أشواق العروسين
(1) العريس يصف عروسه (ع1-9):
1مَا أَجْمَلَ رِجْلَيْكِ بِالنَّعْلَيْنِ يَا بِنْتَ الْكَرِيمِ! دَوَائِرُ فَخْذَيْكِ مِثْلُ الْحَلِيِّ، صَنْعَةِ يَدَيْ صَنَّاعٍ.
2سُرَّتُكِ كَأْسٌ مُدَوَّرَةٌ، لاَ يُعْوِزُهَا شَرَابٌ مَمْزُوجٌ. بَطْنُكِ صُبْرَةُ حِنْطَةٍ مُسَيَّجَةٌ بِالسَّوْسَنِ.
3ثَدْيَاكِ كَخَشْفَتَيْنِ، تَوْأَمَيْ ظَبْيَةٍ.4عُنُقُكِ كَبُرْجٍ مِنْ عَاجٍ. عَيْنَاكِ كَالْبِرَكِ فِي حَشْبُونَ عِنْدَ بَابِ بَثِّ رَبِّيمَ. أَنْفُكِ كَبُرْجِ لُبْنَانَ النَّاظِرِ تُجَاهَ دِمَشْقَ.5رَأْسُكِ عَلَيْكِ مِثْلُ الْكَرْمَلِ، وَشَعْرُ رَأْسِكِ كَأُرْجُوَانٍ. مَلِكٌ قَدْ أُسِرَ بِالْخُصَلِ.6مَا أَجْمَلَكِ وَمَا أَحْلاَكِ أَيَّتُهَا الْحَبِيبَةُ بِاللَّذَّاتِ!7قَامَتُكِ هذِهِ شَبِيهَةٌ بِالنَّخْلَةِ، وَثَدْيَاكِ بِالْعَنَاقِيدِ.8قُلْتُ: «إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى النَّخْلَةِ وَأُمْسِكُ بِعُذُوقِهَا». وَتَكُونُ ثَدْيَاكِ كَعَنَاقِيدِ الْكَرْمِ، وَرَائِحَةُ أَنْفِكِ كَالتُّفَّاحِ،9وَحَنَكُكِ كَأَجْوَدِ الْخَمْرِ.
ع1: “ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الكريم”
- يصف العريس عروسه مبتدئاً من أسفل، أى الرجلين اللتين تسيران على الأرض، فتمثلان السير فى طريق الله للوصول إلى الملكوت، ثم ترتفع تدريجياً حتى تصل إلى الرأس. وعندما تكلمت العروس عن عريسها بدأت برأسه (ص5: 11)؛ لأنه فى السماء ونزل إلى الأرض، فبدأت من فوق، ثم نزلت إلى أسفل.
- الرجلان جميلتان لأنهما يلبسان نعلين. والنعلان لهما فوائد كثيرة أهمها :
أ – تحميان الرجلين من أشواك العالم؛ لأن آدم عندما سقط أعطته الأرض شوكاً وحسكاً، فالأشواك ترمز للتجارب، والنعلان يحميان الرجلين من هذه الأشواك، أى من التجارب، فتجتاز التجارب بنجاح وسلام بمعونة الله.
ب – النعلان يرمزان للكتاب المقدس؛ لأن فى العهد الجديد يدعونا بولس الرسول إلى التسلح بالأسلحة الروحية، ومنها أن نكون “حاذين أرجلكم باستعداد انجيل السلام” (اف6: 15). فالنعلان يرمزان لطاعة الكتاب المقدس، والسعى فى طريق السلام مع الجميع.
جـ- النعلان يصنعان من جلود الحيوانات الميتة، فيرمزان إلى الموت مع المسيح عن شهوات العالم، فننال حريتنا بالصليب، ونسلك فى حرية مجد أولاد الله.
د – النعلان يساعدان الإنسان على السير فى الطريق المستقيم حتى لو كانت الأرض فيها قلاقل، أو أحجار، أو أشواك، وتساعد على مواصلة السير وسط العوائق، أى تساعد على الجهاد الروحى فى طريق الله، ووصاياه.
- يصف العريس عروسه بأنها بنت الكريم؛ لأن العروس كانت قد سقطت فى الخطية والفتور، وابتعدت عن الله، ولكن بالتوبة استعادت بنوتها للكريم الذى هو الله.
“دوائر فخذيك مثل الحلى صنعة يدى صناع”
- دوائر الفخذين هى المفاصل التى تربط الفخذين بالقدمين، وبباقى الجسم، وهى تساعد الإنسان على السير، وتجعل الرجلين فى وحدانية بكل أجزائها، أى الفخذين والساقين، والقدمين، وتجعلها فى وحدانية مع الجسم كله، فتربط الإنسان، وتقوده إلى الطريق الذى يريده، وهو طريق الله.
