أورشليم المحتقرة
(1) ذل أورشليم (ع1-4):
1- كيف جلست وحدها المدينة الكثيرة الشعب. كيف صارت كأرملة العظيمة في الأمم السيدة في البلدان صارت تحت الجزية. 2- تبكي في الليل بكاء و دموعها على خديها ليس لها معز من كل محبيها. كل أصحابها غدروا بها. صاروا لها أعداء. 3- قد سبيت يهوذا من المذلة و من كثرة العبودية. هي تسكن بين الأمم. لا تجد راحة قد أدركها كل طارديها بين الضيقات. 4- طرق صهيون نائحة لعدم الآتين إلى العيد. كل أبوابها خربة. كهنتها يتنهدون عذاراها مذللة و هي في مرارة.
ع1: الجزية : ضرائب يدفعها الشعب المحتل لمن يستعبده.
يتعجب النبى للدمار الذى حل بأورشليم ويشبهها بسيدة عظيمة صارت أرملة حزينة مرذولة من الآخرين، فبعدما كانت أورشليم مدينة عظيمة ملآنة بالسكان صارت الآن خربة، واليهود الضعفاء الذين فيها مستعبدين لبابل ويدفعون الجزية.
عندما يترك الإنسان الله يذله الشيطان فيعتزل عن كل المؤمنين ويشعر بالوحدة ويسخر قوته للشر. تأمل نتائج الخطية لتبتعد عنها ولا تغريك مباهجها فأنها خادعة مؤقتة تخفى وراءها الذل والعذاب.
ع2 : يصور عزلة أورشليم بأرملة تبكى وحدها فى الليل حينما ينام كل من تحالف معها، فالكل تخلوا عنها وهى تجلس فى حزن تبكى الدمار الذى حل بها. ويرمز هذا للنفس البشرية التى تجلس فى ظلمة الخطية تعانى من نتائجها وتحزن على كل ما حل بها بعدما تخلى عنها كل من شجعوها على الشر.
ع3: يشرح حالة أورشليم المسبية بيد بابل بما يلى :
- أصبحت مستعبدة لبابل وذليلة.
- فقدان السلام والراحة بينما الأمم المحيطة بها تفرح وتتمتع.
- لم تستطع الهرب والخلاص من الحصار البابلى بل استطاعت جيوش بابل أن تدخل المدينة وتدمرها وتحرقها فصار الشعب فى ضيق عظيم.
ع4: صهيون : المقصود أورشليم فهى الاسم القديم لها.
يستكمل شرح حالة أورشليم الذليلة بما يلى :
- حرمان أورشليم من إقامة أعياد الرب لأنها قد تدمرت ولا يأتى اليهود من كل البلاد إلى أورشليم للتعييد.
- تحطيم وحرق أبواب أورشليم أى فقدت حصانتها وحمايتها.
- الكهنة الذين يقودون العبادة فى هيكل أورشليم فى حزن شديد لأن الهيكل قد احترق ولا يستطيعون تقديم الذبائح والخدمة لله.
- حزن فتاياتها ويقصد مرارة كل النفوس التى بها إذ يبكون على خراب مدينتهم العظيمة.
[2] الخطية سبب الذل (ع5-9)
5- صار مضايقوها رأساً. نجح أعداؤها لأن الرب قد أذلها لأجل كثرة ذنوبها ذهب أولادها إلى السبي قدام العدو. 6- و قد خرج من بنت صهيون كل بهائها صارت رؤساؤها كأيائل لا تجد مرعى فيسيرون بلا قوة أمام الطارد. 7- قد ذكرت أورشليم في أيام مذلتها و تطوحها كل مشتهياتها التي كانت في أيام القدم. عند سقوط شعبها بيد العدو و ليس من يساعدها. رأتها الأعداء ضحكوا على هلاكها.8- قد أخطأت أورشليم خطية من أجل ذلك صارت رجسة كل مكرميها يحتقرونها لأنهم رأوا عورتها و هي أيضاً تتنهد و ترجع إلى الوراء. 9- نجاستها في أذيالها. لم تذكر آخرتها و قد انحطت انحطاطاً عجيباً ليس لها معز. انظر يا رب إلى مذلتي لأن العدو قد تعظم.
