مقاومات الأعداء وإيقاف البناء
(1) مؤامرات لإيقاف البناء (ع1-5):
1- و لما سمع اعداء يهوذا و بنيامين أن بني السبي يبنون هيكلا للرب إله إسرائيل. 2- تقدموا إلى زربابل و رؤوس الآباء و قالوا لهم نبني معكم لأننا نظيركم نطلب الهكم و له قد ذبحنا من أيام اسرحدون ملك أشور الذي أصعدنا الى هنا. 3- فقال لهم زربابل و يشوع و بقية رؤوس آباء إسرائيل ليس لكم و لنا أن نبني بيتا لإلهنا و لكننا نحن وحدنا نبني للرب إله إسرائيل كما امرنا الملك كورش ملك فارس. 4- و كان شعب الأرض يرخون ايدي شعب يهوذا و يذعرونهم عن البناء.
5- و استاجروا ضدهم مشيرين ليبطلوا مشورتهم كل أيام كورش ملك فارس و حتى ملك داريوس ملك فارس.
ع1: سمع أعداء سبطى يهوذا وبنيامين، الذين يسكنون بجوارهم أنهم قد أسسوا الهيكل ويحاولون إتمام بنائه، فخافوا على أنفسهم من أن يكون لليهود قوة، فيطردونهم من بلادهم، أو يسيئون إليهم. فوضعوا خططاً ومؤامرات لإيقاف بناء الهيكل والحد من قوة الراجعين من السبى.
هؤلاء الأعداء هم بقايا أسباط إسرائيل العشرة، الذين سكنوا فى السامرة وما حولها واختلطوا بالوثنيين، الذين نقلهم الأشوريون وأسكنوهم فى منطقة السامرة. وهؤلاء تحركوا فى فترة السبى البابلى وسكنوا شمال أورشليم على حدود مملكة يهوذا، إذ كانت الأرض فضاءاً وسكانها قليلين.
وكانت عقيدة هؤلاء السامريين خليطاً من عبادة الله والإيمان بأسفار موسى مع عبادة عجلى الذهب، أى الأصنام التى أقامها يربعام بن نباط بعد الانشقاق عن سبط يهوذا وأورشليم. ويضاف إلى هذا عبادة الآلهة الوثنية الخاصة بالوثنيين المقيمين معهم ونجد قصتهم فى (2مل17). وبالتالى كانوا أخطر من الوثنيين على شعب الله، إذ أن لهم صورة أنهم يهود ويعبدون الله مع أنهم فى الحقيقة يعبدون الله كأحد الآلهة ويعبدون معه باقى آلهة الأمم.
يتكلم عن اليهود هنا على أنهم سبطى يهوذا وبنيامين؛ لأن الراجعين كان معظمهم من يهوذا وبنيامين واستطاعوا أن يثبتوا أنسابهم، أما بقية الأسباط، فقد تشتتوا ونسوا أنسابهم.
ع2: أسر حدون : ملك أشورى ملك من (681-669 ق.م) وكانت سياسته نقل سكان الأرض الأصليين وتوطينهم فى أماكن أخرى فى كل مملكته؛ ليمحو قومية هؤلاء السكان ويكونوا جميعاً مواطنين فى المملكة الأشورية، فيضمن خضوعهم، وبالتالى نقل وثنيين إلى بلاد السامرة واختلطوا باليهود المنشقين عن سبط يهوذا، أى العشرة أسباط وعبدوا معهم الله مع باقى الآلهة الوثنية.
تقدم السامريون الساكنون بجوار أورشليم وطلبوا من زربابل وشيوخ يهوذا أن يشتركوا معهم فى بناء هيكل الله، الذى عبده آباؤهم من أيام نقل أسرحدون لهم من بلادهم إلى منطقة السامرة، فأعلنوا أنهم يهود، مثل سبطى يهوذا وبنيامين وبالتالى يكون لهم الحق فى بناء بيت الرب وهذا خداع ووسيلة لإيقاف بناء الهيكل؛ لأنهم يعبدون الله كأحد الآلهة ولا يلتزمون بطقوس عبادته ويودون وضع تماثيل آلهتهم الوثنية معه فى هيكله وإن قاومهم الراجعون من السبى يوقفون البناء.
