نحميا يعتنى بالمحتاجين
- إن كان الأصحاح السابق يحدثنا عن الأعداء الخارجيين، الذين وقفوا ضد شعب الله؛ لمنعهم من بناء السور، فهذا الأصحاح يحدثنا عن المتاعب الداخلية بين شعب الله، مثل الظلم واستغلال الضعفاء.
- أحداث هذا الأصحاح لم تحدث أثناء بناء السور، ولكنها بدأت منذ مدة طويلة، إما أيام نحميا، أو قبل ولايته على أورشليم، ثم تقدم الفقراء بشكواهم قرب نهاية مدة حكم نحميا، التى دامت إثنى عشر عاماً، بدليل ما ذكر فى (ع14). وذلك لأن الفقراء زادت متاعبهم، ومن ناحية أخرى وجدوا فى نحميا الوالى الصالح العادل، الذى يستطيع أن ينصفهم ويشفق عليهم.
(1) شكوى الفقراء (ع1-5):
1- و كان صراخ الشعب و نسائهم عظيما على أخوتهم اليهود. 2- و كان من يقول بنونا وبناتنا نحن كثيرون دعنا نأخذ قمحا فنأكل و نحيا. 3- و كان من يقول حقولنا و كرومنا و بيوتنا نحن راهنوها حتى نأخذ قمحا في الجوع. 4- و كان من يقول قد أستقرضنا فضة لخراج الملك على حقولنا و كرومنا. 5- و الآن لحمنا كلحم أخوتنا و بنونا كبنيهم و ها نحن نخضع بنينا و بناتنا عبيدا و يوجد من بناتنا مستعبدات و ليس شيء في طاقة يدنا و حقولنا و كرومنا للآخرين.
ع1: قابل نحميا مشكلة كبيرة بين شعب الله، إذ تقدم الفقراء بشكوى، صارخين إلى الله، وإلى الوالى نحميا من استغلال الأغنياء اليهود لهم فى الضيقات الاقتصادية التى يمرون بها، فكانوا بالكاد يحصلون على القوت الضرورى، أو أقل منه، ويعانون من مشاكل الذل والعبودية.
ويلاحظ أن أغلب اليهود كانوا فقراء يواجهون هذه المعاناة، بدليل قولهم صراخ الشعب، ومن شدة البؤس خرجت النساء مع أزواجهن؛ ليرفع عنهم نحميا الظلم ويساعدهم على الحياة.
ع2: احتوت شكوى الفقراء على ما يلى :
- كثرة البنين والبنات فى الأسر الفقيرة، وهذا الأمر كان معتاداً ومازال حتى الآن.
- احتياجهم الشديد للقوت الضرورى وهو الخبز، فأعلنوا أن ليس عندهم قمحاً.
ع3: واضح من هذه الآية أن اليهودية كانت تعانى من جوع، وهذا راجع إما لقلة الأمطار، أو لإهمال الشعب الزراعة أثناء بناء السور.
اضطر الشعب الفقير أن يعطى حقوله، ميراث آبائه رهناً؛ لأخوتهم الأغنياء؛ حتى يحصلوا على قوتهم الضرورى وهو القمح.
هؤلاء الأغنياء من اليهود إما أن يكونوا قد أتوا بأموال من بابل وما حولها، حيث كانوا يعيشون قبل رجوعهم من السبى، أو يكون لهم نشاط وقدرات خاصة أهلتهم أن يقيموا مشاريع وينجحوا فيها، فحصلوا على أموال كثيرة.
أخذ الأغنياء حقول إخوتهم رهناً؛ ليعطوهم القوت الضرورى وكان هذا مخالفاً للشريعة؛ لأن الشريعة تنهى عن استغلال الفقراء والإستيلاء على ممتلكاتهم (تث24: 10-13)، أى أن الرهن مقبول، إن كان من أجل إقامة مشاريع وليس من أجل الاحتياجات الضرورية.
ع4: خراج الملك : ضرائب تجمعها الإمبراطورية من كل الشعوب التابعة لها، فيدفعون ضريبة عن كل إنسان.
عانى الشعب الفقير أيضاً من عجزه عن سداد خراج الملك، واضطروا أن يقترضوا من إخوتهم الأغنياء؛ لسداد الخراج وكانت هذه القروض بالربا. وهذا مخالفة للشريعة –كما قلنا – لأن الربا مقبول فى التعامل بين الأغنياء بعضهم البعض، أما الفقراء فتنص الشريعة على عدم أخذ الربا منهم (خر22: 25، مت25: 27).
