العريس الحبيب
(1) الحاجة إلى الحبيب (ع 1 -7):
1أَنَا نَرْجِسُ شَارُونَ، سَوْسَنَةُ الأَوْدِيَةِ.2كَالسَّوْسَنَةِ بَيْنَ الشَّوْكِ كَذلِكَ حَبِيبَتِي بَيْنَ الْبَنَاتِ.
3كَالتُّفَّاحِ بَيْنَ شَجَرِ الْوَعْرِ كَذلِكَ حَبِيبِي بَيْنَ الْبَنِينَ. تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ، وَثَمَرَتُهُ حُلْوَةٌ لِحَلْقِي.4أَدْخَلَنِي إِلَى بَيْتِ الْخَمْرِ، وَعَلَمُهُ فَوْقِي مَحَبَّةٌ.5أَسْنِدُونِي بِأَقْرَاصِ الزَّبِيبِ. أَنْعِشُونِي بِالتُّفَّاحِ، فَإِنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.6شِمَالُهُ تَحْتَ رَأْسِي وَيَمِينُهُ تُعَانِقُنِي.7أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ بِالظِّبَاءِ وَبِأَيَائِلِ الْحُقُولِ، أَلاَّ تُيَقِّظْنَ وَلاَ تُنَبِّهْنَ الْحَبِيبَ حَتَّى يَشَاءَ.
ع1: نرجس : نوع من الزهور لونه أبيض، أو أصفر، وهو من البصليات، أى النباتات التى لها جزء أخضر ينمو تحت الأرض، وله رائحة ذكية تظل فى الزهرة بعد قطفها لمدة طويلة.
شارون : سهل فى اليهودية، وهو يمتد بين مصر وسوريا، وهذا السهل ضيق، لذا لا يزرع ويستخدم كطريق بين البلدين، وتنمو فيه أزهار النرجس، دون أن يزرعها أحد.
سوسنة : نوع من الزهور لونه بنفسجى، أو أبيض، أو أصفر، وهو أيضاً من البصليات، مثل النرجس، وينمو فى الشام ومنطقة البحر الأبيض المتوسط، لها رائحة ذكية خفيفة، وتستمر مدة طويلة بعد قطفها. ولعل السوسنة هى الزنبقة، التى تكلم عنها المسيح وقال: إن سليمان فى مجده لم يكن يلبس كواحدة من هذه الزنابق (لو12: 27).
يتكلم العريس مع عروسه، ويعلن عن نفسه، فيقول : “أنا نرجس شارون”. ولأن شارون سهل يمر ببلاد اليهود، لذا فهو يرمز لشعب الله. والنرجس لا يزرعه أحد، فهو يرمز للمسيح الذى ولد بغير زرع بشر من أمه الطاهرة العذراء مريم، وهو جميل الصورة، ورائحته ذكية تدوم مدة طويلة، كل هذا يرمز لفضائل السيد المسيح.
وعندما تطحن هذه الزهرة تعطى رائحة أقوى، وهذا يظهر أن آلام المسيح أعطت رائحة ذكية، فهذا هو الحب الكامل أن يبذل أحد نفسه لأجل أحبائه؛ لذا نقول هذا فى تسبحة يوم الأحد “اشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة”.
وشارون يشير إلى العذراء مريم، فكما أن الطريق أنبت زهور النرجس بدون أن يزرعه أحد، هكذا العذراء مريم ولدت المسيح ربنا بدون زرع بشر.
الأودية : هى الأماكن المنخفضة المتسعة، فترمز للأمم الكثيرين، الذين لم يعرفوا الله فى العهد القديم، هناك نبتت أزهار السوسن. وهذا يبين أن المسيح سوسنة الأودية، أى مخلص الأمم، كما هو مخلص اليهود.
والأودية منخفضة، فترمز إلى الاتضاع الذى تممه المسيح على الصليب، ونزل إلى انخفاض الأودية ليرفعها إلى السماء. من هذا نفهم أن من يريد أن يلتقى بالمسيح، ويتمتع بجماله يلزمه أن يتضع مثله.
ع2: يتكلم العريس عن عروسه، فيصفها بأنها كالسوسنة بين الشوك؛ لأن جماله انعكس عليها فصارت جميلة مثله، فهى صورة له، وبالروح القدس ثبتت الصورة فيها، وصارت كالسوسنة.
ولكن السوسنة كانت محاطة بالشوك. وهذا يبين ما يلى :
- جمال العروس وسط الأشواك التى لا منظر لها، فهى جميلة بين البشر بفضائلها التى اكتسبتها من عريسها المسيح.
- الشوك يرمز أيضاً للتجارب. والعروس تحتمل الآلام، وهذا يبين جمالها العجيب، بل كلما احتملت آلاماً يزداد جمالها، مثل عريسها الذى احتمل الصليب.
- الشوك يرمز للشر، إذ أن الشوك ظهر بعد الخطية، عندما قال الله لآدم أن الأرض تنبت لك شوكاً وحسكاً (تك3: 18). فالعروس يظهر جمالها فى تمسكها بإيمانها ومبادئها وسط الأشرار، مثل دانيال الذى رفض أطايب الملك ومشروبه (دا1: 8) وطوبيا الذى تمسك بشريعة الله، وعمل الرحمة وسط الوثنيين فى السبى (طو1: 20).
- الشوك يرمز للشهوات الشريرة، فالعروس طاهرة، ولكن الشيطان يحوطها بالشهوات ليغريها، فيسندها عريسها؛ حتى لا تسقط فى هذه الشهوات.
- الشوك هو الذى حمله المسيح على رأسه على الصليب، فالعريس احتمل الآلام من أجل عروسه؛ حتى يقدم لها الخلاص، ويسندها، فلا تسقط فى شهوات العالم.
- الشوك يرمز للبدع والهرطقات، وكل أفكار غريبة تحارب الكنيسة. فالعروس التى هى الكنيسة، كما هى النفس البشرية يحوطها الشيطان بالأفكار الغريبة، ولكنها تتمسك بإيمانها.
يظهر العريس مشاعره نحو عروسه، فيدعوها حبيبته. فالعريس يحب عروسه؛ لذا مات عنها على الصليب، ويرعاها بعنايته، ويجملها بفضائله، وهى أيضاً بالتالى تنجذب إليه، وتشعر أنه حبيبها وليس حبيب مثله.
البنات المقصود بهن البشر؛ سواء المرتبطين ظاهرياً بالعريس، أو البعيدين عنه؛ أو القريبين ولهم صورة التقوى فقط، وينكرون قوتها، أو الرافضين له، هؤلاء هم الذين يشبههم الله أيضاً فى هذه الآية بالشوك.
ع3: “كالتفاح” العروس تتكلم فى هذه الآية، وتشبه عريسها بالتفاح لماذا ؟
- التفاح ليس فقط له رائحة ذكية، بل أيضاً طعمه حلو. فإن كان العريس قد أعلن عن نفسه أنه النرجس والسوسنة، أى له رائحة ذكية، فالعروس تراه أفضل من هذا، أى له أيضاً طعم لذيذ، عندما تذوقت جسده ودمه.
- لم تنشغل العروس بالأشواك المحيطة بها، كما ذكر فى (ع2)، ولكن تعلق بصرها بالعريس، فانشغلت به عن كل الأشواك.
- لم تقل العروس شجر التفاح، بل التفاح، فهى ليست محتاجة فقط للفضائل التى تأخذها من العريس، أى من شجر التفاح، بل محتاجة للتفاح نفسه، فهو طعامها، وحياتها فى جسده ودمه، وكلمته المشبعة، وكل عمل روحه القدوس فيها.
- التفاح يرمز إلى شجرة الحياة التى تمنى آدم أن يأكل منها بعد السقوط، ولكنه حُرم منها لأنه انفصل عن الله، ولما أتم المسيح الفداء على الصليب أعطانا أن نأكل من هذا التفاح؛ لنحيا به إلى الأبد، فهو شجرة الحياة التى تعطينا الحياة معه إلى الأبد فى ملكوت السموات.
- التفاح يرمز إلى التجسد، فالله تجسد فى شخص ربنا يسوع المسيح؛ لنراه، ونأكله، أى نأكل جسده ودمه؛ لنحيا به، ونتلذذ بعشرته.
