صفات العروس
(1) العروس الجميلة (ع1-7):
1هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ! عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ مِنْ تَحْتِ نَقَابِكِ. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ مِعْزٍ رَابِضٍ عَلَى جَبَلِ جِلْعَادَ.2أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ الْجَزَائِزِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ، وَلَيْسَ فِيهِنَّ عَقِيمٌ.3شَفَتَاكِ كَسِلْكَةٍ مِنَ الْقِرْمِزِ، وَفَمُكِ حُلْوٌ. خَدُّكِ كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ تَحْتَ نَقَابِكِ.
4عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ. أَلْفُ مِجَنٍّ عُلِّقَ عَلَيْهِ، كُلُّهَا أَتْرَاسُ الْجَبَابِرَةِ.5ثَدْيَاكِ كَخِشْفَتَيْ ظَبْيَةٍ، تَوْأَمَيْنِ يَرْعَيَانِ بَيْنَ السَّوْسَنِ.6إِلَى أَنْ يَفِيحَ النَّهَارُ وَتَنْهَزِمَ الظِّلاَلُ، أَذْهَبُ إِلَى جَبَلِ الْمُرِّ وَإِلَى تَلِّ اللُّبَانِ.7كُلُّكِ جَمِيلٌ يَا حَبِيبَتِي لَيْسَ فِيكِ عَيْبَةٌ.
ع1: نقابك : النقاب هو البرقع الذى يغطى الوجه، ويكشف العينين فقط.
رابض : جالس ومستريح.
جلعاد : جبل يقع شرق الأردن يتميز بوجود أشجار خشبية، تعطى سائل صمغى يفيد فى علاج الأمراض يسمى بلساناً.
“ها أنت جميلة يا حبيبتى ها أنت جميلة” :
- يرى العريس عروسه أنها جميلة، بل وجمالها رائع؛ لأنها أخذت من جماله، إذ فاض عليها بمحبته، وجماله، وصارت مثله جميلة.
- لأن جمالها رائع، فهو يكرر دعوتها بأنها جميلة، أى أن جمالها عظيم.
“عيناك حمامتان من تحت نقابك”
1- يصف العريس عينى عروسه بأنها حمامة، وهذا معناه :
أ – لها نظرة بسيطة لكل من حولها، وليس عندها إلتواء، أو غش، أو شر؛ لأن الحمامة تتميز بالبساطة.
ب – عيناها تنظر إلى هدفها، وهو العريس، ولا تحيد عنه، مثل الحمامة التى تنظر فى اتجاه واحد، وتسعى نحو هدفها. ومن أجل هذا استخدم البشر الحمام الزاجل؛ لتوصيل الخطابات والرسائل.
جـ- عيناها متعففتان عن شهوات وانشغالات العالم، إذ أن ذكر الحمام يتميز بالعفة، فلا يقترن إلا بأنثى واحدة.
د – عيناها اكتسبتا الروح القدس، وذلك بالنظر الدائم إلى الروح القدس، فاقتنتاه داخلها، وبه تستطيعا أن ترى الله، وتدخلا إلى أعماقه (1كو2: 10)، وتتمتعا بعشرته؛ لأن الروح القدس نزل بشكل حمامة على المسيح عند عماده (مت3: 16).
هـ- عيناها لها البصيرة الروحية والقدرة على التمييز، وذلك بالروح الساكن فيهما، فتعرفا الحق والخير، وتبتعدا عن الشر.
و – عيناها تبحثان عن السلام وتصنعاه فى كل مكان، كما أن حمامة نوح أعلنت السلام والحياة الجديدة. بعد الطوفان (تك8: 11).
2- عيناها تحت النقاب، وهذا معناه :
أ – أن العروس تخفى جمالها فى داخلها، كما يعلن داود النبى فى المزمور (مز45: 13).
ب – العروس مازالت فى الجسد، فهى ترى الله، ولكن تتمتع بجماله جزئياً، لأنها فى الجسد، ولكن فيما بعد فى الأبدية ستراه بوضوح وجهاً لوجه (رؤ22: 4).
جـ- النقاب يشير إلى الحشمة والحياء الذى تتمتع به العروس، فهى متضعة ومحتشمة، وتخجل أمام عظمة الله، فتُخفى جمالها.
“شعرك كقطيع ماعز” :
- شعرك أيتها العروس، أو الكنيسة يشبه قطيع الماعز. والشعر يرمز للمؤمنين فى الكنيسة؛ لأن الشعر ملتصق بالرأس، والرأس هو المسيح، أى المؤمنين فى الكنيسة كجسد واحد، ملتصقين برأس الجسد، وهو المسيح.
- إذا سار شعب الله فى الشر يؤدبه الله، كما حدث عندما سُبى شعب الله، وقال الله لحزقيال إحلق شعرك، واقطع جزء منه بالسيف واحرق الجزء الثانى وأنثر الجزء الثالث كإشارة لغضب الله وعقابه لشعبه (حز5: 1-4). وفى مكان آخر يظهر الله بركته على أولاده المؤمنين، ويشبه هذا بالطيب الكائن على الرأس الذى ينزل على اللحية (مز133: 2) الله يؤدب أو يبارك شعبه حسب حياته معه.
- قطيع الماعز الذى على الجبل يظهر من بعيد ككتلة واحدة، وهذا يرمز لوحدانية شعب الله فى المسيح، الى هو الرأس.
- الماعز يخفض رأسه ليأكل من حشائش الأرض، وهذا يرمز للاتضاع. وعندما يخفض رأسه يظهر للناظر من بعيد أن الماعز كله كتلة واحدة بلا رؤوس، وهكذا شعب الله وحده واحدة ورأسهم واحد هو المسيح. كما أن اهتمام الماعز بالأكل يرمز لإهتمام شعب الله بالشبع من التناول وكلمة الله.
- الماعز عل الجبل العالى قريب من السماء، وهذا القطيع يرمز إلى محبة السماء والتعلق بها.