- هذه الدوائر مثل الحلى فهى غالية وعظيمة من أجل أهمية عملها، وهى دقيقة فى خلقتها، لتستطيع أن تقوم بربط أجزاء لجسم معاً، فالدوائر مكرمة لأجل عملها العظيم.
- هذه الدوائر صنعة يدى صناع، وهو الله الخالق، الذى خلقها بهذه الدقة. ويصعب جداً محاكاة هذه المفاصل، ورغم التقدم العلمى الذى يستطيع أن يصنع مفاصل صناعية، ولكن لا يمكن أن تكون فى أدائها مثل المفاصل الطبيعية التى خلقها الله، وهذا يبين عمل النعمة، وقوة الله المساندة للإنسان. وفى قصة صراع يعقوب أب الآباء، عندما ضربه الله على حق فخذه، وصار ضعيفاً فى مشيه بعد هذا؛ ليتأكد أن كل ما عنده من بركات هو من قوة الله، وليس من جسده، أو عقله.
ع2: صبرة : كومة.
مسيجة : محاطة.
“سرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج” :
- السرة هى المكان الذى فى وسط البطن، ومنه كان ارتباط الطفل بجسد أمه، حيث يتغذى منها. وقطع السرة يرمز إلى قطع العلاقة بشهوات العالم، فيصير الإنسان ابناً لله، يتغذى غذاءً روحياً منه.
- يشبه السرة بكأس مستديرة لا تحتاج إلى شراب ممزوج، أى لا تحتاج إلى شئ من شهوات العالم، ومشروباته مثل الخمر؛ لأنها تجد فرحها فى المسيح وليس فى العالم.
- هذه السرة مستديرة، مثل الأبدية التى لا نهاية لها. وهذا يرمز إلى أن العروس دخلت فى التفكير السماوى الأبدى، وارتفعت عن الماديات الزائلة، والشهوات الفانية، أى تغلبت الروحيات، وصارت قائدة للإنسان، فلا يحتاج إلا إلى ضرورياته الجسدية، ولكن قلبه وفكره أصبح متعلقاً بالله والسماء.
“بطنك صبرة حنطة مسيجة بالسوسن” :
- بطن العروس، وهى تعنى أحشاءها، يشبهها بصبرة حنطة، أى كومة من القمح، وهذا معناه أنها فى حالة شبع ، ليس فقط بالماديات، بل بالأحرى بالروحيات، لأن الحنطة هى التى تتحول إلى جسد المسيح، فهى فى حالة شبع بالمسيح.
- هذه البطن مسيجة بالسوسن، وهو زهر جميل سبق الكلام عنه، عندما أعلن العريس أنه هو السوسن (ص2: 1)، ثم فاض بحبه وتأثيره على العروس فصارت هى أيضاً سوسنة (ص2: 2)، فالبطن مسيجة بأزهار السوسن الجميلة، أى أن العروس من الخارج جميلة، وأحشاؤها من الداخل فى شبع كبير بالمسيح الحنطة الساكن فيها.
- السوسن – كما قلنا – يرمز للمسيح العريس، فهو ظاهر من الخارج، وهو أيضاً الحنطة الساكن فى داخل البطن، فالمسيح فى الداخل والخارج، أى هو كل حياة العروس.
- قد يرمز السوسن أيضاً إلى المؤمنين الذين جذبتهم العروس للمسيح، فالعروس أحشاؤها ممتلئة بالحنطة أى المسيح، وجذبت حولها المؤمنين، ليعيشوا جميعاً فى محبة المسيح، وهى مازالت تحدثهم عن المسيح الساكن فيها، فيشبعوا معها بحبه.
ع3: سبق شرح هذه الآية فى (ص4: 5)، وخلاصة المعنى، أن الثديين هما ابنى الظبية اللذين يغذيان النفوس المحيطة بهما، وهما الكتاب المقدس، وجسد المسيح ودمه.
ع4: حشبون : مدينة للمؤابيين استولى عليها بنو إسرائيل، وتقع شرق نهر الأردن، ومعنى اسمها حساب.
بث ربيم : كلمة عبرية معناها بنت الجموع.
“عنقك كبرج من عاج”
يصف العريس عنق عروسه بأنها برج من عاج، وهذا يعنى :
- رأسها مرتفع نحو السماء، فهى لها الفكر والحياة السماوية.
