سفر نشيد الأنشاد-الأَصْحَاحُ الخَامِسُ

جمال العريس ومشاعر العروس

(1) فتور العروس وقيامها (ع1-7): 

1قَدْ دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ طِيبِي. أَكَلْتُ شَهْدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي. 2أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ. صَوْتُ حَبِيبِي قَارِعًا: «اِفْتَحِي لِي يَا أُخْتِي، يَا حَبِيبَتِي، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي! لأَنَّ رَأْسِي امْتَلأَ مِنَ الطَّلِّ، وَقُصَصِي مِنْ نُدَى اللَّيْلِ».3قَدْ خَلَعْتُ ثَوْبِي، فَكَيْفَ أَلْبَسُهُ؟ قَدْ غَسَلْتُ رِجْلَيَّ، فَكَيْفَ أُوَسِّخُهُمَا؟ 4حَبِيبِي مَدَّ يَدَهُ مِنَ الْكَوَّةِ، فَأَنَّتْ عَلَيْهِ أَحْشَائِي. 5قُمْتُ لأَفْتَحَ لِحَبِيبِي وَيَدَايَ تَقْطُرَانِ مُرًّا، وَأَصَابِعِي مُرٌّ قَاطِرٌ عَلَى مَقْبَضِ الْقُفْلِ.6فَتَحْتُ لِحَبِيبِي، لكِنَّ حَبِيبِي تَحَوَّلَ وَعَبَرَ. نَفْسِي خَرَجَتْ عِنْدَمَا أَدْبَرَ. طَلَبْتُهُ فَمَا وَجَدْتُهُ. دَعَوْتُهُ فَمَا أَجَابَنِي.7وَجَدَنِي الْحَرَسُ الطَّائِفُ فِي الْمَدِينَةِ. ضَرَبُونِي. جَرَحُونِي. حَفَظَةُ الأَسْوَارِ رَفَعُوا إِزَارِي عَنِّي. 8أُحَلِّفُكُنَّ يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ إِنْ وَجَدْتُنَّ حَبِيبِي أَنْ تُخْبِرْنَهُ بِأَنِّي مَرِيضَةٌ حُبًّا.

ع1: استجاب العريس لنداء عروسه فى نهاية الأصحاح السابق، عندما طلبته أن ينزل إليها، فنزل إلى جنته، التى هى عروسه، وقال لها :

“قد دخلت جنتى يا أختى العروس قطفت مرى مع طيبى، أكلت شهدى مع عسلى، شربت خمرى مع لبنى”.

1. يخاطب عروسه ويناديها بأخته؛ لأنها تشبهه فى صفاته، ويدعو جنتها جنته؛ لأنها سلمت حياتها له، وطلبته ليملك عليها، فأسرع إليها ودخل ليسكن فيها، بالإضافة إلى أن شهوته كانت أن يملك عليها.
2. أسرع العريس ليفدى عروسه حبيبته، فتجسد، وذهب إلى مكان الجلجثة ليصلب عنها، ويفديها، وقطف هناك المر، وهو آلام الصليب، والطيب الذى وضع عليه فى القبر، وكان فى فرح رغم هذه الآلام، لأنه تمم فداءها.
3. عندما نزل العريس إلى القبر لم يبقَ فيه إلا ثلاثة أيام وقام، ليظهر لتلاميذه فى العلية، ويأكل من الشهد والعسل، وكان فرحاً بلقائهم ووجوده وسطهم، وأعلن لهم قيامته، وأكل معهم ليطمئنهم. والعسل والشهد يرمزان للذة الروحية التى كان فيها المسيح والتلاميذ، وكل النفوس المؤمنة التى تفرح بقيامة الرب يسوع.
4. أيضاً العريس المسيح الفادى القائم من الأموات شرب الخمر، عندما تذوقه على الصليب ممتزجاً بالمر. والخمر يرمز للفرح الذى كان فيه المسيح رغم آلام الصليب، وحمله كل خطايا العالم؛ لأنه يتمم خلاص البشرية، أما اللبن فيرمز للبساطة التى فى الأطفال الذين يشربون اللبن، فهو يقدم الفرح والبساطة ليحيا فيهما أولاده المؤمنون به.
5. العريس نزل باشتياق إلى عروسه، فوجدها تحمل الصليب وراءه (مرى)، بل تدخل معه إلى القبر، وتموت عن العالم (طيبى)، فاستقر العريس فى قلب عروسه كما استقر بنو إسرائيل فى أرض كنعان، التى تفيض لبناً وعسلاً، وفرح بإطعامها، ليس فقط ببركاته المادية من اللبن والعسل والخمر، بل بالأحرى ببركاته الروحية. والعروس عاشت مع حبيبها فى تلذذ بعشرته فى فرح (الخمر)، ولذة روحية (العسل والشهد)، وأيضاً كمن يشرب اللبن، أى يحيا فى بساطة.

” كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء”

1. الأصحاب والأحباء هم السمائيون، أى الملائكة والقديسون، فيناديهم المسيح أن يأكلوا ويشربوا طعاماً روحياً، أى يفرحوا ويشبعوا؛ لأن المسيح قد مات من أجل البشر، وسيرتفع الأرضيون إلى السماء؛ ليشاركوهم الفرح فى الفردوس. والسكر مقصود به الفرح الشديد، الذى لا يدع أى مجال للحزن؛ لأن كل السمائيين فى فرح كامل.
2. وليفرح السمائيون أيضاً بالبشر التائبين، أى أنهم من بعد أن آمنوا سقطوا فى الخطية، فدم المسيح يغفر لهم فى الكنيسة خطاياهم من خلال الاعتراف والتناول، ويظل مكانهم فى السماء ينتظرهم؛ و”يكون فرح فى السماء بخاطئ يتوب …” (لو15: 7).

ع2: قارعاً : يدق الباب مرات كثيرة.

الطل : الندى.

قصصى : خصلات الشعر التى فى الرأس.

