العروس فى جنتها
(1) العروس المثمرة (ع1-3):
1أَيْنَ ذَهَبَ حَبِيبُكِ أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ؟ أَيْنَ تَوَجَّهَ حَبِيبُكِ فَنَطْلُبَهُ مَعَكِ؟2حَبِيبِي نَزَلَ إِلَى جَنَّتِهِ، إِلَى خَمَائِلِ الطِّيبِ، لِيَرْعَى فِي الْجَنَّاتِ، وَيَجْمَعَ السَّوْسَنَ.3أَنَا لِحَبِيبِي وَحَبِيبِي لِي. الرَّاعِي بَيْنَ السَّوْسَنِ.
ع1: “أين ذهب حبيبك”
إن بنات أورشليم يحدثن العروس، ويسألنها أين ذهب حبيبك ؟ لأنها سألتهن عنه وقالت لهن: إن “وجدتن حبيبى أن تخبرنه بأنى مريضة حباً” (ص5: 8)، فهى فى ضعف روحى واحتياج فى نفس الوقت لحبيبها، وتطلب من كنيسة العهد القديم وهن بنات أورشليم، إذا وجدن الحبيب يخبرنه باحتياجها إليه، فهى تبحث عنه، وتطلب من بنات أورشليم مشاركتها فى البحث عنه.
ويبدو من (ص5: 10-16) أن العروس قد رأت العريس بشكل سرى فى داخلها، وتمتعت بجماله ووصفته، وظهر انبهارها، وفرحها برؤيته من وصفها الجميل له، فيسألنها بنات أورشليم أين حبيبك؛ لأنك تساعديننا فى معرفته، إذ تأثرن بكلامها عنه، واشتقن أن يروه، ويعمل فيهن، كما عمل فى العروس.
“أيتها الجميلة بين النساء”
لقد صارت العروس جميلة برؤيتها وعشرتها للعريس الجميل، ففاض عليها بجماله فصارت جميلة، ولذا التفت حولها بنات أورشليم، لإعجابهن بها، واشتياقهن لعريسها الجميل، أى أن كنيسة العهد القديم تسأل كنيسة العهد الجديد، أى العروس الجميلة فى نظر بنات العهد القديم، وهن مشتاقات أن يدخلن للإيمان بالمسيح العريس الجميل الذى تحيا معه العروس.
“أين توجه حبيبك فنطلبه معك” :
إزداد اشتياق بنات أورشليم، أو كنيسة العهد القديم إلى المسيح المسيا، الذى انتظروه سنيناً طويلة، ويطلبن من كنيسة العهد الجديد أن ترشدهن إلى مكان العريس، وفى أى مكان ذهب، أو ما هو الطريق إليه؟ فقد أصبحن فى اشتياق للدخول إلى الإيمان، ويردن البحث عنه، والسعى لمعرفته؛ لينضممن إلى كنيسة العهد الجديد، ويتمتعن هن أيضاً بالعريس، مثلما تتمتع العروس، وذلك بقولهن: نطلبه معك، أى إرشدينا بخبرتك إلى طريق الإيمان؛ لنسير فيه، ونصل إليه، كما وصلت. لقد أقتنعن بحلاوة العريس، وعظمته من كلام العروس، ويردن أن يسرن فى الطريق إليه، حتى لو كان صعباً، لأن العروس احتملت آلاماً فى البحث عنه، ومازالت تطلبه، فهن مستعدات لحمل الصليب والتعب؛ حتى يصلن إلى الإيمان الحقيقى.
ع2: خمائل : جمع خميلة، وهى مجمعة الأشجار المتشابكة.
“حبيبى نزل إلى جنته” :
طلبت العروس عريسها مرات كثيرة فى (ص5)، والعريس يسمعها، ولأنه يحبها استجاب لها، فنزل إليها، وهذا يبين تواضعه، الذى ظهر فى تجسده، واهتمامه بعروسه وخلاصها، فهو لم ينزل ليسيطر عليها، لكن لأنه يحبها، ويريد أن يعطيها حبه، وهو يشعر باحتياجها؛ لذا لا يمكن أن يتأخر عنها.
إنه بعينيه الجميلتين يرى أنها جنة، فهو ينظر إلى فضائلها التى اكتسبتها منه، فعينيه بسيطتين تريان الجميل فى عروسه ويراها جنة، بل يشعر أنها جنته، فهى خاصة به، وهو خاص بها، فيعطيها حبه، وتعطيه حياتها.