- إن العروس شبهها عريسها بالسوسنة بين الشوك، ولم تستطع أن ترتفع إلى فوق؛ لأن الشوك يعطلها، فنزل إليها التفاح، بتجسده وفدائه؛ ليرفعها إلى السماء؛ لأن التفاح يوجد فى أشجار أعلى من الزهور التى تقترب من الأرض.
“بين شجر الوعر” هذا التفاح كان بين شجر الوعر، فإلى ماذا يرمز الوعر ؟
- آلهة العالم، أو قواه، التى تسيطر على الناس، مثل المال والجنس والكرامة … وهذه كلها بلا ثمر روحى، أما التفاح فهو ثمرة لذيذة وجميلة وحلوة.
- شجر الوعر يرمز إلى البدع والهرطقات وكل فكر غريب عن الإيمان، وهو موجود فى كل جيل ليعطل أولاد الله عن التفاح، الذى هو ربنا يسوع المسيح.
- شجر الوعر هم الأشرار الذين قاموا على المسيح واضطهدوه وصلبوه؛ لأنه يعارض أفكارهم، وهم يرفضون التفاح ويقاومونه، إذ يظهر ضعفهم وعجزهم عن الإثمار.
- شجر الوعر هم أولاد الله عندما يسقطون فى الخطايا المتنوعة. فهؤلاء يقاومون الله، ويكونون لعنة لإسمه، ويعثرون كثيرين، ولكن محبة الله تقبلهم عندما يتوبون، ويحولهم إلى أشجار مثمرة.
“حبيبى بين البنين”
لماذا دعته العروس حبيبها بين البنين ؟
- ليس لها حبيب آخر إلا هو، فلا خلاص إلا بدم المسيح، ولا حياة للنفس بدون المسيح المخلص.
- حبيبى متميز عن البنين، أى عن باقى البشر، فهو وإن كان قد تجسد وعاش بيننا كإنسان كامل، ولكنه متميز فى فضائله عن كل البشر فى الحب والعطاء والاحتمال والاتضاع.
” تحت ظله “
ما هو هذا الظل ؟
- هو حماية من الحر، فالعريس الذى هو المسيح المخلص يظلل على أولاده، ويعزى قلوبهم أثناء التجارب، ويسندهم ليجتازوها بسلام.
- الظل هو رعاية الله لأولاده المؤمنين، الذى يعطيهم راحة وسلام، ويمتعهم بوجوده معهم، ويمد جناحيه فوقهم، فلا يستطيع أحد أن يمسهم؛ لأن من يمسهم يمس حدقة عينه.
- الخطية أسقطتنا إلى الموت، والظل فى العهد القديم كان ظل الموت، والناموس حكم علينا. أما فى العهد الجديد فظل المسيح الفادى أعطانا الحياة الجديدة فيه وإلى الأبد.
- استطاعت أمنا العذراء أن تحبل وتلد ربنا يسوع المسيح؛ لأن قوة العلى كانت تظللها (لو1: 35). وكل مؤمن تحت ظل قوة المسيح يستطيع كل شئ. كما قال بولس الرسول “أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى” (فى4: 13).
- المسيح هو الصخرة الثابتة القوية، وظلها عظيم يحمى أولاده من خطايا كثيرة، بل ويشبعهم؛ لأنه منه تنبع مياه الحياة، أى الروح القدس المروى لأولاد الله.
” اشتهيت أن أجلس”
تقول العروس هذا وتقصد به ما يلى :
- بعدما قابلت العروس عريسها أحبته، واشتهت أن تجلس معه. وهى لها خبرة ومعرفة سابقة؛ لذا قالت اشتهيت. ومن يستغل معرفته السابقة بالله، ويتذكر أعماله التى عملها معه فى عمره الماضى، يشعر بنفس الشعور، ويقول اشتهيت أن أجلس معه.
- أمنا العذراء بعد بشارتها من الملاك، ورؤيتها للمسيح بعد ولادته، وبعد أن كبر ونما، تعلق قلبها به أكثر من كل الجموع التى ازدحمت حوله، وهى تقول اشتهيت أن أجلس معه. وهكذا كل نفس تصلى وتقرأ كلام الله لنفسها كرسالة شخصية تشعر دائماً أنها اشتهت أن تجلس، بل وتظل طوال حياتها تشتهى المسيح.
- اشتهيت أن أجلس بين يدى عريسى – هكذا تقول العروس – لأتخلص من الأشواك المحيطة بى، وهى شهوات العالم؛ لأتمتع بيدى عريسى، أى الجو الروحى الذى أرى عريسى فيه، فى كنيسته.
“حلوة لحلقى ثمرته”
هكذا تغنت العروس وهى تعنى :
- الأشرار حلقهم قبر مفتوح كما يقول المزمور (مز5: 9). أما العروس فحلقها يتمتع بحلاوة ثمرة العريس. وما ثمرته إلا جسده ودمه الأقدسين، وكذلك كلمته المشبعة.
- إن كان العريس قد ظهر بتجسده، والتقت به عروسه، وإذ تمتعت برؤياه، تحركت أشواقها إليه، واشتهته كل أيامها، فأنعم عليها بثمرته الحلوة، فتمتعت به، وظلت تطلبه، وتشتهيه وتمتع به طوال حياتها.
- إذ تذوقت العروس حلاوة ثمرة عريسها، وفرحت به، واشتاقت أن تتذوق باقى أصحابها حلاوته خرجت تبشر وتخدم وتعرف المحيطين بها حلاوة عريسها، وجذبت النفوس إليه.
ع4 : “أدخلنى إلى بيت الخمر” :
العروس تتكلم وهى النفس البشرية – وتقول أن العريس – وهو المسيح – أدخلنى إلى بيت الخمر. فما هو بيت الخمر ؟
- بيت الخمر هو بيت الوليمة لأن فى القصور القديمة كان هو المكان الذى يستقبلون فيه المسافرين الضيوف، فيستضيفونهم ليأكلوا ويشربوا فى هذا المكان. وليس فقط يشربون خمراً، ولكن يأكلون عموماً ويشربون، وقد يشربون خمراً، الذى هو عصير العنب المتخمر، والذى يزرع بكثرة فى بلاد اليهود.
- بيت الخمر هو الكنيسة التى يقدم فيها الخبز والخمر، ويتحول إلى جسد المسيح، فهو أعظم طعام فى العالم، الذى يشبع حياتنا ويتحد بنا.
- بيت الخمر هو بيت الحكمة، فحيث أن بيت الخمر هو الكنيسة التى رأسها المسيح الأقنوم الثانى؛ أقنوم الحكمة، فيكون بيت الخمر هو أيضاً بيت الحكمة، حيث تتعلم العروس الحكمة فى السلوك مع الله والناس.
- بيت الخمر هو بيت المعرفة الروحية المتجددة؛ لأن المسيح قال سأشرب هذا الخمر معكم جديداً فى ملكوت أبى” (مت26: 29). وهذا معناه أن الخمر الروحى فى السماء هو المعرفة الروحية؛ معرفة المسيح. وهذه المعرفة متجددة، فالله يكشف عن أسراره لأولاده فى السماء؛ ليتمتعوا بمعرفته وعشرته؛ هذا هو بيت الخمر.
- بيت الخمر هو بيت الفرح؛ لأن الخمر يرمز للفرح الذى أناله عندما أدخل إلى أحضان الله، وأعماقه، فأتمتع بفرح لا يعبر عنه ومجيد (1بط1: 8).
- بيت الخمر هو بيت الخضوع؛ لأن العروس إذ شربت الخمر، وكانت متلذذة برؤية عريسها فسكرت بحبه، وخضعت له؛ إذ لم تعد تقاومه بأى أفكار غريبة بل انشغال قلبها كله هو محبته، وبالتالى طاعته، والخضوع له، فأصبح من السهل عليها أن تنفذ مشيئته ، وليس مشيئتها.
“أدخلنى”
كلمة ذات أهمية تعنى ما يلى :
- أنه عمل إلهى، فالله هو الذى أدخلنى، أى نعمته العاملة فىَّ، وليس بقوتى الشخصية لذا أشكره على الدوام؛ لأنه أدخلنى لأتمتع به.