تصف العروس حالتها فى هذه الآية، وحالتها لم تكن جيدة مع أن عريسها أسرع إليها بأشواق شديدة، فماذا كانت حالتها ؟

“أنا نائمة وقلبى مستيقظ”

يظهر من حالة العروس ما يلى :

1. أنها نائمة بمعنى أنها غير قادرة على القيام من سريرها، وهذه حالة أصعب مما كانت فيه قبلاً، عندما كانت راقدة على فراشها وليست نائمة (ص3: 1) أى أن ضعفها قد زاد فلماذا حدث هذا الضعف ؟

أ – قد يكون بسبب برها الذاتى، إذ فرحت وتكبرت لأن لها ثماراً كثيرة (ص4: 16).

ب – قد تكون شاعرة بأن لها علاقة مع الله، ومكتفية بهذا، وليس لها طموح، أن تجاهد وتنمو فى محبتها لله.

جـ- لعلها تخوفت من حمل الصليب والآلام وراء حبيبها.

د – قد تكون انشغلت بأمور كثيرة فى العالم، فأصيبت بالفتور.

هـ- لعلها واجهت مشاكل أزعجتها، وأبعدتها عن محبة عريسها.

و – لعلها تكون سقطت فى خطية، أو خطايا من خطايا الشهوات المتنوعة.

هذه حالة مشهورة من حالات البشر المؤمنين بالله، يتعرضون لها فى أحيان كثيرة، ولكن الله لا يترك أولاده.

2. رغم أن العروس نائمة، ولكن قلبها مستيقظ، أى أن ضميرها يحركها بالتوبة، والروح القدس يعمل فيها لترجع إلى عريسها، وهى تتجاوب معه؛ لأنها مازالت تحبه، ولكنها عاجزة عن القيام.
3. الشئ الحلو فى العروس اعترافها بضعفها، إذ قالت أنا نائمة، أى عاجزة، ومحتاجة للمعونة الإلهية.

“صوت حبيبى قارعاً”

يظهر من هذا ما يلى :

1. محبة العريس الدائمة، التى لم تتأثر بضعف العروس، أو تكاسلها لكنه ظل يبحث عنها.
2. رغم ضعف العروس، لكنها ميزت دقات عريسها على الباب، فهى دقات مميزة عندها، وهذا يبين مدى محبتها التى مازالت تحتفظ بها.
3. العريس يقرع إشارة لتجسده وفدائه، وكل عطاياه.
4. قارعاً تحمل معنى استمرار محبته، وطلبه للعروس، وتمسكه بها.
5. ميزت العروس صوت حبيبها، بل وفرحت به، إذ قالت “حبيبى”، فهى مازالت تحبه، وإن كانت ضعيفة. فماذا قال لها ؟

“افتحى لى يا أختى يا حبيبتى يا حمامتى يا كاملتى”

1. افتحى تُظهر احترام العريس لحرية عروسه، فهى قادرة أن تفتح، أو لا تفتح، فهو باتضاعه يستأذنها أن تفتح له، مع أنه قادر أن يدخل دون أن يستأذنها، لكنه يحترم حرية إرادتها.
2. افتحى تعنى نوع من العتاب الرقيق؛ لأنها نائمة، ولم تسرع إلى حبيبها، بل فى تكاسل تظل فى ضعفها ورقادها، فهو بلطف يعاتبها أن تقوم وتفتح، وتترك عنها تهاونها.
3. يدعوها أختى، فهو يرفعها لمستوى الأخوة، وباتضاعه يدعو نفسه “بكراً وسط إخوة كثيرين” (رو8: 29). ولقب أختى تشجيع للعروس؛ لأنها تشبه عريسها، أو أخوها الأكبر، أى تشبه الله نفسه، لعله بهذا المديح ينهضها، فتقوم، وتفتح له.
4. يلقب العريس عروسه أيضاً بـ “حبيبتى”؛ لأنه أظهر حبه لها بفدائه على الصليب “لأنه ليس حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه” (يو15: 13). و”حبيبتى” تعنى أنها قريبة جداً إلى قلبه، ومتميزة عنده، ومستعد أن يتعب من أجلها، ويظل يهتم بها على الدوام. كل هذا تشجيع حتى تقوم العروس من كسلها.
5. وينادى عروسه أيضاً ويقول لها : “يا حمامتى”، فهو يراها بسيطة وبريئة، ونقية، مثل الحمامة، بل يرى روحه القدوس، والذى يُرمز إليه بالحمامة، فهى له، وروحه ساكن فيها، والمفروض أنها مرتبطة به؛ حتى تسرع، وتقوم، وتفتح له. والحمام من صفاته أنه مهما طار وابتعد يعود إلى بيته ثانية، وخاصة الحمام الزاجل، فالعريس يدعو عروسه بحمامتى؛ ليذكرها بالعودة إليه، فهو بيتها ومكانها، فتقوم من كسلها، وتفتح له، وتعود إلى أحضانه.
6. ثم يختم ندائه لها، ويقول يا كاملتى مع أنها مخطئة، ومتكاسلة، ولكن بعين الحب يرى العريس عروسه كاملة، فهى كاملة بما ينبغى أن تكون فيه، وبمعونته تصير كاملة، ويتمناها أن تكون كاملة، كما لقب الله أيوب أنه كامل (أى1: 8)، مع أن الله يعرف أنه ساقط فى خطية البر الذاتى.

“لأن رأسى امتلأ من الطل وقصصى من ندى الليل” :

تعنى هذه الكلمات ما يلى :

1. طول انتظار العريس، وقد وقف على باب عروسه يقرع، ويناديها طوال الليل؛ حتى الفجر وقت نزول الندى، وهى مدة طويلة، تظهر مدى تراخى، وتكاسل العروس فى التجاوب مع حبيبها. ولتأكيد طول الانتظار كرر العريس أن رأسه قد امتلأت من الطل الذى هو الندى.
2. وقوف العريس على الباب كان فى الليل، وهذا يعنى أنه حمل على رأسه كل خطاياها التى يرمز إليها الندى والطل، فهو بموته على الصليب حمل خطايانا، وإكليل الشوك على رأسه كان ينزف دماً بدل هذا الطل، فقد احتمل العريس كثيراً جداً من أجل حبه لعروسه، ومازال يطلبها أن تفتح له؛ وهى مازالت نائمة، ومنغمسة فى الخطية التى يرمز إليها الليل، ولا تريد أن تقوم من خطاياها.
3. يذكرنا موقف العريس على باب عروسه بما حدث فى بستان جثيمانى عندما نام التلاميذ، ووقف المسيح يصلى لأجلهم، ويتصبب عرقه كقطرات دم.