ويظهر خداع هؤلاء السامريين وكبريائهم، عندما رفض الراجعون من السبى أن يشركوهم فى البناء، فقاوموهم علانية، كما فى الآيات التالية وبهذا ظهر خبث قلوبهم وشرهم وهم فى هذا مثل يهوذا الإسخريوطى الذى تنبأ عنه المزمور (مز55: 21).
ع3: أجاب زربابل ويشوع وشيوخ إسرائيل بقلب واحد وفى قرار حاسم وقالوا للسامريين إن الأمر من كورش الملك كان لنا فقط حتى نبنى هيكل الرب، فلا يصح اشتراككم معنا فى بنائه، فقد كشف الله لهم خداع الأعداء وتحايلهم وفهموا أنهم ليسوا يهوداً مثلهم يعبدون الله وحده. وبهذا أظهروا أنه لا شركة للبر مع الإثم، أو لشعب الله مع الوثنيين.
ع4، 5: بعد أن رفض شعب الله إشراك الوثنيين شعب الأرض، أى السامريين معهم فى البناء أظهروا شرهم نحو شعب الله وبدأوا سلسلة من المؤامرات لإيقاف البناء، إذ أنهم علموا أن الأسهل عليهم إيقاف البناء من الداخل أكثر من إيقافه بهجوم مسلح، أو بأمر ملكى، ومن هذه المؤامرات :
- محاولة تثبيط همم اليهود؛ ليتكاسلوا عن بناء بيت الله ويشغلونهم عن عبادته.
- عندما فشلت محاولة جعل شعب الله يتكاسل عن البناء؛ لجأوا إلى وسيلة ثانية وهى تخويف اليهود أى بث الذعر والرعب فى قلوبهم سواء بأن الأمم ستقوم عليهم، أو أن الملك سيغضب منهم، أو الوحوش ستهاجمهم .. ولكن بنعمة الله ظل شعبه ثابتاً فى الإيمان يكمل بناء الهيكل.
- أخيراً لجأوا إلى وسيلة ثالثة وهى استئجار مشيرين داخل البلاط الملكى للملك كورش؛ لعلهم يجدوا علة، أو سبباً لإيقاف البناء ودفعوا رشاوى كثيرة ولكن محاولات هؤلاء المشيرين فشلت طوال حكم كورش واستمروا فى هذه الرشاوى لمشيرى الملك الفارسى، ليس فقط أيام كورش، بل أيضاً أيام ابنه قمبيز، الذى يدعى أيضاً أرتحشستا وحتى ملك داريوس الذى ملك عام 521 ق.م وللأسف استجاب قمبيز (أرتحشستا) للمشيرين الأردياء ولكن داريوس لم يستجب لهم (يمكنك أن تراجع الجدول الزمنى لملوك فارس الموجود فى مقدمة هذا السفر).
كن ثابتاً فى إيمانك مهما أحاطت بك مؤامرات الأشرار والله لن يسمح لك بأية إساءة إلا فيما يفيدك وسيكون معك وسيسندك. كن واثقاً ومطمئناً أن إلهك ضابط الكل لن يتركك أبداً.
(2) شكاوى ضد اليهود (ع6-16):
6- و في ملك احشويروش في ابتداء ملكه كتبوا شكوى على سكان يهوذا و أورشليم.
7- و في أيام ارتحششتا كتب بشلام و مثرداث و طبئيل و سائر رفقائهم الى ارتحششتا ملك فارس وكتابة الرسالة مكتوبة بالآرامية و مترجمة بالآرامية. 8- رحوم صاحب القضاء و شمشاي الكاتب كتبا رسالة ضد أورشليم إلى ارتحششتا الملك هكذا. 9- كتب حينئذ رحوم صاحب القضاء و شمشاي الكاتب و سائر رفقائهما الدينيين و الأفرستكيين و الطرفليين و الأفرسيين و الأركويين و البابليين والشوشنيين و الدهويين و العيلاميين. 10- و سائر الامم الذين سباهم اسنفر العظيم الشريف وأسكنهم مدن السامرة و سائر الذين في عبر النهر و إلى آخره. 11- هذه صورة الرسالة التي أرسلوها إليه إلى ارتحششتا الملك عبيدك القوم الذين في عبر النهر الى اخره. 12- ليعلم الملك أن اليهود الذين صعدوا من عندك إلينا قد أتوا إلى أورشليم و يبنون المدينة العاصية الردية و قد أكملوا أسوارها و رمموا أسسها. 13- ليكن الآن معلوما لدى الملك انه إذا بنيت هذه المدينة و أكملت أسوارها لا يؤدون جزية و لا خراجا و لا خفارة فاخيرا تضر الملوك. 14- و الآن بما أننا نأكل ملح دار الملك و لا يليق بنا أن نرى ضرر الملك لذلك أرسلنا فأعلمنا الملك. 15- لكي يفتش في سفر أخبار آبائك فتجد في سفر الأخبار و تعلم أن هذه المدينة مدينة عاصية و مضرة للملوك و البلاد و قد عملوا عصيانا في وسطها منذ الايام القديمة لذلك أخربت هذه المدينة. 16- و نحن نُعلم الملك أنه إذا بنيت هذه المدينة و أكملت أسوارها لا يكون لك عند ذلك نصيب في عبر النهر.
