الرجوع من السبى على يد زربابل
يلاحظ أن الاعداد (1-3) فى هذا الأصحاح هى نفسها الموجودة فى نهاية سفر أخبار الأيام الثانى (2أى 36: 21، 22) فسفر عزرا هو امتداد لسفر أخبار الأيام الثانى والكاتب لهذه الأسفار واحد وهو عزرا، الذى أراد ألا ينهى سفر أخبار الأيام الثانى بتخريب أورشليم والهيكل وقتل وسبى الكثيرين ولكن أعطى الرجاء بالرجوع من السبى على يد كورش الملك الفارسى.
(1) كورش يدعو اليهود للعودة (ع1-4) :
1- و في السنة الأولى لكورش ملك فارس عند تمام كلام الرب بفم إرميا نبه الرب روح كورش ملك فارس فأطلق نداءاً في كل مملكته و بالكتابة أيضا قائلا. 2- هكذا قال كورش ملك فارس جميع ممالك الأرض دفعها لي الرب اله السماء و هو أوصاني ان أبني له بيتا في أورشليم التي في يهوذا. 3- من منكم من كل شعبه ليكن إلهه معه و يصعد الى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب إله إسرائيل هو الاله الذي في اورشليم. 4- و كل من بقي في أحد الأماكن حيث هو متغرب فلينجده أهل مكانه بفضة و بذهب و بأمتعة و ببهائم مع التبرع لبيت الرب الذي في أورشليم.
ع1: كورش : ولد فى عيلام عام 590 ق.م وملك فيها عام 558 ق.م واستطاع أن يفتح مادى عام 549 ق.م، ثم فارس 548 ق.م وبابل 538 ق.م ولأهمية فارس لقب بملك فارس وكان شجاعاً ورقيق المشاعر ومتسامح دينياً فسمح لسكان مملكته أن يعبد كل واحد إلهه. وفى السنة الأولى لتملكه بعد انتصاره على بابل بدأت أحداث هذا السفر.
بعد انقضاء سبعين عاماً لليهود فى السبى البابلى، استطاعت مملكة مادى وفارس أن تنتصر على بابل وقام أول ملوكها وهو كورش بنداء شفوى وكتابى فى كل مملكته لدعوة اليهود حتى يرجعوا إلى أورشليم واحتفظ بنسخة من هذه الأوامر فى محفوظات القصر الملكى وهذه هى التى ظهرت أهميتها أيام داريوس الملك (عز6: 1). إذ أن دانيال وشيوخ اليهود أطلعوا الملك كورش على أن اسمه مكتوب فى أسفار أنبيائهم أشعياء وإرميا (اش44: 28 ، إر25: 12 ؛ 29 : 10). وأنهم تنبأوا بأن كورش سيعيد اليهود من السبى؛ ليبنوا الهيكل وأورشليم. فسُر الملك جداً بأن اسمه مكتوب فى كتب الأنبياء منذ أكثر من قرنين وآمن بالله إله السماء على أنه أحد الآلهة. وإهتم بعودة اليهود ليبنوا هيكل الله ويطلبون من أجل ثبات مملكته. ويلاحظ أن أشعياء تنبأ بالرجوع من السبى قبل أن يتنبأ إرميا بتخريب أورشليم والسبى، فالله يعطى رجاءاً لأولاده قبل الضيقة.
والتاريخ يروى لنا أن كورش إهتم بإقامة معابد للآلهة فى كل مملكته لينال رضاهم عليه ويضمن ولاء الشعوب له، فلا يقوموا بثورات ضده، فقد وضع الله فى قلبه هذا؛ حتى يعود شعبه لعبادته فى أورشليم.
وكان النداء فى كل مملكة مادى وفارس؛ ليصل النداء إلى كل اليهود المشتتين، الذين سبتهم آشور أو بابل حتى يرجعوا إلى أورشليم.
ع2: شعر كورش أن انتصاراته واتساع مملكته كان بمعونة الله إله السماء ودعاه الله مسيحه وأمره ببناء بيت له فى أورشليم، كما تنبأ الأنبياء.
أحس كورش أن الله إله السماء هو سبب انتصاراته واستيلائه على ممالك الأرض، فقد آمن به كإله وهذا جعله مستعداً لتنفيذ وصية الله له أن يبنى هيكلاً للرب فى أورشليم.
وهنا رأى يقول بأن الله ظهر له فى حلم مؤكداً ما كتبه الأنبياء، مما جعله يقول أن الله أوصانى.