ع3: “قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه”

أجابت العروس، وهى مازالت راقدة على سريرها على العريس الواقف على الباب، وقالت له هذه الكلمات، فماذا تعنى ؟

1. لكيما تؤكد استمرارها فى النوم والتكاسل قدمت العروس حجة ضعيفة، وهى إنى قد خلعت ثوبى فكيف ألبسه ؟ فهى لا تريد أن تتعب، وتقوم لتلبس الثوب الذى تستطيع أن تقابل به العريس، وهذا معناه أن محبتها للراحة أكثر من محبتها للعريس، فهى أحبت الخطية والكسل والتهاون أكثر من محبتها لخلاص نفسها.
2. الثوب الذى خلعته يرمز لثوب الجهاد الروحى والبر، أما الثوب الذى تلبسه الآن وهى نائمة فهو ثوب الكسل والتهاون والخطية.

“قد غسلت رجلىَّ فكيف أوسخهما”

أضافت العروس فى حججها الضعيفة المقدمة لعريسها، الذى مازال واقفاً على الباب، فقالت :

1. فى نهاية يومى الذى مشيت فيه وسط الأتربة والرمال، توسخت رجلاى كعادة كل يوم، وفى نهاية اليوم غسلت رجلىَّ، ودخلت إلى فراشى، فكيف أقوم ثانية، وتتعرض رجلىَّ للإتساخ ؟! خاصة وأن المنازل قديماً كانت أرضيتها تراب، وليس بلاط، أو أى نوع آخر من غطاء الأرض، وهذا يبين انغماسها فى التكاسل، وإصرارها على الخطية.
2. ما فعلته العروس يُفهم منه أنها غسلت رجليها بنفسها، وتشعر بالبر الذاتى أنها نظيفة، بل وأفضل من غيرها، ونسيت أنها محتاجة لعريسها أن يغسل رجليها، كما فعل المسيح مع التلاميذ (يو13: 5) فهى محتاجة للاتضاع والإسراع إليه بالتوبة وفتح الباب لعريسها؛ ليدخل يغسلها الغسل الحقيقى.

ع4: الكوة : النافذة أو الشباك الصغير.

أنت : أصدرت صوت هو الأنين الذى يعبر عن تأثرها الشديد.

عندما وجد العريس انغماس عروسه فى الخطية والكسل، لم يكن أمامه إلا أن يحرك مشاعرها بحبه الفائق للعقل، فماذا فعل ؟

1. مد يده من الطاقة، أو الكوة فرأت العروس آثار المسمار فى يده، فشعرت بمحبته الباذلة حتى الموت، وبحبه الذى لا يمكن مقاومته. لقد اضطر العريس أن يقتحم مشاعرها بحب فياض، لكنه مازال حتى الآن يعطيها الحرية أن تتجاوب معه، أو ترفضه. إنه عجيب فى حبه، وطول أناته، وتقديره الشديد لحرية إرادتها.
2. تحركت أخيراً مشاعر العروس الداخلية، وهى المعبر عنها بأحشائها، وعبرت عن هذا بالأنين، ليس فقط الخارج من فمها، بل بالأحرى الصادر من أعماقها، فكيف ترفض حبه الباذل من أجلها رغم انغماسها فى الخطية ؟ وهذا معناه أنها تأثرت جداً، وهذا هو بداية التوبة والرجوع إلى العريس.
3. يُفهم مما حدث أن أكثر شئ يؤثر على البشر هو محبة المسيح المبذولة على الصليب، فهى تحرك الإنسان مهما كان قلبه حجرياً؛ ليترك خطاياه، ويؤمن بحب الله له، ويرجع إليه مهما كان الثمن، أوالخسارة.
4. قد تتساءل العروس وتقول لماذا أتيت يا عريسى بعدما دخلت لأنام ؟ لماذا لم تأتِ قبلاً أثناء اليوم ؟ لماذا تخرجنى من راحتى ؟ هل تريد أن تتعبنى ؟ فيجيب العريس لا، بل أريد أن اختبر مدى حبك، فقد تكون استجابتك ضعيفة أثناء اليوم بينما أنت متحركة فى العالم، وتركيزك ضعيف فى محبتى، ولكن الذى يظهر حبك الحقيقى عندما تتركين راحتك، وتخرجين من كسلك، وتتركين خطـاياك، وتأتين إلىَّ فى توبة، هذا هو الرجوع الحقيقى إلىّ والاثبات لمحبتك لى أفضل من الخطايا، وراحة الجسد.

ع5: تقطران : يسيل منها قطرات من السائل.

قاطر : سائل.

“قمت لأفتح لحبيبى ويداى تقطران مراً”

استجابت العروس أخيراً وقامت لتفتح لعريسها، فبماذا شعرت ؟

1. كانت يداها تقطران مراً، أى متألمة، ولكن رائحة يديها عطرة؛ لأن المر له رائحة جميلة، وهذا يبين جهاد العروس للقيام لتفتح لعريسها، وتؤكد له أنها مازالت تحبه، وتقدر موته عنها على الصليب.
2. اليدان اللتان تقطران مراً تعلن استعداد العروس لترك خطاياها مهما كانت معتادة لها، أو منغمسة فيها، فهى مستعدة لقبول ألم ترك شهواتها وراحتها لأجل المسيح، فتقدم توبة وتحيا له.
3. اليدان اللتان تقطران مراً ترمزان إلى الموت عن العالم بالتجرد والترك، وحياة الصوم والنسك، ومع هذا الألم تختبر العروس لذة عشرة عريسها المسيح.
4. قيام العروس من فراشها احتاج إلى تغصب وجهاد، وهذا التغصب رائحته ذكية أمام الله مهما كانت مرارته، ولكن هذا التغصب مؤقت، وسينتهى ويأتى بعده تعود، ثم تلذذ بعشرة الله.