ع5: تضمنت شكوى الفقراء أيضاً اضطرارهم أن يبيعوا بناتهم جوارى لإخوتهم الأغنياء. وكان هذا مؤلماً جداً لنفوسهم؛ لأنهم عاجزون عن تحرير بناتهم؛ ليعيشوا معهم فى بيوتهم حياة كريمة.
وكانت الشكوى شديدة؛ إذ قال الفقراء أنهم مختونون مثل إخوتهم فى لحمهم، فلماذا يكونون مستعبدين لهم.
والغريب أن الأغنياء من اليهود نسوا أنهم كانوا من مدة قصيرة مستعبدين جميعاً لبابل وقبلها آشور. ولكن عندما تيسرت أحوالهم وحصلوا على بعض الأموال انتهزوا فرصة فقر إخوتهم واستعبدوهم فى أنانية.
ليتك تكون رحيماً على من حولك وتشعر باحتياجاتهم المادية والنفسية، فتنال مراحم الله فى الأرض، ثم بعد ذلك فى السماء.
(2) توبيخ الأغنياء (ع6-13):
6- فغضبت جدا حين سمعت صراخهم و هذا الكلام. 7- فشاورت قلبي في و بكت العظماء والولاة و قلت لهم أنكم تأخذون الربا كل واحد من أخيه و أقمت عليهم جماعة عظيمة. 8- و قلت لهم نحن اشترينا أخوتنا اليهود الذين بيعوا للأمم حسب طاقتنا و انتم أيضا تبيعون أخوتكم فيباعون لنا فسكتوا و لم يجدوا جوابا. 9- و قلت ليس حسنا الأمر الذي تعملونه أما تسيرون بخوف إلهنا بسبب تعيير الأمم أعدائنا. 10- و أنا أيضا و أخوتي و غلماني أقرضناهم فضة و قمحا فلنترك هذا الربا. 11- ردوا لهم هذا اليوم حقولهم و كرومهم و زيتونهم و بيوتهم و الجزء من مئة الفضة و القمح والخمر و الزيت الذي تأخذونه منهم ربا. 12- فقالوا نرد و لا نطلب منهم هكذا نفعل كما تقول فدعوت الكهنة و استحلفتهم أن يعملوا حسب هذا الكلام. 13- ثم نفضت حجري و قلت هكذا ينفض الله كل إنسان لا يقيم هذا الكلام من بيته و من تعبه و هكذا يكون منفوضا و فارغا فقال كل الجماعة آمين و سبحوا الرب و عمل الشعب حسب هذا الكلام.
ع6: استمع نحميا باهتمام لشكوى الشعب الصادرة من قلوب متألمة، ولم ينشغل عنهم بسبب اهتمامه ببناء السور، أو صده لمؤامرات الأعداء، فهذا يبين أبوة نحميا وعدله كوالى مسئول.
وهذا الغضب من نحميا المسئول يعلن استقامة قلبه، ورفضه للخطية ومن ناحية أخرى يطمئن المظلومين بأنه مهتم بهم ولن يهمل مطالبهم. وفى نفس الوقت يظهر هذا الغضب عدم محاباة نحميا للأغنياء، فهو لا يريد شيئاً من أحد، وهو قوى يعلن الحق حتى لو أغضب بعض الناس ولو كانوا من عظماء الشعب، فهو يخاف الله، وبالتالى لا يخاف من أحد. هذه هى الخطوة الأولى التى فعلها نحميا وهى غضبه على الخطية.
ع7: الخطوة الثانية : التى فعلها نحميا هو تشاوره مع نفسه، فلم يكن غضبه باندفاع، بل فكر بحكمة، كيف يكون السلوك العادل المناسب.
الخطوة الثالثة : أنه بشجاعة وبخ الأغنياء ورؤساء الشعب على استغلالهم للفقراء وسكوتهم على الظلم، لأنهم أخذوا الربا عندما أقرضوا الفقراء، رغم علمهم بعجزهم عن دفع الاحتياجات الضرورية للحياة.
الخطوة الرابعة : أنه أقام على العظماء المستغلين جماعة عظيمة، وهم عدد كبير من الشعب الفقير كمندوبين عن باقى الشعب، أى أنه واجه الأغنياء بما عملوه بهؤلاء الفقراء واتضحت الحقيقة وهى الظلم والاستغلال الشديد. فهو عادل يسمع وجهتى النظر؛ الشاكى والمشتكى عليه؛ ليتأكد من صحة القضية.