- وكلمة أدخلنى بصيغة الماضى، فهو أدخلنى بمعنى أنه تمم الفداء على الصليب، وأشواق قلبه أن يدخلنى إلى هناك، فهو أدخلنى بالنية، أى أنه أعطانى إمكانية الدخول؛ لأن دمه قد دفعه عنى لكيما أدخل، فإن تجاوبت مع نعمته أدخل فعلاً وأتمتع بالوجود معه فى الملكوت، كما قال فى العهد الجديد “أجلسنا معه فى السماويات” (أف2: 6).
- أدخلنى معناها أنى لست فى الخارج، ولكنى داخل الملكوت أتمتع بعشرته، مع أنى من جهة خطاياى وضعفى لا أستحق الدخول، فآخرين موجودين فى الخارج، أما أنا فقد وهبنى الله نعمة الدخول.
- أدخلنى ليس فقط إلى الراحة، بل إلى بيت الخمر، والخمر ترمز إلى الفرح، أى أنه أدخلنى إلى الفرح الحقيقى الكامل؛ لأتمتع به إلى الأبد.
“علمه فوقى محبة” :
العلم هو علم العريس، هو إعلان عن شخصه، وهذا العلم يعنى معانى كثيرة أهمها :
- علامة تمتع يعطى فرصة للعروس أن تتمتع به، تراه، وتتأمله، وتكلمه، وتحيا معه، وفيه.
- علامة ملكية : فإذا امتلك أحد الجيوش أرضاً من أعدائه، يرفع علمه عليها دليل ملكيته لهذه الأرض. فعلم العريس فوق العروس يعنى ملكيته للعروس، فهو يملك على قلبها، وكل حواسها؛ ليمتعها بوجوده، واتحاده بها، فيعمل فيها، وهى تدخل إليه، حتى أعماقه؛ لترى ما لا يعبر عنه من أسرار معرفته.
- علامة حماية : فما دام علم العريس فوق العروس، فلا يستطيع أعداء العريس أن يقتربوا إلى عروسه؛ لأنه سيصدهم، بل ويمنعهم من الاقتراب، أو الإساءة إلى عروسه.
- علامة جهاد : إن العروس أصبحت تابعة لعريسها، فأعداء عريسها وهم الشياطين لابد أن يحاولوا محاربتها، وهى بالطبع لن تخضع لهم، بل ستجاهد لتصدهم بمعونة عريسها. فعلامة عريسها التى فوقها تذكرها دائماً بالجهاد ورفض أفكار الشر؛ لتظل نقية وإناء صالح ليملأه عريسها. وهذا الجهاد سيكون فى جميع الاتجاهات، وأيضاً دائم لصد الأشرار، ومواصلة النمو، والقوة؛ حتى تثبت العروس فى مكانها بين يدى عريسها.
- علامة نصرة: عند انتصار الجيوش ترفع علمها، فعلم العريس فوق عروسه تعنى انتصاره على كل قوى الشر، بموته على الصليب، وتقييده للشيطان. وعلم العريس هو الصليب الذى يعلن نصرة العريس، وبالتالى نصرة العروس المتحدة بعريسها على الشر.
- علامة صداقة : فعندما يزور أحد الرؤساء بلداً آخر، يرفعون علم بلده مع علم البلد الذى يزورها إعلاناً للترحيب والصداقة. وحيث أن العريس قد امتلك العروس بحبه، واشتراها بدمه، فعلمه هو علمها، وهو دليل صداقته لها، فتحمل صليبه دليل حبه لها، وحبها له؛ لأنها تحمل صليبه خلفه، وتتعب لأجله، وتخدمه بأمانة.
“فوقى محبة” :
علم العريس فوق العروس إعلاناً لما يلى :
- محبة العريس لعروسه، ورعايته واحتضانه لها، ومسئوليته عنها؛ لأنها عروسه.
- خضوع العروس لعريسها، فأمام هذا الحب الغامر الذى ظهر على الصليب فى موته عنها لا تستطيع إلا أن تخضع له وتشكره.
- المحبة التى يفيضها العريس على عروسه تجعلها هى أيضاً تحب الآخرين، ويظهر حبها فى ثلاث مستويات هى :
أ – محبة الله من كل القلب، فتعطيه كل حبها.
ب- محبة القريب “تحب قريبك كنفسك” (مت22: 39) فتحب أحباءها، وكل البشر مثل نفسها.
جـ- محبة الأعداء، فتسامحهم وتصلى لأجلهم، وتساعدهم بالمقدار الذى تستطيعه.
ثلاث درجات من الحب؛ الأولى أعلى حب هو حب الله؛ لأنه من كل القلب والفكر والنفس والقـدرة (لو10: 27) والدرجة الثانية محبة القريب تكون مثل محبة الإنسان لنفسه (مت22: 39) والدرجة الثالثة محبة العدو، وهى أقل من الثانية (مت5: 44).
ع5: مريضة حباً :
العروس أى النفس البشرية تعلن أنها مريضة حباً، أى أن حبها للعريس، وهو المسيح، جعلها فى مرض وضعف؛ فهى لا تحتمل قوة الحب الذى تناله من المسيح. وهذا يبين عظمة الحب الذى تذوقته، فهو أكبر من إمكانياتها، واحتمالها، وتوقعها هذا ما حدث مع يوحنا الحبيب فى سفر الرؤيا عندما نظر مجد الله فسقط (رؤ1: 17). وعلاج هذا المرض هو أن تنال حباً تدريجياً من العريس، فيشفيها؛ لأن كل أشواقها هو لهذا الحب.
إن العروس عندما تنظر إلى جراحات عريسها على الصليب تتأثر جداً بمحبته، فتنجرح مشاعرها من شدة حب عريسها لها، الذى يفوق العقل. وجروح العروس لا يشفيها إلا التأمل والشبع بحب عريسها.
لأجل مرض العروس بالحب احتاجت لما ذكرته فى بداية الآية، وهو :
“أسندونى بأقراص الزبيب” :
تطلب العروس وتستنجد قائلة “إسندونى”. فمن هم الذين يسندونها إلا الآباء والإخوة الروحيين فى الكنيسة، وهى تطلب منهم؛ لأنها ضعيفة ولا تستطيع وحدها أن تعالج مرضها.
وهذا الطلب يبين أننا نتكلم عن أمور رمزية وروحية، وليس عن حب بشرى، لأن الحبيبة فى المفهوم البشرى لا تطلب إلا من حبيبها، بل وتخجل فى المجتمع الشرقى أن تطلب من الناس، معلنة مرضها من فرط الحب وتأثيره العميق. وماذا تطلب العروس من الذين تريد أن يسندوها ؟ وكيف يسندونها ؟
“بأقراص الزبيب” :
ما هى أقراص الزبيب؛ إن الزبيب هو العنب المجفف الذى له حلاوة أكثر من العنب الطازج. وهذا الزبيب مجمع بشكل أقراص، فهو لذيذ الطعم جداً، وهو يرمز إلى :
- جسد المسيح ودمه : الزبيب هو العنب والذى منه يستخرج الخمر، الذى يتحول إلى دم المسيح. والتفاح الذى سيأتى ذكره فى نفس الآية يرمز إلى جسد المسيح، كما ذكرنا فى (ع3). فتكون المساندة الإلهية من خلال جسد الرب ودمه، الذى هو أعظم أسرار الكنيسة، وأكبر قوة فى العالم تسند النفس البشرية.
- كلمة الله : فى الكتاب المقدس والعظات الروحية، وتعاليم الكنيسة وأقوال الآباء القديسين، فكلمة الله حلوة كالشهد (مز119: 103) وهى تشبع النفس بلذتها، وتسند النفس المريضة، التى تأثرت جداً بمحبة المسيح. وهذه النفس بالطبع مجاهدة فى طريق القداسة، فتشعر بكل هذا الحب، وهو درجة روحية عالية.
