الرجوع الثانى إلى أورشليم بقيادة عزرا
- نلاحظ فى رجوع اليهود إلى أورشليم أنه لم يأمر أحد الملوك كورش، أو أرتحشستا بإلزام جميع اليهود بالعودة، لأن الله يقدر حرية الإنسان وينتظر أن يختار الإنسان بنفسه العودة إلى الله.
- الرجوع كان على ثلاث دفعات ليظهر مدى تجاوب الشعب والكهنة، فالبعض أسرع مع زربابل والبعض الآخر بعد فترة ثم الأخيرين كانوا مع نحميا، كما ذكر المسيح فى مثل الفعلة، فالبعض فى الساعة الأولى والبعض الآخر فى ساعات متتالية حتى الساعة الحادية عشر.
- كان القادة مختلفين، فزربابل من نسل ملكى وعزرا من الكهنة ونحميا من الشعب ونال مركزاً فى المجتمع الفارسى، فالله يقبل الكل فى خدمته مع تنوع قدرتهم.
- كل فوج عاد إلى أورشليم كان له دور :
أ – الفوج الأول بنى الهيكل.
ب – الفوج الثانى نظم الخدمة فى الهيكل.
ج – الفوج الثالث بنى أسوار أورشليم وأبوابها.
فتكاملت أدوار الأفواج فى العمل لمصلحة الشعب وعلاقته بالله والكل اهتم بالإصلاح الداخلى.
- تظهر يد الله فى هذا الأصحاح التى تصاحب شعبه وتحفظه حتى يصل من بلاد بابل إلى أورشليم؛ ليبدأوا شكر الله وعبادته.
- بنهاية الأصحاحج السابق ينتهى الكتابة باللغة الآرامية، لأن الأصحاحات السابقة تحوى رسائل ملكية وابتداء من هذا الأصحاح يبدأ عزرا بالكتابة باللغة العبرية، لأنه يخاطب الشعب اليهودى الذى يجيد العبرية.
(1) رؤوس الآباء العائدون (ع1-14) :
1- و هؤلاء هم رؤوس أبائهم و نسبة الذين صعدوا معي في ملك أرتحشستا الملك من بابل.
2- من بني فينحاس جرشوم من بني إيثامار دانيال من بني داود حطوش. 3- من بني شكنيا من بني فرعوش زكريا و انتسب معه من الذكور مئة و خمسون. 4- من بني فحث موآب اليهوعيناي بن زرحيا و معه مئتان من الذكور. 5- من بني شكنيا ابن يحزيئيل و معه ثلاث مئة من الذكور. 6- من بني عادين عابد بن يوناثان و معه خمسون من الذكور. 7- من بني عيلام يشعيا بن عثليا و معه سبعون من الذكور. 8- و من بني شفطيا زبديا بن ميخائيل و معه ثمانون من الذكور. 9- من بني يوآب عوبديا بن يحيئيل و معه مئتان و ثمانية عشر من الذكور. 10- و من بني شلوميث ابن يوشفيا و معه مئة و ستون من الذكور. 11- و من بني باباي زكريا بن باباي و معه ثمانية و عشرون من الذكور. 12- و من بني عزجد يوحانان بن هقاطان و معه مئة و عشرة من الذكور. 13- و من بني ادونيقام الاخرين و هذه أسماؤهم اليفلط و يعيئيل و شمعيا و معهم ستون من الذكور. 14- و من بني بغواي عوتاي و زبود و معهما سبعون من الذكور.
- فى نهاية الأصحاح السابق يحدثنا عزرا عن رجوعه مع الذين قبلوا الرجوع إلى أورشليم من اليهود. وفى هذه الآية يخبرنا برؤوس الآباء العائدون إلى أورشليم ويذكر تفاصيلهم فى الآيات التالية.
- واهتمام عزرا بكتابة رؤوس الآباء؛ لأن كل رأس سيأتى بمن يتبعه من عشيرته وهو بالتالى يذكر لنا مجموعة كبيرة من العشائر عاد منها.