بهذه التصرفات وما يليها فى الآيات التالية يظهر تميز نحميا عن عزرا فى الإصلاح الداخلى للشعب، فعزرا بكى ومزق ثيابه، معلناً ضيقه من الشر (عز9: 3-5) أما نحميا فقد أضاف خطوات قوية فى الإصلاح، إذ وبخ المخطئين وفعل أموراً حسنة كما سيظهر فى باقى الأصحاح.
ع8: قال نحميا فى توبيخه للعظماء أن كثيرين من اليهود كانوا مستعبدين للأمم واستطاع نحميا وغيره من الأتقياء أن يحرروا أكبر عدد ممكن من اليهود المستعبدين. ويتعجب نحميا من العظماء، أنهم بعد أن تحرر إخوتهم يعودون فيستعبدونهم. فصمت العظماء خجلاً واعترافاً منهم بخطيتهم.
ع9: أظهر لهم نحميا خطيتهم فى استغلال إخوتهم الفقراء، وأن تصرفهم هذا شرير، يغضب الله وبخطيتهم هذه يعلنون عدم خوفهم من الله واستباحتهم للشر.
ومن ناحية أخرى يزيدون من تعيير الأمم لهم إذ أنهم فقراء ومذلولون، وبالتالى فهذا يعلن عجز إلههم عن إعالتهم وإعطاؤهم حياة كريمة، وبهذا يهين الأغنياء الله. ثم تجد الأمم خطية واضحة فى شعب الله وهى قسوتهم وظلمهم بعضهم لبعض، أى أن شريعة الله لا تستطيع أن تنشر العدل بين شعبه.
ع10: الخطوة الخامسة : التى اتخذها نحميا فى حل هذه المشكلة، هى تصرف إيجابى منه هو والعاملين معه فى إدارة شئون أورشليم، إذ تقدموا بمساعدة الفقراء بأموال أقرضوها لهم ليسدوا لهم احتياجاتهم، وبالتالى لا يحتاجون أن يقترضوا من الأغنياء المرابين المستغلين.
فى نهاية الآية يطالب الأغنياء كخطوة سادسة أن يتركوا عنهم الربا أى عندما يستردون أموالهم من الفقراء لا يأخذون زيادة عما أقرضوه.
ومن تواضع نحميا يقول فلنترك الربا؛ ليشجع الأغنياء على ذلك، فهو لم يقل لهم اتركوا، بل لنترك وهذا لطف شديد منه.
ع11: الخطوة السابعة : التى قام بها نحميا هى أمره للعظماء والرؤساء أن يردوا فى الحال الحقول والبيوت التى ارتهنوها من الفقراء، وبهذا يكون لهم فرصة أن يجدوا طعاماً ويعيشوا حياة كريمة.
كما طالبهم أيضاً برد الربا الذى اخذوه ومقداره جزء من المئة، أى 1% شهرياً وهذا معناه أنهم كانوا يأخذون 12% سنوياً فوائد لقروضهم للفقراء.
ع12: أطاع العظماء نحميا وردوا الأملاك والأموال للفقراء وهذا يظهر مدى مهابة نحميا وسلطانه؛ حتى خافه العظماء، إذ رأوا فيه روح الله والعدل.
الخطوة الثامنة : هى إقامة نحميا الكهنة مسئولين عن تنفيذ ما وعد به الأغنياء، باعتبار الكهنة عارفين بالشريعة ومسئولين عن تنفيذها؛ لينبهوا كل مقصر ومتكاسل عنها. وبهذا ثبت نحميا وعد الأغنياء، وأصبح عهداً بينهم وبين الله الذى يمثله الكهنة.
ع13: نفضت حجرى : نفض الحجر عادة قديمة تعنى لعنة الشخص الآخر. وكانوا يصنعون بالثوب جيباً يضعون فيه أوراق شجر، أو أى شئ مشابه وينفضونه عند الاحتياج لإعلان لعنتهم وغضبهم على من يقف أمامهم.
الخطوة التاسعة : والأخيرة التى فعلها نحميا هى نفض حجره أمام العظماء، معلناً أن اللعنات تحل على كل من لا ينفذ ما أمر به، أى يكون ملعوناً من الله، فاقداً لكل بركة والله ينفض كل إنسان لا يفعل هذا، أى يتخلى عنه ويطرده بعيداً ويفرغ بيته من البركة لأنه لم يخرج من بيته وما له أموال الظلم، التى أخذها من الفقراء، فوافق العظماء على كلام نحميا، بقولهم آمين، كما فعل الشعب قديماً أيام موسى عند جبلى جرزيم وعيبال، عند سماعهم البركات واللعنات التى تأتى عليهم عند طاعتهم لوصايا الله، أو رفضها.