“وأصابعى مر قاطر على مقبض القفل”

1. لفظ أصابعى يبين استخدام العروس لكل طاقتها وإمكانياتها لفتح الباب للعريس، فوضعت كل أصابعها على مقبض القفل، فهى مصرة، ومصممة على فتح الباب، وهذا يبين قوة توبتها، ورجوعها، وطلبها لعريسها.
2. يبين أيضاً عمق توبة العروس أن أصابعها لم تكن مدهونة بالمر القاطر، فتعطى رائحة ذكية فقط، ولكنها كانت منغمسة فى سائل المر؛ حتى أنه كان يسيل من يديها وأصابعها ويقطر على القفل، وهذا يؤكد رجوعها بكل قلبها، فعلى قدر ما انغمست فى الخطية والتكاسل الآن تنغمس فى التوبة واحتمال المشقات لأجل عريسها، فتخرج منها رائحة ذكية تفرح قلب الله.
3. الأيدى المرفوعة أمام الله طالبة الغفران، والمعونة الإلهية، هى التى تستطيع أن تقبض على قفل الخطية، وترفض الشر، فتتحرر بمعونة الله من سلطان إبليس.
4. إن كانت الأصابع يسيل منها مر قاطر، أى أن العروس تعانى من آلام وأتعاب الجهاد والتغصب، التى لها طعم المر، ولكن هذا المر مفرح لقلب الله، ويحاول الله آلامها المرة إلى فرح وتعزيات، مثل رائحة المر الذكية.

ع6: أدبر : ابتعد ومشى.

أخيراً فتحت العروس الباب لعريسها، وخرجت لتستقبله بفرح، ولكنها للأسف لم تجده. لماذا تخلى عنها العريس ؟ وبماذا شعرت ؟

1. لماذا تخلى عنها ؟

أ – كتأديب للعروس حتى تتوب، وهذا ما حدث، فقد شعرت أنها خسرت كل شئ عندما تهاونت، وتكاسلت عن الاستجابة السريعة لعريسها.

ب- امتحان للعروس؛ حتى تعرف قيمة عريسها، وهذا ما حدث فعلاً، إذ شعرت أن نفسها خرجت منها، وتحركت أشواقها بزيادة نحوه، وشعرت باحتياجها الشديد له، فخرجت تبحث عنه فى كل مكان.

2. أخذت العروس تنادى على عريسها، وتطلبه بكل وسيلة، ولكنها لم تجده، ولم يُجب على نداءاتها، فازداد إحساسها بالاحتياج إليه، فطلبت أن تراه، ولم تجده، ونادت عليه، فلم يجبها، فهى تسعى إليه بكل قدراتها، وتتمنى ولو أقل القليل منه، وهو سماع صوته.
3. تخلى الله عن النفس يؤدى إلى ما يلى :

أ – انتباه النفس المؤمنة، واستعادة إحساسها بالحاجة لعريسها؛ لأنها عندما كانت منغمسة فى شهواتها وكسلها كانت فاقدة لهذا الإحساس.

ب – يمكن أن تسقط النفس فى تذمر على الله لأنه تركها.

جـ- يمكن أن تصاب النفس بالإحباط واليأس، فتهمل وجود الله، فتسقط إما فى التذمر – كما ذكرنا – أو الإهمال.

4. تخلى الله عن أولاده المؤمنين يكون ظاهرياً، فهو بالحقيقة معهم، ولا يمكن أن يتركهم، ولكنه يحرمهم من التعزيات والبركات، ويسمح بالضيقات، حتى ينتبهوا، ويعودوا إليه. وإذ يبحثون عنه فى الخارج لا يجدونه، فيصرخون إليه، وحينئذ يكتشفون أنه داخلهم ولم يتركهم.
5. عندما يحدث التخلى للنفس المؤمنة، أو الخادمة، لا تتحرك فيها فقط الأشواق نحو الله، بل أيضاً تشعر بكل المحتاجين الذين تخلى عنهم الله، فتسعى لمساعدتهم، وتشجيعهم على الرجوع إلى الله.

ع7: الحرس الطائف : هم الحراس الذى يطوفون فى المدينة لحراستها، ومنع الشرور فيها.

حفظه الأسوار : هم الحراس الذين يقفون بجوار الأسوار لمنع أى إنسان من الدخول للمدينة، أو الهرب منها، أى حفظ الأمن فى المدينة.

إزارى : ثوبى الذى ألبسه من الوسط حتى القدمين، وهو رداء مفتوح يستر النصف السفلى من الجسم.

إن الحرس الطائف وحفظة الأسوار يرمزون إلى :

1. إما الشياطين أو الأشرار التابعين لهم، الذين استغلوا تخلى العريس عن عروسه، وخروجها لتبحث عنه، وشعورها بوحدتها، واحتياجها له، فقاموا وضربوها وجرحوها، ورفعوا ثيابها عنها ليذلونها، ويدعونها للرجوع إلى خطاياها القديمة، وتكاسلها عندما كانت نائمة فى (ع2).
2. قد يكونوا الخدام الذين يطوفون فى المدينة لمساعدة الساقطين، ومساندة الضعفاء، وهم حفظة الأسوار يحفظون كلمة الله، ويحفظون سلام وأمان المدينة؛ هؤلاء ضربوا العروس، وجرحوها، أى وبخوها على تكاسلها الذى أدى إلى تخلى الله عنها، مؤكدين لها بكلماتهم الشديدة ضرورة الجهاد، والاستمرار فيه للوصول إلى حبيبها. أما رفع إزارها فيرمز إلى رفع البر المصطنع، والكبرياء الذى ظنت العروس أنها تتستر به؛ لتعرف ضعفها، واحتياجها للعريس، الذى يكسوها بثوب البر من عنده، فتحيا فى نقاوة وقوة وهى فى أحضانه.

واضطر الحرس الطائف للضرب والجرح؛ لأن الوسائل الأسهل، مثل اللطف والعتاب الرقيق لم تفلح مع العروس، فاضطروا إلى هذه الوسائل الصعبة ليوقظوها من غفلتها. وقد سمح الله لهم بهذا لاحتياج العروس لهذه الشدة؛ حتى تستيقظ وتعود إليه.

