بناء الهيكل والاحتفالات الدينية
(1) بناء المذبح (ع1-3):
1- و لما استهل الشهر السابع و بنو اسرائيل في مدنهم اجتمع الشعب كرجل واحد إلى أورشليم. 2- و قام يشوع بن يوصاداق و إخوته الكهنة و زربابل بن شالتئيل و إخوته و بنوا مذبح إله إسرائيل ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله. 3- و أقاموا المذبح في مكانه لأنه كان عليهم رعب من شعوب الأراضي و أصعدوا عليه محرقات للرب محرقات الصباح و المساء.
ع1: الشهر السابع شهر يشمل أعياداً كثيرة، ففى اليوم الأول منه عيد الهتاف، أى عيد الأبواق (عد29: 1) وفى العاشر منه عيد الكفارة (عد29: 7) وفى الخامس عشر منه عيد المظال (عد29: 12)، فمن الجميل أن ينتبه الشعب ويأتى إلى أورشليم فى بداية الشهر السابع، أى يوم عيد الأبواق؛ ليهتموا ببناء مذبح الله.
نرى الوحدانية فى اجتماع بنى إسرائيل بقلب واحد، أى كرجل واحد؛ ليبنوا مذبح الله فكانوا رجالاً ونساءً، أغنياءً وفقراءً، كبار وصغاراً؛ فاجتماعهم بهدف عظيم هو عبادة الله.
غير معلوم بالضبط فترة ما بين وصول بنى إسرائيل إلى مدنهم وبين اجتماعهم فى أورشليم ولكن يبدو أنه كان فترة قصيرة؛ لأنهم إن كانوا قد قاموا فى الربيع من بابل وهو ميعاد مناسب للسفر – الذى يستغرق حوالى ثلاثة شهور والشهر السابع يبدأ تقريباً فى النصف الثانى من شهر سبتمبر، فتكون الفترة القصيرة التى قضوها فى مدنهم لا تتجاوز ثلاثة شهور. وهذا يظهر أن عودتهم من السبى كان غرضها الأول هو عبادة الله فى هيكله.
ع2: يذكر اسم يشوع رئيس الكهنة قبل زربابل وهو أول رئيس كهنة بعد السبى، لأن بناء المذبح هو عمل كهنوتى بحسب ما نصت تفاصيل الشريعة. ولكن عند بناء الهيكل بأمر من كورش الملك يتقدم إسم زربابل الحاكم الفارسى؛ ليسبق إسم يشوع فى (ع8).
كانت تقدم على بقايا المذبح المتهدم بعد تخريب الهيكل ذبائح من حين لآخر كما يذكر فى (ار41: 1-8) ولكنهم الآن يقومون بترميم وتجهيز المذبح بالتدقيق حسب نص الشريعة.
بدأ الكهنة والشعب فى بناء المذبح النحاسى أولاً قبل باقى تفاصيل الهيكل، لأنه بالمذبح النحاسى يمكن تقديم الذبائح وبدء العبادة والاحتفالات الدينية؛ بالإضافة إلى أن الشعوب المحيطة قد تقاومهم إن قاموا بالعمل الكبير وهو بناء الهيكل كما سيظهر بعد هذا.
نجد هنا أهمية القيادة الروحية فى شخص يشوع والكهنة ونجد أيضاً طاعة الشعب لهم فى بناء المذبح كل هذا يبين الميل الروحى القوى فى قلوب الراجعين من السبى.
نرى أن يشوع رئيس الكهنة هو حفيد سرايا آخر رئيس كهنة قبل السبى وهو الذى قتله نبوخذنصر عند حرق الهيكل (2مل25: 18-21). أما زربابل الحاكم المدنى لأورشليم، فهو من نسل داود وهو أحد جدود المسيح (مت1: 12، 13).
البدء ببناء المذبح، ثم الهيكل يرمز لما فعله المسيح، عندما بدأ بتقديم ذبيحة نفسه على الصليب وبعد هذا أسس كنيسته القائمة على الذبيحة.
ع3: يظهر من هذه الآية أن الشعوب المحيطة كانت قوية، فخافها بنو إسرائيل ولكنهم اعتمدوا على قوة الله الذى سهل لهم الرجوع بأمر كورش وأقاموا المذبح؛ حتى يقدموا الذبائح عليه ويكون سنداً لهم فى استكمال بناء الهيكل، فيدافع عنهم أمام الأعداء.
وهذا بالإضافة إلى شعور الشعب أن المذبح هو القوة الإلهية التى ساندت الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب.
وكذلك يمكن العبادة على مذبح قبل استكمال هيكل ولكن لا يمكن العبادة فى هيكل بدون مذبح.