ولعل العروس تذكرت كلام عريسها فى (ص5: 1) الذى يعلن فيها أنه قد دخل إلى جنته، وما هى جنته إلا عروسه، أى كنيسته، فقالت فى نفسها : لماذا أبحث عنه بعيداً، وهو فى داخلى؟ لذا أعلنت فى (ص6: 2) أنه فعلاً قد نزل إلى جنته، قالت العروس هذا، وهى فى فرح عظيم؛ لأن عريسها فى داخلها، ويرى نفسها الضعيفة جنة، وقد حولها إلى جنة، ويمشى هو داخلها، ويعطيها جماله.
“إلى خمائل الطيب” :
إن كان خدا العريس كخميلة، كما ذكرت العروس فى (ص5: 13)، فقد فاض العريس على عروسه، فصارت هى أيضاً خمائل طيب، أى أن كل النفوس التى فى الكنيسة؛ كل واحد منها خميلة طيب رائحته جميلة، مثل رائحة العريس، فقد انعشها العريس بحبه، فصارت هى أيضاً منعشة للعالم الذى حولها، ومبشرة لعريسها الجميل.
“ليرعى فى الجنات”
لقد نزل العريس ليرعى فى الجنات، وهى نفوس المؤمنين الذين فى كنيسته، فهو لم يأتِ وينزل إلى العروس ليأخذ منها شيئاً، بل ليرعاها ويعطيها حبه، ويهتم بها. وإن كان يطلب من عروسه أن تصلى، أو تصوم، أو تتصدق، فليس لأنه محتاج لهذا الجهاد الروحى الذى تعمله العروس، ولكن ليشبعها، ويسير بها فى طريق الخلاص، من خلال وسائط النعمة، فهو يبغى أن يعطينا عشرته؛ ليرفعنا إليه، ويخلصنا من شر العالم، ويمتعنا بحبه.
فالعروس، أى الكنيسة التى احتملت كثيراً فى البحث عن عريسها، وتألمت من الحرس الطائف، واحتملت لأجل عريسها (ص5: 7)، الآن تجنى ثمار تعبها، وتتمتع برعاية عريسها لها، وستظل هذه الرعاية طوال حياتها، طالما هى متمسكة به، وسيصل بها إلى السماء، ويظل يرعاها إلى الأبد، ويعطيها حبه.
“ويجمع السوسن” :
فيما العريس يهتم بإيمان عروسه، وتفاصيل حياتها، واحتياجاتها، يجمع السوسن الذى فيها. والسوسن يرمز إلى :
- طاقات وإمكانيات النفس البشرية، التى يباركها العريس، ويقدسها، فتساعد عروسه فى التمتع بحبه.
- الفضائل التى اكتسبتها العروس من عريسها، فيجمعها، ليكافئها عليها ببركات على الأرض، فتنمو فى هذه الفضائل، ثم فى السماء ببركات لا يعبر عنها.
لقد أعلن العريس أنه سوسنة الأودية، وها العروس الآن فى نظر عريسها باقة من السوسن يجمعها، لقد فاض عليها بجماله، فصارت مثله مملوءة بالسوسن، أى الفضائل الكثيرة.
ع3: “أنا لحبيبى وحبيبى لى” :
شعرت العروس بحب عريسها، واهتمامه الشخصى بها، إذ نزل إلى جنتها باتضاع وحب، فوجدت نفسها لا تشتاق، أو تطلب من عريسها شئ إلا ذاته، وحبه، فقالت : أنا لا أطلب إلا أن يكون حبيبى لى.
وإذ تأكدت العروس أنها أخذت حبيبها نفسه، واقتنته فى داخلها أعلنت بوضوح تسليم مشيئتها له، بل وكل حياتها، فقالت : أنا لحبيبى. وهكذا يظهر الحب العظيم، إذ أعطاها المسيح نفسه على الصليب، فأعطته حياتها، وهى فى فرح كبير، فتعلن له كما قال هو : “لتكن لا إرادتى، بل إرادتك” (لو22: 42).
عندما تقول العروس : أنا لحبيبى، تعنى أن تعطيه مشاعر قلبها، وأفكارها، وحواسها، وكلامها، وجسدها، وأعمالها، ووقتها، فتعطيه كل ما لها؛ ليتقدس بوجوده فيها.
“وحبيبى لى” تعنى أن يملك على قلبها، ويبارك كل ما فيها، ويشبعها، ويتحد بها، ويسكن فيها إلى الأبد، فتحيا معه، وتتكلم بدالة البنوة وحرية فى كل حين.