- تعزيات إلهية : وذلك من خلال ليس فقط كلمة الله وأسرار الكنيسة، بل من خلال كل عمل روحى أو خدمة، وأيضاً تأتى كنعمة إلهية فى أى وقت، وأى شكل؛ لتسند النفس المجاهدة أثناء التجارب، التى تسعى لمحبة المسيح، فتسندها، وتقويها.
ب – انعشونى بالتفاح :
إنعشونى :
العروس فى ضعف، أو فى حالة شبه إغماء بسبب الحب العظيم، الذى نالته، فهى تحتاج إلى ما ينعشها، لتنتبه وتعى، وتفهم ما حولها. وهذا الإنعاش يتم بأنواع لطيفة من الحب تساعد العروس وتسندها.
التفاح :
له طعم جميل ورائحة ذكية، فيساعد على انتعاش النفس.
والتفاح كما ذكرنا فى (ع3) هو رمز للمسيح، فهى محتاجة لحبه، الذى تتمتع به عندما تأكله فى سر التناول وتتنسم رائحته بعمل الروح القدس فيها.
وهكذا نرى الزبيب والتفاح، وهما طعام الملوك والأغنياء، فتناله النفس التى تتمتع ببنوتها لملك الملوك ورب الأرباب، من خلال كل ما ذكرنا، فتنتعش، وتتقوى، وتخرج من مرضها وتزداد حباً لعريسها.
ونؤكد هنا أن الكلام كله رمزى، لأن :
- المريض بالحب البشرى لا يعالج بالزبيب والتفاح.
- تقول “انعشونى” والمريضة بالحب البشرى تطلب من حبيبها، وليس من الآخرين، أما هنا فالمعنى روحى تطلب من الآباء والإخوة الروحيين.
- فى المجتمع الشرقى ليس من المألوف أن تعلن المرأة العاشقة حبها لإنسان بشرى أمام الآخرين.
ع6: يلاحظ فى هذه الآية المعانى التالية :
- عندما شعر العريس بأن عروسه مريضة حباً أسرع إليها؛ لأنه يحبها.
- منح شماله ويمينه إلى عروسه ليحتضنها، ويعطيها محبته غير المحدودة، فهى كلها فى أحضانه لتشبع بحبه.
- شماله؛ إنها يده التى تساعد عروسه على ترك الشهوات الأرضية، وتسمح لها بضيقات وتجارب لتنقيها من الشر.
- يمينه؛ إنها يد العريس التى تجذب عروسه نحو السماويات بدلاً من الماديات؛ أى يشبعها فلا تحتاج إلى شئ غيره، ويدخلها إلى أحضانه؛ لتتحد به، وتشعر بأمور لا يعبر عنها، ويعانقها؛ ليحتوى كل مشاعرها، ويحوطها بحبه، ويرفعها فوق انشغالات الأرض، لتحيا فى السماء وهى مازالت فى الجسد.
- شماله مختفية تحت رأس العروس، وتعبر عن عمل الله الخفى فى النفس. ويمينه فوق العروس تعانقها لتعطيها بركات ظاهرة، فتمجده، وتسبحه العروس على عمله الظاهر والخفى.
ع7: الظباء : الغزال ومفردها ظبى.
الإيل : هو تيس الجبل، أو ذكر الماعز الجبلى.
تتكلم النفس البشرية أى العروس فى هذه الآية، وتطلب من بنات أورشليم وهى النفوس المحبة والمؤمنة بالله، وتقول لهن : “أحلفكن” وتقصد أنها تترجاهن بقسم، أى تأكيد الرجاء والطلب وشدة الاحتياج إلى نواله.
وتحلفهن بالظباء وبآيائل الحقول، وهى حيوانات غالية وثمينة فى نظر الناس قديماً؛ حتى أن سليمان يشبه الزوجة المحبوبة بالظبية المحبوبة والوعلة الزهية (أم5: 19). والظباء والآيائل تشير إلى الآباء والأنبياء؛ أى أن العروس تحلف بنات أورشليم بأغلى ما عندهم، وهم الآباء والأنبياء الذين التصقوا بالله، وتمتعوا بعشرته.
وتطلـب العروس من بنات أورشليم ألا ينبهن، أو يوقظن الحبيب حتى يشاء. والمقصود:
- إن كانت العروس قد أعلنت فى (ع6) أنها فى أحضان عريسها، فهى لا تريد أن تخرج من أحضانه؛ حتى يشاء، وهو بالطبع لن يتركها – لمحبته لها – تخرج من أحضانه، فتتمتع على الدوام بعشرة حبيبها. مثل بطرس الذى انبهر بمنظر التجلى فقال للمسيح : “يا رب جيد أن نكون ههنا، فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال (مت17: 4) أى يريد البقاء على الدوام متمتعاً بمنظر المسيح.
- تعبر العروس فى العهد القديم عن تمسكها بمحبة الله، وانتظارها المسيا المخلص الآتى فى ملء الزمان ليتجسد ويفديها.
- العروس متمتعة بمنظر المسيح النائم على صليبه؛ ليتمم فداءها بحبه الذى يفوق العقل، ولا تريد أن يعطل أحد المسيح عن إتمام حبه على الصليب من أجلها.
قد تكون المتكلمة هى الكنيسة بدلاً من العروس، وتنادى بنات أورشليم، وهن يمثلن المؤمنين فى كل جيل ، ألا يوقظن المسيح، الذى فى داخلهن بخطاياهن، بل يتركنه يعمل فيهن ويعزى قلوبهن ويشبعهن بحبه إلى الأبد.
لعل المقصود ألا يوقظن أو ينبهن الحبيب؛ لأنه نائم فى داخل النفس أى مستقر، فلا تزعجه النفس بل تسلم مشيئتها له، فيعمل فيها بحرية ويمتعها به.
وقد تكرر هذا الوصف وهو الظباء والأيائل ثلاث مرات فى سفر النشيد (3: 5؛ 8: 4)
إن الله مستعد أن يساندك، ويشعرك بوجوده معك، بل ويحتضنك فاطلبه فى الصلاة، وعود نفسك على التسابيح، فيسهل عليك أن تراه. وإذ تتأمل كلامه فى الكتاب المقدس يتجلى بأكثر وضوح، وتتمتع به.
(2) العريس يطلب عروسه (ع8-17):
8صَوْتُ حَبِيبِي. هُوَذَا آتٍ طَافِرًا عَلَى الْجِبَالِ، قَافِزًا عَلَى التِّلاَلِ.9حَبِيبِي هُوَ شَبِيهٌ بِالظَّبْيِ أَوْ بِغُفْرِ الأَيَائِلِ. هُوَذَا وَاقِفٌ وَرَاءَ حَائِطِنَا، يَتَطَلَّعُ مِنَ الْكُوَى، يُوَصْوِصُ مِنَ الشَّبَابِيكِ.10أَجَابَ حَبِيبِي وَقَالَ لِي: «قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ.11لأَنَّ الشِّتَاءَ قَدْ مَضَى، وَالْمَطَرَ مَرَّ وَزَالَ.12الزُّهُورُ ظَهَرَتْ فِي الأَرْضِ. بَلَغَ أَوَانُ الْقَضْبِ، وَصَوْتُ الْيَمَامَةِ سُمِعَ فِي أَرْضِنَا.13التِّينَةُ أَخْرَجَتْ فِجَّهَا، وَقُعَالُ الْكُرُومِ تُفِيحُ رَائِحَتَهَا. قُومِي يَا حَبِيبَتِي، يَا جَمِيلَتِي وَتَعَالَيْ.14يَا حَمَامَتِي فِي مَحَاجِئِ الصَّخْرِ، فِي سِتْرِ الْمَعَاقِلِ، أَرِينِي وَجْهَكِ، أَسْمِعِينِي صَوْتَكِ، لأَنَّ صَوْتَكِ لَطِيفٌ وَوَجْهَكِ جَمِيلٌ.15خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ، لأَنَّ كُرُومَنَا قَدْ أَقْعَلَتْ.16حَبِيبِي لِي وَأَنَا لَهُ. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ.17إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، ارْجعْ وَأَشْبِهْ يَا حَبِيبِي الظَّبْيَ أَوْ غُفْرَ الأَيَائِلِ عَلَى الْجِبَالِ الْمُشَعَّبَةِ.