إلى جانب هذا فبناء الهيكل يستغرق وقتاً طويلاً، أما بناء المذبح فيمكن إتمامه بسرعة.
ولعل خوفهم من الأعداء جعلهم يتممون أسهل خطوة وهى بناء المذبح، حتى لا يقاوموهم فى بناء الهيكل. وقد حدث هذا فعلاً كما سيظهر من الأصحاحات التالية.
يظهر تدقيق الكهنة فى إقامتهم المذبح فى مكانه بالضبط وقد استلزم هذا إزالة الاحجار وترميم المنهدم؛ حتى يكون المذبح بالشكل السليم.
إن بناء المذبح يعلن أمرين فى قلب الشعب هما :
- اعتراف الشعب بحاجته للتوبة عن خطاياه.
- إيمانه بقوة الله الغافرة.
ما مدى ارتباطك بالمذبح، إنه أعظم مكان فى العالم، حيث يقدم المسيح جسده ودمه، فليرتبط قلبك وحياتك بالمذبح لتجد شبعك وقوتك فتحيا مطمئناً كل أيامك.
(2) عودة المواسم الدينية (ع4-6):
4- و حفظوا عيد المظال كما هو مكتوب و محرقة يوم فيوم بالعدد كالمرسوم أمر اليوم بيومه. 5- و بعد ذلك المحرقة الدائمة و للأهلة و لجميع مواسم الرب المقدسة و لكل من تبرع بمتبرع للرب. 6- ابتداوا من اليوم الأول من الشهر السابع يصعدون محرقات للرب و هيكل الرب لم يكن قد تأسس.
ع4: يظهر من (ع6) كما سيأتى أنهم عيدوا عيد الأبواق، الذى يدعى عيد الهتاف بتقديم محرقة فيه وهو يقع فى اليوم الأول من الشهر السابع، يلى هذا العيد فى نفس الشهر عيد الكفارة الذى يقع فى اليوم العاشر ولكنهم لم يستطيعوا أن يعيدوا؛ لأن رئيس الكهنة فى هذا العيد يلزم أن يدخل بدم الذبيحة إلى قدس الأقداس، الذى لم يكن قد بنى بعد.
وفى اليوم الخامس عشر من الشهر السابع يقع عيد المظال وقد استطاعوا أن يعيدوه حسبما هو مكتوب فى شريعة موسى، أى كما هو مرسوم، حيث يقدمون فى السبعة أيام الخاصة بالعيد ذبائح بعدد معين يقل تدريجياً حتى اليوم السابع (عد29: 13، 17) وهذا هو المقصود فى نص هذه الآية بتعبير “ومحرقة يوم فيوم بالعدد كالمرسوم أمر اليوم بيومه”. وباقى طقس العيد أن يسكنوا فى مظال يصنعونها من فروع الأشجار، سواء فى الساحات، أو على أسطح المنازل واليوم الثامن اعتكاف.
تعييد عيد المظال بعد رجوع الشعب من السبى مع بناء المذبح الجديد يُذَكِر الشعب
(1مل8: 2) بأنهم عيدوا عيد المظال عند بدء تأسيس هيكل سليمان.
إن عيد المظال يُذَكْر الشعب بالغربة عن العالم والتعلق بالله وهذا أمر ضرورى أراد الله أن يؤكده داخل قلوب شعبه الراجعين من السبى، أن هدفهم فى الحياة عبادته فلا ينشغلوا بالمقتنيات والممتلكات، وإن كانوا قد أخطأوا بعد هذا وانشغلوا ببناء بيوتهم، ولكن الله أرسل لهم نبيين هما حجى وزكريا أعاداهم إلى الاهتمام ببناء بيت الله والعبادة فيه، كما سيظهر فى هذا السفر (عز5: 1).
ع5: الأهلة : رؤوس الشهور وكانوا يعيدون فيها.
بعد إقامة المذبح بدأ اليهود بتنفيذ الشريعة، فقدموا محرقة صباحية، ثم محرقة مسائية كل يوم، وبهذا تظل النار مشتعلة على المذبح دائماً، وذلك رمز لذبيحة المسيح على الصليب الدائمة الكفارة عن المؤمنين به.
ويخبرنا سفر المكابيين الثانى (2مك1: 19-22) أن اليهود كانوا قد خبأوا النار المقدسة فى بئر أيام إرميا عند الهجوم على أورشليم، فذهب الشيوخ العارفون بهذا الأمر، فوجدوا النار قد انطفأت ولكن وجدوا فى البئر ماءً، فأخذوا من الماء المقدس ووضعوه على المحرقة، فاشتعلت النار المقدسة فى الذبيحة على المذبح.