“الراعى بين السوسن” :
إذ أعطت العروس نفسها لعريسها، فهى تتمتع بالتالى برعايته، فيصير هو الراعى بين سوسن حياتها، فيرعى أفكارها، ومشاعرها، وجسدها، وكل ما فيها، ويقدس كل طاقاتها، وكيانها، ويظل يهتم بها؛ ليكمل كل نقص، ويسند كل ضعف فيها.
والراعى بين السوسن تعنى أيضاً رعاية المسيح لأولاده المؤمنين فى كنيسته؛ لأن العروس هى الكنيسة، فيهتم بكل مؤمن شخصياً، ويسانده فى طريق الخلاص؛ ليصل إلى الملكوت.
المسيح يريد أن يعطيك كل ما تحتاجه، بل يعطيك نفسه، ويعطيك جسده، ودمه على المذبح كل يوم، ويسكن بروحه القدوس فيك، ويشبع كل احتياجاتك، فتكلم معه ببنوة، واطلب ما تريد لأنه يحبك، واتركه يعمل فيك بحرية ليقدسك.
(2) العروس المطوبة (ع4-10):
4أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي كَتِرْصَةَ، حَسَنَةٌ كَأُورُشَلِيمَ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ.5حَوِّلِي عَنِّي عَيْنَيْكِ فَإِنَّهُمَا قَدْ غَلَبَتَانِي. شَعْرُكِ كَقَطِيعِ الْمَعْزِ الرَّابِضِ فِي جِلْعَادَ.6أَسْنَانُكِ كَقَطِيعِ نِعَاجٍ صَادِرةٍ مِنَ الْغَسْلِ، اللَّوَاتِي كُلُّ وَاحِدَةٍ مُتْئِمٌ وَلَيْسَ فِيهَا عَقِيمٌ.7كَفِلْقَةِ رُمَّانَةٍ خَدُّكِ تَحْتَ نَقَابِكِ.8هُنَّ سِتُّونَ مَلِكَةً وَثَمَانُونَ سُرِّيَّةً وَعَذَارَى بِلاَ عَدَدٍ.9وَاحِدَةٌ هِيَ حَمَامَتِي كَامِلَتِي. الْوَحِيدَةُ لأُمِّهَا هِيَ. عَقِيلَةُ وَالِدَتِهَا هِيَ. رَأَتْهَا الْبَنَاتُ فَطَوَّبْنَهَا. الْمَلِكَاتُ وَالسَّرَارِيُّ فَمَدَحْنَهَا.10مَنْ هِيَ الْمُشْرِفَةُ مِثْلَ الصَّبَاحِ، جَمِيلَةٌ كَالْقَمَرِ، طَاهِرَةٌ كَالشَّمْسِ، مُرْهِبَةٌ كَجَيْشٍ بِأَلْوِيَةٍ؟
ع4: “أنت جميلة يا حبيبتى كترصة”
ينظر العريس إلى عروسه، ويمتدحها، ويقول لها أنت جميلة يا حبيبتى، فهو يحبها، ويراها جميلة فى عينيه، مع أن سر جمالها هو جماله الذى فاض عليها. إنه ينظر إلى كل ما هو جميل فيها، بل عيوبها يراها ستتحول، فتصبح جميلة، وهذا هو الرجاء الذى نحتاج أن نقتدى به كلنا.
يشبهها العريس بترصة وهى :
- إما أصغر بنات صلفحاد اللواتى طالبن موسى بميراثهن بعد وفاة أبيهن، إذ لم يكن لهن إخوة ذكور، فاستشار موسى الله، الذى قال له : إعطيهن ميراثاً (عد27: 1-11)، فهن يمثلن دالة البنوة، والطلب من الله الغنى السخى فيعطيهن، هكذا ينبغى أن يفعل كل أولاد الله معه.
- أو تكون ترصة، المدينة الجميلة التى تقع شمال جبل أفرايم. ومعنى الاسم بهجة، وكانت عاصمة لمملكة إسرائيل التى تشمل العشرة أسباط بعد انشقاقها عن سبط يهوذا، وملك عليها يربعام الملك، وأقام فى ترصة، واستمرت عاصمة لمملكة إسرائيل مدة خمسين عاماً. فهى تمثل الجمال ومقر قيادة المملكة. فالعروس جميلة، وقائدة لغيرها، إذ هى نور للعالم. وكما كانت مدينة ترصة وثنية، ثم آمنت بإله إسرائيل، هكذا أيضاً العروس سر جمالها هو إيمانها بالمسيح.
“حسنة كأورشليم” :
العروس جميلة وحسنة أيضاً، مثل مدينة أورشليم، التى هى عاصمة مملكة بنى إسرائيل، وفيها هيكل الله، فهى تمثل الجمال الروحى، والقداسة لوجود الله فيها، وعبادته المقدسة، فالعروس جميلة روحياً بإيمانها، وعبادتها لله.