- العاج يؤخذ من الفيل بعد موته، فهو يرمز للموت عن الخطية، وعن شهوات العالم، هكذا أيضاً العروس تموت عن الخطية لتحيا للبر.
- تنزع أنياب الفيلة بقتلها، فهذا يرمز لاحتمال الألم؛ حتى الموت، فالعروس التى تحتمل فى جهادها الروحى آلاماً كثيرة حتى الموت هى العروس الحقيقية، وذلك لأنها تقدم حياتها للمسيح الذى مات لأجلها.
- العاج مادة قوية، ترمز للصلابة الروحية، والإيمان الثابت القوى.
- العاج لونه جميل، يرمز للبهاء والنقاوة التى تتميز بها النفس المؤمنة.
- البرج مرتفع يستخدم فى المراقبة أثناء الحرب، ويرمز للاستعداد واليقظة الروحية، والتى تؤدى إلى الانتصار على الأعداء، أى النصرة فى الحروب الروحية.
- سبق الحديث عن عنق العروس وتشبيهها ببرج داود المبنى للأسلحة (راجع ص4: 4).
“عيناك كالبرك فى حشبون عند باب بث ربيم”
يصف العريس أيضاً عينى عروسه بما يلى :
- العيون تشير إلى النظر نحو ما حولها، وهذا يرمز للسهر الروحى.
- يشبه العريس عينيها بالبرك التى هى مجتمعات مياه هادئة، ليس فيها أمواج البحر، أى الاضطراب، فتشير للنفس الهادئة، وليس فيها فقاقيع هواء، أى الحياة السطحية، وداخلها أجوف بالغ العمق. والخلاصة هى النفس المؤمنة الهادئة العميقة.
- البرك مسطح مائى ومفتوح لأشعة الشمس، وترمز للنفس التى تنظر إلى الله شمس البر، وتتأثر بالأشعة الحارة التى تأتى إليها فتدفئها، فهى نفس مؤمنة بالله تنظر إليه، وتخضع لعمله فيها، أى تمتلئ بعمل الروح القدس.
- البرك مجتمع مياه متسع تعيش فيه الأسماك، فهى ترمز للنفس المتسعة بالحب لكل البشر الذين يأتون إليها، ويعيشون فى محبتها.
- حشبون مدينة تقع شرق نهر الأردن، عند مفترق طرق، أى يأتى إليها أناس كثيرون، وهذا يرمز لاتساع قلبها وترحيبها بالكل. ولكن فى نفس الوقت معنى اسمها حساب، فهى ترمز للتدقيق، ولا تفتح قلبها لأى شر.
- حشبون هى إحدى مدن الملجأ الستة التى يلتجئ إليها القاتل إذا قتل إنساناً دون قصد؛ ليحيا فى أمان، فهى ترمز للنفس المؤمنة التى يلتجئ إليها الضعفاء؛ ليجدوا حياتهم فى أحضانها.
- باب بث ربيم هو أحد أبواب حشبون، ومعنى بث ربيم ابنة الجموع، وهذا يرمز إلى اتساع قلب النفس المؤمنة للجموع، أى كل البشر، فتعطى حبها للكل وتساعدهم على خلاص نفوسهم.
“أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق” :
يصف العريس لأول مرة أنف عروسه. فبماذا يصفها ؟
- أنها برج، أى مرتفعة نحو السماء، وتعلن الحق دون خوف من أحد؛ لأنها تفكر تفكير سماوى نقى، فتتسطيع أن تميز، وتتكلم أيضاً بشجاعة وقوة. وارتفاعها كبرج يعنى أيضاً تمييزها العالى الدقيق.
- لبنان وهى كلمة مأخذوة من لبان، أى بخور، فترمز لبنان للصلاة، أى أن العروس تعتمد على الصلاة، لتميز بين الخير والشر.
- الناظر تجاه دمشق يعنى القدرة على تمييز كل ما فى العالم؛ لأن دمشق مدينة تجارية معروفة يأتى إليها الكثيرون من كل اتجاه، فالعروس تستطيع أن تميز وسط زحام العالم ما هو للخير، وما هو للشر.
ع5: “رأسك عليك مثل الكرمل” :
يصف العريس رأس عروسه بما يلى :
- مثل الكرمل، وهو جبل ارتفاعه حوالى 700 متر. وهذا يرمز للشموخ، والقوة، والثبات فى الحياة الروحية.
- كلمة الكرمل معناها “مثمر”، وهذا يرمز إلى أن النفس مثمرة بالفضائل.
- فى جبل الكرمل ذهبت المرأة الشونمية إلى أليشع ليقيم ابنها الميت (2مل4: 25). وهذا يرمز إلى اهتمام النفس المؤمنة بخدمة وخلاص نفوس من حولها، فتصلى لأجلهم، وتطلب الشفاء والحياة لهم.