- إذا جمعنا أعداد الراجعين المذكورة فى هذه الآيات نجدها 1496 يضاف إليها عدد غير معروف يشار إله فى (ع2)، فتقديرياً كان عدد الرجال الراجعين حوالى 1700 رجلاً. وإذا أضفنا إليهم النساء والأطفال يكون العدد حوالى ثمانية آلاف.
- يُذكر الكهنة العائدون فى البداية (ع2) لأهميتهم فى خدمة بيت الرب.
- يُذكر فى (ع13) “بنى أدونيقام الآخرين” لأن عدد كبير من بنيه عادوا مع زربابل وهنا نجد 60 رجلاً آخرين يعودون مع عزرا، فيُفهم من هذا أنه من نفس العشائر عاد جزء فى الفوج الأول والبعض فى الفوج الثانى.
الله يفرح بعودتك إليه، حتى لو كنت توانيت فى الرجوع وتعطلت، فلم تصعد مع زربابل، فالآن أمامك فرصة للرجوع مع عزرا، أى ترجع بالتوبة إليه والحماس الروحى للتمسك بوصاياه وممارساته الروحية.
(2) الاستعداد للرجوع (ع15-30) :
15- فجمعتهم إلى النهر الجاري إلى أهوا و نزلنا هناك ثلاثة أيام و تأملت الشعب و الكهنة ولكنني لم أجد أحدا من اللاويين هناك. 16- فأرسلت إلى اليعزر و اريئيل و شمعيا و الناثان و ياريب والناثان و ناثان و زكريا و مشلام الرؤوس و إلى يوياريب و الناثان الفهيمين. 17- و أرسلتهم الى ادو الراس في المكان المسمى كسفيا و جعلت في أفواههم كلاما يكلمون به ادو و اخوته النثينيم في المكان كسفيا ليأتوا إلينا بخدام لبيت إلهنا. 18- فاتوا إلينا حسب يد الله الصالحة علينا برجل فطن من بني محلي بن لاوي بن إسرائيل و شربيا و بنيه و اخوته ثمانية عشر. 19- و حشبيا و معه يشعيا من بني مراري و اخوته و بنوهم عشرون. 20- و من النثينيم الذين جعلهم داود مع الرؤساء لخدمة اللاويين من النثينيم مئتين و عشرين الجميع تعينوا بأسمائهم.21- و ناديت هناك بصوم على نهر أهوا لكي نتذلل أمام إلهنا لنطلب منه طريقا مستقيمة لنا و لأطفالنا و لكل ما لنا. 22- لأني خجلت من أن اطلب من الملك جيشا و فرسانا لينجدونا على العدو في الطريق لأننا كلمنا الملك قائلين أن يد إلهنا على كل طالبيه للخير و صولته و غضبه على كل من يتركه. 23- فصمنا و طلبنا ذلك من الهنا فاستجاب لنا. 24- و أفرزت من رؤساء الكهنة إثني عشر شربيا و حشبيا و معهما من اخوتهما عشرة. 25- و وزنت لهم الفضة و الذهب و الآنية تقدمة بيت إلهنا التي قدمها الملك و مشيروه ورؤساؤه و جميع إسرائيل الموجودين. 26- وزنت ليدهم ست مئة و خمسين وزنة من الفضة و مئة وزنة من آنية الفضة و مئة وزنة من الذهب. 27- و عشرين قدحا من الذهب ألف درهم و آنية من نحاس صقيل جيد ثمين كالذهب. 28- و قلت لهم انتم مقدسون للرب و الآنية مقدسة و الفضة والذهب تبرع للرب إله آبائكم. 29- فاسهروا وأحفظوها حتى تزنوها امام رؤساء الكهنة و اللاويين و رؤساء آباء إسرائيل في أورشليم في مخادع بيت الرب. 30- فاخذ الكهنة و اللاويون وزن الفضة و الذهب و الآنية ليأتوا بها إلى أورشليم إلى بيت إلهنا.