ع5: تعاظم أعداء أورشليم وتسلطوا عليها كرؤساء، أما هى فصارت فى ذل لأن الرب هو الذى سمح بهذا تِأديباً لها على خطاياها سواء بسبب عبادة الأوثان أو الشهوات الشريرة وقد قبض العدو على أفضل أبنائها وذهبوا بهم إلى بابل كعبيد.
الخطية تفقد الإنسان قوته. فتذكر يا أخى أنك صورة لله وهيكل لروحه القدوس فتحيا له ولا تدنس نفسك بالخطية فتحتفظ بقوتك وتفرح مع الله.
ع6: أيائل : نوع من الغزلان سريع الحركة.
بسبب شرور أورشليم فقدت كل عظمتها وجمالها ورؤسائها الذين يقودونها ويدبرون أمورها إذ صاروا فى خوف عظيم أمام العدو فهربوا بسرعة كما تجرى الأيائل بعيداً بحثاً عن الطعام إذ لا تجد لها مرعى تأكل فيه، لأن أورشليم أصبحت فى جوع وكاد الذين فيها يموتون فعمل الملك والرؤساء ثغرة فى سور المدينة وهربوا منها ولكن أمسكتهم جيوش العدو وقتلتهم وأذلت الباقين منهم الذين صاروا فى ضعف شديد وأخذتهم بابل مسبيين إليها، فجيوش بابل طاردت كل من حاول الهرب وقبضت عليه.
ع7: أثناء تخريب أورشليم تذكرت شهواتها العالمية وشرورها التى انغمست فيها، ورأت أنها فقدت كل لذاتها ويصور أورشليم بامرأة تتطوح من الضعف والخوف أمام العدو ومن ذلها استهزأ بها الأعداء البابليون وأفسدوها ودمروها.
ع8: رجسة : قذرة ومحتقرة.
عورتها : يشبه أورشليم بامرأة صارت فى خزى بعد أن تعرت من ثيابها أى صارت خربة ليس فيها أى مجد.
يوضح أن الذل والاحتقار الذى حل بأورشليم هو بسبب خطيتها. وكل جيران أورشليم الذين كانوا يعظمونها احتقروها وهى فى خزى فلم يعد فيها الهيكل ولا قصور بل جثث المقتولين النتنة وباقى أبنائها هربوا منها أو أخذهم العدو إلى السبى.
ع9: يشبه أورشليم بامرأة زانية أذيال ثوبها تُظهر نجاستها وسقوطها فى الشر، أى أن سبب دمار أورشليم هو سقوطها فى الشهوات النجسة. وللأسف عندما انغمست أورشليم فى النجاسة نسيت أنها بنت الله ولم تستعد لحياتها الأبدية. لذا عندما أتى عليها غضب الله لم تجد من يعزيها فى حزنها لأن الله هو الذى يعزى ويسند أولاده، فإن تركوه لن يجدوا من يعزيهم ويفرحهم بل يصيروا فى حزن شديد.
ولكن يرجع النبى إلى الله نائباً عن أورشليم ويطلب مراحمه وأن يرفع عنه العدو البابلى الذى تكبر وأذل شعب الله.
[3] تدنيس الهيكل (ع 10، 11)
10- بسط العدو يده على كل مشتهياتها فإنها رأت الأمم دخلوا مقدسها الذين أمرت أن لا يدخلوا في جماعتك. 11- كل شعبها يتنهدون يطلبون خبزا دفعوا مشتهياتهم للأكل لأجل رد النفس. أنظر يا رب و تطلع لأني قد صرت محتقرة.
ع10: مقدسها : هيكل الرب.
