عودة لبناء الهيكل
- بدأ بناء هيكل الله بأمر كورش الملك عام 535 ق.م بعد عودته من السبى بسنة واحدة واستمر خمس سنوات، حتى موت كورش عام 530 ق.م وتملَّك ابنه أرتحشستا (قمبيز)، الذى استطاع أعداء شعب الله أن يشتكوا له اليهود، فأصدر أمراً بإيقاف البناء، الذى توقف حوالى عشر سنوات، حتى عام 520 ق.م وهى السنة الثانية للملك داريوس.
- نرى فى هذا الأصحاح كيف تراخى الشعب وانشغل اليهود ببناء بيوتهم، فأرسل الله لهم نبيين هما حجى وزكريا اللذين شجعاهم وبدأوا بناء الهيكل وساندهم الله فلم تعطلهم شكوى الولاة المدنيين على المنطقة، كما سنرى فى هذا الأصحاح.
(1) النبيان وبناء الهيكل (ع1-5):
1- فتنبأ النبيان حجي النبي و زكريا ابن عدو لليهود الذين في يهوذا و أورشليم باسم إله إسرائيل عليهم. 2- حينئذ قام زربابل بن شالتئيل و يشوع بن يوصاداق و شرعا ببنيان بيت الله الذي في أورشليم و معهما أنبياء الله يساعدونهما. 3- في ذلك الزمان جاء إليهم تتناي والي عبر النهر وشتر بوزناي و رفقاؤهما و قالوا لهم هكذا من أمركم أن تبنوا هذا البيت و تكملوا هذا السور.
4- حينئذ أخبرناهم على هذا المنوال ما هي أسماء الرجال الذين يبنون هذا البناء. 5- و كانت على شيوخ اليهود عين إلههم فلم يوقفوهم حتى وصل الأمر إلى داريوس و حينئذ جاوبوا برسالة عن هذا.
ع1: تراخى الشعب ولم يعد له حماساً لبناء بيت الرب لما يلى :
- انشغالهم ببناء بيوتهم الخاصة والأغنياء منهم اهتموا بتزيينها فغشوا بيوتهم من الداخل (حج1: 3).
- ضعف ميلهم الروحى، فقد بدأوا بحماس ولكن فترت عزيمتهم، حتى كادت تتلاشى من جهة بناء بيت الرب.
من أجل الضعف الروحى الشديد للشعب أرسل الله لهم نبيين وليس نبياً واحداً هما حجى وزكريا، كما أرسل قبلاً إيليا وإليشع، ثم أشعيا وبعده إرميا وكذلك دانيال وحزقيال فى السبى.
بدأت نبوة حجى قبل نبوة زكريا بعدة أشهر واتسمت نبوات حجى بالتوبيخ على بناء اليهود بيوتهم وإهمالهم بناء بيت الرب، أما زكريا فقد اتسمت نبوته بالتشجيع (زك4: 6) وهكذا بهذا التكامل تتم الفائدة الروحية وينهض الشعب.
أيضاً تتصف نبوة حجى بالكلام المباشر، أما زكريا فيستخدم الرؤى بكثرة ليقرب المعنى.
كانت نعمة الله مساندة للنبيين، فتكلما باسم الرب وكانت لهما مهابة وتأثير روحى على الشعب؛ لتعضيد الرب لهما، خاصة وأن الشعب كله كان فى تكاسل، حتى القائدان زربابل ويشوع استسلما لهذا الضعف، فكان من الضرورى تدخل الله؛ ليشجع شعبه حتى يعبدوه.
ع2: تجاوب الشعب مع كلام النبيين بدأ بقيادة زربابل ويشوع فى بناء هيكل الله الذى توقف بناؤه حوالى عشر سنوات.
بدء البناء لم يجعل النبيين يتراخيان، بل ظلا فى عملهما التشجيعى والتوبيخى حتى يكمل الشعب بناء الهيكل، ولعلهما اشتركا هما وزربابل ويشوع مع الشعب بأيديهما فى البناء؛ لتشجيع الشعب.
قادة العمل هم الحاكم وهو زربابل، ورئيس الكهنة وهو يشوع، والنبيان، أى حجى وزكريا، وقائد حياتنا الروحية هو المسيح الملك والكاهن والنبى.
