عزرا والرجوع الثانى لأورشليم
- استغرقت الأحداث المذكورة من (ص1-6) ثلاثون عاماً من 536-516 ق.م كما ذكرنا، وظهر فى هذه الفترة شخصيات هامة وهى زربابل الحاكم المدنى ويشوع رئيس الكهنة والنبيان حجى وزكريا، ثم انقضت فترة 58 عاماً تولى فيها ملوك فارسيين نعرف منهم أحشويروش، الذى تملك من عام 486-465 ق.م وتمت أثناءه أحداث سفر أستير وكتب السفر أثناء هذه الفترة.
- فى عام 458 تبدأ الأحداث المذكورة فى هذا السفر من (ص7-10) ونرى فيها الرجوع الثانى من السبى على يد عزرا الكاهن والكاتب ويصحبه 1700 رجلاً، أى حوالى 8000 شخصاً من الرجال والنساء والأطفال. ويذكر السفر هنا تفاصيل أعمال عزرا العظيم فى أورشليم.
- عاصر عزرا نحميا الذى قاد الرجوع الثالث إلى أورشليم عام 445 ق.م، أى بعد ثلاثة عشر عاماً وظل والياً على أورشليم وما حولها حوالى 12-13 عاماً وعاصر عزرا ونحميا ملاخى النبى الذى تنبأ حوالى عام 433 ق.م. وكان الرجوع الثانى فى عصر أرتحشستا الملك المسمى لونجيمانس وهو ابن الملك أحشويروش زوج أستير.
(1) التعريف بعزرا (ع1-10):
1- و بعد هذه الأمور في ملك أرتحشستا ملك فارس عزرا بن سرايا بن عزريا بن حلقيا.
2- بن شلوم بن صادوق بن اخيطوب. 3- بن امريا بن عزريا بن مرايوث. 4- بن زرحيا بن عزي بن بقي. 5- بن ابيشوع بن فينحاس بن ألعازار بن هرون الكاهن الرأس. 6- عزرا هذا صعد من بابل و هو كاتب ماهر في شريعة موسى التي أعطاها الرب اله إسرائيل و أعطاه الملك حسب يد الرب إلهه عليه كل سؤله. 7- و صعد معه من بني إسرائيل و الكهنة و اللاويين و المغنيين و البوابين والنثينيم إلى أورشليم في السنة السابعة لأرتحشستا الملك. 8- و جاء إلى أورشليم في الشهر الخامس في السنة السابعة للملك. 9- لأنه في الشهر الأول ابتدأ يصعد من بابل و في أول الشهر الخامس جاء إلى أورشليم حسب يد الله الصالحة عليه. 10- لان عزرا هيا قلبه لطلب شريعة الرب و العمل بها وليعلم إسرائيل فريضة و قضاء.
ع1-5: بعد هذه الأمور : أى بعد الرجوع الأول لليهود إلى أورشليم على يد زربابل وبعد بناء الهيكل الذى كمل فى عهد داريوس الملك وبعد تملك أحشويروش الملك زوج أستير، تملك أرتحشستا ابن أحشويروش وكان ملكه من عام 464-424 ق.م وهى مدة طويلة حدثت أثناءها الجزء الأخير من سفر عزرا (ص7-10) وكذلك سفر نحميا كله.
توضح هذه الآيات نسب عزرا الكهنوتى الذى يصل إلى هارون رئيس الكهنة أيام موسى. وفى هذه السلسلة نرى بعض الشخصيات الهامة مثل :
- سرايا : وهو جد عزرا وليس أبوه وهو رئيس الكهنة الذى قُتل ضمن 70 شخصاً من أهم شخصيات أورشليم عند الهجوم البابلى عليها وتدميرها وحرق الهيكل
(2مل25: 18-21). - حلقيا : رئيس الكهنة أيام يوشيا الملك وهو الذى عثر على سفر الشريعة فى بيت الرب (2مل22: 13).