- فى جبل الكرمل أعلن إيليا للشعب ضرورة أن يعلنوا إيمانهم، إما بالله، أو البعل، ولا يعرجوا بين الفرقتين، وهناك أنزل الله ناراً من السماء وأكلت ذبيحة إيليا، وقتل أنبياء البعل (1مل18: 19-40)، وهذا يرمز إلى أهمية أن تحيا النفس المؤمنة مع الله، وترفض الشر، وتزيله من داخلها، فتقتل بقوة الله الشهوات الردية التى فيها.
- فى الكرمل أيضاً طلب إيليا نزول المطر بعد انقطاعه ثلاث سنين ونصف، فنزل بغزارة، وهذا يرمز إلى طلب النفس المؤمنة الخيرات من الله لأجل من حولها، بعد أن تابوا، وشعروا بحاجتهم إلى الله.
“وشعر رأسك كأرجوان” :
يصف العريس شعر عروسه، فيقول :
- الشعر يرمز للمؤمنين الكثيرين المرتبطين، والملتصقين بالرأس ولا حياة لهم بعيداً عنها، والرأس هو المسيح (أف4: 15).
- الأرجوان هو اللون القرمزى الذى كان يلبسه الملوك، وهو يبين أن العروس بالتصاقها بعريسها صارت ملكة فى تملكها على نفسها بالمسيح، وضبط شهواتها، ورفض الخطية، وتمتعها بسكنى المسيح فيها.
“ملك قد أسر بالخصل”
يصف العريس جمال العروس فيقول :
- المؤمنون التصقوا معاً فى وحدانية كخصل الشعر، وهذا يرمز لوحدانية المؤمنين فى محبتهم وإيمانهم بالمسيح.
- الملك الذى هو العريس، أو المسيح قد أسرته العروس بجمالها، وفضائلها، فتعلق قلبه بها، وهذا اتضاع عجيب من الله، ومحبة فائقة أن يعلن تعلقه بعروسه، فهو سر جمالها، وقد جعلها جذابة له، وبالتالى للنفوس المحيطة بها، فتأتى بهم إلى الخلاص والحياة فى المسيح.
ع6:
- يعلن الله أن العروس كانت ضعيفة وفاترة كما يظهر فى (ص5: 2)، ولكنها اكتسبت من عريسها جمالاً؛ حتى صارت فائقة الجمال.
- يعلن الله أن العروس حبيبته يجد فيها لذته، كما قال أيضاً “لذاتى مع بنى آدم” (أم8: 31). فالله يجد ليس فقط راحته، بل لذته فى أولاده المؤمنين، وهذا تقدير عظيم جداً، ليس هناك فخر أكثر منه للإنسان المؤمن، ودعوة للمؤمن أن يثبت فى الله على الدوام؛ ليتمتع كل التمتع به.
ع7: قامتك : طولك.
“قامتك هذه شبيهة بالنخلة”
يصف العريس عروسه بالنخلة كما أعلن سفر المزامير (مز92: 12) وذلك لما يلى :
- النخلة ساقها طويل مرتفع نحو السماء لأنها تفكر فى السمائيات، وتسلك بالتالى سلوكاً سمائياً، أى روحياً.
- جذور النخلة ممتدة إلى الأعماق لتمتص الماء والغذاء. وعلى قدر ارتفاع النخلة تكون جذورها عميقة، وهذا يرمز للعمق الروحى؛ حتى لو كانت فى منطقة مقفرة ليس فيها ماء.
- ساق النخلة قوى نتيجة أن فروعها تسقط، ويبقى آثارها، وهذه الآثار تمتد بطول ساق النخلة، فتعطيه قوة، فلا يتأثر من قوة الرياح، وهذا يرمز للموت، لأن موت الفروع يشير للموت عن العالم، فينال الإنسان قوة وصلابة روحية.
- أفرع النخلة فى أعلى الساق تمتد فى كل اتجاه، مرتفعة نحو السماء مثل الإكليل الذى على رأس العظماء، وهذا يرمز إلى أن النفس المؤمنة لها إكليل عظيم أمام الله.
- هذه الأفرع تمتد نحو السماء كأنها ذراعا المصلى الذى يتضرع إلى الله، فالعروس تتميز بمحبة الله.
- الأفرع الخارجية خضراء، وهذا يرمز للحياة، أما الأفرع الداخلية (الخوص) فبيضاء ترمز للنقاوة، فالعروس تتميز بالحيوية والنقاوة.
