما. وإذ تقل قدرة الكبار، أو الشيوخ عن الحركة، مع زهدهم فى الأمور المادية، تصبح حركة وإنجازات الابن امتدادًا لحياتهم وعزاء لهم. وهو أيضًا يعد رجاءهما ومحققًا للآمال، التى لم يستطيعا تحقيقها فى حياتهما، وحتى عندما يفكران فى موتهما، يريان حياة ابنهما وبنيه امتدادًا لحياتهما على الأرض.
هذه هى مشاعر الوالدين المحبين لأبنائهم، فكم ينبغى أن يقدر الأبناء هذه المشاعر ؟
ع5: وبدأت الأم تندم على إرسال ابنهما فى هذه المهمة، إذ مع قلقها لتأخره واحتمال فقده، شعرت أن مجرد وجوده، كان فيه كل الكفاية ولا حاجة لهما فى سفره، أو تحصيل المال.
ما أجمل أن يكتفى الإنسان بما عنده ويشكر الله عليه، حتى لو تعطل تحقيق بعض ما يريده.
ع6: حاول طوبيا الأب أن يطمئن زوجته، بأن ابنهما سيعود سالمًا وأن الرجل المرافق موضع ثقة.
ع7: تتشوف : تراقب.
لكن قلق الأم كان مسيطرًا عليها، فكانت تخرج كل يوم تنظر إلى الطرق المؤدية إلى نينوى، لعل ابنها يكون آتيًا من إحداها. وهذا يظهر أنه إذا خضع الإنسان لأفكار القلق، لا يستفيد من كلمات الله المطمئنة، فينبغى عليه أن يلتجئ لله بالصلاة؛ فيرفع عنه القلق ويطمئنه.
(2) محاولات رعوئيل أن يستبقى طوبيا (ع8-9):
8 وأما رعوئيل فقال لصهره إمكث ههنا وأنا أنفذ إلى طوبيا أبيك من يخبره بسلامتك. 9 فقال له طوبيا إنى لأعلم أن أبى وأمى يحسبان الأيام وأرواحهما معذبة قلقًا.
ع8: أنفذ : أرسل.
حاول رعوئيل، لمحبته لابنته وطوبيا زوجها، أن يستبقيهما؛ لكى يتمتع بوجودهما معه، هو وزوجته، فترة أطول، بعد أسبوعى ولائم الفرح؛ فاقترح فكرة جديدة على طوبيا، وهى أن يرسل رسولاً من عنده إلى طوبيا أبيه؛ ليطمئن هو وزوجته على سلامة ابنهما ويبشرهما بزواجه.
ويرمز رعوئيل هنا إلى تلاميذ المسيح وكل أحبائه، الذين تمنوا أن يبقى المسيح معهم على الأرض؛ ليروه بأعينهم ولكنه أوضح لهم أنه لابد أن يصعد إلى السماء، فهذا أفضل لهم؛ ليحيوا بالإيمان بمعونة الروح القدس وطوبيا قد سبق وقلنا أنه يرمز للمسيح.
وكما أصر طوبيا على الرجوع إلى أبيه، هكذا أيضًا أصر المسيح على إتمام الفداء والصعود إلى أبيه فى السماء.
وكما أخذ طوبيا سارة عروسه معه إلى أبيه هكذا أعد المسيح مكانًا لكنيسته (عروسه) وقَبلَ المؤمنين به فى الفردوس.
ع9: ولكن طوبيا الابن، كان يعلم مدى تعلق والديه به وقلقهما؛ لكبر سنهما، فرفض بلطف، رغم إلحاح رعوئيل الكثير. وهذا يظهر أنه رغم تقديره لمحبة رعوئيل وزوجته، كان مقدرًا لمسئوليته عن أبويه واحترامه لمشاعرهما، حتى لو كان قلقهما زائدًا.
(3) رعوئيل يودع طوبيا وسارة (ع10-13):
10 وبعد أن أكثر رعوئيل من الإلحاح على طوبيا فأبى أن يسمع بوجه من الوجوه أعطاه سارة ونصف أمواله كلها من غلمان وجوارى ومواشى وإبل وبقر وفضة كثيرة وصرفه من عنده بسلام فرحًا. 11 قائلاً ملاك الرب القدوس يكون فى طريقكما ويبلغكما سالمين وتجدان كل شئ عند أبويكما بخير وترى عيناى بنيكما قبل موتى. 12 وأقبل الوالدان على ابنتهما يقبلانها ثم صرفاها.
13 وأوصياها أن تكرم حمويها وتحب بعلها وتدبر عيالها وتسوس بيتها وتحفظ نفسها غير ملومة.
ع10: بعد فشل محاولة رعوئيل استبقاء طوبيا وسارة مدة أطول، لم يضطرب أو يغضب؛ لأن دافعه كان الحب فقط وليس التمسك بالرأى الشخصى. وأعطاه سارة زوجته ونصف أمواله من العبيد والجوارى والحيوانات.