ع8: طافراً : قافزاً قفزاً عالياً.
“صوت حبيبى” :
- تتكلم العروس عن حبيبها العريس وعن صوته، الذى تعرفه وتميزه، كما أعلن المسيح “خرافى تسمع صوتى” (يو10: 7). فعمق العلاقة مع المسيح تجعل الحواس مدربة على سماع صوته، ولكن إن كانت النفس منغمسة فى العالم فلا تستطيع أن تميز صوت الله، كما كان شاول الطرسوسى غير مميز لصوت الله عندما كان يضطهد المسيحيين، ولكن بعدما قابله المسيح فى طريقه إلى دمشق انتبه وآمن، وميز الصوت، ولم يستطع من معه أن يسمعوا الصوت لأنهم بعيدون عن الله (أع22: 9).
- صوت الله يغير النفوس، ويجذبها إليه، كما دعى تلاميذه، ليتبعوه، وكما نادى على زكا (لو19: 5). وكذا فى العهد القديم فى دعوة إبراهيم (تك17: 1).
- صوت الله قد يكون مخيفاً، كما كان على الجبل أيام موسى (خر19: 16) ليعرف الشعب أنه إله الآلهة. وقد يكون منذراً عندما يخطئ الإنسان، كما كان مع إيليا عندما خاف من إيزابل (1مل19: 13).
“هوذا آت طافراً على الجبال قافزاً على التلال” :
- صوت الله يعلن قرب مجيئه، سواء بالنسبة لمن فى العهد القديم وينتظرون تجسده، أو فى العهد الجديد، وينتظرون مجيئه الثانى، كما أعلن المسيح بنفسه فى نهاية سفر الرؤيا أنه يأتى سريعاً (رؤ22: 20).
- صوت الله يسمعه أولاده رغم اختلاف مستوياتهم الروحية، والتى يرمز لها بالجبال العالية والتلال. فالجبال هى النفوس القوية المرتفعة نحو السماء، والتلال تمثل النفوس الأقل فى المستوى الروحى.
- صوت الله أعلى من أصوات العالم وفلسفاته، وقواته فهو يعلو، ويقفز فوق الجبال والتلال، أى أعلى ما فى الأرض.
- الجبال والتلال يرمزان للسمو والارتفاع عن الأرضيات، فمن يرتفع إلى السماء يستطيع أن يميز صوت الله ويتجاوب معه.
- الجبال ترمز إلى شريعة الله على يد موسى، والتلال ترمز لنبوات الأنبياء وحياة رجال الله الأتقياء مثل إبراهيم، وكلاهما يعلن صوت الله بقوة.
- الجبال والتلال يرمزان إلى صوت الله وعمله فى العهدين القديم والجديد، فصوت الله أكثر وضوحاً فى العهد الجديد (الجبال) منه فى العهد القديم (التلال).
ع9: غفر الآيائل : الابن المولود للأيائل.
الكوى : النافذة الصغيرة.
يوصوص : ينظر من ثقب.
“حبيبى هو شبيه بالظبى”
- الظبى فى اللغة العبرية يعنى الجمال، فهو جميل ويجعل عروسه جميلة؛ حتى لو كانت مشوهة بالخطية ورجعت إليه، فيعيد إليها جمالها.
- الظبى فى اللغة اليونانية تعنى حدة النظر، فالله يرى كل شئ حتى أعماق النفوس، وهو قادر أن يجعل عروسه تتميز بالبصيرة الروحية، والقدرة على التمييز.
“أو بغفر الآيائل”
- يذكر الغفر وهو إبن الإيل؛ لأنه يرمز لتجسد المسيح مولوداً من امرأة، فالعريس يحب عروسه، ويتجسد لأجلها ليفديها بحبه.
- الآيائل عندما ترى الثعابين تأكلها، ولا تخاف منها؛ هكذا المسيح قيد الشيطان على الصليب، وأعطى سلطاناً لأولاده أن يدوسوه هو وكل قواته. وعندما تأكل الآيائل الثعابين تعطش، فتجرى على مجارى المياه وتشرب كثيراً، وهكذا أولاد الله عندما ينتصرون على الشيطان تزداد أشواقهم لمياه الروح القدس، فيقبلون على الله بأشواق كبيرة.
- الظبى وغفر الآيائل تتميز بالسرعة فى الجرى والقفز، أى أن الله يسرع لنجدة أولاده والعناية بهم.
- الظبى والآيائل من الحيوانات المقدسة، المحلل أكلها (تث12: 22؛ 14: 5) والمسيح الحبيب يفدى عروسه، ويقدم نفسه طعاماً لها، أى جسده ودمه فى سر التناول.
“هوذا واقف وراء حائطنا”
- الحائط هو الجسد الذى نحيا فيه، ونرى الله من خلاله كما فى مرآة. ولكن عندما ننطلق من الجسد، ونصير أرواحاً فى السماء ننظره وجهاً لوجه.
- فى العهد القديم، الحائط كان هو الرموز وشرائع العهد القديم ، التى أكملها المسيح، وشرحها فى العهد الجديد.
- عندما تسقط النفس فى الخطايا أى تبنى حائطاً بينها وبين الله، أو ترفضه، أو تقابل تجارب ومشاكل تصير كل هذه حائطاً يحجب الله عنها، وبالتوبة يزول هذا الحائط؛ لأن المسيح بفدائه نقض الحائط المتوسط بيننا وبينه، وهو الخطية، وأصبح من حقنا بالتوبة أن نزيل هذا الحائط.
- المسيح بتجسده أخفى لاهوته، فكان بالنسبة لنا كأننا نراه من وراء الحائط؛ لأنه أخذ حائطنا وهو جسدنا؛ ليصير إنساناً مثلنا ونستطيع أن نتعامل معه.
“يتطلع من الكوى يوصوص من الشبابيك” :
- الكوى والشبابيك هى الشريعة والأنبياء فى العهد القديم، التى كان يتطلع من خلالها الله على شعبه، فيروه فيها، ويتمتعوا بعشرته.
- فى العهد الجديد تجسد المسيح، فظهر واضحاً أمام المؤمنين به، وتتطلع من خلال الأسرار المقدسة، ونظر أيضاً من خلال وسائط النعمة، وهى الصلوات والأصوام، والكتاب المقدس، فأصبح من السهل على أولاد الله أن يروه بوضوح تمهيداً للإستعلان الكامل الذى سيرونه فى ملكوت السموات.
- العريس يسعى نحو عروسه، فيتطلع، وينظر إليها عبر الحوائط التى وضعتها؛ لأنه يحبها. وعندما تتجاوب معه، وتلاحظه يقدس حواسها التى تراه من خلالها، ويقدس أفكارها ومشاعرها، فتتطلع هى أيضاً، وتنظر إليه، وهكذا تصير فى حوار وتفاهم متبادل، هو يحبها، وهى تحبه، هى تسعى إليه؛ لأنه سعى إليها، وذلك من خلال الصلاة والقراءة.
ع10: “أجاب حبيبى وقال لى” :
- إن العروس لم تتكلم، ولكنها أظهرت فى الآيات السابقة من (1-9) مشاعرها نحو حبيبها، واشتياقها إليه، وهو شعر بها دون أن تتكلم، فأجاب عليها، وأعلن لها محبته وقوته. فالله ينظر ويرى مشاعر القلب، وأشواق الفكر نحوه، فيسرع إلى عروسه، ويهبها حبه، ولكن إن لم تتجاوب العروس مع تطلعه من كواها، فلن تسمع صوته، وتخسر كل شئ.
- إن العريس يحب كل نفس بشرية، ويناديها، فهى ليست ضائعة بين الملايين، ولكن يخصها، ويناديها بصفات جميلة، كما سنرى، وهذا يطمئن، ويشجع العروس؛ لتنجذب إلى عريسها.
“قومى يا حبيبتى يا جميلتى وتعالى” :
- بعين العريس الحلوة يرى عروسه، ويصفها بأمرين :
أ – حبيبتى، فهى قريبة إلى قلبه، ويريد أن يقربها أكثر إليه.
ب- جميلتى، يرى فضائلها التى وهبها لها، ويشجعها أن تتمسك بها.
