القروض و الصدقة والكفالة والقناعة
يلاحظ عدم وجود آيتين فى هذا الأصحاح هما (ع16، 17)، وهما ليستا آيتان مفقودتين، حيث يوجد فى نص الترجمة السبعينية أكثر من آية تشمل آيتين فى النص الذى معنا، وجميع الآيات فى هذا الأصحاح موجودة فى الترجمة السبعينية مع اختلاف الترقيم.
كما سنلاحظ اختلاف أرقام المزامير بين نص الأجبية ونص الكتاب المقدس، ولكن لا يوجد أى مزمور مفقود، إنما أحياناً يوجد مزموران مضمومان فى مزمور واحد.
(1) القروض ( ع1- 10):
1الَّذِي يَصْنَعُ رَحْمَةً يُقْرِضُ الْقَرِيبَ، وَالسَّخِيُّ الْيَدِ يَحْفَظُ الْوَصَايَا. 2أَقْرِضِ الْقَرِيبَ فِي وَقْتِ حَاجَتِهِ، وَاقْضِهِ مَا لَهُ عَلَيْكَ فِي أَجَلِهِ. 3حَقِّقْ مَا نَطَقْتَ بِهِ وَكُنْ أَمِينًا مَعَهُ؛ فَتَنَالَ فِي كُلِّ حِينٍ بُغْيَتَكَ. 4كَثِيرُونَ حَسِبُوا الْقَرْضَ لُقْطَةً؛ فَعَنَّوُا الَّذِينَ أَمَدُّوهُمْ. 5قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُ يُقَبِّلُ الْيَدَ، وَيَخْشَعُ بِصَوْتِهِ، حَتَّى يَنَالَ مَالَ الْقَرِيبِ. 6فَإِذَا آنَ الرَّدُّ مَاطَلَ، وَنَطَقَ بِكَلاَمٍ مُضْجِرٍ، وَشَكَا صَرْفَ الدَّهْرِ. 7إِنْ كَانَ الرَّدُّ فِي طَاقَتِهِ، لَمْ يَكَدْ يَرُدُّ النِّصْفَ، وَيَحْسَبُ مَا رَدَّهُ لُقْطَةً. 8وَإِلاَّ فَيَسْلُبُهُ أَمْوَالَهُ، وَيَتَّخِذُهُ عَدُوًّا بِلاَ سَبَبٍ. 9يَجْزِيهِ اللَّعْنَةَ وَالشَّتِيمَةَ، وَبَدَلَ الإِكْرَامِ يُكَافِئُهُ الإِهَانَةَ. 10كَثِيرُونَ أَمْسَكُوا لأَجْلِ خُبْثِ النَّاسِ، مَخَافَةَ أَنْ يُسْلَبُوا بِغَيْرِ سَبَبٍ.
ع1: سخى اليد : من يعطى بوفرة.
إن الله يأمرنا أن نكون رحومين على المحيطين بنا، كما هو رحيم معنا، ومن أشكال الرحمة أن نقرض أقرباءنا، أى من حولنا. ويلاحظ أننا بهذا نساعدهم لسد احتياجاتهم بطريقة لا تجرح مشاعرهم، ويمكن أن يسددوا ما عليهم عندما تتحسن حالتهم المالية. ويراعى ألا تأخذ منهم فوائد ماداموا محتاجين؛ فهذا يعتبر ربا، والله حرمه عند إقراض المحتاجين (خر22: 25). وإن تعثر من أقرضته فى تسديد ما عليه بسبب فقره، فلا تطالبه، واعتبر هذا نوع من المساعدة والعطاء. أما فى حالة الغنى، إذا اقترض منك لمشاريعه التجارية، التى سيكسب منها، فيمكن أن تأخذ فوائد لنفسك، فأنت تشترك معه فى العمل التجارى الذى يدر أرباحاً.