- ثمار النخلة هى البلح الذى يتدلى من أعلاها، وطعمه حلو، مثل ثمار العروس، وهى فضائلها، الحلوة، وإذا رمى أحد هذه الثمار بحجر تعطيه بلحاً لذيذاً، فهى ترد على الإساءة بالمحبة والعطاء.
ولأهمية النخيل كرمز للأبرار، كان هيكل سليمان يزين بأشكال النخيل (1مل6: 29). ولهذا استقبل اليهود سكان أورشليم المسيح بسعف النخل، وصرخوا أوصنا لابن داود (مت21: 9). وفى الأبدية يعلن لنا سفر الرؤيا أن الأبرار يمسكون سعف النخل دليل النصرة (رؤ7: 9).
“وثدياك بالعناقيد” :
يصف العريس ثديى عروسه بأنها تشبه العناقيد. لماذا ؟
- الثديان مصدر الشبع للأطفال، كما أن عناقيد العنب طعمها لذيذ، ومشبعة للإنسان. هكذا العروس تهتم بالنفوس المحيطة بها، وتشبعها بمحبة المسيح.
- الثديان يرمزان للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وهكذا العروس تعلم وتسند نفسها، ومن حولها، بكلمة الله.
- الثديان يشبهان عناقيد العنب، والعنب يصنع منه الخمر، الذى هو رمز للفرح، فالعروس بعشرتها للمسيح مصدر فرح للعالم كله.
ع8: عذوقها : جمع عذق، وهو سعف النخل الأبيض، أى الفروع الرقيقة التى داخل قمة النخلة.
“قلت إنى أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها”
يعلن العريس صعوده إلى النخلة، وإمساكه بعذوقها، ويظهر فى ذلك ما يلى :
- قرر العريس أن يصعد إلى قمة النخلة ليمسك بأولاده المؤمنين به، الذين يتميزون بالنقاوة والرقة وسط قسوة العالم. وهذا تم بالتجسد ليصل المسيح إلى أولاده، ويشعرهم بقربه منه، ثم يصعد إلى السماء بعد أن أتم الفداء، ويمسك بأولاده المؤمنين، ويصعدهم معه إلى الفردوس، كما حدث مع اللص اليمين (لو23: 43). وقد أمسك المسيح بأولاده البشر؛ ليدخلهم ويصعدهم إلى السماء، ولم يمسك الملائكة الساقطين، أى الشياطين لرفضهم الخلاص، كما يذكر بولس الرسول (عب2: 16).
- صعود العريس النخلة إلى قمتها فيه تعب كثير، وهذا يعلن جهاد المسيح لأجل عروسه، واحتماله آلام التجسد والصليب؛ ليصل إليها، ويمسك بها، ويحررها من عبودية موت الخطية.
- الفروع البيضاء الضعيفة التى للنخلة، وهى الخوص لا تضطرب؛ لأن عريسها يبحث عنها، ويصعد إليها، ويمسك بها، فلا يستطيع أحد أن يأخذها منه؛ لأنها فى يده، ويعطيها الحياة فيه على الأرض، وفى السماء.
- إن كان سكان أورشليم أمسكوا السعف، واستقبلوا المسيح وهو داخل أورشليم، والسعف رمز الانتصار فى الحروب، فهذا يعلن نصرة العروس، ولكن سر نصرتها هو أن عريسها صعد إليها وأمسك بها، فالعروس منتصرة لأنها فى يد عريسها سبب حمايتها ونصرتها.
“وتكون ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح” :
يصف العريس ثديي عروسه بعناقيد الكرم، ورائحة أنفها برائحة التفاح. لماذا ؟
- يكرر العريس هنا، ويؤكد أن ثديي عروسه مصدر شبع، وفرح للمؤمنين المحيطين بها، كما ذكرنا فى الآية السابقة.
- التفاح رمز للتجسد كما ذكرنا فى (ص2: 3)، فرائحة أنف العروس كالتفاح؛ لأن العروس أحبت عريسها المتجسد، واتحدت به؛ حتى صارت رائحتها مثل رائحته، فصارت رائحة أنفها كالتفاح، أى تشبهت بعريسها فى محبته، واتضاعه، فصارت نوراً للعالم، وملحاً للأرض.
ع9: حنكك : فمك.
السائغة : الطيبة والحلوة.
المرقرقة : اللامعة.
السائحة : الفائضة.