إن كلامه لطيف، ومشجع ومساند لعروسه مهما كانت عيوبها.
- ينادى العريس عروسه أن تقوم من خطاياها وضعفاتها، وتكاسلها. وأمره لها يحمل أيضاً قوة تساعدها على القيام بمعونته، فهو يعطيها سر القيامة التى أتمها من أجلها، عندما قام من الأموات؛ ليقيمها فيه، ويسمو بها فوق الأرضيات؛ لتحيا معه فى السماويات، وهى على الأرض.
- نادى العريس عروسه أيضاً وقال لها : تعالى، فحبه يجذبها إليه؛ لتتحرك نحوه، وتتجاوب مع حبه، فتتمتع بأمور لا يعبر عنها فى عشرته، وتصير تابعة له كل أيامها ، كما نادى على تلاميذه ودعاهم فتبعوه.
ع11: “لأن الشتاء قد مضى”
يرجع العريس عروسه بقوله : أن الشتاء قد مضى، وهو يعنى :
- العهد القديم برموزه قد مضى، وحدث التجسد، وظهر الله متأنساً ليعيش بين البشر ويخلصهم.
- الشتاء هو برودة المشاعر عند العروس، وقد بدأت الآن تتجاوب لسعيه نحوها، وتراه وهو يتطلع من وراء الكوى، فهى فرصتها لاستعادة محبتها له وتمتعها بحبه.
- الشتاء هو فترة الإنشغال بالخطية، أو القلق بسبب المشاكل، إذ قدمت توبة، ورفع عنها الله متاعبها وحل مشاكلها، فيلزم أن تنتهز الفرصة، وتحيا مع الله.
- الشتاء قد مضى عندما أشرقت شمس البر، أى عندما ظهر العريس فى حياة العروس، ودعاها أن تقوم (ع10) فهى غيرة قادرة على القيام وحدها.
- سمح الله للنفس البشرية أن يأتى عليها الشتاء، إما بتخليه عنها بسبب خطاياها وانشغالها عنها، أو ليحرك مشاعرها لتقوم وتجاهد، وتستعيد قوتها، وحتى تتمتع بتعزياته القادمة فى الربيع المقبل عليها. وقد يكون السماح بالشتاء لتتعلم العروس أن تسلم مشيئتها لعريسها، وتقبل الضيقات مثلما تقبل البركات.
“المطر مر وزال”
- يصاحب الشتاء نزول المطر الذى يرمز إلى التجارب والضيقات. وقد مر وقت المطر، وأقبل الربيع، فيجب على العروس أن تقوم لتتمتع بجمال الحياة مع عريسها.
- المطر شئ غريب، فهو يسبب قلقاً للنفس، ويرمز للتعاليم الغريبة، ولكن إذا تشددت النفس لا تعود تنزعج من هذه التعاليم، فتنتهى ولا تعود تؤثر عليها.
ع12: القضب : تقليم أو تهذيب النباتات بقطع أجزاء منها؛ لينمو الباقى نمواً قوياً.
“الزهور ظهرت فى الأرض” :
يصاحب الربيع ظهور الأزهار بأشكالها الجميلة، ورائحتها الطيبة. وهى ترمز إلى :
- الفضائل التى تظهر فى حياة العروس.
- المؤمنون الذين يدخلون الإيمان، ويتمتعون بالحياة مع العريس.
- الزهور ترمز للنضج الروحى، فالعروس ليست مجرد نبات، بل أعطت أزهاراً، وستعطى ثماراً، وهى بركات يعطيها العريس لعروسه، بعدما احتملت فترة الشتاء والأمطار المذكورة فى (ع11).
- فترة الشتاء لا تظهر فيها زهور، أو ثمار، ويظهر فيها تخلى العريس عن عروسه، لكنه يعمل فى داخلها، وينميها لاحتمال الضيقات، ثم يأتى وقت الربيع فيظهر نضجها فى شكل الزهور.
“بلغ أوان القضب” :
إذ يقبل الربيع يأتى أوان القضب، وهو يعنى الآتى :
- تقليم أشجار العنب، أى إزالة الفروع غير النافعة؛ لتتغذى بقوة الفروع النافعة التى ستحمل الثمار، ويأتيها الغذاء كله، فتنمو وتعطى الثمار. وهذا يرمز إلى الجهاد وحمل الصليب أثناء النمو الروحى، فيواصل الإنسان قطع الشهوات الشريرة؛ لينشغل بالنمو الروحى، واقتناء الفضائل. والله يساعده بالتجارب وبالضيقات لينقيه، كما يعلن المسيح هذا بقوله : “كل ما يأتى بثمر ينقيه ليأتى بثمر أكثر” (يو15: 2).
- لعل فترة الشتاء يكون قد نمى أثناءها أشواك مع النباتات، فيلزم إزالتها مع اقبال فترة الربيع. فالشيطان يستغل فترة ضعف الإنسان الروحى، ويلقى بذاره، ولكن عندما تشرق شمس البر، أى يظهر المسيح فى حياة النفس البشرية يساعدها على إزالة هذه الأشواك بالصوم، والصلاة، وكل جهاد روحى.
“صوت اليمامة سمع فى أرضنا”
وهذا يعنى ما يلى :
- اليمامة طائر هادئ له صوت جميل مريح، وهو يرمز للكنيسة التى تعمل فى هدوء، وتسبح الله.
- اليمامة طائر كان يذبح بحسب الشريعة الموسوية؛ لينال الإنسان التطهير. فهى ترمز للمسيح المخلص الذى جاء إلى أرضنا بتجسده وفدائه؛ ليعطى الخلاص والطهارة للمؤمنين به.
- الأرض لعنت بسبب خطية الإنسان الأول، ولكنها تتقدس بالمسيح الفادى المخلص. فينادى العريس ويقول أرضنا، أى صارت الأرض لله، وامتلأت بالمؤمنين الذين يسبحونه، الذى ترمز لهم أيضاً اليمامة.
- اليمامة ترمز أيضاً إلى الروح القدس؛ صوت الحق، الذى سمع فى أرضنا، ويعمل بقوة فى المؤمنين، بل ويثبت فيهم، وتظهر آثاره على شكل زهور، أى الفضائل.
- عندما تزهر النفس، أى تتفاعل مع عمل الله، وتعطى أزهاراً، يزداد نضجها، وتستطيع أن تسمع صوت اليمامة فى داخلها، وهو صوت الروح القدس، فتطيعه، وتستكمل نموها الروحى.
ع13: فجها : الفج هو الثمر الصغير الذى بدأ فى الظهور وهو غير ناضج.
قعال الكروم : البراعم التى تفتحت لتظهر منها الأزهار التى تتحول إلى الثمار الصغيرة وهو العنب الصغير، أى الحصرم.
“التينة أخرجت فجها، وقعال الكروم تفيح رائحتها”.
يظهر من هذا الجزء ما يلى :
- تحولت الزهور إلى ثمار فى بدايتها، وهذا معناه النمو فى الفضائل لتعطى ثماراً تشبع النفوس المحيطة بها.
- التينة ترمز لليهود، والكرمة ترمز للأمم، أى أن البشر جميعاً الذين آمنوا بالمسيح ينضجون، ويثمرون، وتظهر رائحتهم الذكية. فالكنيسة تقبل الجميع.
- رائحة قعال الكروم التى تفيح، أى تنتشر فى كل مكان، ترمز إلى إيمان الأمم الذى ينادى به، ويؤثر فى الكثيرين، مثل إيمان المرأة الكنعانية الذى عظمه المسيح (مت15: 28) وإيمان قائد المئة (لو7: 9)، والعشرة برص الذين شفاهم المسيح ولم يعد للمسيح ويشكره منهم سوى السامرى (لو17: 15-18).
“قومى يا حبيبتى يا جميلتى وتعالى” :
ويظهر فى هذا الجزء ما يلى :
- قومى وتعنى القيام من الخطية، فرغم النضج والنمو مازال إبليس يحارب، فتسقط العروس، وتحتاج أن تقوم مع المسيح القائم، فيتجدد نشاطها وقوتها.
- حبيبتى، أى العروس التى تحب عريسها، وتجاهد لحفظ وصاياه.
