أخبار الأسوار المهدمة
(1) نحميا يسأل عن أخبار أورشليم (ع1-3) :
1- كلام نحميا بن حكليا حدث في شهر كسلو في السنة العشرين بينما كنت في شوشن القصر. 2- أنه جاء حناني واحد من إخوتي هو و رجال من يهوذا فسألتهم عن اليهود الذين نجوا الذين بقوا من السبي و عن أورشليم. 3- فقالوا لي إن الباقين الذين بقوا من السبي هناك في البلاد هم في شر عظيم و عار و سور أورشليم منهدم و أبوابها محروقة بالنار.
ع1: نحميا : اسم عبرى معناه “تحنن الله”.
كسلو : يقابل شهر ديسمبر.
السنة العشرين : هى السنة العشرون للملك أرتحشستا ملك مملكة مادى وفارس التى كانت تحكم العالم وقتذاك.
شوشن القصر : عاصمة مادى وفارس وتقع جنوب غرب فارس أى إيران الحالية على بعد 200 ميل شرق بابل.
يحدد نحميا كاتب هذا السفر مكان وميعاد الأحداث التالية فى هذا الأصحاح، فبينما كان نحميا فى مدينة شوشن القصر فى شهر كسلو حدث ما يلى فى الآيات التالية.
ع2: اليهود : كان يسمى شعب الله العبرانيين نسبة إلى إبراهيم الذى عبر نهر الفرات وعاش فى كنعان، ولكن بعد السبى سُمى الشعب باليهود نسبة إلى سبط يهوذا الذى كان يمثل المملكة الجنوبية التى سبيت بعد المملكة الشمالية وعند عودة شعب الله عادوا كمملكة واحدة غير منقسمة وتسموا كلهم باليهود.
يظهر اهتمام نحميا بشعبه ومدينته أورشليم فلم تشغله مكانته فى القصر الملكى عن الاهتمام بأخبار الساكنين فى أورشليم فلعله خرج من القصر فى هذا الوقت فقابل أحد أقربائه بالجسد يسمى حنانى ولذا يدعوه أخى لأنه من نفس سبطه وهو سبط لاوى. وكان حنانى وبعض اليهود عائدين من رحلة إلى أورشليم لزيارة موطنهم وأقاربهم فسألهم نحميا عن أخبار اليهود المقيمين بأورشليم الذين نجوا من الموت أثناء الهجوم البابلى الذى سبى فيه سكان أورشليم.
ليتك تهتم بأقربائك وأحبائك خاصة الضعفاء فهم المحتاجين لتسأل عن أخبارهم وتحاول مساعدتهم فلا تنشغل بمشاغل الحياة واحتياجاتك الخاصة عن اخوتك المحتاجين.
ع3: سمع نحميا أخبار سيئة عن اليهود الباقين فى أورشليم أنهم فى ضعف وبؤس لأن أسوار أورشليم مازالت مهدمة من بعد الهجوم البابلى وأبوابها العظيمة محروقة بالنار أى أن المدينة بلا حماية والشعب الساكن فيها معرض للهجوم من أى عدو، وهم فى خزى وعار لأن كل المدن المحيطة والبلاد المجاورة محصنة بأسوار وأبواب قوية كعادة ذلك الزمان أى أن أورشليم صارت مدينة محتقرة وذليلة وكان ذلك لمدة 140 عاماً من أيام الهجوم البابلى.
(2) صلاة نحميا (ع4-11):
4- فلما سمعت هذا الكلام جلست و بكيت و نحت أياما و صمت و صليت أمام اله السماء. 5- و قلت أيها الرب اله السماء الإله العظيم المخوف الحافظ العهد و الرحمة لمحبيه و حافظي وصاياه. 6- لتكن أذنك مصغية و عيناك مفتوحتين لتسمع صلاة عبدك الذي يصلي إليك الآن نهارا و ليلا لأجل بني إسرائيل عبيدك و يعترف بخطايا بني إسرائيل التي أخطانا بها إليك فاني أنا و بيت أبي قد أخطانا. 7- لقد أفسدنا أمامك و لم نحفظ الوصايا و الفرائض و الأحكام التي أمرت بها موسى عبدك. 8- اذكر الكلام الذي أمرت به موسى عبدك قائلا إن خنتم فاني أفرقكم في الشعوب. 9- و إن رجعتم إلي و حفظتم وصاياي و عملتموها إن كان المنفيون منكم في إقصاء السماوات فمن هناك اجمعهم و أتي بهم إلى المكان الذي اخترت لإسكان اسمي فيه. 10- فهم عبيدك و شعبك الذي افتديت بقوتك العظيمة و يدك الشديدة. 11- يا سيد لتكن أذنك مصغية إلى صلاة عبدك و صلاة عبيدك الذين يريدون مخافة اسمك و أعط النجاح اليوم لعبدك و امنحه رحمة إمام هذا الرجل لأني كنت ساقيا للملك
ع4: عندما سمع نحميا أخبار أورشليم المتهدمة دخل مخدعه وجلس فى هدوء أمام الله فشعر ليس بحزن على تخريب نبوخذنصر للأسوار والمدينة لأن هذا شئ معروف منذ زمن طويل ولكنه حزين بل وبكى أيضاً على شعوره بتقصيره وتقصير كل اليهود فى حق إلههم ومدينته المقدسة أورشليم التى فيها هيكل الله أقدس مكان فى العالم ولعله سأل نفسه كيف أعيش أنا فى قصر عظيم والمدينة المقدسة أسوارها مهدمة.