ع6: لجأ أيضاً أعداء شعب الله إلى شكاوى رسمية أرسلوها لملوك فارس، قد تكون قد بدأت من أيام كورش ولكنه لم يستجب لها واستمرت بعد هذا فترة طويلة أى أرسلوا إلى ملوك كثيرين من ملوك فارس، حتى أنهم أرسلوا شكوى أيام أحشويروش وهذا قد حكم متأخراً بين عامى (486 – 465 ق.م)، وهو الذى تزوج بأستير ولكنهم لم يستطيعوا تقديم شكاوى للملك التالى له وهو أرتحشستا لونجمانس؛ لأنه أحب اليهود وعين نحميا ساقياً له، وفى أيامه سمح لعزرا بالرجوع إلى أورشليم وتلاه بعد ذلك نحميا فى الرجوع الثالث.
كل هذا يبين مدى شر هؤلاء الأعداء الذين استطاعوا فى وقت معين أن يوقفوا بناء الهيكل، كما سنرى فى الآيات التالية. وحتى بعدما استطاع اليهود أن يكملوا بناء الهيكل أيام داريوس، عادوا بعد هذا يرسلون شكاوى، حتى أيام أحشويروش الملك زوج أستير.
وكلمة شكوى باللغة العبرية هى سطنة مأخوذ منها كلمة سطانائيل أو الشيطان وهو المشتكى على أولاد الله، أى أن هؤلاء الأشرار ساروا فى طريق الشيطان؛ لتعطيل عمل الله. ولكن الله أقوى منهم.
ع7: يخبرنا عزرا عن إحدى الشكاوى التى أرسلت أيام أرتحشستا الملك، الذى يسمى أيضاً قمبيز وهو ابن كورش، الذى ملك من عام (529-522 ق.م) وقدم هذه الشكوى ثلاثة من رؤساء الأمم المحيطة بشعب الله، فتأثر بها أرتحشستا الملك ونص هذه الرسالة غير مذكور فى الكتاب المقدس مثل شكوى أحشويروش المذكورة فى (ع6) ومثل باقى الشكاوى التى أرسلت إلى كورش الملك.
وقد كتبت رسالة بشلام ورفقائه باللغة الآرامية ومترجمة بالآرامية أى مكتوبة بأحرف آرامية وليست بأحرف فارسية، أو أية لغة أخرى. لم يترجم عزرا هذه الرسائل من الآرامية إلى العبرية، بل كتبها كما هى وهذا يظهر دقة عزرا. والنصوص المكتوبة للشكاوى والرسائل فى هذا الإصحاح حتى الإصحاح السادس مكتوبة كلها باللغة الآرامية.
ع8: هذه شكوى جديدة كتبها شخصية معروفة بين الأمم يسمى رحوم ووظيفته رئيس القضاء، أى القاضى أو الحاكم من قبل الدولة الفارسية لمنطقة بجوار أورشليم واليهودية ويساعده كاتبه شمشاى.
كتب رحوم هذه الشكوى أيضاً إلى أرتحشستا أى قمبيز الملك.
ع9، 10: أسنفر : هو غالباً أشور بانيبال أحد ملوك أشور وكان ملكاً قوياً نقل كثيراً من الشعوب من بلادهم إلى بلاد أخرى منها منطقة السامرة، التى تقع شمال أورشليم وقد ملك من عام (668-626 ق.م).