ع8: 

1. “أحلفكن يا بنات أورشليم” : هذه هى المرة الثالثة التى تنادى فيها العروس على أحبائها من المؤمنين، أو كنيسة الأمم تنادى على كنيسة اليهود، أى اليهود المتنصرين، كما ذكرنا فى (ص2: 7، 3: 5).
2. “حبيبى” : تلقب العروس عريسها بحبيبى، وليس الحبيب، كما ذكرت فى المرات السابقة المذكورة أعلاه، وهذا يعنى ارتباط العروس بعريسها، وعلاقتها الخاصة القوية به، وليس فقط الحبيب لها ولغيرها، ولكنها تشعر كأنه لها وحدها، مع أنها تعرف احتواءه لكل المؤمنين، فقد دخلت فى علاقة خاصة، وتمتعت بعشرته.
3. “مريضة حباً“: إن كانت العروس قد عانت من الفتور الروحى، أو الكسل فى (ع2)، ولكنها الآن قد امتلأت حباً، وتعلقت بعريسها؛ حتى أنها لا تحتمل عمق محبتها له، فصارت مريضة، أى ضعف جسدها من شدة حبها له، ولعلها مريضة حباً؛ لأن حب عريسها أصاب الإنسان العتيق فيها، أى الطبيعة المائلة للشر، وجرحها، فتنقت وصارت كل مشاعرها لعريسها.

ويظهر من مرضها بالحب أنها قد استفادت من تأديب العريس لها، الذى تخلى عنها، إذ بحثت عنه ولم تجده، وعندما وجدته استعادت مشاعرها، بل امتلأت حباً، وصارت مريضة حباً.

 لا تقلق يا أخى إن سقطت فى الفتور الروحى، أو الكسل، ولكن انظر إلى صليب المسيح؛ لتتحرك مشاعرك أمام حبه المبذول لأجلك، وتتذكر أيضاً حبك القديم له، فتقوم بمعونته، وتبدأ جهادك تدريجياً، فتستعيد مكانتك فى قلبه، وتتمتع بحبه.

(2)  صفات العريس (ع9-16): 

9مَا حَبِيبُكِ مِنْ حَبِيبٍ أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ! مَا حَبِيبُكِ مِنْ حَبِيبٍ حَتَّى تُحَلِّفِينَا هكَذَا!
10حَبِيبِي أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ. مُعْلَمٌ بَيْنَ رَبْوَةٍ.11رَأْسُهُ ذَهَبٌ إِبْرِيزٌ. قُصَصُهُ مُسْتَرْسِلَةٌ حَالِكَةٌ كَالْغُرَابِ.
12عَيْنَاهُ كَالْحَمَامِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ، مَغْسُولَتَانِ بِاللَّبَنِ، جَالِسَتَانِ فِي وَقْبَيْهِمَا.13خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ الطِّيبِ وَأَتْلاَمِ رَيَاحِينَ ذَكِيَّةٍ. شَفَتَاهُ سُوْسَنٌ تَقْطُرَانِ مُرًّا مَائِعًا.14يَدَاهُ حَلْقَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، مُرَصَّعَتَانِ بِالزَّبَرْجَدِ. بَطْنُهُ عَاجٌ أَبْيَضُ مُغَلَّفٌ بِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ.15سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ، مُؤَسَّسَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ إِبْرِيزٍ. طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ. فَتًى كَالأَرْزِ.16حَلْقُهُ حَلاَوَةٌ وَكُلُّهُ مُشْتَهَيَاتٌ. هذَا حَبِيبِي، وَهذَا خَلِيلِي، يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ.

ع9: ترد بنات أورشليم، أى المؤمنون على العروس، التى نادت عليهم فى (ع8)، ويظهر فى ردهم ما يلى :

1. انبهار بنات أورشليم بالعريس الذى تتحدث عنه العروس، فيتساءلن عن صفات هذا العريس الحبيب الذى تعلقت به العروس، بل صارت مريضة من شدة حبها له.
2. استطاع العريس بحبه للعروس أن يغيرها، ويرفعها من كسلها وفتورها، الذى ظهر فى (ع2) لتحبه، وتجرى وراءه، بل تمتلئ بمحبته، وتصير مريضة من شدة حبها له، فهى بحبه، ورعايته لها تخلصت من أنانيتها، وتفكيرها فى راحتها، إلى محبته من كل القلب، وهذا قد حدث على الصليب، عندما قدم العريس محبته، وبذل ذاته لأجل العروس، فآمنت به، وخرجت من أنانيتها، وتعلقت بحبه.
3. لم تتعلق العروس بعريسها فقط، بل خرجت تبشر الآخريات، وهن بنات أورشليم، وتظهر لهن أنها مريضة حباً، فاشتاقت بنات أورشليم أن تتعرف على حبيبها، وقلن: “ما حبيبك من حبيب”، أى ما هى صفات حبيبك؟ وهذا يبين أهمية استعداد المؤمن لمجاوبة كل من يسأله عن سبب الرجاء الذى فيه، بل أيضاً تبشير الآخرين بحياته وكلامه.
4. بنات أورشليم لاحظن تحمل العروس الآلام من أجل حبيبها والبحث عنه، كما لاحظن أن العروس جميلة، ومتميزة فى جمالها بين النساء، وذلك من عشرتها للحبيب، الذى فاض عليها بحبه، وتأثرت به، وتشبهت بجماله؛ كل هذا جذب قلوب بنات أورشليم، وأردن التعرف على حبيبها وصفاته، وهذا يظهر أن الله يعطى نعمة للمؤمنين، وللكنيسة فى أعين الآخرين، فيرون جمالها، ويبحثن عن سببه.
5. إن اهتمام العروس بحبيبها؛ حتى أنها تحلف بنات أورشليم أن يخبرنه بحبها له، كل هذا لعله نبوة عن إيمان اليهود فى نهاية الأيام بالمسيح الحبيب، أى أنهم تأثروا بعلاقة المسيحيين بالمسيح، وبدأوا فى البحث عنه، فآمنوا به.

ع10: ربوة : عشرة آلاف.

مُعْلم : مميز كراية، أو كعلم.