“مرهبة كجيش بألوية” :
إنها مرهبة، أى قوية، وتخيف أعداءها. فالعروس ليس فقط جميلة، ولكنها قوية تخاف منها الشياطين؛ لإيمانها بعريسها القادر على كل شئ.
إنها منظمة فى قوتها كجيش بألوية. والألوية جمع لواء، وهو مجموعة من الجنود لهم قائد، وراية تقودهم. فالعروس ليست فقط قوية، بل منظمة كجيش بألوية يصعب اقتحامها، بل هى قادرة أن تنتصر على غيرها بألويتها الكثيرة، فتهاجم من الأمام، ومن الخلف، ومن كل جانب، أى أن العروس قادرة أن تنتصر على أعدائها الشياطين بقوة عريسها المسيح.
ع5: “حولى عنى عينيك” :
ماذا رأى العريس فى عينى عروسه ؟
- رأى محبتها وأشواقها إليه، ولأنه يحبها جداً، لم يحتمل تجاوبها الشديد مع حبه، فقال لها : حولى عنى عينيك؛ لأنى سأعطيك كل شئ، بل نفسى أيضا من خلال الفداء على الصليب، وأقدم لك جسدى ودمى على المذبح كل يوم، وهذا يبين مدى رقة مشاعر الله وحنانه على أولاده، ومن ناحية أخرى، اهتمامه بمحبتنا له، فيتأثر بها جداً، ويهبنا عطاياه الروحية، والمادية.
- لعله رأى دموعها التى انسكبت فى توبة وتذلل وتضرع إليه، ليسامحها، فلم يحتمل انسحاقها أمامه، فأسرع ليغفر لها كل خطاياها، بل يعوضها عن كل ما فاتها بتعزيات كثيرة.
“فإنهما قد غلبتانى” :
الله فى قوته ومهابته لا يقارن، ولا يستطيع أحد أن يغلبه، ولكنه يُغلب بإرادته نتيجة محبته وحنانه، كما تقول تسبحة يوم الاثنين : “لأنه غُلب من تحننه”. فهو إذ يرى محبة وأشواق عروسه له، لا يستطيع أن يقاومها، فيسرع إليها؛ ويفيض عليها بحبه، كما تسرع الأم إلى رضيعها الذى يبكى، وينادى عليها لترضعه.
وعندما طلب موسى أن يرى الله، قال له الله : “الإنسان لا يرانى ويعيش” (خر33: 20)، ولكنه ظل يطلب باشتياق وحب، فتحنن الله عليه، وأظهر له ذاته، عندما وضعه فى نقرة من الجبل وغطاه بيده، ثم ظهر له (خر33: 22)، فأضاء وجهه بلمعان، وفرح جداً، ولم يحتمل الشعب بعد هذا لمعان وجهه، فوضع عليه برقعاً (خر34: 29، 33).
والمسيح غُلب من حنانه أمام دموع المرأة الخاطئة فى بيت سمعان الفريسى، فمدحها أكثر من كل الموجودين رغم اعتراضاتهم (لو7: 36-48).
وغُلب أيضاً من توبة ورجاء اللص اليمين، فوعده بالفرودس السريع فى نفس اليوم (لو23: 43)، وحتى الأشرار، مثل آخاب، رغم أن توبته كانت مؤقتة، جعلت الله يتحنن عليه، ويؤجل الخراب بسبب خطاياه إلى بعد موته (1مل21: 29).
“شعرك كقطيع المعز الرابض فى جلعاد” :
يصف العريس عروسه الجميلة، ليس فقط بحبها، وتوبتها، ولكن يصفها أيضاً بالتصاقها به، ووحدانية أعضائها فيه، وباتضاعها، وسلوكها السماوى، وثباتها فيه. وقد سبق شرح هذه الآية بالتفصيل فى (ص4: 1).
وإن كانت نفس الكلمات قالها الله عن عروسه فى (ص4)، رغم أنها كانت مازالت فاترة، وفى طريقها إلى التوبة، لكنه يراها جميلة فى عينيه، إذ يراها كما هى بعد توبتها، فيصفها بنفس الكلمات فى هذا الإصحاح.
ع6: هذه الآية أيضاً سبق شرحها فى (ص4: 2). وملخص وصفه للعروس هو أنها تتغذى من طعام عريسها، وتشبع من حولها، وتغتسل من خطاياها بالمعمودية والتوبة، وتمتلئ بالفضائل، وتبشر غيرها؛ ليتذوقوا حلاوة عريسها.
