الغنى الشرير
(1) سلوك الغنى الشرير (ع1-8):
1مَنْ لَمَسَ الْقِيرَ تَوَسَّخَ، وَمَنْ قَارَنَ الْمُتَكَبِّرَ أَشْبَهَهُ. 2لاَ تَرْفَعْ ثِقَلًا يَفُوقُ طَاقَتَكَ، وَلاَ تُقَارِنْ مَنْ هُوَ أَقْوَى وَأَغْنَى مِنْكَ. 3كَيْفَ يُقْرَنُ بَيْنَ قِدْرِ الْخَزَفِ وَالْمِرْجَلِ؟ إِنَّهَا إِذَا صُدِمَتْ تَنْكَسِرُ. 4الْغَنِيُّ يَظْلِمُ وَيَصْخَبُ، وَالْفَقِيرُ يُظْلَمُ وَيَتَضَرَّعُ. 5إِنْ كُنْتَ نَافِعًا اسْتَغَلَّكَ، وَإِنْ كُنْتَ عَقِيمًا خَذَلَكَ. 6إِنْ كَانَ لَكَ مَالٌ عَاشَرَكَ، وَاسْتَنْفَذَ مَالَكَ وَهُوَ لاَ يَتْعَبُ. 7إِنْ كَانَتْ لَهُ بِكَ حَاجَةٌ، غَرَّكَ وَتَبَسَّمَ إِلَيْكَ وَوَعَدَكَ وَكَلَّمَكَ بِالْخَيْرِ، وَقَالَ: «مَا حَاجَتُكَ؟» 8وَقَدَّمَ لَكَ مِنَ الأَطْعِمَةِ مَا يُخْجِلُكَ، حَتَّى يَسْتَنْفِذَ مَا لَكَ فِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثٍ، وَأَخِيرًا يَسْتَهْزِئُ بِكَ وَيَرَاكَ بَعْدَ ذلِكَ فَيَخْذُلُكَ، وَيُنْغِضُ رَأْسَهُ عَلَيْكَ.
ع1 : القير : القار وهو الزفت.
قارن : اقترن وصاحب.
إذا كان من يلمس القار تتسخ يداه، فأيضاً من يصاحب المتكبر سيتأثر بكلامه، وتصرفاته، ويصبح متكبراً مثله ولو قليلاً.
ع2: لا ترفع ثقلاً فوق طاقتك، لأنك ستعجز، أو يصيبك ألم، وكذلك أيضاً لا تصادق من هو أغنى منك وأقوى فى مركزه؛ لأنه عند الضرورة قد يستخدم سلطانه وأمواله ضدك، إذ سيفكر بأنانية ويرى مصلحته على حساب مصلحتك. فليس من الحكمة أن تعيش مع الأغنياء؛ لأنك لن تستطيع مجاراتهم فيما يشترون، إذ لا تملك مثلهم. أحبب الكل، ولكن عش مع من يوافقك فى الحالة المالية والمستوى الاجتماعى.
إن فكرت فى الاقتراب من الغنى؛ لتنقذه من محبة المال، أو المتكبر لتعلمه الاتضاع، فينبغى أن تصلى من أجل ذلك كثيراً، وتكون فى حذر، وأيضاً تكون تحت إرشاد روحى؛ لئلا تسقط فى بعض أخطائه.
ع3 : المرجل : قدر من نحاس.
لا يمكن أن نقارن قدر خزفى بقدر نحاسى؛ لأن القدر الخزفى إذا اصطدم بشئ سينكسر،أما النحاسى فيظل متماسكاً قوياً. ويقصد هنا أنه لا مقارنة بين الفقير والغنى، ولا يمكن أن يصاحب كل منهما الآخر من أجل الفارق بينهما.
هذه الآيات الثلاثة تؤكد عدم الاقتراب من الغنى، أو مصاحبته، لاختلاف المستوى المالى.
وفى الآيات التالية سيشرح خطورة الالتصاق بالغنى.
ع4: يصخب : يحدث أصواتاً عالية.