- عندما يخاف الماعز يرفع رأسه، وينظر نحو راعيه، وهكذا شعب الله إذا شعر بالخوف، ينظر للمسيح الذى ينقذه من كل ضيقة.
“رابض على جبل جلعاد” :
- القطيع رابض، أى مستريح ومستقر على الجبل العالى، أى جبل جلعاد، فيرمز هذا الشعب لشعب الله يستريح عندما يقترب إلى السماء.
- الجبل قوى وثابت، فيرمز لثبات أولاد الله فى الإيمان، والحياة مع الله.
- تنمو على جبل جلعاد أشجار البلسان، التى تستخدم فى علاج الأمراض، فالجبل يرمز إلى الله، الذى هو دواء لأمراض الشعب الروحية.
- عند جبل جلعاد كان جدعون معه 32000 من الجنود، وصرف الخائفين، وكان عددهم 22000، فجبل جلعاد يرمز للشجاعة وعدم الخوف عند المجاهد الروحى؛ لكيما ينتصر على الشياطين.
ع2: متئم : له أخ توأم.
“أسنانك”
- أسنان العروس التى هى الكنيسة ترمز للكهنة والخدام، الذين يأكلون ويشبعون من أمهم الكنيسة وتعاليمها، وكلمة الله التى فيها، ثم يقدمون للمخدومين طعاماً مهضوماً سهلاً، فيعرفونهم بالله، ومحبته، ويشبعونهم به.
- الأسنان لا تنمو فى الفم وتكون قوية إلا إذا كبر الإنسان، فهى ترمز للنضج الروحى عند المؤمنين والخدام.
“كقطيع الجزائز” :
- الجزائز هى الماعز التى تم جز صوفها. والصوف يرمز إلى شهوات العالم المادية، أى أن الماعز وهو المؤمن قد مات عن شهوات الجسد ليحيا لله. ونلاحظ أن الكهنة فى العهد القديم كانوا لا يلبسون الصوف، إذ يرمز لشهوات العالم، ويلبسون بدلاً منه الكتان (تث22: 11).
- إذا كانت العروس قد تم جز شعرها، أو صوفها، فهذا بالطبع لا يمكن أن ينطبق على أنثى يحبها عريسها الأرضى، فكيف تكون العروس محلوقة الرأس. فالكلام فى سفر النشيد كله رمزى، ويشير إلى معانى روحية لا مادية.
“الصادرة من الغسل”
الاغتسال يشير للنظافة، والتخلص من القاذورات، فيرمز للمعمودية التى تعطينا طبيعة جديدة نقية مائلة للخير. ويرمز أيضاً الغسل إلى سر التوبة والاعتراف، الذى يغسل عنا خطايانا، وينقينا.
“اللواتى كل واحدة متئم”
- “كل واحدة” يقصد بها النفس البشرية المؤمنة بالله. ومتئم تعنى :
أ – يجاهد ويقتنى فضائل كثيرة، فيصير كالنعجة (أنثى الخروف) التى تلد توأم، أى اثنين.
ب – المتئم ترمز إلى النفس التى تقبل الإيمان، ثم تكرز لغيرها فتأتى بآخرين، مثل السامرية (يو4: 29).
جـ- المتئم ترمز إلى أسرار الكنيسة التى يعمل فيها الروح القدس سرياً، ولها مظهرٌ مادىٌ، مثل الروح والماء فى سر المعمودية.
“ليس فيهن عقيم” :
كل مؤمن يخدم، ويكرز ويأتى بكثيرين، أى يلد بنين، ولا يعيش أنانياً، وبقوة الله يقتنى فضائل، ويؤثر فيمن حوله، ويخدمهم.
ع3: كسلكة : مثل سلكة، وهى الخيط الذى ينظم فيه الخرز.
القرمز : اللون الأحمر الداكن، وهو لون الدم.
كفلقة : نصف الشئ المفلوق، أو المشقوق.
“شفتاك كسلكة من القرمز” :
- الشفتان ترمزان لكلام العروس، وهو يشبه بالسلكة، فهو كلام رقيق لا يجرح أحداً، ولكن يوصل معانى روحية، ومشاعر طيبة رقيقة.
- السلكة تربط الخرز معاً فى هذا الخيط الواحد، فكلام العروس بناء يربط السامعين فى محبة واحدة.
- هاتان الشفتان لونهما قرمزى، أى أحمر، فهما تتكلمان بقوة المسيح الفادى، وتعلنان حبه، وخلاصه للبشرية. وراحاب الزانية عندما علقت الحبل القرمزى، نالت خلاصاً هى وأهل بيتها (يش2: 18).
“وفمك حلو” :
- فالكلام الخارج من فم العروس حلو، ومشبع للسامعين، إذ هو كلام الله اللذيذ، الذى يريح النفوس، ويشبعها بمحبة الله.
- النفوس التى تعانى من مرارة العالم، وأحزانه، ومشاكله، عندما تسمع كلام الله الحلو تستريح، وتتخلص من متاعبها، وبالتالى تحب هذه النفوس التى تحيا فى مرارة أن تسمع كلام العروس، أى النفس المؤمنة، وتلتصق بها، فتجذبها للعريس، الذى هو المسيح.
“خد كفلقة رمانة”
- الخد الذى لونه أحمر كفلقة الرمان يعلن حيوية العروس، فهى فى شباب روحى، ونشاط، وميل للعمل مع الله. واللون الأحمر أيضاً يرمز للخجل، فالعروس تتميز بالحياء فى رفض الشر، واحترام الغير، وخاصة الكبار، وكل إنسان روحى.
- فلقة الرمان فيها اللونين الأحمر والأبيض، وهما يرمزان للحيوية (الأحمر) والنقاوة (الأبيض). فالعروس تحيا فى نقاوة واشتياق مستمر لعريسها المسيح.