يوجد فرق واحد فى هذه الآية عن مثيلتها فى الأصحاح الرابع، إذ يقول هنا : “كقطيع النعاج”، أما فى (ص4: 2) يقول “كقطيع الجزائز”، وكلاهما معنى واحد.
ع7: هذه الآية سبق شرحها بالتفصيل، مثل الآيتين السابقتين، وهى جزء من (ص4: 3). وباختصار، يصف العريس عروسه هنا بالنشاط والحيوية، والحياء، والحشمة، والاتضاع، والعمق الداخلى.
ونلاحظ اختلاف ترتيب كلمات الآية عن مثيلتها فى الأصحاح الرابع، ولكن هى نفس الكلمات، ونفس المعنى.
ع8: سرية : جارية، أو عبدة تزوجت بسيدها.
“ستون ملكة” :-
الستون ملكة هن نفوس المؤمنين الذين جاهدوا فى حياتهم الروحية، وملك الله على قلوبهم، فصاروا له، واختبروا محبته، فاستحقوا الملكوت.
ويمكن أيضاً أن يكون الستون ملكة، نفوس أكملت جهادها، وتتمتع فى السماء بالملك والمجد العظيم.
وهن أيضاً الستون جباراً المذكورون فى (ص3: 7)، فهن الجبابرة الذين جاهدوا باستماتة، وغلبوا فاستحقوا أن يملك الله على قلوبهم إلى الأبد.
ورقم ستين هو مضروب (3 × 4 × 5)، ورقم 3 يرمز للثالوث القدوس، ورقم 4 يرمز إلى أرجاء المسكونة الأربعة، وهذا يعنى انتشار الإيمان بالثالوث القدوس فى العالم كله، أى ملك الله على الأرض، ومضروباً فى 5 (× 5) وهو يرمز إلى حواس الإنسان، أى أن الله يملك على حواس أولاده المؤمنين به فى العالم كله.
“ثمانون سرية” :
الثمانون سرية هم نفوس المؤمنين الذين استعبدوا أنفسهم لله، وتمسكوا بوصاياه العشرة (10)، وعاشوا فيها؛ حتى وصلوا إلى الأبدية، التى يرمز إليها برقم (8).
“وعذارى بلا عدد” :
العذارى يمثلن النفوس العذراوية التى تحيا مع عريسها المسيح، والتى تكرست لمحبة الميسح، ولم تنشغل بالعالم، سواء الذين كرسوا كل وقتهم لله، أو الذين اشتغلوا فى أعمال العالم، ولكن كرسوا قلوبهم لله.
وهـؤلاء العذارى بلا عـدد، أى يصعب عدهم لكثرتهم، كما يذكر سفر الرؤيا عن جمع المؤمنيـن، المتسربلين بثياب بيض، وفى أيديهم سعف النخل، ولم يستطع أحد أن يعده (رؤ7: 9).
ع9: عقيلة : كريمة ومختارة.
“واحدة هى حمامتى كاملتى” :
إن كانت الستون ملكة، والثمانون سرية، والعذارى التى بلا عدد، هم نفوس المؤمنين فى العهد القديم، الذين جاهدوا، وتمسكوا بالوصايا العشر، وملك الله على قلوبهم، فإن العروس الواحدة هى كنيسة العهد الجديد؛ لأنها اتحدت بالمسيح الرأس، الذى قيل عنه “الأصغر فى ملكوت السموات أعظم منه” (مت11: 11)، أى أن المسيح الأصغر سناً هو أعظم من يوحنا المعمدان، الذى يمثل العهد القديم.
والحمامة هى الروح القدس الذى سكن فى الكنيسة ، وجعلها واحدة فى المسيح.
ولقب عروسه أيضاً بالكاملة، إذ أنها بلا عيب خارجى، والمسيح أكمل نقائصها، فصارت هى البر فى المسيح، كما نقول : “لأنه جعل الذى لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه” (2كو5: 21)
الحمامة الكاملة ترمز أيضاً إلى العذراء مريم البريئة البسيطة الكاملة فى حياتها الفاضلة.
“الوحيدة لأمها هى عقيلة والدتها”
كنيسة العهد الجديد هى الوحيدة المختارة من الله من بين البشرية، وهى أيضاً الوحيدة لأمها الكنيسة المنتصرة، فكنيسة العهد الجديد أيقونة (صورة) السماء على الأرض، والكنيسة المنتصرة تنتظر وحيدتها الكنيسة المجاهدة على الأرض إلى أن تصل إلى السماء، وتنضم إليها.