زربابل يرمز للمسيح فيما يلى :
- زربابل أعاد شعب الله من السبى والمسيح حررنا من سبى الخطية بموته على الصليب.
- زربابل أسس الهيكل الجديد بعد السبى والمسيح أسس هيكل كنيسة العهد الجديد بذبيحة نفسه على الصليب رغم مقاومات الأعداء لكليهما.
- زربابل من سبط يهوذا وكذلك المسيح.
ع3: كانت تتبع الإمبراطورية الفارسية عشرون ولاية، إحداهما ولاية عبر النهرين وهى تشمل المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات، أى سوريا وفلسطين وما حولها. كان والياً على هذه الولاية شخص يسمى تتناى ويساعده فى هذه الولاية شتر بوزتاى، فوصلت إلى تتناى شكاوى من بعض الأمم المحيطة أن اليهود يبنون هيكلاً بدون تصريح، أو لعل المراقبين التابعين لتتناى فى كل ولايته أبلغوه بهذا البناء.
أتى تتناى وشتربوزناى ومجموعة من المساعدين لهما إلى أورشليم، ليتحققوا من الأمر، فوجدوا بالفعل بناء الهيكل يتم، فتكلم تتناى مع الوالى زربابل، الذى يُعتبر مرؤوساً له على أورشليم واليهودية وسأله هو ومن معه عن التصريح الذى معهم، ليقوموا بهذا البناء. وكان سؤال تتناى استفهامى لتسير الأمور بشكل سليم وليس بعداوة أو مقاومة، كما حدث قبلاً من رحوم فى (ص4).
ع4: سأل تتناى عن أسماء القائمين بالبناء، فتقدم زربابل بشجاعة وكتب اسمه وأسماء الرؤساء المساعدين له فى البناء وقدمها إلى تتناى. ونرى هنا أمانة تتناى المحايدة؛ لضبط الأمور ومعرفة ما يجرى فى ولايته بالتدقيق وأيضاً شجاعة زربابل وكل مساعديه فى البناء؛ لأن الله شجعهم بواسطة النبيين.
ع5: أعطى الله اليهود نعمة فى عينى تتناى، فلم يوقفهم عن استكمال بناء الهيكل ولكن أخبرهم أنه سيرسل إلى الملك داريوس، ليتأكد من كلامهم؛ لأن زربابل أخبره كما سنرى فى الآيات التالية أن كورش قد أصدر لهم أمراً بالبناء. وبنعمة الله حاول تتناى مساعدتهم، فلم يهتم بأمر أرتحشستا بإيقاف البناء ووعدهم أنه سيخبرهم برد داريوس على هذا الأمر.
نرى هنا دقة عزرا الكاهن الكاتب، الذى استطاع أن يحصل على نصوص الرسائل المرسلة إلى ملوك فارس، سواء من رحوم الذى كان يعادى اليهود، أو من تتناى المحب لليهود ولعل عزرا قد حصل على هذه النصوص عندما كان يعيش فى السبى من سجلات الحكومة قبل أن يأتى إلى أورشليم.
إن عين الله عليك ترعاك وتساندك، فلا تنزعج من مقاومات الأعداء ولكن اطلبه واتكل عليه واستمر فى جهادك الروحى، واثقاً من مساندته.
(2) رسالة لداريوس الملك (ع6-17):
6- صورة الرسالة التي أرسلها تتناي والي عبر النهر و شتر بوزناي و رفقاؤهما الافرسكيين الذين في عبر النهر إلى داريوس الملك. 7- أرسلوا اليه رسالة و كان مكتوبا فيها هكذا لداريوس الملك كل سلام. 8- ليكن معلوما لدى الملك إننا ذهبنا إلى بلاد يهوذا الى بيت الإله العظيم و إذا به يبنى بحجارة عظيمة و يوضع خشب في الحيطان و هذا العمل يعمل بسرعة و ينجح في ايديهم.