رجوع طوبيا إلى أبيه بعد إكمال مهمته يرمز إلى رجوع الابن، ليجلس عن يمين أبيه بعد أن أكمل الفداء، كما يقول المسيح “خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضًا أترك العالم وأذهب إلى الآب” (يو16: 28).
ع11، 12: أما رعوئيل فقد ودعهما بفرح، متمنياً لهما مرافقة ملاك الله لهما فى الطريق؛ حتى يصلا إلى والدى طوبيا. وتمنى رعوئيل وزوجته أن يعيشا حتى يريا أبناء طوبيا وسارة ويفرحا بهم. جميل أن يكون للإنسان أملٌ ورجاء طوال حياته. ثم قبل الوالدان سارة ابنتهما وودعا الزوجين ومن معهم؛ ليذهبوا بسلام. وعلى قدر ما يطلب الإنسان معونة الله يجدها، فكما طلب طوبيا الأب لابنه مرافقة ملاك الله لـه فى سفره، طلب رعوئيل أيضًا مرافقة ملاك الله له فى عودته. وقد استجاب الله له وكان رئيس الملائكة فعلا، هو المرافق له فى كل خطوة والمعتنى به.
ومن الجميل أن يدعو رعوئيل والدى طوبيا أبوين للزوجين، فبعد الزواج يصير الحموان والدين.
ليت كل زوج وزوجة ينظران للحموين نظرة بنوة، فيسرعان إلى إكرامهما والخضوع لهما باتضاع، مع التماس الأعذار لهما؛ لكبر سنهما، وتقديرًا لأتعابهما طوال السنين الماضية فى تربية الابن أو الابنة، ويريان فى عناية الحموين بالواحد منهما، عناية بالآخر، إذ يشعر الزوجان أنهما واحد أمام الله.
ع13: ثم قدم رعوئيل وحنة وصيتهما الأخيرة لابنتهما العروس؛ لتسلك بها فى حياتها الجديدة، وهى وصية هامة جدًا بمشتملاتها الخمس، ينبغى أن تهتم بها كل زوجة جديدة ويوصى بها الوالدان ابنتهما العروس الجديدة.
وأول جزء فى هذه الوصية هو إكرام الحموين؛ لأنهما صارا والدين والغريب أنهما يقدمان إكرام الوالدين، قبل العلاقة مع الزوج، مع أن العلاقة الأساسية هى مع الزوج، وهى أهم شئ، ولكن إكرام الوالدين، يعطى جوًا هادئًا للحياة الزوجية الجديدة، بل ويزيد محبتهما ورعايتهما للزوجين، بالإضافة إلى أن الوالدين – لكبر سنهما – ينبغى أن نكرمهما فى أواخر أيامهما.
ثم يأتى الجزء الثانى من الوصية وهو محبة الزوج، الذى تتحد به وتصير لهما حياة واحدة ولا يمكن تحقيق الوحدانية، إلا بالحب الباذل المضحى.
ويأتى الجزء الثالث من الوصية وهو الاهتمام بتربية ورعاية الأبناء، الذين سينعم الله بهم عليهما، وتدبير وتوطيد أواصر المحبة، وتنسيق علاقة المحبة بين الأبناء بعضهم البعض وبينهم وبين والديهم؛ لتترابط الأسرة برباط المحبة وهنا تظهر حكمة الأم ومحبتها.
أما الجزء الرابع فى الوصية فهو تدبير البيت، ويشمل توفير كل الاحتياجات المادية للزوج والأبناء والرعاية وتقديم كل هذا بطريقة لطيفة ومبهجة ومحاولة تلافى أى تعارض بين أعضاء الأسرة.
أخيرًا نأتى للجزء الخامس والأخير، وهو أن تحفظ نفسها بلا لوم، أى تصون نفسها من الأخطاء الظاهرة، الواضحة، المعثرة، مثل الطباع الشريرة وليس المقصود هنا مجرد الخطأ، لأنه ليس إنسان بلا خطية أو لوم، إنما يعنى أهمية الجهاد الروحى فى الحياة الشخصية؛ ليكون الإنسان تقيًا أمام الله، فلا ينسى خلاص نفسه وسط مسئوليات الحياة.
وترمز سارة كما قلنا للكنيسة وحمواها للناموس وأسفار العهد القديم بكل ما فيها، فقد أعلن المسيح أنه جاء “لا لينقض بل ليكمل” (مت5: 17) والزوج هو المسيح الذى بدأ بالحب، فبادلته الكنيسة حبًا بحب “نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً” (1يو4: 19).
أما الأبناء فهم المؤمنون، فتربى الكنيسة أولادها وتدبر أمورهم بكل ما فيها من أنشطة وخدمات وتحفظ نفسها فى نقاوة بعيدًا عن الخطية.