“حبيبى أبيض وأحمر”

تبدأ العروس من هذه الآية؛ حتى نهاية الأصحاح فى الحديث عن صفات العريس المسيح، فماذا تقول ؟

1. هو أبيض رمز النقاء والقداسة، إذ هو بلا خطية، كما أعلن هو بنفسه “من منكم يبكتنى على خطية” (يو8: 46)، وكما أعلن الملاك جبرائيل للعذراء أن المولود منها قدوس (لو1: 35).
2. وفى نفس الوقت هو أحمر رمز الفداء، والدم المسفوك على الصليب، فهو الحب الفائق، الذى يعلو فوق العقول، إذ قدم ذاته فداءاً لشعبه، وهكذا قدم القدوس دمه لخلاص شعبه، فهو أبيض وأحمر فى نفس الوقت.
3. المسيح على جبل التجلى ظهر بلون أبيض ناصع، إعلاناً لنقاوته ومجده أمام تلاميذه (مر9: 3).
4. نرى فى سفر الرؤيا كيف بيض المؤمنون ثيابهم فى دم الخروف، أى أن دم المسيح أعطى المؤمنين به نقاء وبهاء، فهو أحمر ولكنه يبيض ثياب أولاده، إذ هو أبيض وأحمر (رؤ7: 14).
5. حبيبى أبيض لأنه نور، فهو “نور العالم” كما أعلن بنفسه (يو8: 12)، وهذا يعلن لاهوته، وفى نفس الوقت هو إنسان؛ لأن اللون الأحمر يعلن تجسده، إذ هو إنسان يجرى الدم فى عروقه، فهو إله كامل، وإنسان كامل.
6. إلهنا نور فهو أبيض، ونار فى نفس الوقت وهى حمراء، فهو أبيض وأحمر؛ لأنه نور ونار، ينير حياتنا، ويحرق كل خطية فينا.

“معلم بين ربوة”

1. العروس التى كانت فى فتور وكسل نائمة فى (ع2)، الآن انتبهت، وقامت، وبحثت عن حبيبها، بل صارت مميزة له بين عشرة آلاف، أى صار واضحاً أمامها؛ حتى لو كان وسط جموع كثيرة؛ لأن حبه يفوق العقل.
2. المسيح صار مُعْلماً عندما عُلق على الصليب، وبموته داس الموت، وقيد الشيطان، فلا سواه يستطيع أن يخلصنا من موت الخطية.
3. الخراف تسمع صوت راعيها، فتعرفه، وهو يناديها بأسمائها، أى أن المؤمنين يستطيعون أن يميزوا المسيح الحبيب، وكلامه وسط كلام العالم الكثير، فالكتاب المقدس متميز بين كل كتب العالم، وحب المسيح مميز بين كل محبات العالم.

ع11: ذهب أبريز : ذهب خالص ونقى.

قصصه مسترسلة : شعره ينساب ويتدلى من الرأس بنعومة وليونة.

حالكة : شديدة السواد.

بعد أن أعطت العروس وصفاً إجمالياً لجمال عريسها فى الآية السابقة، تذكر لنا عشرة صفات لعريسها، بينما هو قد ذكر سبع صفات لجمال عروسه فى الأصحاح السابق، وصفات العريس هى :

الصفة الأولى “رأسه ذهب إبريز” :

أ – الرأس هى أهم ما فى الجسد، وهى من الذهب الإبريز، والذهب يرمز لللاهوت، فالعريس هو الله، وبالتالى جسده، أى المؤمنين يتمتعون بفيض نعمته عليهم، ويتشددون بقوة لاهوته معهم.

ب – الذهب أيضاً يرمز للسماء، فالمسيح ساكن فى السماء، والمؤمنون به أيضاً يحيون حياة سماوية متمثلين به.

الصفة الثانية هى :

“قصصه مسترسلة حالكة كالغراب”

أ – شعر العريس شديد السواد، مثل لون الغراب الأسود فهو مملوء حيوية،، وهذا يرمز للمؤمنين المرتبطين بالرأس، والممتلئين بالحيوية والشباب مثله، إذ يجدد العريس كالنسر شبابهم (مز103: 5)

ب- الشعر المسترسل يبين استقامته، فالمؤمنون متحدون بالرأس، ويسلكون كلهم باستقامة، كما أوصاهم العريس فى وصاياه المكتوبة فى الكتاب المقدس.

ج – الشعر المسترسل يشير للتكريس، إذ كان المكرس لا يقص شعره، والقصص المسترسلة ترمز إلى المكرسين؛ سواء كل المؤمنين الذين كرسوا قلوبهم لله، أو بعضهم الذين كرسوا أيضاً كل أوقاتهم لمحبته، وخدمته، مثل الرهبان والكهنة.

ع12: وقبيهما : الوقب هو محجر العين، أى التجويف العظمى فى الرأس الذى تستقر فيه العين.

الصفة الثالثة هى :

1- “عيناه كالحمام على مجارى المياه” :

أ – الحمام يرمز للوداعة، فعينى العريس تنظران بوداعة إلى مجارى المياه، وهى ترمز إلى الروح القدس العامل فى المؤمنين، فى وداعته، وحنانه على أولاده الذين يعمل فيهم الروح القدس فى الكنيسة من خلال الأسرار، ووسائط النعمة. أما فى سفر الرؤيا، فنرى عينيه كلهيب نار (رؤ1: 14) وهى على الأشرار؛ لتدينهم على خطاياهم.

ب- الحمام عندما يقف على مجارى المياه يفرح بهذه المياه، وهذا يرمز إلى أن عينى العريس تفرحان بالنظر إلى خلاص أولاده، وتمتعهم بالحياة فى كنيسته.

جـ- المياه تتحرك دائماً فى مجاريها، وهذه ترمز إلى أن عينى العريس تفرحان بحيوية أولاده، ونموهم الروحى.

2- “مغسولتان باللبن” :

أ – اللبن هو طعام نقى مشبع، فيرمز إلى عينى العريس المغسولتين باللبن، فتعطى للمستعدين إيماناً نقياً، ومشبعاً لنفوسهم، فيحيوا معه بإيمان، ويفرحون بعشرته.

ب- العينان النقيتان بغسلهما باللبن، إذا نظر إليهما أى إنسان يرى المحبة، والرعاية، فيفرح، ويشبع ويطمئن.

جـ- العينان تشيران إلى الكهنة والخدام الذين يقدمون للشعب غذاءً مشبعاً، المرموز إليه باللبن.

د – عينا الله المغسولتان باللبن ترمزان إلى العيون النقية البسيطة، التى ترى جمالنا، وتستر على ضعفاتنا، وتسامحنا على خطايانا، فنحن مقبولون فى عينيه النقيتين.