9- حينئذ سألنا أولئك الشيوخ و قلنا لهم هكذا من امركم ببناء هذا البيت و تكميل هذه الاسوار. 10- و سألناهم أيضا عن أسمائهم لنعلمك و كتبنا أسماء الرجال رؤوسهم. 11- و بمثل هذا الجواب جاوبوا قائلين نحن عبيد اله السماء و الأرض و نبني هذا البيت الذي بني قبل هذه السنين الكثيرة و قد بناه ملك عظيم لإسرائيل و أكمله. 12- و لكن بعد أن اسخط آباؤنا اله السماء دفعهم ليد نبوخذنصر ملك بابل الكلداني الذي هدم هذا البيت و سبى الشعب الى بابل. 13- على انه في السنة الأولى لكورش ملك بابل اصدر كورش الملك أمرا ببناء بيت الله هذا. 14- حتى ان انية بيت الله هذا التي من ذهب و فضة التي اخرجها نبوخذنصر من الهيكل الذي في أورشليم و أتى بها إلى الهيكل الذي في بابل اخرجها كورش الملك من الهيكل الذي في بابل و اعطيت لواحد اسمه شيشبصر الذي جعله واليا. 15- و قال له خذ هذه الآنية و اذهب و احملها إلى الهيكل الذي في أورشليم و ليبن بيت الله في مكانه. 16- حينئذ جاء شيشبصر هذا و وضع أساس بيت الله الذي في أورشليم و من ذلك الوقت إلى الآن يبنى و لما يكمل. 17- و الآن إذا حسن عند الملك فليفتش في بيت خزائن الملك الذي هو هناك في بابل هل كان قد صدر أمر من كورش الملك ببناء بيت الله هذا في أورشليم و ليرسل الملك إلينا مراده في ذلك
ع6، 7: أرسل تتناى رسالة إلى الملك داريوس، أعطاه السلام فى بدايتها، كعادة الخطابات ووقعها هو وشتربوزناى والأفرسكيين وهم مجموعة من مساعديه فى إدارة الولاية.
ع8: أخبر تتناى الملك داريوس بأنه قام بزيارة أورشليم لفحص ما وصل إليه من معلومات وشاهد بنفسه ما يجرى فيها من بناء. ويلاحظ أن تتناى فى تقريره حاول إقناع الملك وتشجيعه على الموافقة باستكمال البناء ويظهر ذلك مما يلى :
- وصف الهيكل بأنه بيت الإله العظيم. وهذا يعنى أن الله وضع فى قلب تتناى مهابته ومخافته، فرغم أنه وثنى يؤمن بتعدد الآلهة لكنه اعتبره إلهاً عظيماً بين الآلهة.
- مجَّد البناء بوصفه أنه يُبنى بحجارة عظيمة مع أنها هى الحجارة المتهدمة الباقية من أنقاض هيكل سليمان وهى بالحقيقة حجارة ضخمة (2أى22: 2) ولكنه لم يصفها أنها حجارة متهدمة، بل عظيمة.
- أعلن للملك أن العمل يتم بسرعة ونجاح كبير؛ ليبين للملك قوة البناء وبركة هذا الإله الذى يكمل بناء بيته ويساعد المؤمنين به.
إن يد الله تساند أولاده ما داموا يعملون بأمانة ومحبة وفى خضوع لكلامه، إذ خضع الشعب لكلام النبيين. فكن أميناً فى عملك وخدمتك لله وتأكد من أن الله سينجحك ويعطيك بركات كثيرة.
ع9، 10: أخبر تتناى داريوس بأنه عند فحص ما يتم فى أورشليم سأل عن أسماء الرؤساء المسئولين عن البناء وكتب كل الأسماء وأرسلها مع هذه الرسالة إلى الملك وهذا يبين دقته وأمانته، فهو يعمل عمله بأمانة أيضاً يشجع اليهود. يفهم من سؤال تتناى لشيوخ إسرائيل عن من أمرهم ببناء الهيكل أنه قد تولى حديثاً على ولاية عبر النهر ولا يعرف الأمر الذى صدر من كورش عام 536 ق.م، أى منذ ستة عشر عاماً.
ع11: أضاف تتناى بأن شيوخ اليهود أخبروه أنهم يعبدون الله، الذى هو إله السماء والأرض وهذا تعظيم لله عن الآلهة الوثنية وإن كان تتناى يقوله على لسان اليهود ولكن إخبار داريوس به يبين تقديره لله وللمؤمنين به.
قال أيضاً شيوخ اليهود أن هذا البيت بناه ملك عظيم لهم يقصدون سليمان الملك منذ زمن طويل وهو حوالى 500 عام قبل داريوس، أى حوالى عام 1000 ق.م. وهذا يؤكد عظمة هذا البيت أنه بناه ملك عظيم ولإله ليس مثله؛ لأنه إله السماء والأرض.