- فينحاس : وهو الكاهن الذى قتل الإسرائيلى والموآبية التى زنى معها وبهذا هدأ غضب الله أمام هذا الفجور الشديد فى هيكل الله (عد25: 8).
لا تحوى هذه السلسلة جميع أجداد عزرا، بل تم اختيار أهمهم، فالمذكور هنا 15 شخصاً ولكن السلسلة كاملة تحوى 30 كاهناً.
كان عزرا كاهناً وليس رئيس كهنة ولكن كان كاتباً مهتماً بنسخ شريعة الله، فكان فاهماً لها وقادراً على شرح معانيها وكان الكتبة قليلين وبالتالى كانوا معتبرين جداً، اى كان لعزرا مكانة كبيرة كقائد روحى، بالإضافة إلى أنه كان قائداً للفوج الثانى للراجعين إلى أورشليم.
ع6: كان عزرا الكاهن لا يمارس عمله الكهنوتى؛ لأنه يعيش فى بابل وباركه الله، فنال وظيفة كاتب فى بلاط الملك الفارسى أرتحشستا وهى وظيفة هامة.
بالإضافة إلى هذا اهتم عزرا بكتابة الشريعة وكان ماهراً، ليس فقط فى كتابته، بل أيضاً فى فهمه للشريعة؛ حتى استطاع أن يكون شارحاً لها لمن حوله من اليهود.
ولكن كيف وصلت شريعة موسى إلى بابل؛ هناك احتمالات كثيرة منها :
- حملها المسبيون من أورشليم إلى بابل عند سبيهم على يد نبوخذنصر.
- عندما استولى نبوخذنصر على آنية بيت الرب وكل ما فيه، قد يكون وجد فيها كتاب الشريعة وحمله مع الأوانى واكتشفه بعد هذا عزرا؛ لأنه يعمل فى البلاط الملكى، فاهتم بهذه النسخة وبدأ ينسخ منها ويقرأها ويفهمها.
إذ رأى الله قلب عزرا المحب له واهتمامه بالشريعة وعبادة الرب واشتياقه أن يمارس خدمته الكهنوتية فى أورشليم، باركه وساعده وأعطاه سؤل قلبه، فسهل له العودة إلى أورشليم، فوافق الملك أرتحشستا على ذلك وشجعه بتعزيزات كثيرة. ونشعر ببركة الله مع عزرا فى تكرار كلمة يد الرب على عزرا، فقد ذُكرت ست مرات فى (ص7، 8) وهذا معناه محبة الله وطاعته ومحبته لوصاياه.
ع7: النثينيم : هم أمميون من جبعون انضموا إلى شعب الله أيام يشوع وجعلهم لسقى الماء وجمع الحطب لخدمة الهيكل. وأحبوا إله إسرائيل، فرجعوا من السبى لخدمة بيته.
صعد مع عزرا لأورشليم من بابل عدد كبير من اليهود وهو ما يقرب من ثمانية آلاف وكانوا من فئات الشعب المختلفة، فبعضهم من الكهنة والبعض الآخر من خدام الهيكل، مثل اللاويين والمغنيين والبوابين والنثنيم.
كان رجوع عزرا ومن معه إلى أورشليم فى السنة السابعة لأرتحشستا لونجيمانوس وكان هذا الملك محباً لليهود، فعاد فى ايامه عزرا وبعده بثلاثة عشر عاماً عاد نحميا بأمر نفس الملك.
كان رجوع اليهود من بابل إلى أورشليم على ثلاثة مراحل؛ الأولى على يد زربابل والثانية على يدر عزرا والثالثة على يد نحميا؛ ليعطى الله فرصة لكل من يحبه ويحب بيته أن يرجع لأورشليم، فالله يريد عودة الكل ويشجعهم فمن لم يستطع أن يرجع مع الفوج الأول تكون له فرصة مع الفوج الثانى، أو الثالث. ونرى يد الله التى شجعت الملوك كورش وأرتحشستا وهيأت قلوب أولاده زربابل وعزرا ونحميا؛ حتى يشجع أكبر عدد ممكن للرجوع إليه. ولكن استجابة الشعب كانت ضعيفة لإرتباطهم بماديات العالم. فأحبوا العالم أكثر من الله وبقوا فى السبى محتملين العبودية من أجل المقتنيات والشهوات العالمية.