- الرمانة لونها من الخارج نحاسى، وهو يرمز للقساوة، أما داخلها فهو أحمر وأبيض، وهو يرمز للحب والحيوية والنقاوة، ويسيل منها عصير يشبع النفوس، أى أنها بلا منظر من الخارج، أما من الداخل فهى مريحة ومشبعة. وهى بهذا تشبه عريسها المسيح، الذى لا صورة له ولا منظر من الخارج، لكنه فى الداخل مخلص العالم وإله الآلهة.
- كانت ملابس الكهنة فى العهد القديم، وكذا الهيكل يزين بأشكال الرمان (خر28: 33، 34، 1مل7: 18) وكذا الكنيسة، أو النفس المؤمنة تتزين بالفضائل.
“تحت نقابك” :
- النقاب يمثل الحشمة والحياء الذى تتميز به العروس.
- النقاب يعلن أن مجد العروس وعظمتها فى الداخل، ولا يظهر فى الخارج، بل يراها الله، ويفرح بها، ويعرفها أيضاً الروحانيون، وكل من يطلبون الحكمة، والتلمذة، والتعلم من المؤمنين.
- النقاب يعلن أن العروس متضعة تخفى فضائلها فى داخلها؛ لتكون ظاهرة أمام الله فقط.
ع4: مجن : هو الترس الكبير. والترس هو آلة دفاعية يستخدمها الجندى فى الحرب، وهو عبارة عن قطعة خشبية، لها عروة من الخلف، يدخل فيها الجندى يده، فيستطيع أن يحرك الخشبة أمام وجهه وجسده، ليحمى نفسه بها من السهام، وجمع الترس أتراس.
“عنقك كبرج داود المبنى للأسلحة”
عنق العروس مرتفع يشبه برج داود الذى عمله ليضع فيه أسلحة الحرب التى لجيشه. وهذا يحمل معانى روحية رمزية هى :
- العنق المرتفع أحد علامات الجمال فى المرأة، فهذا يؤكد أن عروسه جميلة.
- العنق المرتفع يشير إلى الارتفاع للسماء، فالعروس فكرها سماوى.
- العنق يربط الرأس بالجسد، والرأس هو المسيح، والجسد هو الكنيسة، فالعنق يشير إلى ارتباط، واتحاد المسيح بكنيسته من خلال العروس المملوءة إيماناً، أى أن الكنيسة مملوءة إيماناً بعريسها.
- العنق مستقيم مرتفع، فيرمز إلى حياة الاستقامة والسلوك السليم.
- العنق هو بيت للأسلحة، وهذا يرمز للنفس المؤمنة، أى العروس المدعمة بالأسلحة الروحية للانتصار على الشيطان كما قال بولس الرسول (2كو10: 4). وهذا يبين أن العروس تجاهد روحياً، ولا تتكاسل، وهذا هو سر جمالها.
“ألف مجن علق عليه، كلها أتراس الجبابرة” :
يلاحظ فى المجن والأتراس المعلقة على هذا البرج ما يلى :
- عددها ألف ، ومعناها أنها أسلحة كثيرة، فالعروس لها جهاد كبير. بالإضافة إلى أن رقم 1000 يرمز للسماء، أى أن جهادها الروحى يقربها للسماء، ويعدها للوجود فيها.
- العروس، أى الكنيسة تستخدم المجن والترس، أى آلات دفاعية كبيرة وصغيرة، فهى تجاهد فى حروب كثيرة ضد الشيطان، صغيرة، أو كبيرة، وتنتصر بقوة المسيح.
- العروس مسالمة، وليست عدوانية، فهى تدافع عن نفسها ضد كل خطية باستخدام الآلات الدفاعية، ولكنها لا تريد أن تهاجم، أو تصنع شراً.
- كان المحاربون بعد عودتهم من الحرب، وانتصارهم فيها يعلقون الأسلحة ويحتفظون بها. وهؤلاء المجاهدون جبابرة، أى عظماء فى جهادهم الروحى، وهم القديسون. وهذا كله معناه أن الله يسند أولاده، وينصرهم على الشياطين مهما كانت قوية، وأيضاً على الإنسان أن يحتفظ بتذكارات انتصاراته السابقة؛ ليشكر الله عليها، ويتشدد فى جهاده ضد الحروب التى تأتى عليه.
ع5: خشفتى ظبية : مثنى خشفة، وهى مولود الظبية ذكراً، أو أنثى عند ولادته.
يصف العروس بأن ثدييها خشفتا ظبية توأمان، وترعى بين أزهار السوسن، وهذا يظهر فيما يلى :
- الثدى هو ما يرضع منه الطفـل الصغير، وهو يشير إلى كلمة الله فى الكتاب المقدس، الذى يغذى أبناء الكنيسة. وهم السوسن؛ لأنه قد تشبه بالعريس السوسن (ص2: 1).
- الثديان توأمان ويرمزان للعهدين القديم والجديد فى الكتاب المقدس. وهما توأمان؛ لأن العهد القديم يتنبأ عن العهد الجديد، أى المسيح المتجسد الفادى. وكلا العهدان هما من وحى الروح القدس؛ أى أن الروح القدس الواحد يعمل فى العروس، فتغذى المؤمنين بكلمات الكتاب المقدس بعهديه. وهذا يؤكد أهمية قراءة العهدين، والتلمذة عليهما.
- الثديان التوأمان يرمزان لجسد المسيح، ودمه اللذان يغذيان أولاد الله فى الكنسية.
ع6: يفيح : تنتشر رائحته، وهذا ينطبق على الزهور، ولكن هنا يقصد ظهور نور النهار.
“إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال” :
تحدث العروس عريسها، وتقول له :
- إلى أن يفيح النهار، أى حتى يظهر نور الأبدية، وأترك هذا العالم، وأصل إلى الملكوت.
- “وتنهزم الظلال”، أى تنتهى أحداث الحياة التى هى ظلال للأبدية، وفيها يظهر الله، كما فى مرآة، ولكن هناك فى الملكوت نراه وجهاً لوجه.