هذه الشكوى مرسلة من رحوم وشمشاى السابق ذكرهما فى (ع8) وتحالف معهما عدد كبير من الشعوب الساكنة فى منطقة السامرة والذين نقلوا من بلاد بعيدة فى مملكة أشور، فكتبت أسماءهم بعد إسم رحوم فى مقدمة هذه الرسالة وذلك؛ ليظهر أهمية الشكوى وخطورتها أنه قد أجمع عليها كثيرون، أو وقعوا عليها وهذا يظهر أيضاً مدى شر هؤلاء الأعداء ومحاولتهم إثارة الملك أرتحشستا على اليهود، ثم أكملوا باقى المقدمة المعتادة فى تمجيد الملوك فيقول إلى آخره.
ع11: أظهر رحوم ورفقاؤه خضوعهم للملك أرتحشستا فى شكواهم وعرفوه أنهم عبيده الساكنون فى منطقة عبر النهر، أى المنطقة الواقعة غرب نهر الفرات وتشمل منطقة سوريا الحالية وفلسطين؛ حتى البحر الأبيض.
ع12، 13: احتوت الشكوى إتهامات زور وأغفلت حقائق هامة، حتى تظهر أورشليم بشكل سئ فاحتوت ما يلى :
- اتهم الأعداء اليهود الذين صعدوا من بابل إلى أورشليم بأنهم يبنون أورشليم المدينة العاصية، مع أنها مدينة خاضعة للملوك ولكنهم استغلوا تمرد آخر ملوك يهوذا وهو صدقيا الملك على نبوخذنصر (2أى36: 13) فقبض نبوخذنصر عليه واستولى على أورشليم ودمرها.
- واتهموا اليهود أيضاً ببناء سور أورشليم وترميم أسس المدينة وهذا لم يحدث إلا بعد سنوات طويلة أيام نحميا وكان بأمر ملك آخر.
- أهملوا أمر كورش الذى طلب من زربابل واليهود الذين معه أن يرجعوا ويبنوا الهيكل فى أورشليم.
- ادعوا أن اليهود سيتمردون على الملك إذا أكملوا الأسوار، فلا يدفعون جزية وهى الضرائب التى تحصل من مواطنى الدولة الفارسية، ولا الخراج وهى الضريبة التى تجمع عن الاراضى ولا الخفارة وهى الضريبة التى تجمع للحاكم الفارسى. وكل هذا الاتهام كاذب فلم يتمرد اليهود على الملوك الفارسيين إطلاقاً، حتى بعد بناء الهيكل وأسوار أورشليم.
ع14: أظهر أعداء اليهود محبتهم وخضوعهم للملك بقولهم “أننا نأكل ملح دار الملك” وهى تعنى فضل الملك عليهم، الذى يطعمهم، إذ أنهم يأخذون مرتباتهم من الملك. فهم يظهرون ولاءهم للملك وأنهم لا يستطيعوا قبول أى ضرر يحل بالملك. كل هذا بالطبع أكاذيب، إذ أنهم أشرار ولا يريدوا عظمة اليهود وقوتهم، خوفاً منهم، فهم يداهنون الملك ليقلبوا قلبه ضد اليهود.
وهكذا نرى فى هذا الأصحاح مجموعة خطوات فى الشر، سار فيها هؤلاء الأعداء وهى:
- الخداع بأنهم يريدون مساعدة اليهود فى البناء (ع2).
- تثبيط همم الشعب (ع4).
- تخويف الشعب حتى لا يكمل البناء (ع4).
- دفع رشاوى لمشيرى ملك فارس ليتكلموا بالشر على اليهود عند الملك (ع5).
- تقديم شكاوى مباشرة ضد اليهود (ع6-8).
- المداهنة للملك وإظهار ولائهم له؛ ليثيروه على اليهود (ع14).
- اتهامات زور لليهود بجمع أى أخطاء قديمة لهم ولو منذ مئات السنين، فيدعون أورشليم المدينة العاصية (ع15).
- يستغلون محبة الفارسيين لجمع الضرائب؛ لتعضيد جيوشهم، فيخيفونهم أن اليهود إذا أتموا البناء لن يدفعوا الضرائب (ع16).
ع15: أخبار آبائك : كانت تدون أخبار الملوك والحوادث المصاحبة لهم فى أسفار تحفظ فى الحكومة، أو قصور الملوك.
اتهموا اليهود بالعصيان، معتمدين على عصيان بعض الملوك مثل منسى الملك وآحاز ويهوياقيم وصدقيا؛ مع أن اليهود الراجعين من السبى كانوا فى خضوع كامل للدولة. وقد تم تخريب أورشليم بيد نبوخذنصر ولكن اليهود لم يمثلوا ضرراً للدولة عموماً فى أجيالهم القديمة، أو فى الأجيال الحديثة، أى بعد الرجوع من السبى فكانوا فى منتهى الخضوع.