يختم العريس كلامه عن صفات عروسه، فيصف فمها فماذا يقول ؟
“وحنكك كأجود الخمر”
ويقصد هنا :
- رائحة الفم وكل ما يخرج منه، سواء كلام، أو تعبيرات فهو مفرح للنفس، كما يُعرف عن الخمر أنها تعطى الفرح، وأجود الخمر يعطى فرحاً عظيماً، وهذا الفرح نابع من داخل الحنك، أى من أعماق النفس المؤمنة بالله، فكل ما فيها مفرح لمن يلتقى بها، وداخلها مملوء بالفرح.
- حنكك مفرح للعريس نفسه؛ لأنه يحبها، وبالتالى هو مفرح لكل النفوس المؤمنة، بل وحتى البعيدين عن الله فرحون بلقاء العروس، إذا فتحوا قلوبهم، فيتأثرون، ويفرحون بالعروس.
ترد العروس على عريسها الذى امتدحها بصفات كثيرة من (ع1-9)، وتقول : “لحبيبى” سبب كل جمال فىَّ هو لك يا حبيبى، ومنك. فأنت قد أفضت علىَّ حبك فصرت مثلك، وأقدم لك نفسى الآن لتفرح بعمل يديك.
“السائغة المرقرقة السائحة على شفاه النائمين” :
تصف العروس الخمر التى امتدح العريس فمها بأنه كأجود الخمر، فتقول عن هذا الخمر أنه طيب، ولامع، وفائض على شفاه من يشربونه، الذين من شدة تمتعهم به صاروا هادئين شبه النائمين. فهذا يرمز للنفس المؤمنة بالله التى تستقى من محبة الله، وكلامه وأسراره المقدسة، فتتلذذ وتشبع وتصير فى سلام وهدوء؛ حتى يكاد يظن الناس أنها نائمة.
إن التصقت بالعريس ستصير جميلاً جداً بعمله فيك. فافتح الطريق له بالصلاة، وقراءة الكتاب المقدس، والتناول من الأسرار، فتفرح كل أيام حياتك.
(2) تمنيات العروس (ع10-13):
10أَنَا لِحَبِيبِي، وَإِلَيَّ اشْتِيَاقُهُ.11تَعَالَ يَا حَبِيبِي لِنَخْرُجْ إِلَى الْحَقْلِ، وَلْنَبِتْ فِي لْقُرَى.12لِنُبَكِّرَنَّ إِلَى الْكُرُومِ، لِنَنْظُرَ: هَلْ أَزْهَرَ الْكَرْمُ؟ هَلْ تَفَتَّحَ الْقُعَالُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟ هُنَالِكَ أُعْطِيكَ حُبِّي.13اَللُّفَّاحُ يَفُوحُ رَائِحَةً، وَعِنْدَ أَبْوَابِنَا كُلُّ النَّفَائِسِ مِنْ جَدِيدَةٍ وَقَدِيمَةٍ، ذَخَرْتُهَا لَكَ يَا حَبِيبِي.
ع10: تعبر العروس عن مشاعرها نحو حبيبها فتقول :
- إن كنت فى البداية فى (ص2: 16) أشعر بامتلاكى لعريسى، فأقول : حبيبى لى، وبالتالى أنا له، أى أعطيه نفسى أنا أيضاً، ثم تطورت مشاعرى فى (ص6: 3) فصرت أنا لحبيبى أولاً، وبعد هذا شعرت أكثر من ذى قبل بأن حبيبى لى. ففى البداية أنا كنت أنانية أريد أن أمتلك حبيبى وامتلكته، وحينئذ تجاوبت معه، وصرت له أنا أيضاً (ص2: 16). أما فى (ص6: 3) فقد أسرعت أعطى نفسى له، ففاض علىَّ هو أيضاً بحبه، وأعطانى أن أمتلكه.
- إن العروس تشعر بثقة أن عريسها يحبها، ويشتاق إليها، فتقول “إلىَّ اشتياقه”. فرغم أنها صغيرة وتعطيه حبها الصغير، ولكنها تثق أن أشواق حبيبها غير المحدودة تغمرها، فتصير فى فرح لا يعبر عنه.
- حتى يستمر اشتياق عريسها إليها، لابد أن تكون العروس فى توبة ونقاوة دائماً، وتسعى دائماً نحو عريسها بالصلاة والتأمل، وتحب اقتناء الفضائل لأجله.
- العروس تشعر بدوام اشتياق العريس إليها، فهو لا يشتاق إليها فقط عندما تتجاوب معه، أو عندما تنمو فى حبه، فتصلى وتسبح، بل وتخدمه أيضاً، ولكنه يشتاق إليها حتى إن سقطت فى الخطية، فيشتاق إلى توبتها، وإن كانت فاترة أحياناً يشتاق أن تنتبه، وتعود إليه، فهذا الاشتياق يخجلها فترجع إليه، ويلهب حبها فتسعى نحوه.