وليتك عندما تقرض المحتاج، تكون سخياً فى إقراضه، فلا تعطه أقل مما يطلب، بل أكثر؛ ليسد حاجته، واعلم أنك بهذا تحفظ وصايا الله فى عمل الخير، فيكافئك الله.
ع2: أجله : ميعاده.
تشرح لنا هذه الآية كيف أقرض الآخرين. ويقول هنا : “القريب”، كما فى الآية السابقة، ويقصد به ليس فقط الأقارب الجسديين، بل كل إنسان، كما أوضح المسيح فى مثل السامرى الصالح (لو10: 37)، هذا هو فكر الله الذى أعلنه فى الكتاب المقدس.
كيف أقرض ؟ … أقرض غيرى فى وقت حاجته، فلا أهمله وقت حاجته؛ لأنه فى غير وقت الحاجة لن يطلب، أى أشعر بالآخرين واحتياجاتهم؛ حتى لو لم يطلبوا منى. إن كنت كريماً وتحفظ وصايا الله، إذهب إليه، واعرض عليه أن تقرضه، بل ليكن فى قلبك أيضاً، كما ذكرنا فى الآية السابقة، أنه لو لم يستطع أن يسدد، فسأسامحه ولن أطالبه.
فى النصف الثانى من هذه الآية يخاطب من يقترض من غيره، فتوصيه الآية أن يقضى، أو يوفى ما عليه، أى يسدد الدين فى الميعاد، الذى اتفق عليه مع من أقرضه، سواء كان الاتفاق تسديد المبلغ كله، أو على أقساط. بهذا تكون أميناً مع الرجل الكريم الذى أقرضك، أى لا تكون مستغلاً لمن أقرضك، وتطمع فى أخذ أمواله؛ حتى لو كنت أنت أفقر منه، ولكنك تستطيع أن تعيش بالمال القليل الذى معك، ولا تحسد، أو تغير من هذا الغنى، بل انظر إلى كرمه، وأشكره على حسن صنيعه معك.
ع3: بغيتك : قصدك وهدفك وما تتمناه.
إذا اقترضت من إنسان، فكن أميناً فى تسديد ما عليك فى الوقت الذى أتفقت عليه، فتحقق أهدافاً كثيرة، أهمها :
- يرى من أقرضك أمانتك، فيطمئن أن يقرضك مرة أخرى.
- تعطى فرصة لمحتاجين آخرين أن يقترضوا، إذ يكون للمقرض ما يعطيهم إياه.
- الله يفرح بأمانتك، فيعطيك نعمة فى أعين الناس، فيقرضوك.
- الله يبارك فيما عندك لأمانتك، فلا تحتاج أن تقترض مرة أخرى.
ع4: لقطة : فرصة ثمينة لاقتناء أموال بسهولة.
عنوا : أتعبوا.
أمدوهم : أقرضوهم.
بعض المحتاجين يشعرون أن الاقتراض لقطة، ينبغى أن يستغلوها لتحقيق أغراضهم وسد احتياجاتهم، سواء الضرورية، أو الغير ضرورية، ولكن لا يسددون ما اقترضوه فى ميعاده، ويتعبون من أقرضوهم، والله يتضايق منهم، وكذا من أقرضوهم؛ لأنهم غير أمناء ومستغلون.
ع5، 6: يخشع بصوته : يخفض صوته، فيبدو متضعاً ومحتاجاً؛ ليحنن قلب المقرض.
فإذا آن الرد : إذا جاء ميعاد تسديد الدين.
ماطل : أجَّل وتباطأ.
مضجر : مزعج.
صرف الدهر : مصائب الزمن.
المحتاج للاقتراض، قبل أن يأخذ ما يحتاجه يتضع أمام من يقترض منه، ويقبل يده، ويخفض صوته؛ حتى ينال المال الذى يحتاجه، كل هذا تظاهر ليعلن احتياجه الشديد، ويحنن قلب من سيعطيه.