- انهزام الظلال ، أى التخلص من كل ظلمة فى العالم، التى ترتبط بالخطية، والمقصود حتى تنتصر العروس على كل الخطايا التى تحاربها؛ لترتفع إلى السماء، إذ أن العروس كلما سارت مع عريسها تكتشف بطلان العالم، وكل ما فيه من مباهج أو إغراءات.
“اذهب إلى جبل المر وتل اللبان” :
- تعلن العروس أنها ستمر على جبل المر، أى تحتمل آلام الجهاد الروحى، ومرارة التعب لأجل المسيح الذى صلب عنها، فهى تحبه ومستعدة أن تصعد إلى الجبل لترتفع إليه، وتحتمل كل الأتعاب مستندة على قوته، وتصل به إليه.
- تل اللبان يرمز إلى الصلوات المرفوعة أمام الله، أى أن العروس تعد عريسها أن تجاهد فى الصلوات، وتحتمل التغصب وعناد الجسد؛ لترفع قلبها إليه.
- تل اللبان أيضاً هو كل جهاد روحى ليس فقط فى الصلوات والتسابيح، بل أيضاً فى خدمة الرب وجذب النفوس إليه. فالعروس مستعدة أن تصعد التل لأجل محبتها لعريسها.
نلاحظ أن الجبل أعلى من التل، فهى تحتمل الارتفاع إلى قمة الجبل، وحينئذ يمكنها أن تكمل وتصعد التل أيضاً؛ تل الصلوات والتسابيح والخدمات.
ع7: يمتدح العريس عروسه بهذه الكلمات التى يظهر فيها ما يلى :
- يرى العريس أن كل ما فى عروسه، وهى النفس المؤمنة جميل، ليس فيها عيب؛ مع أن هذا غير منطقى أن يكون الإنسان بلا عيب، ولكن إذ نظر المسيح إلى هذه النفس المحبة له، والتى ذهبت معه إلى جبل المر، وتل اللبان، واحتملت آلاماً كثيرة ورفعت صلوات أمامه، فيراها جميلة جداً فى هذا الموقف، الذى كانت فيه بلا عيب، وبعين الحب يراها كلها جميلة.
- ويركز العريس على المواقف الروحية الحلوة من عروسه، فيراها جميلة وبلا عيب دائماً؛ حتى أنه يحكم عليها عموماً ويقول أن كلها جميلة وبلا عيب.
- العروس تجاهد فى حياتها الروحية، فتظهر بلا عيب خارجى، وإن كان فيها عيوب داخلية فى الفكر والمشاعر، كما يشترط فى الأسقف أن يكون بلا لوم (1تى3: 2)، فلذا يفرح العريس بجهادها، ويمدحها بأن كلها جميل وبلا عيب؛ حتى تتنقى من عيوبها الداخلية.
- ينظر العريس إلى عروسه – وهى الكنيسة – فيرى القديسين، والشهداء فى شكل جميل وعظيم، فيفرح بكنيسته ويمتدحها أن كلها جميل وبلا عيب؛ لتكمل رعايتها لباقى أولادها. فالكنيسة جميلة جداً بالمؤمنين العظماء الذين فيها، وليس فيهم عيب.
- ينظر العريس إلى عروسه التى تقتنى فضائل كثيرة، وإن أخطأت تسرع إلى التوبة والتناول من جسده ودمه، فتصير كلها جميل وبلا عيب.
إن المسيح ينظر إليك يا نفسى بعين الحب، ويتمنى أن تتجاوبى معه فى صلوات وتأملات، وتعملى الخير من أجله؛ حتى يمتدحك ويشجعك أكثر لأنه أعد لك مكاناً عظيماً فى الملكوت. فلا تتكاسلى بل قومى بنشاط لتفرحى عريسك.
(2) العروس المجاهدة الخادمة (ع8-15):
8هَلُمِّي مَعِي مِنْ لُبْنَانَ يَا عَرُوسُ، مَعِي مِنْ لُبْنَانَ! انْظُرِي مِنْ رَأْسِ أَمَانَةَ، مِنْ رَأْسِ شَنِيرَ وَحَرْمُونَ، مِنْ خُدُورِ الأُسُودِ، مِنْ جِبَالِ النُّمُورِ.9قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ. قَدْ سَبَيْتِ قَلْبِي بِإِحْدَى عَيْنَيْكِ، بِقَلاَدَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ عُنُقِكِ.10مَا أَحْسَنَ حُبَّكِ يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ! كَمْ مَحَبَّتُكِ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ! وَكَمْ رَائِحَةُ أَدْهَانِكِ أَطْيَبُ مِنْ كُلِّ الأَطْيَابِ!11شَفَتَاكِ يَا عَرُوسُ تَقْطُرَانِ شَهْدًا. تَحْتَ لِسَانِكِ عَسَلٌ وَلَبَنٌ، وَرَائِحَةُ ثِيَابِكِ كَرَائِحَةِ لُبْنَانَ.12أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ، عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ، يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ.13أَغْرَاسُكِ فِرْدَوْسُ رُمَّانٍ مَعَ أَثْمَارٍ نَفِيسَةٍ، فَاغِيَةٍ وَنَارِدِينٍ.14نَارِدِينٍ وَكُرْكُمٍ. قَصَبِ الذَّرِيرَةِ وَقِرْفَةٍ، مَعَ كُلِّ عُودِ اللُّبَانِ. مُرٌّ وَعُودٌ مَعَ كُلِّ أَنْفَسِ الأَطْيَابِ.15يَنْبُوعُ جَنَّاتٍ، بِئْرُ مِيَاهٍ حَيَّةٍ، وَسُيُولٌ مِنْ لُبْنَانَ.
ع8 : رأس أمانة : هضبة فى جبل حرمون.
رأس شنير : شنير هو سنير وهو الاسم الذى أطلقه الأموريون على جبل حرمون.
حرمون : هو جبل فى لبنان فى الطرف الجنوبى لها، ويمتد مسافة حوالى ثمانية عشر ميلاً وله ثلاثة قمم ويرتفع عن سطح البحر بحوالى 2700 متراً.