إن الغنى من السهل عليه أن يظلم الفقير، والعجيب أنه بعدما يظلمه يرفع صوته، ويشتكى متضايقاً منه، مع أنه أساء إليه، ولعله يفعل هذا كتبرير لخطئه فيخدر ضميره، وليكسب تعاطف الناس معه، وهم يقبلون هذا إرضاءً له؛ لسلطانه، وأمواله الكثيرة.
أما الفقير عندما يظلمه الغنى، فهو يتضرع إلى الله؛ لينقذه، ويتضرع ويترجى الغنى ليسامحه، مع أنه لم يخطئ، لأنه لا سند له، إذ أن الجميع يتخلون عنه، إرضاءً للغنى.
من هذا يُفهم أنه الأفضل للفقير أن يبتعد عن الغنى، ويعيش مع الفقراء الذين مثله، فيحيا مطمئناً، ويتصرف بحرية.
ع5: عقيماً : لا ينجب.
إن الغنى الشرير إذا صاحب فقيراً ووجد فيه فائدة له، فإنه يستغله، وإن كان عقيماً، أى ليس فيه فائدة له، يهمله، ويبتعد عنه، وبالتالى يلزم أن يبتعد الفقير عن الغنى؛ حتى لا يستغله، أو يهينه.
ع6: إن عاشر الفقير غنياً، فسيضطر أن ينفق أموالاً كثيرة مجاراة له، حتى تنفذ وتنتهى أموال الفقير (استنفذ مالك). وأما الغنى فإنه لا يتعب؛ لأن أمواله كثيرة.
ع7، 8: غرك : خدعك.
ينغض : يهز رأسه استهزاء واحتقاراً.
إن وجد الغنى منفعة له من الفقير، فإنه يصاحبه، ويبتسم فى وجهه، ويعده بالخير، بل يعرض عليه أن يساعده فى أى احتياج، ويقدم له أطعمة فاخرة فى ولائم متتالية. ويضطر الفقير أن يأخذ هدايا للغنى؛ حتى تنفذ أمواله سريعاً بعد مرتين أو ثلاثة من هذه الولائم، أو الرحلات الترفيهية ذات التكلفة العالية. وحينئذ يبعد عنه الغنى، ويحتقره، ويستهزئ به؛ لأنه قد أخذ منفعته، ولا حاجة له من هذا الفقير. من كل الآيات السابقة، فليفهم الإنسان أن يبتعد عمن هو أغنى منه بكثير؛ حتى ينجو من هذا الاستغلال، والشعور بصغر النفس، وليتخلص من كل أنواع الاحتقار.
لا تتعالَ وتنشغل بمن هم أغنى منك، فهذا لن يفيدك، بل على العكس، قد تحتمل منهم متاعب متنوعة، لأنك لا تضمن طبيعة هذا الغنى هل هو صالح أم لا ؟! ولكن ليتك تصادق من هو فى مستواك، وتهتم بالأكثر بمن يشجعك على الحياة الروحية؛ حتى تقترب إلى الله، وتنمو فى محبته.
(2) الاتضاع (ع 9 – 13):
9اخْشَعْ للهِ، وَانْتَظِرْ يَدَهُ. 10احْذَرْ أَنْ تَغْتَرَّ وَتَتَذَلَّلَ فِي جَهَالَتِكَ. 11لاَ تَكُنْ ذَلِيلًا فِي حِكْمَتِكَ، لِئَلاَّ يَسْتَدْرِجَكَ الذُّلُّ إِلَى الْجَهَالَةِ. 12إِذَا دَعَاكَ مُقْتَدِرٌ فَتَوَارَ؛ فَبِذَلِكَ يَزِيدُ فِي دَعْوَتِهِ لَكَ. 13لاَ تَقْتَحِمْ، لِئَلاَّ تُطْرَدَ، وَلاَ تَقِفْ بَعِيدًا لِئَلاَّ تُنْسَى.