ولكن عندما يأتى ميعاد تسديد الدين الذى أتفق عليه، يتغير شكله وأسلوبه، فيؤجل تسديد الدين، ويتذمر على ظروف الحياة، ويشتكى من الضيقات وصعوبة المعيشة؛ حتى لا يسدد المطلوب منه. إنه تحايل وتظاهر زائد بما ليس فيه، فيظهر أتضاعاً واحتياجاً شديدين، ثم عندما يأتى موعد تسديد الدين، يرتفع صوت التذمر والشكوى، فهذا كله عدم أمانة.
ع7: لم يكد : بصعوبة.
المقترض عندما يتوفر عنده المال ليسدد دينه، يشعر أنه من الخسارة عليه أن يسدد ما عليه، وبصعوبة نتيجة الضغط عليه من الذى أقرضه، يسدد نصف ما عليه، ويعتبر أن هذه لقطة للدائن كأن ليس من حق هذا الدائن أن يسترد أمواله، إنه منطق مقلوب، كل هذا يبين محبة المال التى فى قلب المقترض، فهو لا يريد تسديد ما عليه.
ع8، 9: المقترض إما أن يسدد نصف ما عليه، وهذا بصعوبة، كما ذكرنا فى الآية السابقة، أو لا يسدد إطلاقاً، ويسلب أموال من أقرضه. والأكثر من هذا، يتضايق من الدائن؛ لأنه يطالبه بأمواله، ويعتبر الدائن عدواً له.
بل أكثر من هذا، يتطاول المقترض على الدائن، فيشتمه، ويلعنه، ويهينه، بدلاً من أن يكرمه؛ لأنه ساعده فى ساعة ضيقه. كل هذا لتسلط محبة المال والطمع على قلب المقترض؛ حتى أنه لشعوره بالحرمان، ظن أن ما اقترضه أصبح ملكاً له، وليس من حق الذى عطف عليه وأعطاه، أن يطالبه بتسديد ما عليه.
ع10: كثيرون من الأغنياء امتنعوا عن إقراض المحتاجين من أجل شرهم، وخبثهم الذى يظهر فيما يلى :
- طمعهم فى أموال الأغنياء، فإذا اقترضوا فهم لا يسددون ما عليهم، ويعتبرون أن من حقهم أن يسلبوا الأغنياء.
- قد يكون الفقراء مبذرين فى إنفاقهم، فيزداد فقرهم، والحل ليس هو الاقتراض من غيرهم، بل أن يكونوا حكماء، ويكتفوا بما عندهم، إلى أن تُحل أزمتهم المالية.
- قد يكون الفقراء خبثاء فى تكاسلهم، وبالتالى لقلة أعمالهم، أو امتناعهم عن العمل أصبحوا فقراء، واعتمدوا على الاستدانة من الأغنياء.
إذا كنت مسروراً فى عطائك، أو إقراضك للآخرين، فاهتم بهذا؛ لأنه يفرح قلب الله والمحتاجين. ولكن إن شعرت أنك تشجع المحتاجين على الخطية، وهى التبذير والكسل، فلا تقرضهم؛ حتى لا تشترك معهم فى خطيتهم.
(2) الصدقة ( ع11-18):
11مَعَ ذلِكَ كُنْ طَوِيلَ الأَنَاةِ عَلَى الْبَائِسِ، وَلاَ تُمَاطِلْهُ فِي الصَّدَقَةِ. 12لأَجْلِ الْوَصِيَّةِ أَعِنِ الْمِسْكِينَ، وَفِي عَوَزِهِ لاَ تَرْدُدْهُ فَارِغًا. 13أَتْلِفْ فِضَّتَكَ عَلَى أَخِيكَ وَصَدِيقِكَ، وَلاَ تَدَعْهَا تَصْدَأُ تَحْتَ الْحَجَرِ وَتَتْلَفُ. 14أَنْفِقْ ذَخِيرَتَكَ بِحَسَبِ وَصَايَا الْعَلِيِّ؛ فَتَنْفَعَكَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ. 15، 16أَغْلِقْ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي أَخَادِيرِكَ؛ فَهِيَ تُنْقِذُكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ. 17، 18تُقَاتِلُ عَنْكَ عَدُوَّكَ، أَكْثَرَ مِنْ تُرْسِ الْبَأْسِ وَرُمْحِ الْحَمَاسَةِ.