- عندما استطاعت العروس أن تعطى نفسها للعريس، فسلمت له حياتها، وتركته يملك على قلبها، أدركت أنه يشتاق إليها. فهو فى الحقيقة يشتاق إليها ويحبها منذ الأزل، أى من قبل تأسيس العالم (أف1: 4). وهو يحبها وهى لا تعرفه، ثم يحبها وهى مازالت بعيدة عنه، وعندما انتبهت واقتربت إليه، وتركته يعمل فيها، وقدمت حياتها له، أدركت أشواقه إليها، وكلما نمت فى حبها له، أدركت أعماق جديدة فى أشواقه.
ع11: بعد أن شعرت العروس أنها ملك حبيبها وتأكدت من اشتياقه إليها يا ترى ماذا فعلت ؟
“تعال يا حبيبى لنخرج إلى الحقل”
- طلبت العروس من عريسها أن تخرج معه، فقد ارتبطت به، بل اتحدت به أيضاً، وأصبح الوضع الطبيعى أن تكون معه دائماً، فتجلس معه، وتخرج معه، وتكون كل خطواتها بين يديه؛ لأنه هو قوتها وسندها وشبعها، ولا تستطيع أن تعمل شئ بدونه.
- الحقل هو حقل الخدمة (يو4: 35)، فإذ شبعت العروس واستندت على عريسها، وانفتح قلبها بالحب نحو الآخرين، فخرجت معه لتسأل عن إخوتها، وتحدثهم عن عريسها ليأتوا إليه، ويؤمنوا به، ويتمتعوا بعشرته.
- الخروج إلى حقل الخدمة يحتاج إلى مجهود وتعب للبحث عن النفوس، والإحساس بها، ومشاركتها أتعابها، ومساندتها، وفى كل هذا ترى عمل عريسها فى النفوس، فتفرح وتشكره، وتزداد خبرتها معه.
- كما خرج العريس المسيح من أورشليم حاملاً صليبه، وصلب خارج أورشليم، هكذا أيضاً تخرج العروس من ذاتها، وتبحث عن النفوس فى حقل الخدمة.
- على مثال اتحاد النفس مع المسيح، العروس مع العريس، وخروجهما للخدمة، هكذا أيضاً يخرج الزوجان، والأب مع ابنه، والصديق مع صديقه ليخدما الرب، كما خرج الرسل اثنان اثنان للخدمة (1كو3: 9)، بل وأيضاً يخرجان فى محبة فى كل أمور الحياة؛ هذه هى الصداقة الروحية، سواء بين الزوجين، أو الأقارب والأحباء، ويشعران بالمسيح بينهما، فيفرحان بكل أعمالهما.
- إن كانت مخافة الله فى القلب، ولكن الحب أيضاً ملأ القلب، وأعطاه شجاعة للخروج مع الله فى صداقة وقوة؛ لتحمل كل المسئوليات، واجتياز كل العقبات؛ هذا ما يحدث مع النفس المؤمنة التى تخرج مع الله، وهى ممتلئة مخافة، وحباً وقوة.
“لنبت فى القرى” :
- القرى ترمز إلى البساطة والفقر، فهى تمثل غربة العالم. فالنفس مع الله تتغرب عن العالم، وتستقر فى هذا الإحساس بالغربة؛ لتتمتع بعشرتها مع المسيح، التى تمتد ليس فقط فى النهار، بل بالأكثر فى هدوء الليل، عندما تبيت مع عريسها.
- يعلن الآباء القديسون أن الليل مفروز للصلاة، فهم يشعرون أن المبيت مع الله هو الانفراد بالله فى الصلاة أكبر قدر ممكن فى هدوء المخدع، الذى يصاحبه التجرد من شهوات العالم، وراحة الجسد.
- لم تبت العروس مع عريسها فى قرية واحدة، بل فى القرى كلها، أى تخدم النفوس فى كل مكان، وتبيت مع المسيح فى صلوات؛ لتخرج ثانية فى النهار، وتواصل خدمتها.
- إن التعب طوال النهار فى الخدمة يستند على الصراع مع الله فى الصلاة ليلاً، حيث تقدم النفس الخادمة كل مشاكل النفوس والخدمة أمام الله، وتلح عليه ليتدخل، فى دموع وميطانيات، وهو حتماً يعطى النفس سلاماً، ويعمل فى النفوس من أجل لجاجتها، فالخدمة لا تقوم بدون الصلاة، بل هى الدافع للخدمة. فعندما يكلم الخادم الله عن مخدوميه يستطيع حينئذ أن يواصل خدمته ويكلمهم عن الله.