ولم يجد أمامه إلا الالتجاء إلى الله فى صوم معلناً استعداده للتجرد من كل الماديات التى يتمتع بها من أجل الله وتقدم للصلاة فى انسحاق وتضرع لله حتى يعينه ويعين كل محبى الله المؤمنين به ليهتموا بمدينته المقدسة أورشليم.
استمر نحميا فى خلوته وصومه وصلواته ودموعه أياماً فلم يكن هذا انفعالاً مؤقتاً بل مشاعر عميقة تطلب من الله المعونة لتتحول إلى أعمال قوية لترضيه. لم يذكر عدد الأيام التى قضاها فى خلوته ولكن من الواضح أنها فترة ليست بقصيرة قضاها فى خلوة خاصة مع الله بعيداً عن أعين الناس لأن رجاءه كان ثابتاً فى الله القادر وحده على كل شئ.
ع5: إله السماء : تعبير عن الله استخدم بعد السبى البابلى الذى دمر الهيكل، لأن هذا التعبير يعلن عن مسكن الله الذى لا يمكن تدميره وهو السماء.
بدأ نحميا صلاته التى استمرت حتى نهاية هذا الأصحاح فأعلن فى خشوع أنه أمام الله العظيم، إله السماء، تمييزاً له عن الآلهة الوثنية التى على الأرض، ولأن الله هو الإله الوحيد وهو مخوف من كل خليقته؛ لأجل عظمته وجلاله.
وفى نفس الوقت هو إله حنون يهتم بأولاده المؤمنين به حافظى وصاياه المتمسكين بعهوده، فلا يتركهم أبداً، بل يرعاهم ويسندهم إذا التجأوا إليه. فنحميا هنا يستدر مراحم الله ليتحنن عليه هو وكل أخوته اليهود، شعبه الذى يعبده ومحتاج لمعونته لبناء مدينته المقدسة.
ع6: بتذلل رفع صوته أمام الله شاعراً بعدم استحقاقه؛ لأجل كثرة خطاياه، فهو كمسئول عن شعبه يتقدم عنهم أمام الله حاملاً خطاياهم، متضرعاً إليه، معلناً إهماله لبناء المدينة المقدسة مع أنه لم يكن معهم والذين قصروا هم اليهود الساكنون فى أورشليم ولكن كخادم حقيقى يقدم توبة عن كل شعبه. ولأنه غير مستحق يتضرع إلى الله ليسمح ويفتح أذنه لسماع صلاته وينظر بعينيه إلى مذلة شعبه فهم وإن كانوا غير مستحقين ولكنهم أولاده المحتاجين واثقاً من أبوته التى لا تتركهم أبداً. وهو يستعير الأذن والعين وينسبها إلى الله ليعبر عن مدى إيمانه بالله الذى أمامه واحتياجه الشديد لتدخله.
لم يكلف نحميا بمسئولية بناء أورشليم ولكن لأجل محبته لله ولمدينته شعر بمسئوليته ولعله أدرك وقتذاك أن الله قد يكون سمح له بهذا المركز العظيم فى القصر الملكى ليقوم بخدمة الله وبناء مدينته. وقد ظل يردد هذه الكلمات بألفاظ وتعبيرات مختلفة طوال أيام خلوته فى لجاجة طالباً ضرورة تدخل الله. بل كان لا يكفيه النهار للصلاة بل يقضى وقتاً طويلاً من الليل فى سهر بتضرعات ودموع حتى يرحمه الله وكل شعبه.
إن نحميا مثال للإنسان الروحى المتعلق قلبه بالله أكثر من كل الماديات المحيطة به ويشعر بإخوته قبل نفسه، وبمجد الله قبل أية منفعة شخصية له حتى أنه كان فى هذه المشاعر العميقة وهو بعيد عن أورشليم، مع أن الساكنين فى أورشليم كان معظمهم لا يشعر بشئ من هذه المشاعر.
ع7: أفسدنا : صنعنا خطايا أفسدت حياتنا وأبعدتنا عن الله.
تذكر نحميا خطايا شعبه على مدى عشرات السنين التى أدت إلى تأديب الله لهم بالسبى وحرق الهيكل فيتقدم اليوم معلناً أن تهدم الأسوار والأبواب المحروقة السبب فيها هو خطاياهم ويتكلم بصيغة المتكلمين معلناً مسئوليته عن كل الشرور التى فعلها شعبه، والتقصيرات فى عبادة الله وحفظ وصاياه التى أخذوها على يد موسى النبى.