ع3: دعا كورش كل واحد من شعب الله يريد أن يعود إلى أورشليم؛ ليبنى هيكل لله وشجعه بأن الله سيسانده وهذا إيمان عظيم وتشجيع على طاعة الله والإيمان به. والغريب أن يصدر هذا الشعور من وثنى؛ فى حين لا يوجد فى قلوب كثيرين من شعب الله، الذين لم يرجعوا من أورشليم وفضلوا تعلقاتهم المادية فى السبى.
من الجميل أن لا يجبر كورش أحداً على الرجوع مع أنه يملك السلطان أن يفعل هذا ولكنه يعطيهم الحرية؛ لأن عبادة الله الحقيقية لا تتم إلا باختيار الإنسان ومحبته لله.
قال كورش للراجعين إلى أورشليم أنهم سيصعدوا إليها، فهى مبنية على خمسة تلال. وهذا يرمز إلى أن هيكل الله أسمى من العالم، والحياة الروحية تحتاج أن يرتفع الإنسان عن ارتباطاته المادية؛ ليدخل إليها ويتمتع بها.
دعا كورش الله إله إسرائيل؛ لأنه بعد السبى اختفى الانقسام بين مملكتى إسرائيل وصارت مملكة واحدة، فالضيقة تساعد الناس على التنازل عن انقساماتهم، وعلى أن يحيوا فى وحدانية الحب.
ع4: طالب كورش كل من بقى على إيمانه بإله إسرائيل ومحبته لإعادة بناء هيكله، أينما كان مكانه المتغرب فيه، فى مملكة مادى وفارس، فيما هو مسافر إلى أورشليم أن يأخذ ممن حوله سواء من اليهود أو الوثنيين عطايا لبناء وخدمة الهيكل ويطالب كل الشعب الخاضع له أن يسرعوا فى العطاء له، فيقول فلينجدوا، لأن اليهودى الراجع ليس له أموال لبناء الهيكل، فكورش بهذا يقدم نفقات بناء الهيكل من تبرعات شعبه، فهو لا يسمح بها فقط، بل يطالب شعبه بالتبرع؛ لأن كورش يهمه بناء الهيكل ورضا إله السماء عنه.
بهذا يتحقق وعد الله، الذى وعد به شعبه بفم أشعياء النبى (اش10: 21 ؛ 40 : 9 ؛
11 : 11). أن البقية من بنى إسرائيل التى ستذل بالسبى تخلص وترجع إلى أورشليم، ولذا فقد سمى أشعياء ابنه “شآريشوب” أى البقية تخلص (اش7: 3).
هذه العطايا من أثمن ما يقتنى الإنسان وهى الفضة والذهب، ثم البهائم وأية تبرعات أخرى، فكورش يطالب شعبه أن يتبرعوا بأثمن ما عندهم لإتمام بناء الهيكل فى أورشليم. هذه الأمور مستحيل تخيلها أن تحدث إلا أن يكون الله وراء كل هذا وهو الذى حرك قلب كورش لتنفيذ مشيئته.
هذه التبرعات والعطايا تشبه ما فعله المصريون مع بنى إسرائيل عند خروجهم من مصر، ولكن كانت عطايا المصريين خوفاً من إله إسرائيل، أما هنا فهى تقدمات محبة لله العظيم، خاصة أن اليهود كانوا محبوبين من البابليين، الذين عاشوا فى وسطهم.
إن تبرع الوثنيين مع اليهود لهيكل الله كان مثل اشتراك اليهود والوثنيين فى بناء هيكل سليمان وهذا كله يرمز لذبيحة المسيح على الصليب، التى تكفر عن المؤمنين من أصل يهودى، أو أممى.
وتظهر أيضاً فى هذه الآية أهمية التعاون، فمن لا يستطيع الذهاب لأورشليم، فعلى الأقل يتبرع أن يظهر مشاعره نحو الله، فروح الفريق تفيد كثيراً فى إتمام الأعمال الناجحة.
إن التبرع لبناء، أو تجديد بيت الله هو محبة وإكرام له. لا تدع هذه الفرصة تفوتك لتظهر محبتك له وتتمتع بحضرته فى الكنيسة.