ع11: أيها القادر على العطاء، إن كان أمامك بعض المحتاجين عندهم طمع، أو تكاسل، فليس معنى هذا أن تكون شحيحاً فى عطائك لكل المحتاجين. فمن تشعر أنه محتاج، إعطه من مالك مادام عندك، ولا تؤجل العطاء، وكن طويل الأناة وحنون على البائس الفقير، فتعامله بمحبة ورفق، وتساعده.
ع12: أعن : ساعد.
عوزه : احتياجه.
تردده : المقصود ترده.
إهتم بالعطاء للفقراء؛ لأن الكتاب المقدس فى العهد القديم والجديد يدعونا إلى مساعدة الفقراء. والوصايا فى هذا الأمر كثيرة، منها :
“افتح يدك لأخيك الفقير والمسكين” (تث15: 11)، وكذلك “لا تقبض يدك عن أخيك الفقير… واقرضه مقدار ما يحتاج إليه” (تث15: 7، 8).
“ينبغى أنكم تتعبون وتعضدون الضعفاء متذكرين كلمات الرب يسوع أنه قال مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ” (اع20: 35).
فيلزم أن تساعد الفقير ولا ترده فارغاً دون أن تعطيه، ما دمت قادراً على مساعدته.
ع13: عندما يعطى العاطى أمواله للمحتاجين – وهذه الأموال كانت فى شكل فضة، أو ذهب – يعتبر هذا أمام النظرة البشرية إتلاف؛ لأنها لن تعود إليه، وتكون أملاكه قد قلَّت شيئاً ما؛ هذا ما قد يفكر به الإنسان، ولكن ليعلم كل إنسان أن إكتناز الفضة والذهب بحفظها تحت حجر، يعرضها للصدأ والتلف. أما ما يسمى إتلاف، وهو العطاء للمحتاج، فهذا يفيد المحتاج، ويرضى الله عنك ويحبك، فهذه دعوة للصدقة و العطاء لكل محتاج.
وفى العصر الحالى، فإن المال بجميع صوره، معرض للسرقة، والضياع بأى شكل، أما استخدامه فى مساعدة المحتاجين، فهذا أمر عظيم أمام الله، ومحبة مقدمة لأخوتنا المحتاجين.
والمسيح فى العهد الجديد يؤكد هذا المعنى، فأوصانا أن نكنز فى السماء بدلاً من أن نعرض ما نكتنزه للسوس والصدأ (مت6: 19).
ع14: والعطاء هو تنفيذ لوصايا الله، كما ذكرنا فى (ع12)، فننفق ذخائرنا، أى ما ندخره فى العطاء للمحتاجين، بهذا يباركنا الله فى حياتنا على الأرض. وهذه العطايا تتبعنا عندما نرتفع إلى السماء، أى يكافئنا الله عنها، وعن كل جهادنا الروحى فى ملكوت السموات.
ع15: أخاديرك : جمع خدر، وهو الستر الذى كان يُعمل قديماً فى المنازل لتستتر وراءه المرأة.
الإغلاق على الصدقة فى الأخادير معناه :
- إعطاء الصدقة فى الخفاء.
- الاهتمام بالصدقة التى بها نكنز كنوزاً فى السماء، فتكون كنوزنا مخفية عن أعين الناس؛ لأنها فى السماء.
- الأخادير ترمز إلى قلوب الفقراء، فعندما نعطى المحتاجين يصلون من أجلنا، فينقذنا الله من كل شر.