ع15-20: أهوا : أحد روافد الفرات بالقرب من بابل وكان هناك تجمع لليهود، إذ أنهم يفضلون السكن بجوار الأنهار ليسهل عليهم الاغتسال عند تقديم عبادتهم لله، كما يذكر المزمور “على أنهار بابل هناك جلسنا” (مز137: 1) وحزقيال أيضاً سكن فى السبى بجوار خابور (حز1: 1).
كسفيا : كلمة معناها فضة وهى منطقة فى ميديا بها مناجم فضة تجمع حولها اللاويون، لعلهم عملوا فى هذه المناجم.
- جمع عزرا الذين يريدون العودة من السبى عند نهر أهوا، ولعله نظمهم وعرف أنسابهم المذكورة من (ع1-14)، وكان ذلك خلال ثلاثة أيام، فاكتشف وجود عدد من الكهنة والشعب ولكن لم يجد أحداً من اللاويين.
- اجتماع الشعب ثلاثة أيام عند النهر ترمز لقيامة المسيح التى ننال قوتها من خلال سر المعمودية وعمل الروح القدس فيها التى ترمز إليها المياه.
- لم يكتفِ عزرا بالحزن على عدم تجاوب اللاويين، بل اختار عشرة من مساعديه وأرسلهم تحت قيادة رجلين دعاهما بالفهيمين، فالعشرة كلهم من رؤوس الآباء ولكن اثنين منهم كانا متميزين بالفهم والقدرة على الكلام والإقناع (ع16).
أرسل هؤلاء إلى رجل يسمى إدو يقيم فى منطقة كسفيا، التى كما ذكرنا. غالباً كان يقيم فيها عدد من اللاويين والنثنيم، أى الأمميين المساعدين فى خدمة الهيكل ويلقب أدو بالرأس ولعله كان رئيساً لمدرسة اللاويين.
- استطاع مساعدو عزرا أن يقنعوا إدو بالدعوة بين اللاويين والنثنيم بالعودة إلى أورشليم وتجاوب إدو، فاقتنع أربعين من اللاويين وذهبوا إلى نهر أهوا حيث يقيم عزرا، أما النثنيم فتجاوب منهم عدد كبير هو 220 وذهبوا هم أيضاً إلى عزرا. وهذا يبين مدى تجاوب الأمميين وتخاذل اللاويين المكرسين لخدمة بيت الله، إذ أنهم أحبوا العالم وتعلقوا بممتلكاتهم فرفض معظمهم الرجوع إلى أورشليم. وللأسف سبق تخاذل اللاويين عن الرجوع أيام زربابل، فلم يرجع منهم إلا 74 لاويا وقد سبق ذكر أسباب ذلك فى (ص2: 40).
- نرى إيمان عزرا وإتضاعه فى نسبة كل بركة فى الرجوع لأورشليم إلى يد الله، إذ يقول “حسب يد الله الصالحة معى” (ع18).
ع21: بعد اجتماع الشعب حول عزرا عند نهر أهوا نادى بينهم بصوم جماعى حتى يقطعوا عنهم تعلقاتهم المادية ببلاد السبى، فالصوم هو التجرد وترك العالم للتمتع بالله وبهذا يستطيعوا التغلب على حروب إبليس، كما قال المسيح “إن هذا الجنس لا يخرج بشئ إلا بالصوم والصلاة” (مت17: 21).
وإن كانوا اجتمعوا عند نهر أهوا الذى يرمز إلى المعمودية، فهم يحتاجون – بعد نوالهم الطبيعة الجديدة – أن يحتفظوا بها بواسطة الصوم، الذى يعلق قلوبهم بمحبة الله وليس العالم. وهذا هو أكبر استعداد للرحلة الروحية، أى العودة لله، فالعودة لله تستلزم الفطام عن العالم.