(2) عودة الشعب والتبرع للهيكل (ع5، 6):
5- فقام رؤوس آباء يهوذا و بنيامين و الكهنة و اللاويون مع كل من نبه الله روحه ليصعدوا ليبنوا بيت الرب الذي في اورشليم. 6- و كل الذين حولهم اعانوهم بانية فضة و بذهب و بامتعة و ببهائم و بتحف فضلا عن كل ما تبرع به.
استجاب شعب الله لندائه على يد كورش وتحرك رؤساء سبطى يهوذا وبنيامين والكهنة واللاويون، أى القيادة المدنية والروحية، التى لها تأثير على باقى الشعب وخرج معه كل من نبه الله روحه للاهتمام بالعبادة فى هيكل الله فى أورشليم. وأخذوا التبرعات والعطايا ممن حولهم لبناء الهيكل.
نلاحظ أن الله قد أنهى الملكية فى شعبه؛ لأنها كانت خطأ وقع فيه أيام صموئيل النبى حين مسح لهم شاول ملكاً ولكنه أبقى القيادة الكهنوتية، حتى يأتى المسيح الكاهن الأعظم ويقدم ذبيحة نفسه على الصليب لتنهى الكهنوت الهارونى وتبدأ المسيحية.
نلاحظ أن الله نبه روح كورش الوثنى ليبنى هيكله، وفى نفس الوقت نبه قلوب شعبه؛ ليستجيبوا لنداء كورش، فالله يعمل فى الجانبين؛ ليحقق مشيئته وهى خلاصنا، كما كلم قديماً شاول الطرسوسى ليذهب إلى حنانيا. وكلم حنانيا ليذهب إلى شاول ويهتم به (اع9: 17).
تنبيه الله لأرواح شعبه وإشعال الأشواق إلى بناء هيكله والعبادة به كان أمراً هاماً لوجود عوائق كثيرة تعطل الرجوع من السبى أهمها :
- لم يكن السبى البابلى والفارسى قاسياً، إذ امتلك اليهود الحقول وأخذ بعضهم مراكز فى الدولة، مثل دانيال والثلاثة فتية ونحميا وأستير ومردخاى، فهذه المراكز والممتلكات تعلق قلوبهم، فلا يريدون تركها والعودة لأورشليم.
- أورشليم مهدمة فلا تشجع على الرجوع، فهى غير محصنة ومعرضة لهجمات الأعداء.
- مرت سبعون سنة على السبى، فخمدت الأشواق نحو هيكل الله والعبادة به.
- الطريق من بابل إلى أورشليم كان غير معروف لليهود، ففيه مخاطرة ومشقة خاصة على النساء والأطفال لطول مسافته.
- الأمم المحيطة باليهودية وأورشليم لا تحب اليهود، بل تقاومهم.
- كثيرون من العائدين ولدوا فى بابل ولم يروا أورشليم والهيكل ولا تربطهم به إلا علاقتهم بالله الذى نبههم بروحه القدوس.
جمع هؤلاء الراجعون التبرعات والعطايا ممن حولهم وأخذوها معهم ليبنوا بها الهيكل وأورشليم.
لقد استجاب إبراهيم لنداء الله قديماً وآمن به، فخرج من بلده التى بالقرب من بابل إلى كنعان، أى إلى الصحراء والمجهول، فصار أباً للإيمان؛ لذا فشعب الله الذى استجاب لنداء كورش وخرجوا من بابل هم بالحقيقة أبناء إبراهيم، أى أبناء الإيمان. وكل من يحيا بالإيمان يسهل عليه أن يترك تعلقه بالعالم لأجل عبادة الله وحينئذ يدبر الله كل احتياجاته والتى يُرمز إليها بعطايا وتبرعات المحيطين بشعب الله فى بابل.
إذا تعلق قلبك بأورشليم السماوية، أى ملكوت السموات، سيدبر الله لك كل احتياجاتك من الفضة والذهب وكل الأمتعة. المهم ان يستجيب قلبك لرسائل الله التى تدعوك للاهتمام بالأبدية.
(3) إعادة آنية بيت الرب (ع7-11):
7- و الملك كورش أخرج آنية بيت الرب التي أخرجها نبوخذناصر من أورشليم و جعلها في بيت آلهته. 8- أخرجها كورش ملك فارس عن يد مثرداث الخازن و عدها لشيشبصر رئيس يهوذا. 9- و هذا عددها ثلاثون طستا من ذهب و الف طست من فضة و تسعة و عشرون سكينا.