3- “جالستان فى وقبيهما” :

أ – العينان جالستان، أى مستقرتان فى مكانهما، تنظران بهدوء إلى شعبه، فهى نظرة ثابتة، ورعاية مستقرة، بل وأيضاً دائمة، فهو لا يتغير فى حبه لنا، حتى لو تغيرنا نحن، فيظل ينظر إلينا بأبوته حتى ننتبه، ونعود إليه فى توبة، وإن تغير العالم كله يظل الله مستقراً ليس عنده تغيير، أو ظل دوران

ب- عينا العريس على عروسه مهتماً بخلاص نفسها، ولا ينشغل عن هدفه، كما ينشغل البشر بأمور العالم، فهو مثابر فى حبه؛ ليدعو عروسه لتنال خلاصها فيه، وإن كان البشر ينشغلون بالصحة والجمال والشهوات، لكنه يظل منشغلاً بخلاص نفوسهم.

جـ- عينا المسيح جالستان فى استقرار، فبعد أن أكمل فداء البشرية على الصليب، وقام من الأموات صعد إلى السموات؛ ليظل مستقراً فى رعايته، يفيض بحبه على أولاده المؤمنين.

ع13: خميلة : مجموعة من الأشجار الكثيفة.

أتلام رياحين : جمع تلم، وهو شق فى الأرض من أثر المحراث يزرع فيه صف من أشجار الرياحين، فتعتبر هذه الأشجار باقة كبيرة من الرياحين.

مائعاً : سائلاً، أى يسيل وينسكب.

الصفة الرابعة فى العريس هى : “خداه كخميلة الطيب وأتلام رياحين ذكية”

إن خدى العريس اللتين احتملتا اللطم والبصاق من أجل حبه فينا وتشعر العروس بأن آثار هذه الآلام على خديه تجعلهما كخميلة الطيب وأتلام رياحين ذكية، أى تشتم روائح عطرية جميلة منهما، فتشبع نفسها بهذه الرائحة، ويزداد قلبها انجذاباً إليه، بل تقبل أن تتألم هى أيضاً من أجله، لتحمل معه صليبه كدليل حب فى شركة آلامه.

أما الصفة الخامسة فى العريس فهى “شفتاه سوسن تقطران مراً مائعاً”.

1. السوسن أزهار ذات ألوان جميلة، وروائح ذكية، فشفتا العريس تعطى كلاماً جميلاً مؤثراً فى السامعين، كما شهد اليهود عن كلام المسيح وقالوا : “لم يتكلم قط إنسان هكذا ” (يو7: 46).
2. وتصف العروس كلام عريسها الذى يخرج من شفتيه، وهو كلام عظيم جداً، فتشبهه بتشبيه آخر غير السوسن، وهو المر المائع، وهذا المر يرمز للآلام التى احتملها المسيح لأجلنا فى حبه الباذل على الصليب، فهو لا يعطى مجرد نصائح، بل حب عملى عاشه، واحتمله على الصليب لأجل خلاصنا، وكما يسيل المر هكذا سال دمه على الصليب، وكما أن المر له رائحة ذكية، هكذا كانت رائحة ذبيحة المسيح على الصليب ذكية جداً فأرضت الآب، كما نقول فى تذاكية يوم الأحد: “فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة”، وهذه الجملة تُلحن بلحن جميل جداً يقال ليس فقط يوم الأحد، بل أيضاً فى خميس العهد والجمعة العظيمة.

ع14: الزبرجد : حجر كريم لونه أخضر فاتح.

عاج أبيض : مادة ثمينة وهى سن الفيل ولونه أبيض.

ياقوت : حجر كريم لونه أزرق.

الصفة السادسة فى العريس هى “يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد”

1. يدا العريس حلقتان، والحلقة ترمز إلى ما لا نهاية، أى الحياة الأبدية، إذ لا بداية لها ولا نهاية، وهذا معناه أن اليدين التى للعريس قويتان، قادرتان أن تعملا بلا حدود وإلى الأبد، فتعطى خلاصاً لعروسه، وتعتنى بها بلا حدود. وإذ تمسك بها، وتحملها تسندها، وتعطيها قوة.
2. إن يدى العريس حلقتان من ذهب، والذهب يرمز للسماء، فيداه تعملان فى أولاده، وتسندهم، وتعطيهم السلوك السماوى وهم على الأرض، كذلك تفيض يدا الله بعطايا غير محدودة على أولاده، تساعدهم على الوصول للسماء.
3. هاتان اليدان مرصعتان بالزبرجد، أى أن اليدين مزينتان بأحجار الزبرجد الكريمة. وهذا الزبرجد يرمز للمؤمنين، فالله يفرح بأولاده القديسين، ويفتخر بهم، ومن شدة حبه لهم يتزين بهم، وهذا يبين اتضاع الله، ومحبته لأولاده. والمؤمنون الذين فى يد الله لا يستطيع أحد أن يخطفهم من يده (يو10: 28)، أى أن المؤمنين يجدون الأمان والطمأنينة بين يدى الله.
4. الزبرجد لونه أخضر يشير إلى الحياة، فعطايا العريس تعطى حياة للمؤمنين، وتملأهم بالحيوية، والنشاط الروحى.

أما الصفة السابعة فى العريس فهى “بطنه عاج أبيض مغلف بالياقوت الأزرق” :

1. كلمة بطنه فى الأصل العبرى الذى كتبت به هذه الآية معناها أحشائه، فأحشاء العريس عاج أبيض، وهذا يرمز لنقاوة مشاعره نحو عروسه، فهو يحبها من كل قلبه.
2. العاج يؤخذ من الفيل بعد موته، وهذا يرمز إلى حب المسيح المعطى لنا من على الصليب بعد موته عنا، وفدائه لنا.
3. أحشاء العريس، أو بطنه مغلف بالياقوت الأزرق، فمحبته سماوية مثل السماء الزرقاء؛ لترفعنا إلى السماء، ويهبنا فضائل ندخل بها إلى الملكوت، كما ظهر الله لموسى وشيوخ إسرائيل فى أسفل الجبل الذى صعد إليه موسى وأخذ من الله الوصايا، والشريعة ورسم خيمة الاجتماع، وكان تحت رجلى الله عقيق أزرق، وكلمة عقيق فى الأصل العبرى هى نفسها الياقوت الأزرق (خر24: 10).
4. ولأن الله بطنه، أو أحشاءه تحمل لنا حباً عظيماً، فهى تؤثر فينا نحن العروس، فتهبنا نفس المشاعر، كما قال بولس الرسول “فالبسوا … أحشاء رأفات (كو3: 12).