ع8، 9: تحركت القافلة بقيادة عزرا من بابل إلى أورشليم فقامت فى الشهر الأول ووصلت مع بداية الشهر الخامس، أى استغرقت الرحلة أربعة أشهر، ظهر فيها إيمان عزرا واليهود واتكالهم على الله؛ لأنهم لم يطلبوا حرساً من الملك. وظهرت من ناحية أخرى عناية الله وحفظه لأولاده؛ حتى وصلوا بسلام إلى المدينة المقدسة أورشليم. وكانت المسافة التى قطعوها فى هذه الرحلة حوالى 900 ميلاً.
ع10: فريضة : عبادة وطقوس.
قضاء : أحكام، أى وصايا وشرائع.
إهتم عزرا بقراءة الشريعة وفهمها والتأمل فى معانيها، فتعلق قلبه بها. بعد هذا عمل بهذه الشريعة فى حياته وتمسك بها بكل دقة، فرآه اليهود وتعلموا منه حفظ الشريعة.
ثم استطاع عزرا أن يعلم الشعب الشريعة، فتقبلوها بسهولة منه؛ لأنهم رأوها أولاً فيه وباركه الله جداً من أجل أمانته فى هذه الثلاثة مراحل؛ الحفظ والعمل، ثم التعليم.
من الجميل فى عزرا أنه اهتم بالشريعة وحفظها وعمل بها فى بابل، بعيداً عن بيت الرب، فهو يحب الله رغم أنه محاط بالوثنيين، فلما وصل إلى أورشليم تشجع وتميز جداً فى العمل بالشريعة والتعليم بها.
اهتم بقراءة الكتاب المقدس كل يوم والتأمل فيه، حتى تستطيع أن تطبقه فى حياتك كرسالة شخصية لك فى حياتك وحينئذ تستطيع أن تكون نوراً للعالم وتعلِّم كلام الله، فيقبله الناس منك.
(2) رسالة أرتحشستا العظيمة (ع11-26):
11- و هذه صورة الرسالة التي أعطاها الملك أرتحشستا لعزرا الكاهن الكاتب كاتب كلام وصايا الرب و فرائضه على إسرائيل. 12- من أرتحشستا ملك الملوك الى عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء الكامل إلى آخره. 13- قد صدر مني أمر أن كل من أراد في ملكي من شعب اسرائيل وكهنته و اللاويين أن يرجع إلى أورشليم معك فليرجع. 14- من أجل أنك مرسل من قبل الملك ومشيريه السبعة لأجل السؤال عن يهوذا و أورشليم حسب شريعة إلهك التي بيدك. 15- و لحمل فضة و ذهب تبرع به الملك و مشيروه لإله إسرائيل الذي في أورشليم مسكنه. 16- و كل الفضة والذهب التي تجد في كل بلاد بابل مع تبرعات الشعب و الكهنة المتبرعين لبيت إلههم الذي في أورشليم. 17- لكي تشتري عاجلا بهذه الفضة ثيرانا و كباشا و خرافا و تقدماتها و سكائبها و تقربها على المذبح الذي في بيت إلهكم الذي في أورشليم. 18- و مهما حسن عندك و عند إخوتك أن تعملوه بباقي الفضة و الذهب فحسب إرادة إلهكم تعملونه. 19- و الآنية التي تعطى لك لأجل خدمة بيت إلهك فسلمها إمام اله أورشليم. 20- و باقي احتياج بيت إلهك الذي يتفق لك أن تعطيه فأعطه من بيت خزائن الملك. 21- و مني أنا أرتحشستا الملك صدر أمر إلى كل الخزنة الذين في عبر النهر ان كل ما يطلبه منكم عزرا الكاهن كاتب شريعة إله السماء فليعمل بسرعة. 22- الى مئة وزنة من الفضة و مئة كر من الحنطة و مئة بث من الخمر و مئة بث من الزيت و الملح من دون تقييد.