“هلمى معى من لبنان يا عروس معى من لبنان” :
ينادى العريس عروسه أن تخرج معه من لبنان، ويؤكد هذا فى تكرار كلمة لبنان، فماذا يعنى ؟
- شركة واتحاد العريس مع عروسه، فهما يسيران معاً فى طريق الحياة، ولا تستغنى العروس أبداً عن عريسها، وعريسها يفرح بها، ويشبعها من حبه.
- لبنان تمثل الراحة والرفاهية، والخيرات الكثيرة، فالمسيح يدعو النفس المؤمنة به أن تخرج من تعلقها بماديات العالم، وتجاهد معه فى حياتها الروحية؛ لتختبر أعماقاً جديدة فى محبته. ولابد أن تخرج؛ لذا يكرر كلمة لبنان؛ لأن الشهوات والإغراءات كثيرة، يعرضها الشيطان على الإنسان.
- لبنان أيضاً تعنى اللبان، واحتراق اللبان ينتج البخور، فهى تشير إلى الصلاة. فالعريس ينادى عروسه أن تخرج من خلال الصلاة، أى بقوة واختبار الصلاة؛ لتختبر روحياً حمل الصليب وأمجاده، وهذا معناه استمرار العروس فى النمو الروحى وهى فى صحبة عريسها.
“انظرى من رأس أمانة”
يطلب العريس من عروسه أن تنظر من رأس أمانة، أى الإيمان. ورأس أمانة كما ذكرنا قمة جبل حرمون. وهذا معناه أن العروس ستصعد الجبل مع عريسها، وتحتمل آلام الصعود؛ لترتفع نحو السماء، وتبتعد عن تعلقات الأرض، ومن هنا تستطيع أن تنظر بعين الإيمان، فترى الله المختفى وراء خلائقه، بل وترى كل الخلائق صغيرة من فوق الجبل، فتشعر أن الله هو أهم شئ فى حياتها، وإذ تؤمن أنه معها لا تخاف من شئ.
“من رأس شنير”
شنير معناها المنير، وهذه القمة فى جبل حرمون تكون مغطاة بالثلج، وعندما تسطع عليها الشمس تعطى نوراً أبيضاَ جميلاً، وهذا معناه أن العريس يطلب من عروسه أن تنظر نظرة نورانية إلى كل ما حولها، بل وتستنير روحياً؛ لترى الله المنير فى كل نفس، بل وكل خليقة حولها.
“وحرمون”
حرمون هو الجبل السابق ذكره ومعناه الحرمان. فالعريس يطلب من عروسه الزهد والنسك فى الماديات، فعندما تحرم نفسها من شهوات العالم تتفرغ لحبه وتتمتع به.
وحرمون أيضاً تعنى مقدس. فالعريس يقصد أن تنظر عروسه أيضاً بعين مقدسة إلى كل من حولها، فترى الكل طاهراً حولها، وتنظر إلى نفسها، فتراها مخصصة ومقدسة لعريسها، فلا تنشغل عنه بشئ من العالم.
“من خدور الأسود من جبال النمور”
بعد القمم الثلجية التى على جبال حرمون نجد أسفلها تنمو الغابات، والتى تكثر فيها الأسود والنمور، وهذا معناه ما يلى :
- أن تخرج العروس من شهوات العالم لتحيا بالإيمان والاستنارة والزهد، فتصير قوية فى جهادها، مثل الأسود والنمور، لا تخاف من شئ، وتدوس أعداءها الشياطين، فتتمتع بأعماق جديدة فى عشرة الله.
- يقصد أن تخرج النفس من وحشيتها وقساوة قلبها الناتجة عن خطيتها، التى ترمز إليها بالأسود والنمور؛ لتنظر بمحبة وأبوة روحية لكل من حولها.
- العريس يطلب من عروسه أن تخرج من لبنان التى ترمز لفترة التعزيات الروحية والتمتع بعمل النعمة، إلى الجهاد الروحى واحتمال التجارب، التى ترمز إليها الأسود والنمور، ولكنها ستختبر فى هذه المعاناة أعماقاً جديدة فى محبة الله.
ع9 : سبيتِ : أصبحت أسيراً لكِ، والمقصود تغلبت علىَّ.
قلادة : هى العقد الذى تلبسه المرأة حول عنقها.
يواصل العريس حديثه مع عروسه، فيقول لها أنها قد تغلبت عليه بإحدى عينيها، أو بقلادة واحدة وهذا معناه :
- عندما احتملت العروس آلام الجهاد الروحى، وتعبت كثيراً، نظرت إليه تستعطفه، وتطلب معونته، فلم يحتمل لأجل محبته الكثيرة، وأسرع إليها، ليسندها ويعزى قلبها.
- هذه الآلام التى احتملتها العروس جعلتها تتضع، فلم يحتمل الله اتضاعها، وأسرع إليها بحنانه؛ ليرفعها إليه.
- الإنسان له عيون خارجية، وعيون داخلية، والمقصود هنا العين الداخلية، أى عين النفس التى تتذلل، أو تتضع.
- القلادة ترمز لخضوع الرقبة، أو الإنسان كله لمن يقوده، وهو الله. وهذا الخضوع، وهذه الطاعة تعجب الله جداً، وتفرحه، فيتحرك قلبه الحنون مشفقاً على عروسه، ويساعدها. والمقصود بالسبى، أو تغلب النفس على عريسها إظهار مدى حنان العريس؛ حتى إنه يتأثر جداً بتذلل، أو خضوع، أو طاعة عروسه، وكأنه غُلب منها، فيفيض حبه عليها.
- عندما يقول قلادة واحدة، فهو يقصد لو أطاعت العروس وصية واحدة بأمانة، هذا يعجب العريس؛ لأجل أمانة عروسه، خاصة وأن الله سيساعدها، فتطيع باقى الوصايا تدريجياً. ويقصد أيضاً أنها إذا جاهدت لتقتنى فضيلة واحدة، هذا يفرح قلبه، وسيساعدها لاقتناء فضائل كثيرة.