ع16: هددوا الملك أنه عند إتمام بناء أورشليم وأسوارها فهى قطعاً ستمتنع عن دفع الضرائب مع أن هذا كذب ولم يحدث.
إن الشيطان دائماً يثير الأشرار؛ ليداهنوا ويتملقوا الرؤساء ويتهموا الأبرياء زوراً، كما حدث مع المسيح ويحدث حتى اليوم مع أولاد الله.
إقبل الاتهامات الزور وأطلب مشورة الله، فيدافع عنك. وأعلم أن المسيح سيدك احتمل الكثير من الاتهامات الزور لأجلك، وثق أنه يحميك ويظهر حقك فى الوقت المناسب.
(3) إيقاف بناء الهيكل (ع17-24):
17- فأرسل الملك جوابا إلى رحوم صاحب القضاء و شمشاي الكاتب و سائر رفقائهما الساكنين في السامرة و باقي الذين في عبر النهر سلام إلى آخره. 18- الرسالة التي أرسلتموها إلينا قد قرئت بوضوح أمامي. 19- و قد خرج من عندي امر ففتشوا و وجد أن هذه المدينة منذ الأيام القديمة تقوم على الملوك و قد جرى فيها تمرد و عصيان. 20- و قد كان ملوك مقتدرون على اورشليم و تسلطوا على جميع عبر النهر و قد أعطوا جزية و خراجا و خفارة. 21- فالآن أخرجوا أمرا بتوقيف أولئك الرجال فلا تبنى هذه المدينة حتى يصدر مني امر. 22- فإحذروا من ان تقصروا عن عمل ذلك لماذا يكثر الضرر لخسارة الملوك. 23- حينئذ لما قرئت رسالة ارتحششتا الملك امام رحوم و شمشاي الكاتب و رفقائهما ذهبوا بسرعة إلى أورشليم إلى اليهود و أوقفوهم بذراع و قوة. 24- حينئذ توقف عمل بيت الله الذي في أورشليم و كان متوقفا إلى السنة الثانية من ملك داريوس ملك فارس
ع17: أجاب الملك قمبيز (أرتحشستا) بخطاب على رسالة رحوم وشمشلى ورفقائهما، أعطاهم فيها أولاً السلام، مع أن رسالة الملك كانت مملوءة شراً ضد اليهود وتعضيداً لشر أعداء اليهود، فالملك قد أنساق فى طريق الشر ولكنه يهدى السلام ككلمة معتادة ولكن لا تحمل معناها.
ع18: قال الملك أن رسالة رحوم قد قُرأت بوضوح أمامه، مع أن رحوم قد كتبها بالآرامية، ثم ترجمت للفارسية ليفهمها الملك. ولم يفحصها بالتدقيق؛ ليعرف هل رحوم يُضمر شراً لغيره، أم يتكلم ببساطة قلب، فقد انخدع الملك بكلمات النفاق والمديح التى قالها رحوم ولكنه يظهر أنه فاهم لكل شئ وهو لم يفهم شيئاً.
ع19، 20: أمر الملك أن يفتش معاونيه فى السجلات المحفوظة عند الملك عن اليهود، فوجدوا – كما قال – ما يلى :
- أورشليم مدينة تعصى الملوك وتتمرد عليهم.
- تولى على أورشليم ملوك أقوياء لهم مكانتهم ويُخشى من قوتهم.
- كان ملوك أورشليم أقوياء ويدفعون ضرائب كبيرة للإمبراطورية وبالتالى من المهم خضوع هذه المدينة؛ لتحصل الإمبراطورية منهم الضرائب.
يلزم أن نلاحظ وجود مشيرين أشرار مرتشين يعملون عند الملك، فهؤلاء عندما يفتشون على أخبار اليهود من المؤكد أنهم سيبحثون عن إثباتات تدين اليهود، وأنهم بالطبع سيخفون أمر كورش، الذى أمر بعودة اليهود من السبى وبناء الهيكل.
أظهر التفتيش فى الوثائق القديمة أن ملوك أورشليم يدفعون الضرائب وهذا دليل إيجابى فى صالح أورشليم ولكن الملك؛ لأجل أن مساعديه أثاروه ضد أورشليم، أعتبر هذا الأمر مخيفاً؛ إذ أنه من المحتمل أن تمتنع أورشليم عن دفع الضرائب.