23- كل ما أمر به إله السماء فليعمل بإجتهاد لبيت إله السماء لأنه لماذا يكون غضب على ملك الملك و بنيه. 24- و نعلمكم أن جميع الكهنة و اللاويين و المغنين و البوابين و النثينيم و خدام بيت الله هذا لا يؤذن أن يلقى عليهم جزية أو خراج أو خفارة. 25- أما أنت يا عزرا فحسب حكمة إلهك التي بيدك ضع حكاما و قضاة يقضون لجميع الشعب الذي في عبر النهر من جميع من يعرف شرائع إلهك و الذين لا يعرفون فعلموهم. 26- و كل من لا يعمل شريعة إلهك و شريعة الملك فليقض عليه عاجلا إما بالموت أو بالنفي أو بغرامة المال أو بالحبس.
ع11، 12: عضد أرتحشستا الملك عزرا الكاتب، الذى يعمل عنده برسالة ملكية تحوى وامر عظيمة للاهتمام ببيت الرب وتظهر فيها يد الله القوية، التى حركت الملك لمساندة عزرا والراجعين معه من السبى.
يلقب أرتحشستا نفسه بملك الملوك؛ لأنه إمبراطور يملك على 127 دولة منهم دولة اليهود (أس1: 1). وهذا معناه أنه أعظم رجل فى العالم وقتذاك؛ إذ يحكم أكبر عدد من البلاد.
ويلقب عزرا بكاتب شريعة إله السماء الكامل، فهو ليس مجرد كاتب عند الملك ولكن أيضاً يضاف إليه أنه كاتب شريعة الله. وهذا يبين تقديره لعزرا. ويلقب الله بإله السماء الكامل وهذا يبين تقديره لله، فهو فى نظره ليس إلهاً مثل باقى الآلهة، لكنه متميز أنه إله السماء وأنه كاملاً. وتقديره لله يعطى مكانة أكبر لكاتبه وهو عزرا وهذه أول مرة يلقب ملك وثنى الله بالكمال.
كان عزرا رئيساً لكتاب الشريعة، بدأ عمله فى السبى واستمر بعد ذلك فى أورشليم وظل كاتباً مدة ثمانين عاماً وهو تميز بأنه كاتب وكاهن.
ع13، 14: يظهر فى هاتين الآيتين أن أرتحشستا هو الذى أرسل عزرا للسؤال والاهتمام باليهود وليس عزرا هو الذى طلب من الملك، كما حدث فى حالة نحميا، وهذا طبعاً بتدبير الله الذى حرك الملك ليحب إله اليهود ويسميه إله السماء الكامل ويطلب بركة هذا الإله ويهتم برعاية شعبه المؤمنين به.
الأمر الصادر هو من الملك ومشيريه السبعة وهذا كان نظاماً معروفاً عند فارس نراه أيضاً عند أحشويروش والد أرتحشستا (أس1: 14). ورقم سبعة كان مكرماً عند الأمم. وهؤلاء المشيرون كانوا رؤوس آباء فى فارس ويمثلون مجلس شورى يصدر الأوامر الملكية بقيادة الملك، فهو أعلى مجلس فى الإمبراطورية وهو المجلس الحاكم.
كان عزرا مفوض بسلطان من الملك لرعاية اليهود وفى نفس الوقت كان ينفذ شريعة الله بكل ما تحمل من مكافأة وعقاب، فهو بسلطان الملك ينفذ ويحكم بشريعة. وهذا يبين ثقة الملك فى عزرا بالإضافة إلى ثقته فى شريعة الله.