ع15: طلعته : منظره وهيئته.

الصفة الثامنة فى العريس هى “ساقاه عمودا رخام مؤسستان على قاعدتين من ابريز”

1. عمودا الرخام يرمزان للقوة والثبات، فالساقين اللذين للعريس قويتين وثابتتين؛ لأن المسيح هو الإله المتأنس الثابت إلى الأبد، وهو الذى صنع الفداء على الصليب، ويستمر عمله الفدائى فى نفوس المؤمنين ثابتاً فيهم إلى الأبد، وبهذا يسلكون فى طريق الملكوت وهم على الأرض فى ثبات، وثقة بالمسيح الذى يسندهم ويثبتهم.
2. الرخام أبيض، وهذا يعنى أن الساقين الأبيضين يرمزان إلى النقاوة والطهارة والقداسة، ولأن الساقين هما اللذان يمشى بهما الإنسان، فهذا يعنى أن كل تحركات العريس، وأعماله نقية، وطاهرة.
3. الساقان مؤسستان على قاعدة، فهذا يؤكد ثباتهما، إذ أن الله ليس عنده تغيير ولا ظل دوران (يع1: 17) وإن تزعزع العالم كله، فهو لا يتزعزع وكلامه لا يزول. والإبريز هو الذهب الخالص الذى يرمز إلى السماء، فعمل المسيح مؤسس على هدفه، وهو إنقاذ أولاده من الأرض التى ستتغير؛ ليرفعهم معه إلى السماء.
4. إن الساقين اللذين للإنسان مهما كانتا قويتين، فإنهما تضعفان مع الزمن، وتنحلان، أى أن أعمال الإنسان معرضة للزوال، ولكن باعتماده على الله يكتسب قوة تثبته إلى الأبد، ومن يفتخر بساقيه، أى أعماله لا يسر به الله، بل يسر الرب بخائفيه، وبالراجين رحمته، فيهبهم خلاصاً ونعمة (مز147: 10).
5. إن رأس العريس من ذهب (ع11) ويديه حلقتان من ذهب (ع14) وساقيه أيضاً مؤسستان على قاعدة من ذهب (إبريز) (ع15)، فالذهب من رأسه إلى قدميه، أى أنه سماوى، ويريد أن يكون أولاده بالتالى سماويين فى حياتهم، وسلوكهم، وهدفهم.

والصفة التاسعة فى العريس هى “طلعته كلبنان، فتى كالأرز” :

1. طلعة العريس – الذى هو المسيح – كلبنان، والمقصود بلبنان أنها بلد جميلة مملوءة بالجبال والخضرة والماء والأشجار، فهو جميل المنظر، وهكذا كتب المؤرخون عن المسيح أن طلعته كانت جميلة، وبيلاطس البنطى كتب وقال عنه : تشتاق أن تتطلع إليه، ولا تمل من النظر نحوه، ومعنى هذا أن العروس ترى جمال عريسها، يظهر فى هيئة البر والقداسة.
2. رأت العروس أيضاً عريسها فتى، أى شاب مملوء بالحيوية، والنشاط، ومنظره كالأرز. والمقصود بشجر الأرز الذى فى لبنان الارتفاع الكبير نحو السماء، أى أن عريسها تطلعاته سماوية، والأرز يتميز بالقوة، فالعريس فيه كمال القوة، ورائحة الأرز ذكية وخشبه لا يسوس، وهى تشير لنقاوة العريس وثباته، والأرز أيضاً يتميز بالاستقامة؛ كل هذه صفات فى العريس الذى هو المسيح.
3. العريس الذى هو المسيح فتى، فالمسيح عاش طفولتنا وشبابنا، ولكنه لم يعش حتى الشيخوخة؛ ليعلن حيويته، وقوته الدائمة، وليس عجز الشيخوخة. وعروسه، أى كنيسته التى تتحد به – إذ هى جسده – تظل فى حيوية الشباب على الدوام، بل يتجدد مثل النسر شبابها (مز103: 5).

ع16: خليلى : صديقى.

تذكر العروس الصفة العاشرة، وهى الصفة الأخيرة فتقول : “حلقه حلاوة” :

1. من الحلق تخرج الكلمات، وكلمات العريس حلوة ولذيذة، بل ومشبعة للنفس، وكلامه يلمس القلب، ويؤثر فى الحياة. وإذ تحيا العروس بكلام عريسها تتذوق حلاوته (ص2: 3)، وعشرته، ثم تتحد به؛ لتصير مثله، وتصير هى أيضاً حلقها حلاوة، وتتكلم بكلامه، وتصير صورة حية له.
2. الحلق جزء خلفى، وليس الشفاه التى ترى من الخارج، فالحلق يعبر عن الداخل، ولأن العريس داخله حلو، فحلقه أيضاً حلو، ويفيض بكلماته الحلوة التى تتذوقها العروس، التى هى كنيسته، أو النفس المؤمنة به.

“كله مشتهيات” :

بعد أن تأملت العروس فى عريسها، وجدته جميلاً جداً، ليس فقط فى الصفات التى ذكرتها، بل وجدته حلواً فى كل شئ، وعبرت عن هذا بقولها : كله مشتهيات، أى أن نفسها تشتهيه، وتشتهى كل ما فيه، فهو جميل وجذاب، وهى لا تستطيع أن تعبر عن جماله؛ فقالت: كله مشتهيات.

“هذا حبيبى وهذا خليلى يا بنات أورشليم”

فى النهاية، تختم العروس كلامها عن عريسها فى كلامها مع المؤمنات حبيباتها، اللاتى تدعوهن بنات أورشليم، فتقول لهن : “هذا حبيبى” الذى أحببته من كل قلبى، و”هذا خليلى”، أى صديقى الذى يشاركنى حياتى، وأفرح بعشرته. ليتك عندما تقرأ الأناجيل تتأمل فى جمال المسيح، وعندما تجلس وحدك فى خلوة تأمل أعمال الله معك، وكذلك أعماله فى الطبيعة، وفى كل الحياة المحيطة بك، فتكتشف جماله، فتتلذذ به، وتشكره، وتفرح معه.