ع8، 9: يذكر الله بوعوده فى شريعته (تث30: 1-5) أنه إن ترك شعبه وصاياه وعبدوا الأوثان أى خانوا الله فهو يفرقهم ويشتتهم بين الشعوب وقد حدث هذا فعلاً بالسبى. ولكن يستكمل كلامه بتذكير الله بوعوده أنه إن تابوا ورجعوا إليه فهو يجمعهم من شتاتهم حتى لو كانوا فى كل أرجاء المسكونة ويعيدهم إلى بلادهم ليعبدوه فى هيكله المقدس الذى فى أورشليم حيث اختار الله هذا المكان لسكناه.
وعندما يقول “اذكر” ليس معنى هذا أن الله قد نسى ولكن نحميا يعلن إيمانه بشريعة الله ويطالبه بوعوده وهذا يفرح قلب الله.
ع10: يذكر الله بأن اليهود هم شعبه الذى اختاره من بين جميع الشعوب لأنهم آمنوا به وعبدوه وخلصهم وافتداهم من أيدى المصريين بذبح خروف الفصح الذى بدمه نجى أبكارهم من الموت وخلصهم وأخرجهم من مصر وشق البحر الأحمر أمامهم وعبرهم فى الوقت الذى قتل فيه أبكار مصر وأغرق فرعون وكل جيشه. وهذا يرمز بالطبع للمسيح فادى البشرية.
ع11: فى نهاية الصلاة كرر رجاءه أن يسمع الله صلاته بل ويعطيه نعمة أمام الملك الذى يخدمه نحميا إذ كان يعمل ساقياً عند الملك وهى وظيفة كبيرة ويتبعه عدد كبير من العاملين. إذ خطرت على باله بإرشاد الله أفكار كثيرة يستطيع بها بناء الأسوار المهدمة وتحتاج لموافقة الملك وكان فى ثقة أن الله قادر أن يقنع الملك فيوافق على كل طلباته فينجح فى بناء الأسوار.
وبإيمان وثق نحميا أن هناك يهوداً مؤمنين سواء فى أورشليم أو معه فى شوشن القصر أو فى أرجاء المملكة يهمهم أورشليم ويصلون إلى الله من أجل تعميرها وبناء أسوارها ولعل هذا الشعور قد وصل إليه ليس فقط من إخوته اليهود الذين أخبروه بما فى أورشليم ولكنه شعر بإرشاد الله أن هناك غيره يرفعون الصلاة أمام الله وهذا يظهر مدى إيمان نحميا فلم ييأس ولم يشعر أنه وحيد كما شعر إيليا قديماً (1مل18: 22).
وقد كان نحميا يشغل منصب ساقى الملك وسواء كان هو رئيس السقاة أو أحد السقاة المتقدمين أمام الملك فهى وظيفة لها مكانة خاصة لأنه يقترب من الملك فى كل وقت سواء فى وقت عمله أو راحته كلما احتاج أن يشرب مما كان يسمح له بعلاقة شخصية قريبة جداً وصداقة مع الملك وكان مؤتمناً على حياة الملك إذ كان يصب قطرات من المشروب سواء الخمر أو غيره فى راحة يده اليسرى ويتذوقها أمام الملك ليطمئن الملك أن المشروب خالى من السموم ومعلناً استعداده لفداء حياة الملك من أى شر وقد سبق الحديث عن وظيفة نحميا فى مقدمة هذا السفر. ونرى فى هذه الصلاة إيمان نحميا الذى ظهر فى مطالبة الله بالتدخل كما يلى :
- تذكيره بكلامه فى شريعته ووعده أن يجمع شعبه المتفرق إن تابوا ورجعوا إليه.
- أن الله قادر على بناء هذه الأسوار كما أنقذ شعبه قديماً من عبودية مصر وفداهم.
- أن شعب الله هم عبيده وحافظو وصاياه ومحبوه أى هم خاصته الذين لابد أن يتدخل ليسندهم.
- أن شعبه يريدون أن يحيوا بمخافته فهم يسعون فى جهاد روحى لإرضائه وهو لا يترك أبداً من يقتربون إليه حتى لو كانوا ضعفاء ومقصرين ولكنهم يريدون أن يرضوه، فهو يساعدهم حتى يعبدوه بأمانة ويبنى لهم المدينة المقدسة ليطمئنوا ويمارسوا عبادتهم بكل حرية فى هيكله المقدس.
إن الله يفرح جداً باقترابك إليه وصلاتك الضارعة نحوه. فضع مشاكلك كل يوم أمام الله وألح عليه ولا تتركه واثقاً أنه يفرح بصلواتك ولا يتركك أبداً ويصنع المعجزات ليحقق لك خيرك فتحيا معه إلى الأبد.