وبدأ الراجعون من السبى يحتفلون برؤوس الشهور ويقدمون الذبائح وكذلك فى المواسم والأعياد الدينية يتممون الطقوس ويقبلون تبرعات الشعب التطوعية المقدمة شكراً لله. وهكذا عادت الخدمة والعبادة فى هيكل الله.
ع6: وهكذا بدأت الخدمة وتقديم الذبائح فور بناء المذبح، الذى بنى بسرعة فى اليوم الأول من الشهر السابع.
ولكن هناك احتمال أن يكون بعض اليهود قد بنوا المذبح قبل بدء الشهر السابع بشهر، أو إثنين، أو أكثر، ثم اجتمع اليهود من مدنهم فى أول الشهر السابع وعيدوا عيد الهتاف وقدموا المحرقات.
اهتم أن تشترك فى الأعياد المقدسة وكل مناسبات الكنيسة، لتتخلص من فتورك الروحى ويرتبط قلبك بالسمائيات وتنمو فى محبتك لله. فالمناسبات الروحية فرصة للانتباه وسط زحام مشاغل الحياة.
(3) تأسيس الهيكل (ع7-13):
7- و اعطوا فضة للنحاتين و النجارين و مأكلا و مشربا و زيتا للصيدونيين و الصوريين ليأتوا بخشب أرز من لبنان إلى بحر يافا حسب إذن كورش ملك فارس لهم. 8- و في السنة الثانية من مجيئهم إلى بيت الله إلى أورشليم في الشهر الثاني شرع زربابل بن شالتئيل و يشوع بن يوصاداق و بقية إخوتهم الكهنة و اللاويين و جميع القادمين من السبي إلى أورشليم و أقاموا اللاويين من ابن عشرين سنة فما فوق للمناظرة على عمل بيت الرب. 9- و وقف يشوع مع بنيه و أخوته قدميئيل و بنيه بني يهوذا معا للمناظرة على عاملي الشغل في بيت الله و بني حيناداد مع بنيهم و إخوتهم اللاويين.
10- و لما أسس البانون هيكل الرب أقاموا الكهنة بملابسهم بأبواق و اللاويين بني آساف بالصنوج لتسبيح الرب على ترتيب داود ملك إسرائيل. 11- و غنوا بالتسبيح و الحمد للرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته على إسرائيل و كل الشعب هتفوا هتافا عظيما بالتسبيح للرب لأجل تأسيس بيت الرب. 12- و كثيرون من الكهنة و اللاويين و رؤوس الآباء الشيوخ الذين رأوا البيت الأول بكوا بصوت عظيم عند تأسيس هذا البيت أمام أعينهم و كثيرون كانوا يرفعون أصواتهم بالهتاف بفرح. 13- و لم يكن الشعب يميز هتاف الفرح من صوت بكاء الشعب لأن الشعب كان يهتف هتافا عظيما حتى أن الصوت سمع من بعد
ع7: النحاتين : هم الذين يقومون بقطع الأحجار من الجبل، أى ينحتونها من الجبل ويشكلونها بالشكل المناسب للبناء.
الصيدونيون : هم سكان صيدون وهى مدينة ساحلية فى لبنان الحالية وكانت تشتهر بصناعة السفن وصيد السمك.
بحر يافا : يافا مدينة ساحلية يهودية تقع على البحر الأبيض المتوسط والذى يسمى فى هذه المنطقة ببحر يافا.
شرع اليهود فى استعدادهم لبناء الهيكل، وبإذن من الملك كورش بدأوا مفاوضاتهم التجارية مع الصيدونيين، وهم ليسوا تابعين للملكة الفارسية، واتفقوا معهم على إرسال الألواح الخشبية من صيدون إلى يافا، مقابل تقديم الفضة لهم والأكل والشرب والزيت للعمال الصيدونيين القائمين بقطع الأخشـاب، كمـا فعل سـليمان قديمـاً عند بنـاء هيكـل الرب (1مل5: 10، 11).
الفضة ترمز للفداء، فاليهود دفعوا الفضة للأمميين؛ ليأتوا بالخشب لبناء الهيكل وهذا يرمز إلى أن الفداء خرج من اليهود لخلاص العالم كله؛ ليهود وأمم، فهيكل الله يشترك فى العمل فيه اليهود والأمم.
جُمِعت الفضة من اليهود الراجعين من السبى، فرغم فقرهم قدموا أغلى ما عندهم من المقتنيات محبة فى الله وعبادته وإقامة هيكله، بالإضافة للفضة التى جمعوها من أحبائهم الذين كانوا حولهم فى السبى تعضيداً منهم لبناء الهيكل، كما أمر كورش (ص1: 4).
ع8، 9: مناظرة : المراقبة للعمل والإشراف عليه.