ولم يكن اليهود يتخيلون أفضل من هذا الوضع لتطبيق وصايا الله وشرائعه. وبالتالى كان من حق عزرا أن يقيم قضاة وولاة تابعين له؛ لتنفيذ شريعة الله ومساندين بأمر الإمبراطور أرتحشستا.
بإختيار الملك لعزرا وأمره أن يطبق شريعة الله استطاع أن يكسب اليهود ويضمن ولاءهم له، إذ يحكمهم واحد منهم وبشريعة إلههم وهو إنسان متميز وحكيم، كاهن وكاتب فاهم لشريعة الله.
أمر الله عزرا أن يأخذ معه كل من يريد من الكهنة واللاويين والشعب، ليعود معه إلى أورشليم وبهذا يعضد خدمة بيت الرب وعبادته ويظهر حبه لليهود.
ع15، 16: بعد أن أمر أرتحشستا عزرا بزيارة ورعاية اليهود فى أورشليم والاطمئنان على تمسكهم بشريعة الله؛ هذا هو البند الأول من أمر أرتحشستا، الذى ذكر فى (ع13، 14).
أما البند الثانى فهو أن يأخذ عزرا معه الذهب والفضة التى تبرع بها الملك ومشيروه السبعة لبيت الرب الذى فى أورشليم. وهذا معناه تقدير واحترام وإيمان أرتحشستا ومشيريه بالله وخضوعهم له كإله عظيم. ويظهر هنا العجب فى خضوع رؤساء الأمم لله وإكرامهم لبيته فى الوقت الذى أهمل فيه اليهود وملوكهم العناية ببيت الرب، كما حدث قبل السبى.
والبند الثالث فى أمر الملك هو جمع تبرعات فضة وذهب من سكان بلاد بابل الأمميين، يضاف إليها ما يجمعه من اليهود المسبيين فى بلاد بابل، سواء الكهنة، أو اللاويين، أو باقى اليهود. وهنا يظهر اهتمام الملك أن يخضع ويهتم كل شعبه ببيت الرب ويوقروا الله. والعجب أنه ينبه اليهود الذين بقوا فى السبى تعلقاً بممتلكاتهم ولم تتحرك قلوبهم؛ ليذهبوا ويعبدوا إلههم فى أورشليم، أو على الأقل، يتبرعوا لبيت الرب؛ لأنه لو كان أرتحشستا يهودياً لما كان قال أكثر من هذا للاهتمام ببيت الرب.
ليتك تخجل عندما ترى توقير بعض غير المؤمنين لكنيستك ومسيحك وقديسيك، حتى يتحرك قلبك وتحيا لله وتلتزم بعبادتك وتكرم القديسين.
ع17، 18: البند الرابع فى أمر أرتحشستا هو شراء مواشى بالفضة والذهب؛ لتقديمها ذبائح لله فى هيكله بأورشليم، بالإضافة إلى باقى التقدمات وسكائب الخمر.
البند الخامس فى أمر الملك هو إطلاق الحرية لعزرا أن يشترى بباقى الفضة والذهب ما يرى أن الهيكل محتاج إليه، فالملك يريد أن تسير العبادة فى الهيكل على أحسن وجه.
نلاحظ هنا الآتى :
- إعطاء عزرا الحرية حسبما يرى الخدمة محتاجة، فيدبرها بكل اهتمام.
- اهتمام الملك بالشورى بين قادة اليهود؛ لأجل تدبير خدمة الهيكل وذلك لأن الملك نفسه يتبع الشورى فى قيادة مملكة فارس، إذ كان له سبعة مشيرين.
- اهتمام الملك بشريعة الله وإرادته، فيطلب من عزرا أن يعملوا كل شئ بما يتفق مع إرادة الله، لينالوا رضاه.