بعد هذا صلى العظماء وسبحوا الله ومجدوه؛ لأنه أرجعهم عن الخطية؛ ليحيوا بوصاياه ونفذوا كل ما أمر به الله على فم نحميا، ونجوا من السقوط فى الانشقاق بين الأغنياء والفقراء، وما ينتج عنه من ثورات.
إن كنت مسئولاً فى أى مكان فلا تتهاون مع الخطية وأعلن غضبك عليها؛ حتى يرجع عنها كل من حولك، فإعلان الحق مسئوليتك الأولى، فتكون أنت أول من يلتزم بكلام الله.
(3) نحميا مثال للبذل (ع14-19):
14- و أيضا من اليوم الذي أوصيت فيه أن أكون واليهم في ارض يهوذا من السنة العشرين إلى السنة الثانية و الثلاثين لأرتحشستا الملك اثنتي عشرة سنة لم أكل أنا و لا أخوتي خبز الوالي.
15- و لكن الولاة الأولون الذين قبلي ثقلوا على الشعب و اخذوا منهم خبزا و خمرا فضلا عن أربعين شاقلا من الفضة حتى أن غلمانهم تسلطوا على الشعب و أما أنا فلم افعل هكذا من اجل خوف الله. 16- و تمسكت أيضا بشغل هذا السور و لم اشتر حقلا و كان جميع غلماني مجتمعين هناك على العمل. 17- و كان على مائدتي من اليهود و الولاة مئة و خمسون رجلا فضلا عن الآتين إلينا من الأمم الذين حولنا. 18- و كان ما يعمل ليوم واحد ثورا و ستة خراف مختارة و كان يعمل لي طيور و في كل عشرة أيام كل نوع من الخمر بكثرة و مع هذا لم اطلب خبز الوالي لان العبودية كانت ثقيلة على هذا الشعب. 19- اذكر لي يا الهي للخير كل ما عملت لهذا الشعب
ع14: أصبح نحميا والياً على اليهودية بأمر الملك أرتحشستا، عندما أعلن له اهتمامه ببناء سور لأورشليم. وقد ظل والياً لمدة إثنى عشر عاماً.
فى هذه المدة كان نحميا مثالاً فى التضحية، إذ لم يستخدم حقه الطبيعى فى الحصول على احتياجاته المادية من الطعام والشراب، له ولإخوته، أو مساعديه فى إدارة الولاية، أو أقاربه، بل تنازل عن حقه هذا، فلم يأخذ ضرائب من الشعب، لتوفير احتياجاته ولكنه يبدو أنه اعتمد على أمواله الخاصة، التى حصل عليها عندما كان يعمل ساقياً للملك فى العاصمة شوشن القصر، قبل أن يصير والياً على أورشليم واليهودية.
إن تنازل نحميا عن حقه الطبيعى يظهر ما يلى :
- أنه مثال فى العطاء والإحساس بالفقراء؛ حتى يقتدى به الأغنياء، ولا يقصد بالطبع التفاخر. فباقى الأصحاح يبين غرضه النبيل.
- حيث أنه تنازل عن حقه، فهو غير مغرض فى أمره بل أعطى درساً للعظماء أن يلتزموا بالشريعة ويشفقوا على إخوتهم الفقراء، فهو لا يريد أن يأخذ شيئاً من أموال الأغنياء لنفسه.
ليتك تتعلم من نحميا البذل إن كنت مسئولاً فى بيتك، أو عملك، أو خادماً فى الكنيسة، فتفضل راحة الآخرين وتتنازل عن راحتك واحتياجاتك المادية وتقدم الآخرين عن نفسك.
ع15: شاقل من الفضة : يساوى 11.6 جراماً (شاقل القدس).
اعتاد الولاة الذين سبقوا نحميا فى الولاية على أورشليم واليهودية أن يأخذوا من الشعب احتياجات قصر الوالى من الطعام والشراب؛ بالإضافة إلى أربعين شاقلاً من الفضة وهى تساوى حوالى 464 جراماً، أى حوالى نصف كيلو من الفضة وهذا غالباً كان يقدم يومياً لقصر الوالى ولم يلتفتوا إلى فقر وضعف الشعب، بل نظروا إلى راحتهم.