- جميلتى، ويظهر فيها العروس التى تتجمل بفضائلها، وكذا نظرة العريس الحلوة، التى ترى عروسه جميلة، فيشجعها بهذه الكلمة؛ لتسعى لاقتناء الفضائل.
- تعالى، أى واصلى جهادك واقتربى إلى العريس؛ ليكمل جمالك، ويدوم إلى الأبد.
ع14: محاجئ الصخر : شقوق الصخر.
ستر : مخبأ.
المعاقل : الحصون.
“يا حمامتى”
- الحمامة هنا هى العروس، أى النفس البشرية، ويصفها بالحمامة، إذ لها بساطة ووداعة الحمامة، وميلها للحرية، أى حرية مجد أولاد الله.
- يناديها حمامتى فهى خاصة بالعريس، متعلقة به، وملكاً له، وتحيا له؛ لأنه اشتراها بدمه.
- أمام جمال وعظمة العريس تشعر العروس بصغرها وضعفها، لذا يشجعها العريس بأن يناديها باسمها، وينسبها لنفسه، ويقول لها يا حمامتى، فهى غالية عليه، وهو مهتم بها، ويناديها لتقترب إليه.
“فى محاجئ الصخر” :
- محاجئ الصخر غالباً تكون فى الصخور العالية. فالعريس ينادى عروسه لترتفع، وتسمو إلى الصخور العالية لتختبئ هناك، وتنفرد به، وتتمتع بحبه. وكل نفس تريد أن تحيا مع الله، لابد أن تسمو عن الأرضيات؛ لترتفع إلى صخر الدهور، وهو المسيح.
- المحاجئ هى شقوق، أو نقر فى الصخر، وهى ترمز لجنب المسيح، الذى طعن فيه بالحربة، والعريس المسيح يدعو عروسه؛ لتختبئ فى جنبه، فتشعر بحبه المسفوك من أجلها، وتخرج من أنانيتها؛ لتفيض حباً، ليس نحوه فقط، بل على كل الناس.
- عندما اشتهى موسى أن يرى الله اختبأ فى نقرة فى الصخر، فظهر الله له فى مجده، وتمتع برؤيته (خر33: 22، 23).
“فى ستر المعاقل”
- ستر المعاقل هى الحصون التى يختبئ فيها الناس، ويتحصنوا من أعدائهم. والعروس تختبئ فى المسيح، فيخاف إبليس منها، ولا يستطيع أن يحاربها، مثل القديسة يوستينا التى فشلت الشياطين أن تسقطها فى غواية الشاب الوثنى الذى كان يحبها.
- الحمامة ترمز ليس فقط للنفس البشرية، بل للكنيسة كلها، التى تضطهد فترتفع وتختبئ فى محاجئ الصخر، وستر المعاقل، فتجد حمايتها فى مسيحها عندما تهرب إليه. مسيحها نفسه قد هرب من وجه هيرودس، ومن اليهود الذين كانوا يحاولون قتله؛ حتى أكمل خدمته، ثم سلم نفسه ليد الأشرار؛ ليفدى شعبه.
- يقول ليس ستر المعقل، بل المعاقل، أى توجد أسوار وحصون متتالية وهى ترمز لدرجات الحب التى تدخل فيها العروس مع عريسها، وهى التى اجتازها القديسون. وكل هذه ترمز لدرجات المجد فى الأبدية، التى تتحد فيها النفس مع المسيح، ليس جزئياً، كما على الأرض، بل بحرية أكبر فى السماء، حيث الأمان التام بعيداً عن مخاوف الأرض.
“أرينى وجهك”
- العريس مشتاق لعروسه، فيريد أن يرى وجهها، الذى هو صورة منه، فهى جميلة؛ لأنه جميل، وأعطاها من جماله؛ لذا فهى تشكره على كل هذا الحب، وعلى نعمته عليها، فتتجاوب معه، وتشتاق أن تنظر إلى وجهه.
- الخطية تغطى الوجه كأنها قناع، أو حائط يضعه الشيطان؛ ليفصل النفس عن الله. وعندما يطلب العريس من عروسه أن تريه وجهها، فهو يدعوها للتوبة، وخلع قناع الخطية، وشهواتها فيظهر وجهها البرئ الجميل.
- عندما تنظر العروس بوجهها نحو العريس، فهى إلى جانب فرحها بوجهه المنير، تخافه أيضاً؛ لأنه مهوب، فتبتعد عن كل شر.
- فى العهد الجديد تتمتع العروس بكشف وجهها، والنظر إلى العريس الذى فداها ويعطيها أيضاً جسده ودمه، فإن كان فى العهد القديم يوجد الحجاب أمام القدس وقدس الأقداس، ولكن فى العهد الجديد تفتح ستائر الهيكل، والأبواب وينظر المؤمنون المذبح، بل يتناولون جسد المسيح ودمه.
- عندما تنظر العروس فى العهد الجديد إلى عريسها، وتتمتع برؤيته، عندما تنظره وجهاً لوجه، وليس كما فى مرآة، فإن هذا كله مقدمة لما ستتمتع به فى الملكوت، وهو تمتع يفوق العقل (2كو3: 18).
“اسمعينى صوتك” :
- يشتاق العريس أن يسمع صوت عروسه التائبة الراجعة إليه؛ لتستعيد براءتها، ونقاوتها مثل الحمامة.
- صوت العروس أيضاً هو صلواتها، وتسابيحها، وألحانها التى تتهلل بها أمام العريس، وتتزين بها.
- لابد أن تتقوى العروس، ويتحول صوتها المنخفض والمتقطع إلى صوت مرتفع مملوء بحماس الأشواق للعريس، واللهفة بالإتحاد به.
- صوت العروس هو الذى تنادى به أمام البشر لتدعوهم للاقتراب إلى العريس؛ ليفرحوا معها، أى خدمة العروس بكل أشكالها.
“لأن صوتك لطيف ووجهك جميل”
- أصبح صوت العروس لطيف، مثل عريسها الذى كان صوته لطيفاً، ولا يصيح ولا يسمع أحد فى الشوارع صوته (مت12: 19). لأن اتحاد العروس بعريسها جعلها تشبهه، وتكون لطيفة ووديعة مثله.
- بعدما دخلت العروس فى محاجئ الصخر، وستر المعاقل، واتحدت بعريسها صارت لطيفة وجميلة؛ حتى لو كانت فى بداية ارتباطها بالله، فيتدخل العريس هنا، ويشجعها، ويمتدحها، ويصفها باللطف والجمال؛ حتى تثبت فى ارتباطها به، بل وتنمو فى محبته، فتزداد لطفاً وجمالاً.
ع15: أقعلت : أى انشقت براعمها وبدأت تظهر أزهارها التى تتحول إلى ثمار.
“خذوا لنا”
- يظهر هنا حب العريس لعروسه الذى اتحد بها، وصار مسئولاً عنها، فما يصيبها يصيبه، وما يفرحها يفرحه. كما أعلن المسيح هذا عند مقابلته لشاول الطرسوسى فى طريقه لدمشق، إذ قال له أنا يسوع الناصرى الذى أنت تضطهده (أع9: 5)، لأن اضطهاد شاول للمسيحيين اضطهاد للمسيح نفسه.
- يخاطب العريس الكهنة والخدام لمساعدة العروس وإرشادها، لتنتبه إلى الثعالب الصغيرة، وتتخلص منها، وهذا يظهر اتضاع العريس، وتكريمه لأولاده الكهنة والخدام؛ إذ يظهر احتياجه لهم مع أنه هو القادر على كل شئ، ولكنه يشجعهم ليقوموا بخدمتهم.
“الثعالب الثعالب الصغار المفسدة الكروم”
- يكرر كلمة الثعالب لتأكيد خطورة هذه الثعالب، وضررها على الكروم، والمقصود بالكروم الحياة الروحية والفضائل، التى تريد الثعالب أن تفسدها.