10- وثلاثون قدحا من ذهب و اقداح فضة من الرتبة الثانية أربع مئة و عشرة و ألف من آنية اخرى. 11- جميع الآنية من الذهب و الفضة خمسة آلاف و أربع مئة الكل اصعده شيشبصر عند اصعاد السبي من بابل الى أورشليم
ع7: نرى عناية الله فى حفظ آنية بيته مدة سبعين عاماً مع أنه كان يمكن أن تصهر وتتحول إلى سبائك من الفضة والذهب يستخدمها البابليون، الذين دمروا كل ما بقى فى هيكل الله وأخذوا الآنية كقيمة مادية لها ثمن غالٍ؛ لأنها من الفضة والذهب.
تظهر نية كورش فى إكرام الله وبناء بيته، أنه لم ينادِ فقط برجوع شعبه إلى أورشليم، بل ساندهم بإعطائهم آنية بيت إلههم.
إعطاء كورش هذه الآنية لشعب الله كانت من المحفزات لهم أن يسرعوا بالعودة لأورشليم؛ لبناء هيكل الله واستخدام آنيته فى العبادة.
ع8: أمر كورش المسئول عن خزائنه وهو مثردات أن يسلم كل آنية بيت الرب لشيشبصر، الذى هو زربابل، بعد أن عينه والياً على أورشليم واليهودية، فعِّد الآنية وسلمها لزربابل.
تذكر الآية أن شيشبصر هو رئيس يهوذا ويذكر حجى (حج1: 1) أن زربابل هو وإلى يهوذا وهذا معناه أن شيشبصر هو اسم فارسى لزربابل. وشيشبصر كلمة فارسية معناها الفرح وسط المتاعب “أما زربابل فهى كلمة عبرية معناها “زرع بابل” أو “المولود فى بابل”.
يذكر عزرا أن “زربابل ابن شآلتئيل” (عز3: 2)، أما فى (1أى3: 9) فيدعوه “زربابل بن فدايا” وذلك لأن شآلتئيل هو الابن الأكبر للملك يهوياكين ولم ينجب شآلتئيل أبناءً، فتزوج أخوه الأصغر فدايا بامرأته حسبما نصت الشريعة (تث25: 5، 6) وأنجب زربابل. فزربابل ابن شآلتئيل حسب الناموس وفى نفس الوقت هو ابن فدايا بحسب الجسد.
عاش يهوياكين مدة طويلة بعد السبى فى بابل وزربابل ابن شآلتئيل أو فدايا كما ذكرنا هو حفيده، فيُفهم من هذا أنه كان ذو مكانة وسط شعبه لأنه من النسل الملوكى، ولعل لهذا السبب اختاره كورش ليكون والياً على يهوذا.
قد تكون من الأسباب التى جعلت كورش يرد آنية بيت الرب لشعبه الراجع إلى أورشليم، أنه سمع بأن بيلشاصر آخر الملوك البابليين قد أخطأ بشربه الخمر فى آنية بيت الرب، فمات فى نفس الليلة ودخل كورش واستولى على المدينة. فخاف كورش الله ورد آنية بيته لشعبه.
ع9-11: يذكر هنا أعداد آنية بيت الرب، ونلاحظ أن الأعداد المذكورة مجموعها أقل من المجموع الإجمالى المذكور فى (ع11)، وذلك بسبب ذكرهم لعدد الآنية الكبيرة فى (ع9، 10) والباقى هو الآنية الصغيرة، أو التى كُسرت بسبب نقلها وهذا يبين اعتناء الله بكل آنية بيته، إذا أن هذه الآنية ترمز لشعبه وكل واحد عضو فى كنيسته ويهتم به مهما كان صغيراً.
إن كانت آنية بيت الرب قد أُخذت فى السبى وبقيت لسنوات طويلة، فإن الله قد أعادها لأورشليم بكرامة وهو قادر أيضاً أن يعيد أولاده مهما ابتعدوا عنه، بل وتنجسوا بالشر، فهو قادر أن يطهرهم ويعيدهم لرتبتهم الأولى أعضاء حية فى بيته.
أنت عضو فى جسد المسيح مادمت مرتبطاً بالأسرار المقدسة ووسائط النعمة فلا تتشكك بسبب ضعفك أو خطاياك وتقول أن الله نسينى، أو لا يسمع صلاتى، فالله يهتم بك ويعطى الأعضاء الصغيرة مكانة كبيرة فى ملكوته إن كانوا أمناءً فى محبتهم لله، متمسكين به.