وتحتاج رحلة العودة إلى الله أيضاً إلى التوبة، لذا نادى عزرا بالتذلل أمام الله، ليقبل توبتهم، فيتطهروا من كل خطية وينير الله أعينهم فيسلكوا فى الطريق المستقيم ويحفظوا وصاياه.
ع22: صولته : سلطانه فى الحرب مع الشيطان وقوته.
نظر عزرا إلى طول رحلة العودة وهى حوالى 900 ميلاً واحتمالات وجود قطاع الطرق والأعداء خاصة وأن معه آلاف من النساء والأطفال، بالإضافة إلى مقتنيات ثمينة وهى الفضة والذهب والأوانى النفيسة تُقدر بملايين الجنيهات. أمام هذه المخاوف شعر عزرا بالحاجة إلى الحماية والرعاية.
فكر عزرا أن يطلب من الملك حراساً يصاحبونه فى الطريق ولكنه تراجع سريعاً وخجل أن يطلب ذلك؛ لأنه كيف يؤمن بإله قوى قادر أن يحفظه ويطلب معونة بشرية. فرفض هذا الفكر وآمن بالله واتكل عليه.
إن كان نحميا قد قبل مصاحبة حراس له من قبل نفس الملك أرتحشستا وشكره على ذلك، فليس معنى هذا ضعف إيمان نحميا؛ لأنه خجل أيضاً أن يرفض جنود الملك، فالأثنين عزرا ونحميا آمنا بقوة الله المصاحبة لهما والحافظة لمن معهما .. فالله يعمل بكل الوسائل، ويبقى أن نؤمن بعمله فى كل الظروف.
ع23: شعر عزرا بطمأنينة بعد أن صلى وصام مع الشعب وأن الله استجاب له وبدأ الرحلة التى استغرقت حوالى أربعة شهور ووصلت بسلام إلى أورشليم، أى استجاب الله وحفظ أولاده وطالبيه من أمرين :
- من كل المخاطر التى يمكن أن تقابلهم فى الطريق.
- حفظهم فى وحدانية، فلم ينقسموا على بعض، بل ساروا فى وحدانية وخضوع لعزرا.
إلهك قادر أن يحفظك وسط كل الأخطار، فقط يطلب محبتك وصلواتك وأصوامك وطلبك له، فهو يريد قلبك ويعدك بطمأنينة كاملة، حتى لو سرت فى وادى ظل الموت.
ع24: اختار عزرا اثنى عشر رجلاً معروفاً بالأمانة والدقة من رؤساء الكهنة، يذكر اثنين منهما هما شربيا وحشبيا.
هؤلاء الإثنى عشر قد يكونوا جميعاً رؤساء كهنة، أى رؤساء فرق كهنوتية. وقد يكون بعضهم فقط رؤساء كهنة والباقى من الكهنة. وقد يكون شربيا وحشبيا هما رؤساء اللاويين المذكورين فى (نح12: 24) ومعهما عشرة من الكهنة واللاويين. والخلاصة أنهم أثنى عشر من المكرسين لخدمة بيت الرب من الكهنة، أو اللاويين.
ع25-27: قدح : إناء غالباً صغير مثل الكأس، أو الكوب.
درهم ذهب : يساوى نصف شاقل والشاقل حوالى 12 جرام.
صقيل : أى ناعم ولامع.
جمع عزرا كل الفضة والذهب والآنية المصنوعة من الفضة والذهب والنحاس الجيد ووزنها وسلمها لهؤلاء الإثنى عشر؛ ليحملوها ويحفظوها فى طريق الرحلة ويظهر من هذا حسن توزيعه للمسئوليات واهتمامه بالمحافظة على العطايا الثمينة الخاصة بالله. وبالتالى لو فقد شيئاً منها لا يظن أحد أن عزرا قد أخذ منها شيئاً، أو شخصاً ما من الإثنى عشر شخصاً قد أخذها؛ لأن المسئولية جماعية، فالكل مسئول أن يحافظ على هذه العطايا.