مساعدوا الملك، الذين فتشوا جمعوا الشكاوى التى أرسلها رحوم من أيام كورش وكلها شكاوى باطلة واتهامات زور وقدموها للملك على أنها وثائق ضد أورشليم، وهذه هى عادة الشيطان أن يأتى بأدلة منطقية على أدعاءاته ضد أولاد الله. ولكن من يصلى ويفحص بهدوء يكتشف الحقيقة.
ع21: أمر الملك بإيقاف البناء وهو بهذا قد سقط فى خطأ أنه خالف أمر كورش والده ولا يصح إلغاء أمر ملكى فشريعة الملوك لا تنسخ (دا6: 8). ولكن تظهر رحمة الله فى أمر الملك بإيقاف البناء فيما يلى :
- أن الإيقاف لمدة حتى يصدر أمر آخر من الملك وليس إيقافاً نهائياً.
- لم يأمر الملك بهدم ما تم بناؤه.
- لم يعاقب الذين قاموا بالبناء، أو يعيدهم للسبى.
سمح الله بأن يصدر أمر إيقاف البناء لما يلى :
- لم يكن قلب اليهود كاملاً فى الاهتمام ببناء الهيكل، بدليل انشغالهم بعد إيقاف بناء الهيكل ببناء بيوتهم، فأرسل الله النبيين حجى وكزريا؛ لينبهوا الشعب إلى أهمية بناء هيكل الله.
- حتى يشعر الراجعون من السبى بأهمية بناء الهيكل، عندما يوقف بناؤه، ثم يُسمح، بعد ذلك بمدة، بتنبيه وصلوات المحبين لله، فما يأتى بسهولة يفقد بسهولة، أما الذى يحصل عليه الإنسان بتعب يحفظه باهتمام كبير.
ع22: ظهر ضعف الملك أرتحشستا عندما ترجى فى رسالته رحوم ومن معه أن ينفذوا الأمر، حتى لا يكون هناك ضرراً له، خاصةً وأنه فى نفس الوقت قامت بعض المناوشات من اليونانيين، كان غرضها الإستيلاء على بعض المدن فى سوريا والتى كانت خاضعة لإمبراطوريته.
ع23: فرح رحوم ورفقاؤه برسالة الملك التى تحوى إيقاف بناء الهيكل وأسرعوا بقوات من العسكر وأوقفوا البناء فى أورشليم وأظهروا لهم أمر الملك. وقد نفذوا الأمر بسرعة؛ لأنه كان يوافق هواهم الشرير وليس حباً فى الملك.
ع24: توقف بناء الهيكل نتيجة أمر الملك أرتحشستا وكان ذلك حوالى عام 530 ق.م واستمر التوقف حتى السنة الثانية من ملك داريوس وهى سنة 520 ق.م أى توقف حوالى عشر سنوات.
لم يورد الكتاب المقدس أن الشعب فى هذه الفترة حزن وصلى، أو صام؛ لكنهم اهتموا ببناء بيوتهم وانشغلوا بها حتى احتاجوا لمن يوقظهم روحياً، فأرسل الله حجى وزكريا ووبخاهم على تركهم بناء هيكل الله. فالظاهر أن أمر الملك أوقفهم والحقيقة أن قلبهم لم يكن مهتماً بإكمال بناء الهيكل، فقد بدأوا حسناً عند إقامة المذبح ووضع أساسات الهيكل ولكنهم تراخوا. فلما جاء أمر الملك بالإيقاف قبله اليهود بهدوء لأنه يوافق تراخيهم الداخلى. ولكنهم عندما تيقظوا روحياً أنعم عليهم الله، ليس فقط ببناء الهيكل، بل وتدشينه، ثم بناء أسوار أورشليم وتدشينها وإن كان هذا قد استغرق وقتاً؛ حتى يكمل إيمانهم وثباتهم فى الله، فقد تم ذلك بعد حوالى خمسة وسبعين عاماً من عام 520 ق.م عند إعادة بناء الهيكل، حتى 445 ق.م عند تدشين سور أورشليم. ليتك تكون بكل قلبك مع الله عندما تصلى، أو تعمل أى عمل خير ولو حلت بك ضيقات تمسك بصلواتك، فتُحل المشكلة وعلى كل حال يزداد نموك الروحى فى السعة والضيق.