المقصود بهؤلاء الولاة ليس عزرا أو زربابل، بل الولاة الأجنبيين عن اليهود، الذين أقامتهم الإمبراطورية.
نرى محبة نحميا وابتعاده عن الخطأ فى عدم إدانة شخص ما وذلك بأنه لم يذكر أسماء هؤلاء الولاة، فهو لا يقصد أن يدين أحداً، بل يوضح فكرة البذل التى يقوم بها نحميا ويدعو العظماء لإتباعها.
والتثقيل على الشعب كان فى ثلاثة أمور هى :
- طلب خبز الوالى.
- أخذ أربعين شاقلاً.
- كان مساعدو الوالى يستغلون الشعب، فيحصلون منهم على أموال وممتلكات.
لأن نحميا يخاف الله، فقد رفض استغلال الشعب، أو حتى الحصول فقط على احتياجاته الشخصية منهم؛ لأنه أشفق عليهم. وبهذا فهو قدوة للعظماء أن يخافوا الله ولا يستغلوا الفقراء.
ع16: يظهر صلاح نحميا كوالى فيما يلى :
- اهتمامه الأول كان إتمام عمله وهو بناء السور، وليس راحته الشخصية كوالٍ.
- لم يهتم بأن يمتلك حقولاً، أو أى ممتلكات، بل على العكس استغل أمواله الشخصية فى مساعدة الفقراء من الشعب.
- لاهتمام نحميا أن يقف بنفسه ليباشر أعمال بناء السور وأبوابه، تحرك أيضاً مساعدوه؛ ليديروا أعمال البناء إقتداءً به، ولم يبحثوا عن راحتهم، مستغلين الشعب ويظهر من هذا اختلاف غلمان، أى مساعدى نحميا عن غلمان الولاة السابقين الذين استغلوا الشعب.
ع17: كان نحميا يستضيف فى قصر الولاية أكثر من مئة وخمسين رجلاً هم :
- اليهود الذين أتوا معه من بابل.
- الولاة اليهود المسئولين عن المدن التابعة له.
- الولاة الأمميين المتولين على المدن التابعة له.
- الضيوف من الأمم المحيطة باليهودية، الذين يزورون الوالى.
كان نحميا يصرف على هذه الموائد اليومية من مرتبه الشخصى، الذى يحصل عليه كوالٍ للملك، بالإضافة لأمواله التى كانت عنده وأدخرها، عندما كان ساقياً للملك ولكنه لم يستغل الشعب فى الحصول على أموال.
نحميا هنا يرمز للمسيح، الذى قدم مائدته، أى مذبح كنيسة العهد الجديد للمسيحيين من أصل يهودى، أو أممى، فهو قدم على مائدته أعظم طعام وهو جسده ودمه الأقدسين، كما قدم نحميا أعظم ما استطاع من أطعمة وخمور.
ع18: يظهر لنا نحميا ضخامة الموائد فى قصره أنها كانت تحتاج يومياً إلى ذبح ثور، بالإضافة إلى ستة خراف جيدة متميزة وكذا عدد كبير من الطيور، لم يذكر عددها لكثرتها.
وأيضاً كان يقدم أنواع الخمور المختلفة فى موائد أعظم تقام كل عشرة أيام فى قصر الوالى.
كل هذا كان على نفقة نحميا الشخصية؛ لأن قلبه الحنون كان يشفق على الشعب الفقير، الذى يعانى من قسوة العبودية للإمبراطورية، إذ كان يدفع ضرائب كبيرة لها رغم ضعف موارده، كما يظهر فى (ع4).
من هذه الموائد نفهم أن نحميا كان يتميز بفضيلة إضافة الغرباء بوضوح، مثلما فعل إبراهيم أب الآباء (تك18).
ع19: كل ما عمله نحميا من بذل وتضحيات نرى فيه المعانى الآتية :
- يقدم كل أعماله الصالحة لله، ولا يقصد بها كرامة خاصة، أو مدحاً من أحد.
- يعلن احتياجه بإتضاع لله، أنه محتاج لخير الله وعنايته به.
- فى إخلاء للمشيئة لم يحدد طلبات خاصة من الله، أى نوع الخير الذى يريده من الله، بل ترك ذلك لله؛ ليختار له الخير الذى يناسبه، فهو يثق فى الله، فلا يطلب رغبات شخصية.