وتنطبق هذه الكلمات على أمنا العذراء، وحيدة أمها الكنيسة، التى اختارها الله، ليولد منها.
“رأتها البنات فطوبنها. الملكات والسرارى فمدحنها” :
البنات هن كل البشر، والملكات والسرارى، كما ذكرنا، هن المؤمنون فى العهد القديم، فعندما رأين كنيسة العهد الجديد، أو العذراء مريم طوبنها، قلن لها : يالسعادتك وفرحك؛ لأنك يا كنيسة، فاديك ورأسك هو المسيح ، ويا عذراء، لأنك حبلت به، وولد منك، فكل بنت فى العهد القديم من شعب الله كانت تتمنى أن تكون أماً للمسيا.
ع10: “من هى المشرفة مثل الصباح”
يواصل العريس وصف عروسه، فيمتدحها بأنها تشرف، أى تطلع على الخليقة مثل الصباح، فهى تضئ للعالم كله بنورها، لأنها نورانية مثل عريسها النور الحقيقى.
والنفس المؤمنة عملها – كما أمرها عريسها – أن تكون نوراً للعالم، فتخرج فى كل مكان؛ لتسلك بين الناس بسلوكها السماوى وفضائلها، فتنير للكل، وترشدهم للطريق المستقيم.
والصباح عندما يشرق على الخليقة يخرج فى هدوء بطريقة تدريجية؛ لينيرللكل. هكذا أيضاً النفس المؤمنة تعمل بهدوء – مثل عريسها – وتنير لكل من حولها بلطف، وبالتدريج؛ حتى تستنير قلوبهم بمعرفة الله.
“جميلة كالقمر”
القمر جميل بنوره، فهى جميلة مثله، إذ أنها تستمد نورها من عريسها، كما يستمد القمر نوره من الشمس، فعريسها هو شمس البر، وهى كالقمر ينعكس عليها نور عريسها، فتضئ للعالم كله.
“طاهرة كالشمس”
الشمس حرارتها عالية جداً، فلا توجد عليها آفات، أو حشرات ضارة، أو أى أمراض، فهى طاهرة من كل هذه. فالعروس طاهرة من كل خطية، مثل الشمس.
“مرهبة كجيش بألوية”
ورغم نورانية العروس، وطهارتها، وبساطتها، لكنها فى نفس الوقت قوية جداً، لا تخاف من الشيطان، بل على العكس تخيفه، وترعبه، كأنها جيش بفرق كثيرة، وأعداد ضخمة، فهى نورانية، وقوية، وطاهرة، وهى عروس حقيقية للمسيح.
وتنطبق هذه الآية أيضاً على العذراء مريم أمنا، إذ هى نورانية مثل الصباح، والقمر، وطاهرة بالروح القدس الذى طهرها، وقوية بالمسيح المولود منها.
حتى تكون مثمراً بفضائل كثيرة، يلزمك الالتصاق بالمسيح في الصلاة والقراءة كل يوم. وعلى قدر شبعك بالمسيح تستطيع أن تنير للآخرين، فيفيض عليك المسيح بحبه كل يوم.
(3) العروس العاملة (ع11-13):
11نَزَلْتُ إِلَى جَنَّةِ الْجَوْزِ لأَنْظُرَ إِلَى خُضَرِ الْوَادِي، وَلأَنْظُرَ: هَلْ أَقْعَلَ الْكَرْمُ؟ هَلْ نَوَّرَ الرُّمَّانُ؟
12فَلَمْ أَشْعُرْ إِلاَّ وَقَدْ جَعَلَتْنِي نَفْسِي بَيْنَ مَرْكَبَاتِ قَوْمِ شَرِيفٍ.13اِرْجِعِي، ارْجِعِي يَا شُولَمِّيثُ. ارْجِعِي، ارْجِعِي فَنَنْظُرَ إِلَيْكِ.
ع11: الجوز : هو ثمرة جوز الهند، وهى صلبة ومغطاة بالليف، وداخلها طبقة سميكة من جوز الهند، وفى قلبها سائل حلو المذاق.
أقعل : أخرج براعم أو عنب صغير.
نور : أخرج زهوراً ستتحول إلى ثمار.
“نزلت إلى جنة الجوز”
تشجعت العروس بمديح عريسها لها، إذ رأى فضائلها، وشجعها، فقامت، ونزلت إلى الحديقة المزروعة بنباتات الجوز. والجوز يرمز إلى ما يلى :
- إما يرمز إلى النفس، أى نزلت العروس إلى داخل نفسها، فوجدت أن خارجها لا صورة له ولا منظر، عبارة عن ليف خشن. ولكن عندما دخلت إلى داخلها، وجدت جوز الهند اللذيذ الطعم، والسائل الحلو الذى بداخله، فشكرت الله على نعمته عليها، ولم تعد تنزعج بمنظرها الصلب الخارجى، بل على العكس وجدته حماية لها من الأشرار، الذين يريدون أن يستغلونها، فمن الخارج منظر الرجولة، والصلابة، ومن الداخل الحلاوة، والرقة.