- عندما ينادى العريس عروسه، ويلقبها “أختى”، فهو يعنى أنها صارت مثله، وتشبهه من كثرة وجودها معه، واتحادها به، وأيضاً لاحتمالها الآلام لأجله، لذا استحقت أن تدعى أخته. وهذا ما أكده المسيح فى العهد الجديد “لأن من يصنع مشيئة الله هو أخى وأختى وأمى” (مر3: 35).
ع10 : “ما أحسن حبك يا أختى العروس، كم محبتك أطيب من الخمر” :
يمتدح العريس حب عروسه، فيقول عنه :
- أن حبها حسن وأفضل من الخمر التى يشتهيها البشر، لتتوه نفوسهم عن العالم ومشاكله، وهو الناتج من اتضاعها، واحتمالها الآلام، وتوبتها؛ حتى أن هذا الحب يفرح قلب العريس، ويعجبه جداً.
- نلاحظ أن العروس فى (ص1: 2) أعلنت حبها لعريسها أفضل من الخمر، وعندما سلكت فى طريق الحب، واحتملت الآلام لأجله صار حبها عظيماً، فامتدحها العريس بنفس الكلمات أن حبها أفضل من الخمر. ومعنى هذا أن حبها هو تأثر بحبه، فصارت مثله، بل حبها عظيم، ونالته منه إذ أعطاها حبه، ثم مدحها عليه.
“وكم رائحة أدهانك أطيب من كل الأطياب” :
يمتدح العريس أيضاً الأطياب التى تضعها العروس على جسدها، يصفها بأنها أفضل من جميع أطياب العالم. لماذا ؟
- الأطياب التى على العروس هى من العريس، فهى بالطبع أفضل الأطياب.
- الأطياب التى تحلت بها العروس فى العهد الجديد أفضل من كل الأطياب السابقة لها، فذبيحة الجسد والدم أفضل من كل الذبائح والتقدمات فى العهد القديم، ودهن الميرون أفضل من جميع أدهان وزيوت العهد القديم.
- الفضائل المسيحية التى تتحلى بها النفس المؤمنة فى العهد الجديد أعمق وأعلى من كل الفضائل التى وردت فى العهد القديم، فالمسيح جاء ليكمل الشرائع التى فى العهد القديم.
ع11: شهداً : العسل المختلط بالشمع المأخوذ من خلايا النحل.
تقطران : ينزل منها قطرات.
“شفتاك يا عروس تقطران شهداً”
- العروس كلامها حلو هو كلام النعمة العامل فيها وهو كالشهد، أى حلو المذاق جداً، ويشبع من يتذوقه.
- هذه الكلمات التى للعروس أخذتها من عريسها، فبعشرتها له تأثرت به، ووهبها هذه الكلمات. كما يعد فى العهد الجديد، ويقول “أعطيكم فما وحكمة لا يقدر معانديكم أن يقاوموها، أو يناقضوها” (لو21: 15).
“تحت لسانك عسل ولبن”
- العروس وهى الكنيسة تعطى طعاماً لأبنائها بحسب أنواعهم، فالمبتدئين تعطيهم لبناً، والمتقدمين تعطيهم عسلاً، فيشبع الكل، ويشكر الله.
- الطعام الذى تعطيه الكنيسة لأولادها تعطيه فى الخفاء “تحت لسانك”، والمقصود عمل الروح القدس داخل النفس، والأسرار المقدسة التى تختفى وراء مظهر خارجى، مثل الخبز والخمر.
- الله وعد شعبه بأرض تفيض لبناً وعسلاً (خر33: 3)، ويقصد به غذاءً كاملاً دسماً. وتكرر ذكر العسل فى مواضع كثيرة (حز3: 3، مز119: 103).
- استقر الله مع شعبه، وباركهم فى أرض كنعان التى تفيض لبناً وعسلاً، فالله يستريح فى عروسه التى يراها مثل أرض كنعان تفيض لبناً وعسلاً.
“ورائحة ثيابك كرائحة لبنان”
- الثياب ترمز إلى مظهر الإنسان، وهى من لبنان، التى ترمز لخيرات الله الكثيرة، فالله يعطى عروسه نعماً روحية ومادية كثيرة.
- لبنان – كما ذكرنا – ترمز للبان، الذى يعطى بخوراً ورائحة طيبة، فرائحة ثياب العروس هى الصلوات العطرة، التى تفرح قلب الله.
- يقول بولس الرسول “ألبسوا الرب يسوع” (رو13: 14). فالنفس المؤمنة، ثيابها هى المسيح، الذى هو صانع الخيرات ومصدرها، الذى خلق لبنان بكل خيراتها، وعمل كل خير على الأرض.
- ثياب العروس التى هى المسيح رائحتها الذكية هى التى ظهرت على الصليب عندما قدم المسيح نفسه، فالعروس قد لبست المسيح، وكما اشتم الآب رائحة الابن الذكية على الصليب، هكذا يفرح الله برائحة ثياب العروس الباذلة حياتها لأجله.
ع12: “أختى العروس”
يصف المسيح النفس المؤمنة، ويلقبها أولاً بأختى؛ لأنها تشبهه فى كل تصرفاتها وأفكارها، كما ذكرنا فى (ع9).
“جنة مغلقة”
- الجنة المغلقة هى حديقة ذات ثمار، أى أن النفس المؤمنة بالله لها ثمار روحية هى الفضائل. وهذه الثمار تكون مرة فى البداية، أى تحتمل الآلام، ثم عندما تنضج تصير حلوة، أى تشعر بتعزيات وفرح من الله.
- الجنة مغلقة، أى لها أسوار، وسورها هو المسيح الذى يحميها؛ حتى تكون مكرسة له، ولا يدخلها العالم الشرير، فهى عروس له وحده، منشغلة بكل قلبها، وفكرها فيه.
- الأسوار التى تحيط بالجنة هى قانونها الروحى من صلوات، وأصوام، وقراءات فى الكتاب المقدس، وارتباط بالأسرار.