كان حزن أورشليم شديداً بسبب سيطرة العدو على كل المدينة ولكن أهم ما فيها هو هيكل الرب الذى لا يصح دخول أى إنسان وثنى إليه، أما الآن فقد دخله البابليون ودنسوه وأحرقوه بعدما سرقوا ما فيه من مقتنيات غالية.
ع11: عندما حاصرت بابل أورشليم نفذ الطعام داخلها واشتد الجوع بالشعب وحاولوا شراء الخبز بتقديم أغلى ما عندهم لعلهم يحيون، ثم تتنهد فى حزن أورشليم وتطلب معونة الله لأجل الذل الذى صارت فيه.
إن إبليس يحاول أن يحرمك من خبز الحياة أى المسيح إلهنا ويحاصرك بالخطية لتبتعد عن الله. فلا تستسلم له بل تمسك بإلهك واثبت فى كنيسته متغذياً بأسراره المقدسة وكلامه المشبع.
[4] الرب مؤدب شعبه (ع12-16)
12- أما إليكم يا جميع عابري الطريق تطلعوا و انظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه. 13- من العلاء أرسل ناراً إلى عظامي فسرت فيها بسط شبكة لرجلي. ردني إلى الوراء جعلني خربة اليوم كله مغمومة. 14- شد نير ذنوبي بيده ضفرت صعدت على عنقي نزع قوتي دفعني السيد إلى أيد لا أستطيع القيام منها.15- رذل السيد كل مقتدري في وسطي. دعا علي جماعة لحطم شباني داس السيد العذراء بنت يهوذا معصرة. 16- على هذه أنا باكية عيني عيني تسكب مياها لأنه قد ابتعد عني المعزي راد نفسي صار بني هالكين لأنه قد تجبر العدو.
ع12: يشبه أورشليم بامرأة تتطلع إلى العابرين فى الطرق المؤدية إليها وهى خربة وحزينة على دمارها فتنادى العابرين لينظروا مدى حزنها لأن الله سمح بذلها فى يوم هجوم بابل عليها.
ع13: تتابع أورشليم كلامها للعابرين فتقول لهم إن الله أرسل ناراً فحرقت عظامها. فهى تشبه بامرأة قد تحطمت إذ أحرق البابليون هيكل الله وقصور أورشليم ويشبه سقوطها بيد بابل بأن بابل قد بسطت شبكة فسقطت فيها أورشليم كفريسة واستولت عليها وهرب من أورشليم من استطاع، ومن بقى فيها صار فى ذل وحزن دائم.
ع14: نير : خشبة توضع على عنق حيوانين لجر الآلات الزراعية وتربط برقبة الحيوان عن طريق حبل مضفور أى قوى.
تشبه أورشليم نفسها أيضاً بحيوان قد وضع على رقبته النير ثم أتى الله بحبل مضفور وربط به عنقها فى النير ويقصد أنها قد أصبحت مستعبدة لبابل فى ضعف وذل وفقدت قوتها إذ سقطت فى أيدى قوية هى أيدى بابل.
ع15: تُعلن أورشليم أن الله هو الذى يسمح بهذه التأديبات فهو الذى سمح أن يحتقر كل أبنائها الأقوياء القادرين على الحرب فصاروا ضعفاء وحطم شبانها أى قوتها لأن الشباب يتميز بالقوة وتشبه أورشليم نفسها بعذراء قد وضعت فى معصرة فسال دمها وضاعت كل قوتها.
ع16: المعزى راد نفسى : المقصود الله القادر أن يعزينى ويرد نفسى إلىّ فأحيا، فالذى أكثر من حزن أورشليم هو معرفتها أن التأديب من الله الذى كان يعزيها ويحييها وسط الضيقات، أما الآن فهو الذى سمح للضيقات بتأديبها ولن يعزيها لشرها. وكلما نظرت أورشليم لبنيها المقتولين وجثثهم ملقاة فى الشوارع وقسوة العدو البابلى سالت دموعها.
اقبل تأديب الله وأسرع للتوبة فهو رحيم ومستعد أن يرفع غضبه إن رجعت إليه. لا تيأس إن زادت الضيقات فهو قادر على رفعها عنك مهما كانت الظروف صعبة.