- الجوز هو نفوس المؤمنين المحيطين بها فى العالم، فنزلت لتفتقدهم، وتشجعهم على الحياة مع الله، وبهذا أصبحت العروس خادمة عاملة فى كنيسة الله، ولم تحكم على الظاهر، فقد تكون نفوس المحيطين بها مغطاة بالليف، أما فى الداخل فجوز الهند بطعمه الجميل.
- يرمز الجوز إلى كلمة الله فى الكتاب المقدس، فخارجها صلب خشبى مغطى بالليف، وهذا يرمز إلى صعوبة تنفيذ بعض الآيات، مثل محبة الأعداء .. ولكن فى داخلها جوز الهند بطعمه اللذيذ، وهو يرمز إلى التمتع بعمل كلمة الله فى النفس، واختبار لذتها، وقوتها، وتعزيتها، والذى يريد أن يصل إلى جوز الهند اللذيذ الذى فى الداخل لابد أن يكسر الغلاف الخشبى الخارجى، وهذا يرمز إلى ضرورة انكسار الإنسان وخضوعه لكلمة الله، وتحمل آلام تنفيذها، ليصل إلى التلذذ بعملها فيه.
“لأنظر إلى خضر الوادى”
خضر الوادى هو النباتات والأشجار الخضراء التى تملأ الجنة، أو الحديقة فى الوادى الفسيح الذى تشغله، وهى ترمز إلى نفوس المؤمنين الذين يملأون العالم. فالعروس، أى النفس المؤمنة، نزلت لتنظر وتفحص نفوس المؤمنين فى العالم؛ حتى تساندهم، وتشجعهم على الحياة مع الله.
وقد تكون كما ذكرنا فى العنوان السابق فى نفس الآية فى رقم (1) أن العروس نزلت إلى نفسها لتفحص الفضائل التى فى داخلها، وهى خضر الوادى؛ لتعرف مدى نموها، وإثمارها.
“هل أقعل الكرم” :
فحصت العروس نفسها، أو نفوس المؤمنين الذين حولها؛ لتجد بداية إثمار العنب، أى البراعم، أو العنب الصغير، فبداية البراعم تعلن تجاوب النفس، واستعدادها للنمو والإثمار.
“هل نور الرمان”
فحصت أيضاً العروس، هل أعطى الرمان أزهاراً تعلن تجاوب النفس، وبداية الإثمار. فالعروس تفحص نفسها والآخرين؛ لتعرف مدى التجاوب مع الحب الإلهى، وهذا هو عمل الخادم مع نفسه، ومع من حوله.
ع12: عندما تحركت العروس، ونزلت إلى الجنة، ورأت الكرم قد أقعل، والرمان قد نور شعرت بحماس لتجاهد فى داخلها، وتتعب فى خدمة الآخرين، وجذبهم للعريس. وعندما بدأت هذا الجهاد، وأصبحت عروس عاملة، صارت مركبة بين مركبات قوم شريف، والقوم الشريف هم المؤمنون فى الكنيسة، أى أصبحت العروس من المؤمنين المجاهدين، وما دامت قد أصبحت مركبة فى الكنيسة، فقد صار رأسها وقائدها هو المسيح، فتمتعت بعشرته ورؤيته عن قرب، بالإضافة إلى أنها تشجعت بوجودها بين المؤمنين المجاهدين، فما أحلى أن يجتمع الإخوة معاً (مز133: 1).
وبهذا، صارت العروس من الأقوياء المجاهدين، فهى مركبة فى جيش الله المحارب إبليس وجنوده، وتنال بالتالى النصرة على الشيطان، بالإضافة إلى أنها تنال كرامة، ومجد أولاد الله جزئياً على الأرض، ثم بالكمال فى السماء.
إن كانت العروس مبتدئة فى الجهاد، وبالكاد أقعلت، أى ظهرت براعم فيها، ونورت، أى ظهرت زهور عليها، ولكنها فى نظر الله مركبة بين مركبات قوم شريف، فالعريس يشجعها، فتصير مجاهدة بالحقيقة.