ع19: يظهر اهتمام الملك بإكرام الله فى تقديمه أوانى ثمينة من الفضة والذهب، أو أى مواد أخرى نفيسة، بالإضافة إلى الأوانى التى تبرع بها اليهود والأمم لبيت الرب. كل هذا يسلمه عزرا للمسئولين عن بيت الرب فى أورشليم؛ لتكون تحت أمرهم لإتمام خدمة بيت الرب.
هذه الآنية ليست آنية بيت الرب التى عادت مع زربابل، بل أوانى نفيسة تم التبرع بها لبيت الرب.
ع20-22: البند السادس فى أمر الملك هو أن يسحب عزرا ما يحتاجه من أموال، إضافةً لخدمة بيت الرب من خزائن الملك الموجودة فى عبر النهر، وأصدر الملك أمراً للمسئولين عن هذه الخزائن؛ ليُعطى عزرا ما يطلب من أموال وكذلك ما يطلبه من قمح وخمر وزيت وملح بكميات كبيرة حسبما يحتاج حتى لو وصلت إلى :
- مئة وزنة من الفضة تساوى حوالى 3000 كيلو جرام.
- مئة كر من الحنطة تساوى حوالى 150000 كيلو جرام.
- مئة بث من الخمر والزيت والملح تساوى 2300 لتراً.
نرى اهتمام الملك فى أمره للخزنة أن يعطوا بسرعة كل ما يطلبه عزرا، فهو مهتم بتقديم خدمة بيت الرب فى أسرع وقت ممكن وهذه محبة وتقدير عظيم لله.
ع23: نرى فى هذه الآية ما يلى :
- شعور الملك أن كل ما يعمله هو أوامر من الله، أى أن الملك أداة فى يد الله ينفذ مشيئته، فهو إيمان حى عملى بالله.
- مخافة الله فى قلب الملك، فهو يريد إرضاء الله حتى لا يغضب عليه.
والعجيب أن شعب الله عمل الشر فى عينى الله، فوقع عليهم السبى، أما الملك الوثنى فيخاف الله وينفذ أوامره بدقة. وبعد الرجوع من السبى ارتبط اليهود بزيجات وثنية مخالفين شريعة الله، أما الملك الوثنى فى بابل فيخضع لأوامر الله ويخافه وكان ينبغى أن يكون العكس لأن شعب الله يسكن أورشليم حيث الهيكل وكان ينبغى أن تؤثر فيهم عبادة الله ومخافته أكثر من الملك.
فى هذا الوقت حدث تمرد فى مصر، فأرسل أرتحشستا جنوداً لإخضاعها، فكان يريد رضى الله عليه حتى يثبت ملكه وبنيه من بعده.
ع24: البند السابع فى أمر الملك هو رفع الضرائب عن الكهنة وخدام الهيكل؛ لأنهم مكرسون لخدمة بيت الرب حتى يتفرغوا لخدمته بلا هم، أو مسئوليات مالية أخرى وهذا بالطبع إكرام جزيل لله وبيته وخدامه.
ع25: البند الثامن فى أمر أرتحشستا هو أن يختار عزرا حكاماً وقضاة من اليهود، الذين يعرفوا شريعة الله حتى يعلموا الشعب كيف يعبدون الله ويرضونه فى كل حياتهم.
وأمره أيضاً أن يهتم بتعليم الحكام والقضاة؛ ليستكلموا معلوماتهم عن شريعة الله. فعزرا هو الراس المسئول عن تعلم الشعب، فيعلم مجموعة هم الحكام والقضاة بكل دقة، حتى يعلموا باقى الشعب.
وهنا نرى الملك يسير بفكر العهد الجديد الذى تقوله الدسقولية “أمح الإثم بالتعليم”، فيهتم بتعليم الشعب قبل معاقبتهم عندما يخطئون ويوجه الملك عزرا ليسير بهذا الفكر.