- إن كان الحقل هو العمل الخارجى الذى يقوم به الخادم، فالعمل الداخلى الخفى هو جهاد الخادم فى مخدعه من أجل من يخدمهم. ففى المخدع، أى مبيت الخادم، يتوب عن خطاياه، ويطلب شبعه، ويقدم احتياجات من يخدمهم لله.
ع12: إذ امتلأ قلب العروس بالحب من خلال الصلاة طوال الليل، عندما باتت فى تغرب عن العالم، كما ذكرنا فى الآية السابقة، اشتاقت إلى ما يلى :
- الخروج مبكراً لمتابعة الخدمة، وهذا يبين اهتمامها بالمخدومين، وإسراعها لإنقاذ كل المتعبين؛ لأن الله يعلن بوضوح أن “الذين يبكرون إلىَّ يجدوننى” (أم8: 17). ونلاحظ أن العروس بكرت بصحبة عريسها أيضاً، فقالت : “لنبكرن”، أى هى وعريسها.س
- سبق الإشارة إلى هذه الآية فى (ص6: 11)، إذ نرى النفس الخادمة تطمئن على تأثير الخدمة فى النفوس، فتفحص هل أزهر الكرم، أى ظهرت الأزهار فى حقول العنب، وهذا معناه بداية السعى نحو الفضائل الجميلة، ثم هل تفتح القعال ؟ وهو براعم العنب التى تعطى ثماراً، وكذلك هل نور الرمان ؟ أى أعطى أيضاً أزهاراً. والخلاصة أن الخادم يبحث عن مدى تجاوب النفوس مع المسيح، ويتابع نموها الروحى، ومحبتها للفضائل، ويهتم بها لتجد خلاص نفسها فى الكنيسة.
- فى حقل الخدمة، ومتابعة المخدومين هناك تعطى العروس عريسها حبها من خلال جهاد الخدمة، والصلاة من أجل المخدومين، فيعطيها العريس حباً أكبر، ويشبعها؛ لتظل تفيض على كل من تخدمهم، وتتمتع هى بلذة عشرته.
ع13: اللفاح : نبات رائحته طيبة وطعمه حلو، وكان يعتقد اليهود قديماً أنه يزيد محبة الزوج لزوجته، فكانت الزوجة تقدمه لزوجها، ليميل إليها بحبه، كما فعلت ليئة مع يعقوب (تك30: 14-16).
النفائس : المقتنيات الثمينة.
ذخرتها : جمعتها وادخرتها.
تختم العروس إعلان محبتها لعريسها بما يلى :
“اللفاح يفوح رائحته”
جمعت العروس نباتات اللفاح؛ لتغرى عريسها وتجذبه إلى حبها، وهذا يرمز إلى كل الجهاد الروحى الذى تقوم به النفس المؤمنة، سواء فى الصلاة والأصوام، أو أتعاب الخدمة؛ هذه كلها رائحتها جميلة، وطعمها لذيذ فى فم المسيح العريس.
“وعند أبوابنا كل النفائس من جديدة وقديمة ذخرتها لك يا حبيبى” :
- “عند أبوابنا”، أى قريباً منا فى متناول اليد، ومكشوفة أمام العريس، وهى ترمز إلى كل الأعمال والكلام والأفكار الصالحة التى تقوم بها النفس المؤمنة، وهى كلها يمكن للنفس أن تقوم بها بمعونة الله، وتفرح قلب عريسها.
- “كل النفائس من جديدة وقديمة” : فالنفائس القديمة، أى العادات الروحية والفضائل التى تأصلت فى قلب العروس، مثل تعودها الصلاة، أو التناول، أو الطاعة… أما الجديدة فهى الفضائل الجديدة التى تقتنيها النفس، وكل عمل صالح تقدمه لعريسها، ليتجدد كل يوم حبها لعريسها حسبما تجد فرصة جديدة للاقتراب إليه.
- ذخرتها لك يا حبيبى :
فالعروس شغلها الشاغل طوال حياتها أن تجمع أعمالاً صالحة، وهو الزيت الذى تضعه العذراء فى مصباحها (مت25: 4)، وهى تبين مدى محبة العروس، وتعلقها بعريسها، وجهادها لإرضائه فى كل حين. وبهذا يهبها عريسها الدخول إلى الفردوس، وأمجاد الملكوت. ليتك يا نفسى تتجاوبين مع عريسك باتنهاز كل فرصة للصلاة والتأمل وتقديم أعمال الخير والرحمة لكل محتاج، فتتمتعين بسلامك وفرحك على الدوام مع المسيح.