ع 9-11: لا تشتاق أن تصادق الأغنياء، فهذا لا يعطيك فخراً، بل يذلك، إذ سيستغلونك، كما ذُكر فى الآيات السابقة. لأنه ليس من الحكمة أن تعيش ذليلاً بجوار الأغنياء، بل هذا جهل، لأن الأغنياء سيستغلونك، ولا تستفيد شيئاً، بل تخسر أموالك وبذلك يستدرجك الذل إلى الجهالة.
الأفضل من كل هذا التعب الذى بلا فائدة أن تتقرب إلى الله، وتخضع له فى توبة وصلوات، وتتلمذ على كلامه فى الكتاب المقدس، فتنال بركات كثيرة من يده. وإن كنت تريد أن تتقرب إلى أحد، فاقترب إلى إخوة الرب، وقدم لهم مساعدات واهتمام، فيفرح بك الله، وترتفع صلواتهم لأجلك؛ هذه هى الحكمة الحقيقية.
ع12، 13: توار : تباعد.
إذا دعاك غنى ذو سلطان إلى وليمة، فلا تسرع وتهجم، ولكن تمهل، وانتظر. فإذا شعر الغنى بهدوئك، يزيد فى دعوته لك، ويشدد عليك الحضور، والجلوس فى الوليمة؛ لأنه يطمئن لتصرفاتك، وعفتك.
لا تسرع وتجلس فى المتكأ الأول مع كبار المدعوين، لئلا يسرع إليك صاحب الوليمة، ويقيمك لتجلس فى مكان بعيد. ومن ناحية أخرى، لا تتباعد تماماً، وترفض الحضور إلى الوليمة، فيتضايق منك صاحبها وينساك فيما بعد، بل كن متزناً، واجلس فى المتكأ الأخير، كما علمنا المسيح (لو14: 8-11)، فيظهر اتضاعك وتعففك، وقد يأتى إليك صاحب الوليمة، ويقدمك إلى مكان أفضل.
المتضع هو إنسان قوى يفرح به الله، ويباركه، ويحبه الناس، ويستريحون إليه، ويمجدونه. تمسك بالله، واسلك باتضاع، فتحيا مطمئناً بين يدى الله، ويستريح إليك الكثيرون، فتنمو بسهولة فى طريق الملكوت.
(3) الاحتراس من الغنى الشرير (ع14-32):
14لاَ تُقْدِمْ عَلَى مُحَادَثَتِهِ، وَلاَ تَثِقْ بِكَلاَمِهِ الْكَثِيرِ؛ فَإِنَّهُ بِكَثْرَةِ مُخَاطَبَتِهِ يَخْتَبِرُكَ، وَبِتَبَسُّمِهِ إِلَيْكَ يَفْحَصُكَ. 15إِنَّهُ بِلاَ رَحْمَةٍ. لاَ يُنْجِزُ مَا وَعَدَ، وَلاَ يُمْسِكُ عَنِ الإِسَاءَةِ وَالْقُيُودِ. 16احْتَرِزْ وَتَنَبَّهْ جِدًّا؛ فَإِنَّكَ عَلَى شَفَا السُّقُوطِ. 17وَإِنْ سَمِعْتَ بِهذِهِ فِي مَنَامِكَ فَتَيَقَّظْ. 18فِي حَيَاتِكَ كُلِّهَا، أَحْبِبِ الرَّبَّ وَادْعُهُ لِخَلاَصِكَ. 19كُلُّ حَيَوَانٍ يُحِبُّ نَظِيرَهُ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يُحِبُّ قَرِيبَهُ. 20كُلُّ ذِي جَسَدٍ يُصَاحِبُ نَوْعَهُ، وَالرَّجُلُ يُلاَزِمُ نَظِيرَهُ. 21أَيُقَارِنُ الذِّئْبُ الْحَمَلَ؟ كَذلِكَ شَأْنُ الْخَاطِئِ مَعَ الْتَّقِيِّ. 