إذا كانت العروس قد أصبحت مركبة من مركبات الله فى جيشه، فهى تحمل المسيح عريسها، وما دامت تحمل العريس، أى قبل العريس أن يركب فيها، فهو بالتالى سيحملها، أى يكمل نقصها، ويعينها، ويرفعها فى طريق الجهاد؛ حتى يوصلها لملكوته.
ع13: شولميث : مؤنث سليمان، فشولميث العروس أخذت اسمها من اسم سليمان الذى يرمز للمسيح.
“ارجعى إرجعى يا شولميث” :
شولميث هى عروس سليمان، ومعناها السلام، وهى مرتبطة به، فكما أن العريس يشع بنوره على العروس، فتصير مثله، هكذا أيضاً سليمان يفيض سلاماً على محبوبته شولميث، فتصير مثله. وسليمان يرمز للمسيح، وشولميث ترمز للعروس، التى هى الكنيسة، أو النفس المؤمنة.
والعريس ينادى على عروسه شولميث أن ترجع، أى ترجع إليه، وتتوب عن خطاياها، وترفض كل شر.
ويكرر كلمة ارجعى تأكيداً لضرورة الرجوع والتوبة، فلا تنشغل بأحد غيره؛ لتحيا معه وفيه، وإن تكرر السقوط، وابتعاد العروس عن عريسها يناديها، ويشجعها : “إرجعى إرجعى”، أى لا تيأسى من سقوطك، بل قومى وارجعى، فأنا أحبك، واقبل توبتك، مهما تكررت خطاياك، وسقطاتك، فالصديق يسقط فى اليوم سبع مرات ويقوم (أم24: 16).
“إرجعى إرجعى فننظر إليك”
يكرر ثانية كلمة إرجعى مرتين؛ لأن طريق حياة العروس معرض للسقوط والقيام مرات كثيرة.
وعندما يقول : ننظر إليك، أى بصيغة الجمع، فهو يقصد الثالوث القدوس، أى الله بأقانيمه الثلاثة ينظر، ويتأمل رجوعها، ويفرح بها، إذ هو يقول : “لذاتى مع بنى آدم” (أم8: 31).
“ماذا ترون فى شولميث مثل رقص صفين” :
ينادى العريس على المؤمنين، والملائكة؛ لينظروا إلى شولميث، ويقول لهم ما هو الجمال الذى ترونه فيها ؟
وقد يكون حديث الثالوث القدوس، ويقول ماذا ترون فى شولميث ؟
وهناك رأى آخر هو أن شولميث باتضاع ترد على عريسها، وتقول ماذا ترون فى شولميث، إنها غير مستحقة لمحبة عريسها وتمجيده لها، فهى لا شئ أمام مجد عريسها، فماذا ترون؟ أى لن تجدوا فيها ما يستحق أن تنظروا إليه.
يواصل العريس حديثه، أو يرد على شولميث، فيقول، “مثل رقص صفين” أى أرى الفرح والابتهاج، الذى يشير إليه الرقص، فهى فى فرح عظيم، لأنها بين يدى عريسها، وهى فرحة بغفران عريسها لخطاياها.
ويقول العريس : مثل رقص، فهو ليس رقصاً، ولكنه مثل رقص، أى يرمز إلى الفرح والسرور. وهو فرح داخلى تشعر به النفس المؤمنة، وليس عملاً خارجياً.
رقص صفين يرمز إلى فرح جيشين، ووصف حركة العروس بالجيش؛ لأن العروس مجاهدة قوية، أما الصفين، أو الجيش، فهما صف للكنيسة المجاهدة على الأرض، والصف الثانى للكنيسة المنتصرة فى السماء، وكلاهما عروس للمسيح. واشتراك الكنيسة المنتصرة فى الرقص، أى الفرح مع الكنيسة المجاهدة؛ لأن السماء تفرح بتوبة الكنيسة التى على الأرض، ورجوعها إلى عريسها.
وقد يرمز الجيشان لليهود والأمم الذين آمنوا بالمسيح، وعاشوا معه، وسبحوه، فصاروا فى فرح داخلى عظيم.
رقص الصفين هو فرح العروس الداخلى وتسبيحها لعريسها، وهو قوى مثل قوة جيشين، وهذا مرعب جداً لأعداء العروس الذين هم الشياطين.إن العروس العاملة تفرح قلب الله بجهادها، وخدمتها، وتسبيحها. فليتك يا أخى تقوم من خطاياك، وترجع إلى الله، وتعمل عملك الذى ينتظره منك خالقك، وهو تسبيح الله كل يوم، بالإضافة إلى حبك، وخدمتك لكل من حولك، فتتمتع بمحبة الله، ورعايته وملكوته.