[5] أورشليم بلامعين (ع17-19)
17- بسطت صهيون يديها لا معزي لها أمر الرب على يعقوب أن يكون مضايقوه حواليه صارت أورشليم نجسة بينهم. 18- بار هو الرب لأني قد عصيت أمره. إسمعوا يا جميع الشعوب وانظروا إلى حزني. عذاراي و شباني ذهبوا إلى السبي. 19- ناديت محبي هم خدعوني. كهنتي وشيوخي في المدينة ماتوا إذ طلبوا لذواتهم طعاماً ليردوا أنفسهم.
ع17: يشبه النبى إرميا أورشليم بامرأة ضعيفة تمد يديها طالبة المعونة أمام الهجوم البابلى لكن للأسف لم تجد من يعينها لأن الله أمر بتأديبها فتخلى عنها كل حلفائها سواء مصر أو كل البلاد المحيطة بها وهكذا ظل الحصار البابلى حول أورشليم ثم دخل الجيش البابلى ونجس الهيكل وخرب كل أورشليم.
ع18: تعترف أورشليم بخطاياها وعصيانها إلى الله الذى سبب هذا الخراب وتنظر أورشليم بحزن وهى ترى شبانها وفتيانها يؤخذون عبيداً إلى السبى وليس من ينجدها. فهى تنادى الأمم المحيطة بها ولا يتحرك أحد ليسندها وينقذها من يد بابل.
ع19: تعلن أورشليم بأسف أن كل حلفائها الذين أحبوها ووعدوا بنجدتها قد تخلوا عنها بل أكثر من هذا أن الكهنة والشيوخ قد طلبوا إنقاذ أنفسهم وتركوا الشعب يهلك بيد بابل، وقد حاول الكهنة والرؤساء الهرب من أورشليم ولكن العدو قبض عليهم.
لا تتكل على ذراع بشر لأن البشر غير مضمونين ووعودهم كاذبة لكن اتكل على الله فهو يخلصك مهما كان الخطر ووعوده صادقة إلى الأبد.
[6] صراخ إلى الله (ع20-22)
20- انظر يا رب فإني في ضيق أحشائي غلت ارتد قلبي في باطني لأني قد عصيت متمردة في الخارج يثكل السيف و في البيت مثل الموت.21- سمعوا أني تنهدت لا معزي لي كل أعدائي سمعوا ببليتي فرحوا لأنك فعلت تأتي باليوم الذي ناديت به فيصيرون مثلي. 22- ليأت كل شرهم أمامك وافعل بهم كما فعلت بي من أجل كل ذنوبي لأن تنهداتي كثيرة و قلبي مغشي عليه.
ع20: مثل الموت : الباقين فى البيت فى ذعر وخوف مثل الموتى.
يثكل : يقتل الشباب فتصير أمهاتهم بلا أولاد أى ثكلى.
تصرخ أورشليم وقلبها يغلى من التأثر على قتلاها والذل الذى صارت إليه وتشبه نفسها بامرأة قد تحرك قلبها بشدة واضطرب فى داخلها من أجل شبابها الملقاة جثثهم فى الشوارع فصارت أورشليم كأم ثكلى وأيضاً الباقين فى بيوت أورشليم صاروا مثل الموتى من الخوف.
ع21: تقول أورشليم أن الأمم المحيطة بها لما سمعوا ببليتها لم ينجدها أحد بل شمتوا بها وفرحوا بخرابها ولكنها تثق أن الله سيعاقب هؤلاء الأشرار الشامتين بها.
ع22: تصرخ أورشليم إلى الله لينتقم من جيرانها الشامتين بها وكما أدبها بالتخريب يعاقبهم هم أيضاً. تقول أورشليم هذا من كثرة حزنها الذى جعلها فى عدم وعى.
اصرخ إلى الله فى كل ضيقاتك وثق أنه يحبك فهو يؤدبك إلى حين لترجع إليه فتنال مراحمه.