وهذه الصدقة من بركاتها أن تنقذنا من كل شر، وذلك فيما يلى :
- الله ينقذنا فى حياتنا على الأرض من المشاكل و الخطايا، فنعبر منها بسلام.
- ينقذنا الله من شرور العالم، بأن نرتفع فى النهاية للراحة الأبدية فى الملكوت، ولا نذهب إلى الجحيم.
ع16، 17: تم الإشارة إليهما فى مقدمة هذا الأصحاح.
ع18: ترس : قطعة خشبية لها عروة من الخلف، يضع فيها الجندى يده، ويحركها أمام رأسه وجسده؛ لتحميه من سهام العدو فى الحرب.
البأس : القوة.
الحماسة : الشجاعة.
إن الصدقة ترتفع إلى الله، ويفرح بها، أى بمحبتك، فتدافع عنك أمام عدوك الشيطان أكثر من ترس البأس، أى الله يقف معك، ويصد عنك هجمات الشيطان، ويكشف حيله، فتدوسها وتعبر فوقها.
وإن كان الشيطان سيلقى عليك فى شجاعة رمحه؛ ليسقطك فى الخطية، فالله يحميك من هذا الرمح، بل يقويك، فتضربه أنت بصلواتك واتضاعك، فتنتصر عليه؛ لأنك أحببت الله، ويظهر هذا فى صدقاتك.
ليتك تنتهز كل فرصة لمساعدة المحتاجين؛ سواء الفقراء، أو المرضى، أو الغرباء … فمحبتك لأى محتاج هى عطاء لله شخصياً، فيفرح بك، ويباركك، ويعد لك مكاناً عظيماً فى السموات.
(3) الكفالة ( ع19-27):
19الرَّجُلُ الصَّالِحُ يَكْفُلُ الْقَرِيبَ، وَالَّذِي فَقَدْ كُلَّ حَيَاءٍ يَخْذُلُهُ. 20لاَ تَنْسَ نِعَمَ الْكَافِلِ؛ فَإِنَّهُ بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِكَ. 21الْخَاطِئُ يَهْرُبُ مِنْ كَافِلِهِ، وَاللَّئِيمُ الرُّوحِ يَخْذُلُهُ. 22الْخَاطِئُ يُدَمِّرُ خَيْرَاتِ الْكَافِلِ، وَجَاحِدُ الْجَمِيلِ يَخْذُلُ مُخَلِّصَهُ. 23مِنَ النَّاسِ مَنْ يَكْفُلُ قَرِيبَهُ، لكِنَّهُ يَفْقِدُ كُلَّ حَيَاءٍ فَيَخْذُلُهُ.
24كَثِيرُونَ كَانُوا فِي نُجْحٍ؛ فَأَهْلَكَتْهُمُ الكَفَالَةُ وَأَقْلَقَتْهُمْ كَأَمْوَاجِ الْبَحْرِ. 25أَلْجَأَتْ رِجَالًا مُقْتَدِرِينَ إِلَى الْمُهَاجَرَةِ؛ فَتَاهُوا بَيْنَ أُمَمٍ غَرِيبَةٍ. 26الْخَاطِئُ الَّذِي يَتَهَافَتُ عَلَى الكَفَالَةِ، وَيَصْبُو إِلَى الْمُعَامَلاَتِ يَقَعُ تَحْتَ الأَقْضِيَةِ. 27أَمْدِدْ قَرِيبَكَ بِقَدْرِ طَاقَتِكَ، وَاحْذَرْ عَلَى نَفْسِكَ أَنْ تَسْقُطَ.
ع19: يكفل : يضمن الآخر ويسدد ما عليه إن لم يستطع هذا الآخر التسديد.
يخذله : يتخلى عنه.