- الجنة المغلقة تعيش فى العالم، ولكنها لا تختلط بأفكاره، وأعماله الردية، كما قال المسيح فى صلاته الشفاعية “لأنكم لستم من العالم” (يو15: 19).
- الأسوار أيضاً التى تصنعها الجنة، أى النفس البشرية لنفسها؛ لتحتفظ بعذراويتها، وتكريس نفسها للمسيح، يكون عن طريق حفظ الوصايا.
- إن الجنة المغلقة هى النفس التى تضبط حواسها، وتسيج حولها، فتنظر إلى الله، ولا ترى سواه مهما رأت فى العالم، إذ تراه وراء كل شئ، وترى كل شئ من خلاله.
“عين مقفلة” :
- هذه العين عين ماء فى الجنة، مخصصة فقط لرى الجنة. والعين هى التناول من جسد الرب ودمه، وأيضاً كلمة الله، التى تروى وتشبع النفس.
- هذه العين مغلقة عن العالم، فلا تضيع طاقتها فى شهواته الشريرة، أو مشاغله، ومشاكله التى لا تنتهى.
- العريس بعينه الحلوة يرى عروسه جنة وعين وينبوع، ولا ينظر إلى خطاياها، فيشجعها أن تحيا له، ويغفر جميع خطاياها، بل يشجعها أيضاً أن تكون مكرسة قلبياً له.
- الخلاصة، أن النفس التى تريد أن تتمتع بالمسيح تكون مغلقة، ومقفلة، ومختومة له، فهو وحده الذى يملك عليها، وينشغل قلبها، وفكرها به، وتحبه بكل قدرتها
(تث6: 5؛ مت22: 37)
ع13، 14: “أغراسك فردوس رمان” :
- الجنة السابق ذكرها فى الآية السابقة فيها نباتات هى الأغراس، أى النباتات المغروسة فى الأرض، سواء كانت نباتات صغيرة، أو أشجار كبيرة، من أهم هذه الأغراس شجر الرمان. والرمان عبارة عن حبات حمراء اللون ترمز إلى دم المسيح الفادى، أى أن ثمار العروس ثمار الحب الباذل.
- الفردوس هو الجنة، أو الحديقة الكبيرة المملوءة بأشجار الرمان. والرمان إلى جانب اللون الأحمر نجد فيه اللون الأبيض بين الفصوص، وهو يرمز للنقاوة والبهاء.
- الرمان يرمز للوحدانية، إذ توجد فى داخل الثمرة حبات كثيرة، ولكنها مترابطة معاً، ومغلفة بغلاف واحد، فهى ترمز للمؤمنين فى الكنيسة، المتحدين فى المسيح، وترمز للنفس البشرية، التى يترابط فيها كل حواسها، وإمكانياتها، لتكون لمجد المسيح عريسها.
“أثمار نفيسة فاغية وناردين ناردين”
- الجنة، أو الفردوس مملوء بالأشجار ليس فقط الرمان، بل أثمار أخرى نفيسة، أى غالية فى الثمن، وهذا يرمز إلى أن نفوس المؤمنين غالية فى نظر عريسها السماوى المسيح.
- الفاغية هى أشجار ذات رائحة ذكية، والناردين هو نباتات تنمو فى الهند، يستخرج منها زيت ذو رائحة طيبة يستخدم فى العطور. وهذه النباتات ترمز لنفوس المؤمنين التى لها رائحة المسيح الذكية فى فضائل متنوعة.
- تتكرر كلمة ناردين فى بداية (ع14) لتؤكد أهمية الفضائل، التى يتميز بها المؤمنون.
“وكركم قصب الذريرة وقرفة” :
- الكركم هو نبات الزعفران، ويؤخذ منه مادة الكركم التى لونها أصفر، ورائحتها ذكية، وتضاف للأطعمة لتكسبها لون وطعم متميز، مثل الأرز والحلويات.
- قصب الذريرة هو نوع من الطيب العطر، وهو من مكونات المسحة فى العهد القديم (خر30: 23)، وهو مثل الكركم يرمز لنفوس المؤمنين ذات الرائحة الذكية، وهى الفضائل.
- القرفة نبات ذات رائحة عطرية، وهى من مكونات المسحة، مثل قصب الذريرة، وتستخدم فى بعض الأدوية، وترمز أيضا إلى رائحة المؤمنين الذكية.
“مع كل عود اللبان مر وعود مع كل أنفس الأطياب”
- اللبان عند حرقه يعطى رائحة ذكية، وهو البخور المستخدم فى الكنيسة، ويرمز أيضاً لرائحة المؤمنين الذكية. والتى تظهر فى صلواتهم.
- مر وعود هى نباتات ذات رائحة ذكية، ولكن طعمها مر، وهى ترمز للنفوس المؤمنة التى تحتمل آلام لأجل المسيح، فتظهر رائحتها الذكية فى فضائل المحبة والاحتمال، وطول الأناة.
- مع كل أنفس الأطياب، والمقصود وجود نباتات كثيرة متنوعة، ذات رائحة طيبة، وغالية الثمن، كلها تشير إلى الفضائل التى يتحلى بها المؤمنون فى الكنيسة. وكلمة كل، تشير إلى تكامل الروائح الذكية فى الكنيسة، فلا تنقصها شئ، وأيضاً يهب الله النفس المؤمنة فضائل متنوعة، فتكون شخصية روحية متكاملة.
ع15: يواصل العريس كلامه، ويصف العروس بما يلى :
“ينبوع جنات”
وهذا معناه :
- أن العروس ينبوع ماء يسقى النباتات والأشجار، أى يعمل فيها الروح القدس، فتفيض حباً على الآخرين.
- جنات هى جمع جنة، أى حدائق كثيرة، فالعروس نور للعالم، وملح للأرض، وبحياتها الروحية تجذب كثيرين للإيمان، وتقدم خدمة، ومحبة وتعب لأجل كل محتاج، فهى لا تهتم بشخص واحد، بل بكثيرين، ولذا يقول جنات.