- يحذر العريس من الثعالب الصغار، وليست الكبار؛ لأن الثعالب الصغار ترمز للخطايا الصغيرة، أو التى تبدو صغيرة لتحايل، وخبث الشيطان؛ ليوهم العروس بعدم أهمية هذه الثعالب، فتتركها، فتفسد الكروم. فينبغى على العروس أن تتوب وتبتعد، وتتخلص من أية خطية مهما بدت صغيرة، كما يوضح المسيح فى عظته على الجبل بالاحتراس من خطية القتل عن طريق منع الغضب، الذى قد يؤدى عندما يكبر إلى القتل (مت5: 22).
- الثعالب الصغيرة قد تكون التعاليم الغريبة عن الإيمان، والتى يحاول الشيطان أن ينشرها فى كل جيل؛ ليعطل أولاد الله عن جهادهم، ومحبتهم لله.
“لأن كرومنا قد أقعلت”
- كرومنا قد نضجت، واقترب ظهور ثمارها وهى العنب، أى أن النفس البشرية نضجت، واقترب ظهور فضائلها، فلهذا قام الشيطان، وأرسل ثعالبه الصغيرة لتفسد الكروم فى بداية نضجها، وبالتالى يلزم الاحتراس من حيل الشيطان، وحروبه؛ لأنه يريد أن يفسد كل محصول الكروم، أى العنب.
- الكروم التى أقعلت قد يكون المقصود بها أن نفوس المؤمنين قد نضجت واستحقت دخول الملكوت فى اليوم الأخير. وهنا يوجه بقوله: “خذوا لنا الثعالب” للملائكة الذين سيقبضون على الأشرار وهم الثعالب الصغار، الذين حاولوا إفساد الكروم بحيل إبليس، وخطاياه وكل تعاليم غريبة، ثم يلقون هؤلاء الأشرار فى العذاب الأبدى.
ع16: “حبيبى لى وأنا له”
- العريس الحبيب أعطى نفسه لعروسه، عندما قدم ذاته على الصليب وفداها، وهو يعطيها جسده كل يوم على مذبح كنيسة العهد الجديد، ويدعوها أن تدخل إلى أعماقه، لتشبع من كنوزه، وتشبع به على الدوام. وكلامه مقدم لها فى الكتاب المقدس لإشباعها؛ حتى أن العروس تشعر بدالة أن تدخل إليه، وتتمتع بحبه؛ لأنه يتلذذ أن يعطيها نفسه.
- ترد العروس على حب عريسها فتقول : وأنا له. فهى تقدم حياتها كلها لعريسها، كما أعطاها حياته، بل تشعر أنها تقدم شيئاً صغيراً أمام حبه اللا نهائى. هذا ما تشعره العروس، فتبذل حياتها فى الجهاد الروحى، وطرد الخطية، وخدمة عريسها، وتكون فى فرح أثناء هذا البذل، كما بذل الرسل والشهداء حياتهم على مر الأجيال، وكذا الكهنة والخدام، فرحين بإعطاء حياتهم له. وهذه الآية رد على دعوة العريس لها فى (ع13)، عندما قال لها : تعالى، فترد عليه : “أنا له”.
- شركة العطاء بين العريس وعروسه تعنى تمليك كل طرف نفسه للآخر؛ لأنهما متحدان فى زيجة روحية واحدة، وهذا يعنى أيضاً تكريس القلب، والحياة لله.
- المسيح قدس حياته، وبذل دمه لأجل عروسه، وهى أيضاً تقدس نفسها لأجله، فتحيا للبر، وترفض الخطية، وتنشغل بعريسها كل يوم.
“الراعى بين السوسن” :
- الراعى، أى العريس يرعى خرافه فى الوادى ليشبعها من الحشائش التى تأكلها وتحيط به نباتات السوسن. فالعريس يهتم بكنيسته، ويشبعها بحبه، وتحيط به نباتات جميلة، وهى نباتات السوسن التى ترمز للنفوس الناضجة روحياً، ومتزينة بالفضائل الجميلة.
- العروس هى أزهار السوسن، والعريس فى (ع1) يصف نفسه بأنه السوسن. فالعروس تشبهت بعريسها الذى نضح عليها جماله، وصارت جميلة مثله، فازداد حبه لها، وهو يرعى خرافه بجوارها.
- العريس الراعى يفرح أن يكون مع عروسه، فهو أعلن وقال : “حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى فهناك أكون فى وسطهم” (مت18: 20)، فإذا اجتمعت أزهار السوسن يسرع الراعى إليها.
- نفهم من وجود الراعى بين السوسن، أن عروس الراعى مختلفة فى درجة نضجها. فمنهن من ينظر إلى الأرض كالخراف ليأكل الحشائش، ومنهن من ينظر إلى السماء كالسوسن، الذى يفتح أزهاره لتتقبل أشعة الشمس. هذه درجات فى النضج الروحى، أى الانتقال من الأرضيات إلى السماويات، وكلها يرعاها الراعى ويحبها.
ع17: يفيح النهار : يطلع النهار ويسطع نوره.
الجبال المشعبة : الجبال التى تظهر عليها طرق متشعبة وملتوية فيصعب السير فيها لكثرة تشعبها وضيقها.
“إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال”
- طلوع النهار وانتهاء الظلال يرمز إلى انتهاء العهد القديم بكل رموزه، وبدء العهد الجديد، حيث ظهر المسيح متجسداً، وفادياً على الصليب، وبدء عهد النعمة، والتمتع بعملها فى المؤمنين بقوة.
- طلوع النهار يقصد به انتهاء الضيقة، والرجوع للحياة المستقرة التى يتمتع فيها الإنسان بالحياة مع الله.
- طلوع النهار، وانتهاء الظلال، يرمز إلى بدء الحياة الأبدية، حيث انتهت الحياة المادية، التى كانت تمهيداً للحياة الجديدة مع الله، والتى تدوم إلى الأبد، ويتمتع فيها الإنسان تمتعاً يفوق العقل.
- إلى أن يطلع النهار يلزم أن تجاهد العروس، وتحتمل الآلام، متمسكة بإيمانها؛ لتتمتع بعريسها بكل وضوح، فهى تراه كما فى مرآة، ولكن فى الأبدية تراه وجهاً لوجه (1كو13: 12).
“إرجع واشبه يا حبيبى الظبى أو غفر الأيائل على الجبال المشعبة”
- تظهر العروس أشواقها لعريسها أن يرجع، ويشبه الظبى وغفر الأيائل، أى يظهر بقوته، وحيويته، التى ظهرت على الجبال المشعبة، أى فى الضيقات، وعلى الأرض المملوءة مشقات، ويظهر بعد هذا بجماله فى الحياة الأبدية، أو بعد انتهاء الضيقة، أو بعد انتهاء العهد القديم.
- إرجع تعبر بها العروس عن تعودها العلاقة الحلوة مع عريسها، وتمسكها بهذه العلاقة، وإن كانت قد احتملت الضيقات، أو تخلى عريسها عنها لفترة، لكنها تنتظر، وتشتاق لاستعادة تمتعها بأحضان حبيبها.
- إن كانت العروس قد تهاونت فى بعض أوقات حياتها، وانحجب وجه عريسها عنها، ولكنها فى داخلها تشتاق إلى ظهوره، وتريد أن تكون فى حماس روحى، وتمتع بعريسها، فلا يكفيها أن يقف عريسها وراء الحائط (ع9) ويتطلع من الكوى، أو يوصوص من الشبابيك (ع9). فهى تنتظر رجوعه بوضوح؛ لأنها قد انتبهت إلى أن حياتها هى فى الوجود مع عريسها، وليس فى انشغالات العالم الزائلة.
- إن كانت العروس قد اختبرت عريسها فى الطرق المشعبة على الجبال، التى ترمز للعالم بضيقاته، فهى تشتاق الآن أن تجرى إليه فى طريق سهل، وترتمى فى أحضانه؛ هذا ما يحدث فى الأبدية.
ما دام العريس يطلبك يا نفسى، فقومى بثقة، وأسرعى لتتجاوبى معه، فهو يحبك رغم كثرة خطاياك، ومستعد أن يغفر كل آثامك، ويعوضك عما فسد فى حياتك؛ لتتمتعى به. أسرعى لتنتهزى كل فرصة روحية؛ لترى محبة الله، وتتمتعى بالوجود بين يديه.