الله هو كفيلنا الذى ضمننا، ومات عنا على الصليب، وأعطانا الخلاص بدمه، فكل إنسان مؤمن بالمسيح، ويحيا معه هو صالح، فيكفل قريبه فى احتياجه وضيقته، أما من يخذله ويتخلى عنه، فهو فاقد للحياء، ولا يقدر عظمة الخلاص الذى أعطاه له الله.
ع20: إذا مررت بضيقة، وتقدم إنسان صالح وكفلك، فاشكره جداً، وحاول أن ترد له الجميل إن استطعت، سواء فى تسديد الأموال التى دفعها عنك، أو فى أية خدمة يحتاجها.
تطبيق هذا يكون أولاً مع الله، الذى كفلك على الصليب، فتشكره وتطيع وصاياه، وتخدمه كل أيام حياتك.
وأيضاً لا تنسى أباك وأمك اللذان كفلاك، وأعتنيا بك منذ ولدت، فتهتم بهما فى احتياجاتهما، وشيخوختهما، ومن أجل هذا أعطاك الله الوصية “أكرم أباك وأمك” (خر20: 12).
ع21-23: تخاطب هذه الآيات الشخص المحتاج الذى كفله شخص صالح، والذى ينبغى أن يرد له الجميل، ويسدد ما عليه عندما يتوفر له المال، ولكن إن كان هذا المكفول خاطئاً ولئيماً وجاحداً للجميل، فلا يسدد ما عليه، ويخذل من كفله، فيهرب من كافله، وهو بهذا يدمر خيرات الكفيل ، فلن يستطيع أن يساعد ويكفل الآخرين، إذ أن أمواله لا ترجع إليه ممن كفلهم.
ع24، 25: كانوا فى نجح : نجاح وغنى.
كثير من الأغنياء الناجحين فى أعمالهم وحياتهم اضطربوا من أجل كفالتهم لغيرهم، وكادوا يهلكون، أى يقبض عليهم، ويلقون فى السجن، واضطروا للهرب إلى بلاد بعيدة؛ لأنهم عاجزون عن تسديد الكفالات التى ضمنوا بها غيرهم، وامتناع المكفولين عن سداد ما عليهم، أو جزء منه، وبهذا تاه هؤلاء الأغنياء وسط أمم غريبة، وعاشوا غرباءً وضعفاءً فى أماكنهم الجديدة التى تغربوا فيها.
ع26: يصبو : يسعى.
المعاملات : طلب أن يكفله أحد.
الإنسان الخاطئ الذى يحب المال، ويسعى لطلب أن يكفله أحد، ولا يهتم بتسديد ما عليه فى أقرب وقت ، فهو يعرض من يكفله، لتسديد الكفالة عنه، فتنقص أمواله، ويحتاج، فيضطر للهرب؛ هذا يسقط تحت قضاء الله، فيغضب عليه فى الأرض، ثم يدينه فى يوم الدينونة، لأن محبته للمال جعلته يؤذى غيره.
ع27: أمدد : ساعد.
خلاصة كل ما سبق عن الكفالة، هو الآتى :
- ساعد قريبك المحتاج قدر ما يفيض منك من أموال.
- كن حذراً؛ لئلا تسقط فى الديون، فيقبضون عليك، وتلقى فى السجن، أو تضطر للهرب؛ حتى لا يقبضوا عليك.
ليكن قلبك متسعاً بالحب لتساعد المحتاجين وتضمنهم إذا كان عندك من المال ما يفيض عنك، ولكن إن كنت غير قادر، فلا تندفع وتكفل غيرك؛ لأجل إلحاحه عليك؛ حتى لا تضايق نفسك، أو تهتز مبادئك عندما يتخلى عنك من كفلته، ويمتنع عن تسديد ما عليه. فمحبة الآخرين أمر ضرورى، ولكن فى نفس الوقت يلزم أن تقترن بالحكمة، واستشارة مرشديك.