وحدد أوزان الفضة والذهب والأوانى المصنوعة منها وكذلك المصنوعة من النحاس وسلمها لهؤلاء الرجال الأمناء.
نلاحظ فى هذه العطايا أنها كثيرة لأن :
- المملكة الفارسية كانت غنية.
- أحب أرتحشستا الله، فكان سخياً فى عطائه هو ومشيريه.
- أعطى الشعب بسخاء لله لمحبته لبيته.
ع28: أعلن عزرا للرجال أنهم مقدسون ومكرسون لخدمة الله وكذلك هذه الأوانى مقدسة لله، فالإنسان المقدس يقدر كل ما هو مقدس ويحفظه، حتى يعطيه لله، كما أعطى نفسه أولاً لله، أى أن الإنسان الذى تقدس يُؤتمن على المقدسات، وهذه المقدسات هى عطايا الملك ومشيريه والشعب لله وبالتالى صارت مقدسة ومخصصة لله لا يستطيع أحد أن يأخذها بل توهب فقط لبيت الرب.
ع29، 30: طلب عزرا من شربيا وحشبيا ومن معهما أن يحفظوا كل ما تسلموه طوال الرحلة حتى يصلوا إلى أورشليم، فيسلموا كل ما معهم للكهنة واللاويين المسئولين عن خزائن بيت الرب، فأخذوا كل شئ من يد عزرا وساروا به إلى أورشليم.
طلب من الرجال أن يسلموا كل ما معهم بالوزن بكل دقة، ليس شكاً فى أمانتهم، بل حتى لا يشك أحداً فيهم ويصل كل شئ بدقة إلى بيت الرب.
(3) شكر الله فى أورشليم (ع31-36) :
31- ثم رحلنا من نهر أهوا في الثاني عشر من الشهر الأول لنذهب إلى أورشليم و كانت يد إلهنا علينا فأنقذنا من يد العدو و الكامن على الطريق. 32- فأتينا إلى أورشليم و أقمنا هناك ثلاثة أيام. 33- و في اليوم الرابع وزنت الفضة و الذهب و الآنية في بيت إلهنا على يد مريموث بن أوريا الكاهن و معه العازار بن فينحاس و معهما يوزاباد بن يشوع و نوعديا بن بنوي اللاويان.
34- بالعدد و الوزن للكل و كتب كل الوزن في ذلك الوقت. 35- و بنو السبي القادمون من السبي قربوا محرقات لإله إسرائيل اثني عشر ثورا عن كل إسرائيل و ستة و تسعين كبشا و سبعة وسبعين خروفا و إثني عشر تيسا ذبيحة خطية الجميع محرقة للرب. 36- و أعطوا أوامر الملك لمرازبة الملك و ولاة عبر النهر فأعانوا الشعب و بيت الله.
ع31: بعدما اجتمع اليهود مع عزرا عند نهر أهوا وصاموا وصلوا وتذللوا، تحركت الرحلة فى الثانى عشر من الشهر الأول وهو شهر نيسان الذى يوافق شهر أبريل فى السنة الميلادية ووصلت إلى أورشليم فى أول الشهر الخامس وهو شهر آب الذى يوافق شهر أغسطس (ص7: 9)، أى استغرقت الرحلة حوالى أربعة شهور.
ولم يذكر لنا عزرا تفاصيل عن الرحلة إلى أورشليم؛ لأن هذه الرحلة ترمز إلى رحلتنا فى العالم حتى نصل إلى أورشليم السمائية. وعندما نصل تصير فترة حياتنا على الأرض كأنها لا شئ أمام مجد السماء، هكذا أيضاً رحلة عزرا – مهما كانت متاعبها – لا تساوى شئ أمام تمتعهم برؤية المدينة المقدسة وهيكل الله.
كل ما يذكره عزرا عن الرحلة أن الله حفظهم من كل الأخطار، سواء الأعداء – أى الأمم التى لا تحب اليهود – أو الكامن على الطريق، أى قطاع الطرق، فيد الله كانت ترعاهم ما داموا يطلبون عبادة الله وإرضاؤه.