- هذا الينبوع يروى الحدائق، فتعطى ثماراً هى ثمار الروح القدس التى تظهر فى الناس الذين تخدمهم العروس.
- مما سبق نرى أن العروس صارت مثل عريسها ينبوع يفيض على الآخرين يرويهم ويشبعهم.
“بئر مياه حية”
يصف العروس أيضاً بهذا الوصف لما يلى :
- أنها مصدر لمياه حية، أى جارية، وغير راكدة، أو فيها أى فساد، فهى مياه حلوة تسقى النباتات والأشجار.
- البئر عميقة، وترمز إلى عمق العروس الروحى.
- أعلن المسيح أن المؤمنين به تجرى من بطونهم أنهار ماء حية (يو7: 38)، أى لا يشبعوا فقط، بل يفيضوا على الآخرين، ويشبعوهم، ويجذبوهم للعريس المسيح.
“وسيول من لبنان”
وهذه تعنى :
- تتميز لبنان بالجبال العالية التى تغطيها الثلوج، وعندما تغطيها هذه الثلوج تتحول إلى سيول من المياه، تفيض وتروى النباتات المزروعة على الجبل وفى أسفله. وهى ترمز للعطايا السماوية النازلة من فوق من عند الله.
- هذه السيول تعلن أن العروس سماوية تسلك سلوكاً روحياً يظهر فى حبها وعلاقتها مع كل من حولها، فهى تحيا السماء على الأرض، وتجذب النفوس للملكوت، فتحول الأرض إلى سماء.
- قومى يا نفسى من تكاسلك، وانشغالك بالأرضيات لتتبعى عريسك السماوى، وتتمتعى بالوجود معه فى صلوات، وقراءات تحول حياتك للسماء، فترتفعى عن خطايا الأرض، وتفرحى، بل وتجذبى النفوس للمسيح.
(3) العروس المثمرة (ع16):
16اِسْتَيْقِظِي يَا رِيحَ الشَّمَالِ، وَتَعَالَيْ يَا رِيحَ الْجَنُوبِ! هَبِّي عَلَى جَنَّتِي فَتَقْطُرَ أَطْيَابُهَا. لِيَأْتِ حَبِيبِي إِلَى جَنَّتِهِ وَيَأْكُلْ ثَمَرَهُ النَّفِيسَ.
تقطر : تنزل منها قطرات.
تنادى العروس عريسها، وتجاوبه على كلامه السابق فى (ع8-15)، وتقول له :
“استيقظى يا ريح الشمال وتعالى يا ريح الجنوب هبى على جنتى فتقطر أطيابها”
نرى فى كلام العروس ما يلى :
- كلمة ريح معناها روح، فتنادى العروس على روح الله القدوس، أى روح عريسها، ليهب عليها، أى جنتها من الشمال ومن الجنوب، أى من كل ناحية، ويعمل فيها، فتنتج أزهاراً ذات رائحة طيبة، ويسيل منها قطرات من العطر ذو الرائحة الجيدة، أى الأطياب، فيفرح بها عريسها، بل ويتمتع بها كل من حولها، وينجذبوا إلى العريس، الذى أنتج منها هذه الأطياب.
- ريح الشمال، وريح الجنوب هى الظروف المحيطة والتجارب التى تهب على النفس. فالعروس لم تعد منزعجة من التجارب والآلام، لأن عريسها يسندها، بل يحول التجارب إلى بركات تظهر فضائلها ذات رائحة طيبة، فيفرح بها عريسها، وكذلك كل أحبائها.
- عندما تهب الرياح تسيل مياه الأمطار كما يخبرنا المزمور (مز147: 18). وتقطر الأطياب، أى تسيل دموع التوبة ذات الرائحة الطيبة أمام الله. فعمل الروح القدس ينزل الأمطار، أى الدموع، وتتحرك النفس فى توبة تفرح قلب الله؛ لأنها تنقى النفس، ويغفر الله كل خطاياها. وإذ تنادى النفس استيقظى .. وتعالى .. فالعروس تطلب عمل الروح القدس المستمر؛ لتحيا فى توبة دائمة.
“ليأتى حبيبى إلى جنته ويأكل ثمره النفيس”
تواصل العروس كلامها مع عريسها، وتقول له :
- لينزل حبيبى إلى جنته، فهى تنادى المسيح ليتجسد ويفديها؛ لينزل من السماء، وليؤسس كنيسته بالصليب، وعمل روحه القدوس، ويحتضن كل المؤمنين به، ويجعلهم أعضاء فى بيعته. فالعروس لا تستطيع أن تصعد إليه؛ لذا تترجاه أن ينزل إليها، وهو باتضاعه يستجيب لها.
- لينزل العريس بعروسه إلى ماء المعمودية، وكما غطس فى نهر الأردن، تغطس هى أيضاً فى ماء المعمودية؛ لتنال طبيعة جديدة فيه.
- لينزل العريس من على الصليب، بعد أن تمم الفداء إلى القبر؛ ليميت الموت بموته، ثم يقوم ليقيم عروسه فيه.
- إذ اشترى العريس عروسه بدمه أصبحت جنته، وليست جنتها، فهى تحيا له، ويعمل فيها بروحه القدوس، ويرى فضائلها التى أثمرها فيها، فيأكل منها، ويفرح بطاعة عروسه، وتجاوبها معه.
- تنادى العروس عريسها لينزل إليها فى مجيئه الثانى، ويرفعها إلى السماء، إذ يرى فضائلها، وثمار عمله فيها، فيمتعها بحبه إلى الأبد فى الملكوت.
قدر ما تخضعى يا نفسى لعريسك يعمل فيك، فيهبك فضائل كثيرة، ويمتعك بعشرته على الأرض، ثم يفرحك بالحياة الأبدية معه فى الملكوت. فأطيعى وصاياه، واقبلى كل التجارب، وتمسكى به، فتتمتعى بعمله فيك.