(4) القناعة ( ع28-35):
28رَأْسُ الْمَعِيشَةِ الْمَاءُ وَالْخُبْزُ وَاللِّبَاسُ وَالْبَيْتُ السَّاتِرُ لِلسَّوْءَةِ. 29عَيْشُ الْفَقِيرِ تَحْتَ سَقْفٍ مِنْ أَلْوَاحٍ، خَيْرٌ مِنَ الأَطْعِمَةِ الْفَاخِرَةِ فِي دَارِ الْغُرْبَةِ. 30إِرْضَ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ فَلاَ تَسْمَعَ تَعْيِيرًا فِي
أَمَرِ الْبَيْتِ. 31بِئْسَ حَيَاةُ الإِنْسَانِ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ، وَحَيْثُمَا ضَافَ لَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 32تُطْعِمُ وَتَسْقِي جَاحِدِينَ لِجَمِيلِكَ، وَأَنْتَ ضَيْفُهُمْ، وَوَرَاءَ ذلِكَ تَسْمَعُ أَقْوَالًا مُرَّةً. 33أَنْ قُمْ، يَا ضَيْفُ، جَهِّزِ الْمَائِدَةَ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِكَ شَيْءٌ فَأَطْعِمْنِي. 34انْصَرِفْ، يَا ضَيْفُ، مِنْ أَمَامِ شَخْصٍ كَرِيمٍ. إِنَّ أَخًا لِي يَتَضَيَّفُنِي؛ فَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيْتِ. 35أَمْرَانِ يَسْتَثْقِلُهُمَا الإِنْسَانُ الْفَطِنُ: الاِنْتِهَارُ فِي أَمَرِ الْبَيْتِ، وَتَعْيِيرُ الْمُقْرِضِ.
ع28: السوءة : هى العورة، وهى ما يستره الإنسان من جسده خجلاً من إظهاره.
أساس الاحتياجات الضرورية للإنسان هو توفر الخبز، وهو رمز للطعام بأنواعه،
والماء، وهو رمز لكل ما يشربه الإنسان، واللباس، أى جميع أنواع الملابس، بالإضافة إلى
البيت الذى ينام فيه الإنسان ويستريح ويستره، لأنه إذا نام فى العراء قد تنكشف بعض أجزاء
من جسمه.
والمقصود قناعة الإنسان فى طلباته لاحتياجاته المعيشية، فهو لا يحتاج إلا إلى هذه الأربعة: الخبز والماء، واللباس، والبيت، أما ما عدا هذا فهو يعد رفاهيات كمالية، يمكن استخدامها، أو الاستغناء عنها.
ع29: من جهة المسكن، فالإنسان الفقير مهما كان بيته بسيطاً، وسقف بيته مصنوع من ألواح خشبية متجاورة، فهو أفضل من بيت عظيم مملوء بالأطعمة الفاخرة، ولكن ليس بيته،
بل هو ضيف وغريب فى هذا المكان؛ لأن الفقير يتصرف بحرية داخل مسكنه، مهما كان حقيراً! أما فى البيت العظيم، ذى الأطعمة اللذيذة، فسيعانى من ذل وإهانات كثيرة، كما يظهر من الآيات التالية.
والخلاصة، كن مكتفياً بما عندك، مهما كان هذا المسكن أقل من غيره بكثير، لكنه ملك لك، تحيا فيك بحريتك، وتعمل ما تشاء، وتشكر الله عليه.
ولا تتسرع للسفر لأى مكان، لتقيم ضيفاً فى مسكن غيرك، فلا تجد راحتك، وحتى فى الدول الأجنبية، قد لا تجد كل الحقوق مثلما فى بلدك، لا تنبهر بعظمة البيت، أو أى أمور خارجية؛ لأن الحرية أفضل شئ، وتساعدك على أن تحيا مع الله.