ع26: البند التاسع والأخير فى أمر الملك هو معاقبة كل يهودى يخالف شريعة الله معاقبةً شديدةً، بحسب نوع مخالفته، إما بالموت، أو النفى إلى مكان بعيد فيعانى الوحدة هناك، أو السجن، أو دفع غرامة مالية.
من هذا نفهم أن عزرا هو قائد دينى له حق معاقبة من يخالف الشريعة ولكنه ليس والياً مسئولاً عن الأخطاء المدنية، أو غير اليهود، ومن أمر الملك أرتحشستا لعزرا نرى ثقته الكبيرة فيه، بما يظهر لنا صفات كثيرة تجمعت كلها فى شخصه وهى :
- أمر الملك عزرا بالسؤال عن الراجعين من السبى لثقته فى أبوته (ع14).
- أعطاه الفضة والذهب واثقاً من أمانته (ع15، 16).
- وهبه حرية التصرف فى الفضة والذهب واثقاً من حكمته (ع18).
- منحه السلطان أن يأخذ ما يحتاجه من أموال ومواد غذائية من خزائن الملك فى عبر النهر لثقته فى قناعته (ع20، 21).
- كلفه بتعيين حكام وقضاة لإرشاد الشعب واثقاً من حسن إدراته (ع25).
- طلب منه أن يهتم بتعليم هؤلاء الحكام والقضاة وكل الشعب واثقاً من علمه وقدرته على التعليم (ع25).
- أعطاه أيضاً سلطة معاقبة المخالفين بالعقوبات المختلفة واثقاً من عدالته (ع26).
(3) عمل الله فى الرجوع الثانى (ع27، 28):
27- مبارك الرب إله آبائنا الذي جعل مثل هذا في قلب الملك لأجل تزيين بيت الرب الذي في أورشليم. 28- و قد بسط علي رحمة أمام الملك و مشيريه و أمام جميع رؤساء الملك المقتدرين و أما أنا فقد تشددت حسب يد الرب الهي علي و جمعت من إسرائيل رؤساء ليصعدوا معي
ع27: عندما نال عزرا هذه الرسالة العظيمة من أرتحشستا شعر أنه أمام عطايا إلهية لم يكن يتخيلها، فسبح الله قائلاً “مبارك الرب إله آبائنا” متذكراً محبة الله الذى يوفى بعهوده للآباء، فيسامح شعبه رغم كثرة خطاياهم عندما يتوبون ويجمعهم من شتات العالم ليعبدوه فى هيكله بأورشليم.
لم يبنِ عزرا بيت الرب ولكنه زينه، ليس بالرسوم والزخارف ولكن بتنظيم خدمة الكهنة واللاويين وتعليمهم مع الشعب شريعة الله واهتمامه باستمرار الخدمة بكل تدقيق كل يوم أمام الرب.
ع28: شكر عزرا الله لأجل النعمة التى أعطاها له فى عينى الملك والرحمة الإلهية الكبيرة فى أمر الملك له أن يعود مع اليهود إلى أورشليم، فلم يطلب عزرا من الملك ولكن الملك الذى أمره بهذا وبالطبع كان ذلك لتحريك الله لقلب الملك.
لم ينسب عزرا العمل والمجد لنفسه فى الرجوع إلى أورشليم، بل نسبه ليد الله العاملة فى الملك وفيه، فهو بالحقيقة إنسان عظيم؛ لأجل اتضاعه الكبير.
نلاحظ أيضاً نشاط وحماس عزرا فى انتهازه هذه الفرصة، أى أمر الملك، فتشدد وجمع الذين يريدون الرجوع من اليهود وقادهم مع كل العطايا، التى استطاع أن يجمعها وذلك إلى أورشليم. ما أجمل أن تشكر الله على بركاته اليومية لك، فهو أب حنون دائم الاهتمام بك وعطاياه لا تهدأ من نحوك إن كنت يقظاً روحياً، فتعوَّد الشكر حتى تستنير عينيك الداخليتين، فتكتشف تدابيره واهتمامه بك.