استغرق استيراد الأخشاب من صيدون عدة شهور، وهى المدة من الشهر السابع فى السنة الأولى؛ حتى الشهر الثانى فى السنة الثانية لعودتهم لأورشليم.
من الملاحظ أن سليمان انتهى من بناء هيكله فى الشهر الثانى (1مل6: 1) وزربابل يبدأ إعادة بناء الهيكل فى الشهر الثانى، فهو يكمل ما بدأه سليمان باعتبار فترة السبى فترة عرضية مرت على اليهود كتأديب لهم ولكن قلبهم متعلق بالهيكل الذى بدأوا يبنونه.
يتقدم اسم زربابل الحاكم على يشوع رئيس الكهنة عند بناء الهيكل؛ لأن زربابل كان مكلفاً من قبل كورش ببناء الهيكل ويساعده يشوع الفاهم تفاصيل طقوس بناء الهيكل.
وضع زربابل ويشوع نظاماً دقيقاً للإشراف على بناء الهيكل، فرتبوا فرقاً من اللاويين لمراقبة العمل؛ حتى يتمم حسب الطقوس المرسومة.
كان سن اللاويين الذين يبدأون بالخدمة هو ثلاثين عاماً ويستمرون حتى خمسين عاماً (عد4: 3) ولكن فى الحالات الاضطرارية يمكنهم البدء من سن عشرين عاماً بدون حد أقصى فى السن إذا كانت حالتهم الصحية تسمح باحتمال مشقات العمل (1أى23: 24، 27).
لم يُذكَر حيناداد أحد رؤوس بين اللاويين فى الأصحاح الثانى من هذا السفر وذلك لأنه قد يكون فى ذلك الوقت كان موجوداً فى أورشليم واليهودية ولم يذهب للسبى.
وقف اللاويون لمراقبة العمل فى بيت الله، أى فى المكان الذى سيبنى فيه البيت؛ وذلك لأن بيت الله لم يكن قد بنى بعد.
ع10، 11: فرح الشعب عند وضع أساسات الهيكل واحتفوا بهذا، إذ لبس الكهنة ملابس الخدمة وحمل اللاويون بنو آساف المسئولون عن التسبيح صنوجهم، كما رتب لهم داود النبى وبوَّق الكهنة، ثم بدأ بنو آساف تسبيح الله معلنين شكرهم لله الدائم الرحمة؛ لأنه تحنن على شعبه وأعطاهم أن يعيدوا تأسيس هيكلهم ويقبل عبادتهم له، بعد سبى دام سبعين عاماً.
إن النفـخ بالأبـواق يعلـن الفـرح والبهجة وكان يتم فى عيد الأبواق وعند الحرب (عد10: 8)، طلباً لمعونة الله وهنا كحالة استثنائية استخدم الكهنة الأبواق فرحاً بتأسيس الهيكل وطلباً لمعونة الله؛ حتى يستطيعوا إكمال بنائه إذا قاومتهم الأمم المحيطة، كما سيظهر فى الأصحاح التالى. وكانت تملأ قلوبهم مشاعر قوية هى :
- غيرة مقدسة ومحبة لله الذى يعبدونه.
- فرحتهم بإتمام مشيئة الله وأوامر ملكهم كورش.
- اعتزازهم بانتسابهم لله القوى بعد احتمالهم ذُلْ سبعين عاماً.
ع12، 13: عندما رأى الشيوخ من الكهنة واللاويين ورؤوس الآباء من الشعب الهيكل قد تأسس بكوا بصوت عالٍ لما يلى :
- فرحوا بإعادة تأسيس هيكل الله الذى رأوه قديماً قبل حرقه على يد نبوخذنصر.
- لعلهم تذكروا خطاياهم التى سببت لهم السبى ولكن رحمة الله أعادتهم من السبى وبدأوا تأسيس الهيكل.
- قد يكون شعورهم أن هذا البيت متواضع جداً مقارنة بهيكل سليمان العظيم، الذى فقدوه بسبب خطاياهم، فشعروا بحسرة على هيكل سليمان الذى فُقِد.
إن اختلاط هذه المشاعر يدعو للبكاء، كما اختلطت مشاعر الفرح داخل الإبن الضال بالعودة إلى أبيه مع مشاعر الحزن على خطاياه.
إرتفع هُتاف الشعب فرحاً بتأسيس الهيكل واختلط الهتاف مع صوت البكاء؛ حتى سُمعت الأصوات عن بعد. فرحك الحقيقى هو فى الوجود مع الله، فاهتم أن تؤسس له بيتاً فى داخلك بالصلوات والتأملات والتسبيح؛ لتثبت فى الفرح.