إجابة الشيوخ تظهر شجاعتهم وإيمانهم بالله، عندما قالوا أنه إله السماء والأرض ولم يخافوا من شكاوى أى أعداء لهم؛ لأنهم قد تشددوا بكلام الله على فم النبيين.
ع12: اعترف شيوخ اليهود بأنهم أخطأوا فى حق إلههم وأغضبوه، فسمح لنبوخذنصر ملك بابل أن يهدم هذا البيت العظيم ويسبى آباءهم إلى بلاد المملكة البابلية، وهذا اتضاع وتوبة وإقرار بالحق من شعب الله.
ع13: أخبر الشيوخ تتناى عن حقيقة هامة وهى أن كورش الملك – أول ملوك فارس – فى بداية ملكه، أى عام 538 ق.م أصدر أمراً بإعادة بناء هذا الهيكل، أى أن أمر البناء صدر منذ بداية الإمبراطورية الفارسية وبالتالى فأوامر الملوك لا تُنسخ ولا تُرد.
ع14، 15: أضاف تتناى أن نبوخذنصر ملك بابل قد استولى على آنية بيت الرب المصنوعة من الذهب والفضة وأخذها من أورشليم ونقلها إلى بابل. وبعد سقوط المملكة البابلية تملك كورش أول ملوك مادى وفارس وأخذ هذه الآنية من بابل، وأعطاها لشخص يسمى شيشبصر وهو زربابل وجعله والياً على أورشليم واليهودية. وطلب كورش من شيشبصر أن يبنى بيتاً للرب فى أورشليم ويضع فيه هذه الآنية.
من هاتين الآيتين نرى دقة تتناى وتأكيداته على أن اليهود يبنون هيكلهم بأمر الملك كورش ودليلاً آخر على صدقهم بأنهم قد حصلوا على آنية بيت إلههم من كورش، وهى التى استولى عليها نبوخذنصر وحفظها الله بغير ضرر حتى تعود إلى بيته فى أورشليم. ويظهر من هذا أيضاً قوة الله القادر أن يحفظ آنية بيته ويحرك الملوك لتنفيذ مشيئته.
نجد أيضاً أن زربابل، أى شيشبصر شخص مسئول أمام الملك الفارسى، فهو لا يعمل من نفسه، بل له وظيفة تابعة للدولة ويبنى بأمر الملك. وبالتالى يوجه تتناى الملك داريوس إلى أن شيشبصر أى زربابل شخص تابع للمملكة وينفذ أوامرها وليس عاصياً، أو متمرداً هو وكل من معه وهذا بالطبع يطمئن الملك ويدعوه للموافقة وتأييد استكمال بناء الهيكل.
ع16: أخبر تتناى داريوس الملك أن شيشبصر نفذ أوامر الملك كورش ووضع أساس بيت الرب ويبنى فيه ومازال العمل فى بناء الهيكل مستمراً. ونلاحظ فى كلام تتناى ما يلى :
- زربابل، أى شيشبصر شخص مطيع ملتزم بتنفيذ أوامر الملك.
- لم يذكر فترة توقف البناء وشكاوى رحوم ورفقائه التى استمرت سنوات طويلة وكيف أوقفت البناء؛ حتى لا يشوش ذهن الملك، بل يعتبر أن البناء يسير بطريقة طبيعية ويحتاج فقط أن يستكمل.
ع17: يختتم تتناى رسالته بما يلى :
- التفتيش على أمر كورش المحفوظ فى خزائن المملكة التى فى بابل؛ لتأكيد صدق اليهود وهذا يبين أن تتناى رجل محايد ودقيق.
- لم يطلب من داريوس الملك أن يفتش على شكاوى رحوم، أو أمر أرتحشستا بإيقاف البناء؛ لأنه يساند اليهود ويريد خيرهم وبناء هيكلهم.
- كانت بابل إحدى عواصم مملكة مادى وفارس بالإضافة إلى مدينة شوشن القصر،أى أن بابل كانت عاصمة للمملكة البابلية واستمرت كإحدى عواصم مملكة مادى وفارس.
- يعلن تتناى خضوعه للملك داريوس وانتظاره لأوامره فى هذا الأمر؛ حتى ينفذه.