إن رحلة عزرا من بابل إلى أورشليم تشبه رحلة موسى من مصر إلى أرض كنعان ولكن رحلة موسى استغرقت أربعين عاماً، أما رحلة عزرا فكانت أربعة شهور وموسى كان معه تابوت عهد الله وعمود السحاب وعمود النار وصخرة الماء والمن، أما عزرا الذى هو موسى الثانى فكانت معه يد الله، الذى حفظهم كما حفظ موسى الأول وشعبه.
إن عزرا تمتع بيد الله التى تحفظه هو وشعبه؛ لأنه قضى ثلاثة أيام فى صلاة وصوم وتوبة، وكان هدفه واضحاً وهو الوصول إلى أورشليم، فالله يحفظ أولاده وطالبيه المتمسكين به.
ع32: بعد وصول الرحلة لأورشليم، قضوا فيها ثلاثة أيام، لم يذهبوا إلى بلادهم، التى كان يعيش فيها آباؤهم فى اليهودية. فماذا عملوا فى الثلاثة أيام ؟
- شكروا الله الذى حفظهم طوال الرحلة من كل المخاطر.
- لعلهم تأملوا الهيكل الذى اشتاقوا لرؤيته منذ زمان طويل وسمعوا عنه من آبائهم وجدودهم.
وبالطبع يُفهم أن اليهود، الذين سبقوهم وسكنوا فى أورشليم، رحبوا بهم واستضافوهم خلال هذه الثلاثة أيام.
تمتع الراجعون بالوحدانية؛ لأنهم بدأوا الرحلة بالصلاة والصوم والتوبة، فشعروا بوحدانيتهم داخل يد الله فى رحلتهم.
ع33، 34: بعد شكر الله ثلاثة أيام سلم عزرا عن طريق الإثنى عشر رجلاً، الذين إئتمنهم على الفضة والذهب والأوانى، فأعطها للكهنة واللاويين خدام الهيكل والمسئولين عن الخزانة.
نلاحظ الدقة فى تسليم هذه النفائس، فسلمها بالعدد وبالوزن؛ حتى لا يُشك فى أمانته وأمانة الرجال الذين معه، وكتبوا مفردات ما سلموه؛ لتثبت داخل الهيكل لمن يأتى بعده، أو يتصرف فى هذه المقتنيات.
ع35: بعد ذلك قدموا ذبائح شكر لله الذى حفظهم فى الطريق ومتعهم برؤية هيكله المقدس.
وقد قدموا إثنى عشر ثوراً عن كل إسرائيل ومع أن الراجعين من سبطى يهوذا وبنيامين ولكن أصبح اليهود بعد العودة من السبى دولة واحدة، حتى لو كان العائدون من الأسباط الأخرى قليلون جداً؛ لأن الضيقة تنشئ الوحدانية والمحبة بين المنقسمين.
قدموا محرقات لله؛ ليعلنوا ميلهم لتكريس قلوبهم لله. وقدموا ذبائح خطية، إعلاناً لتوبتهم واحتياجهم لغفران الله، فكانت مشاعرهم حب واتضاع.
ع36: المرازبة : الرؤساء المدنيين عند الفرس.
أعطى عزرا أوامر أرتحشستا الملك للمرازبة والولاة فى عبر النهر وهم المسئولين عن منطقة سكن اليهود، فنفذوا الأوامر الملكية فى الحال وعضدوا اليهود بالاحتياجات المالية من الخزائن الملكية وكذلك احتياجاتهم من المواد الغذائية. وهكذا بنعمة الله تغيرت القلوب، التى كانت تعادى اليهود إلى قلوب تساعد وتساند اليهود. إن عشت بالإيمان واتكلت على الله فهو قادر أن يحول من يعاديك، أو يسئ إليك إلى إنسان متعاون ومساعد لك؛ حتى تطمئن وتنمو فى محبتك لله وتشكره كل حين.