ع30: ليتك ترضى يا أخى بما عندك من إمكانيات للمعيشة؛ سواء كانت كثيرة أو قليلة؛ لأنها فى بيتك، وملك لك، مهما كانت متواضعة، ولكن إذا كنت غريباً فى مكان، فتتعرض لسماع إهانات وتعييرات ممن يقيمون فى هذا المكان، ويحتقرونك لأنك غريب، فلا يريدون أن يعطوك نفس الحقوق التى يتمتعون بها.
ع31: بئس : ما أسوأ.
ضاف : نزل ضيفاً.
ما أسوأ ألا يكون لك بيت تستقر فيه، بل تحيا غريباً، فتنتقل من بيت إلى بيت، حسبما تجد إنساناً يستضيفك.
وفى أى مكان يستضيفونك فيه، مهما وجدت أموراً لا تناسبك، وتضايقك، تضطر أن تحتملها، ولا تفتح فمك بأى اعتراض؛ لأنهم سيهنونك لو حاولت الاعتراض.
ع32: إن من يستضيفونك سيستغلونك لإعداد الطعام لهم، وكذا الشراب، وترتيب البيت، فهم لا يكرمونك كضيف، ولكنهم ينظرون إليك أنك كمستغل تأكل عندهم، وتنام، فيعتبرون أن من حقهم عليك أن تخدمهم، وتتعب لأجل كل ما يطلبونه.
وبالإضافة إلى كل التعب الذى تعانيه، ستسمع أقوالاً مرة منهم، فيلومونك على التقصير فى خدمتهم، ويأمرونك بقسوة أن تعمل ما يريدونه، أى ستعذب نفسك طالما أنت مقيم عندهم.
ع33: ويأمرك صاحب البيت، ويقول لك يا ضيف قم أعدد لى طعاماً، وكل ما أحتاجه، وإن كنت تأكل شيئاً يقول لك : أعطنى ما تأكله؛ لأنى صاحب البيت، وأحق منك بأى طعام، أو شراب.
ع34: الأصعب من كل هذا، بعد كل ما احتملته من استغلال من صاحب البيت، أن يزوره أحد أحبائه، فيصفه بأنه رجل كريم، وأخ، وأحق منك فى أن يقيم عنده، ويستضيفه، فيطردك من البيت، فتخرج مهاناً ومذلولاً. لماذا كل هذا؟ إلا لأنك غير قنوع، وتريد مكاناً وأطعمة وأموراً فاخرة؛ هذا هو الثمن، الذل والعار.
ع35: خلاصة ما قيل فى هذا الأصحاح، أنه من أصعب الأمور فى الحياة أمرين :
- تعيير صاحب البيت الذى يستضيفك وإهانته لك واستغلالك.
- تعيير من أقرضك مالاً، فيذلك قبل أن يقرضك، ويهينك إن تأخرت فى السداد، ويتكلم عليك كلاماً رديئاً مع كل الناس، فيسىء إلى سمعتك.
فالإنسان الحكيم، أى الفطن يبعد نفسه عن الانشغال بالشهوات المادية، فلا يسافر إلى أماكن بعيدة؛ ليجد فيها ما هو أفضل من حياته فى مكانه، أو يقترض ليرفع مستوى معيشته. والأفضل بالطبع أن يكون الإنسان قنوعاً، يكتفى بما عنده، ويشكر الله، وينشغل بخلاص نفسه. أى يا ليتك تتغرب يا أخى عن العالم ومادياته؛ لتستوطن عند الله، فتحيا فى سلام وفرح، وكرامة روحية، بدلاً من أن تجرى وراء شهواتك، فيذلك الشيطان، بل وتسقط فى خطايا أيضاً كثيرة، وتبتعد تدريجياً عن الله، فتخسر خلاص نفسك. تعلم يا أخى أن تضبط شهواتك، وتستخدم كل شئ بمقدار، فيفيض عنك، وتعطى الآخرين، بدلاً من أن تكون فى إحساس الحرمان، والجرى وراء الشهوات. لا تنسى هدفك الوحيد، وهو خلاص نفسك وأبديتك.