22أَيُّ سَلاَمٍ بَيْنَ الضَّبْعِ وَالْكَلْبِ؟ وَأَيُّ سَلاَمٍ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ؟ 23الْفِرَاءُ فِي الْبَرِّيَّةِ صَيْدُ الأُسُودِ، وَكَذلِكَ الْفُقَرَاءُ هُمْ مَرَاعِي الأَغْنِيَاءِ. 24التَّوَاضُعُ رِجْسٌ عِنْدَ الْمُتَكَبِّرِ، وَهكَذَا الْفَقِيرُ رِجْسٌ عِنْدَ الْغَنِيِّ. 25الْغَنِيُّ إِذَا تَزَعْزَعَ يُثَبِّتُهُ أَصْدِقَاؤُهُ، وَالْمُتَوَاضِعُ إِذَا سَقَطَ فَأَصْدِقَاؤُهُ يَطْرُدُونَهُ. 26يَزِلُّ الْغَنِيُّ فَيُعِينُهُ كَثِيرُونَ. يَتَكَلَّمُ بِالْمُنْكَرَاتِ فَيُبَرِّئُونَهُ. 27يَزِلُّ الْمُتَوَاضِعُ فَيُوَبِّخُونَهُ. يَنْطِقُ بِعَقْلٍ، فَلاَ يَجْعَلُونَ لِكَلاَمِهِ مَوْضِعًا. 28يَتَكَلَّمُ الْغَنِيُّ فَيَنْصِتُ الْجَمِيعُ، وَيَرْفَعُونَ مَقَالَتَهُ إِلَى السَّحَابِ. 29يَتَكَلَّمُ الْفَقِيرُ فَيَقُولُونَ: «مَنْ هذَا؟» وَإِنْ عَثَرَ يَصْرَعُونَهُ. 30أَلْغِنَى يَحْسُنُ بِمَنْ لاَ خَطِيَّئةَ لَهُ، وَالْفَقْرُ مُسْتَقْبَحٌ فِي فَمِ الْمُنَافِقِ. 31قَلْبُ الإِنْسَانِ يُغَيِّرُ وَجْهَهُ؛ إِمَّا إِلَى الْخَيْرِ؛ وَإِمَّا إِلَى الشَّرِّ. 32طَلاَقَةُ الْوَجْهِ مِنْ طِيبِ الْقَلْبِ، وَالْبَحْثُ عَنِ الأَمْثَالِ يَجْهَدُ الأَفْكَارَ.
ع14: الغنى المقتدر الذى دعاك إلى وليمته، لا تظن أنك بهذه الدعوة قد صرت مثله، وفى مستواه، وتقف نداً له، ففى الوليمة لا تكثر الكلام معه، إذ هو أعلى منك. تكلم معه قليلاً، وإن أطال الكلام معك، فاحترس لئلا يصطادك بكلمة، أو يأخذ منك أخباراً، أو أسراراً لم تكن أنت مستعداً أن تعطيها له، فقد يستخدم هذه الأخبار لمصلحته ضدك. لا تنخدع بابتسامته وكلماته المعسولة، إنها غاشة مغرضة.
ع15 : احترس أيضاً من الغنى لأنه غير رحيم، إذ هو أنانى يفكر فى مصلحته أولاً، وإذا أمسك خطأً عليك فيمكن أن يلقيك فى السجن والقيود، أو يعرضك لضربات وجلدات كثيرة. كن حريصاً فى كل تعاملاتك معه؛ لأنه غنى شرير.
ع16، 17: شفا : حافة.
لا تظن أنك عظيم عندما دعاكَ الغنى إلى وليمته، وأنك صرت مثله، فاعلم أنك على حافة السقوط فى مصيبة كبيرة، وإذا رجعت إلى بيتك، وأخذت تتخيل فى أحلام يقظة أنك أصبحت قريباً جداً منه، وتخيلت أنه سيدعوك مرات كثيرة، وإن نمت وحلمت أحلاماً بهذا المعنى، فانتبه وتيقظ؛ لأن كل هذا خداع وكذب، إذ أنك قد صدقت كلماته المعسولة، ونسيت أنك مختلف عنه فى المستوى، وأنه شرير، فأسرع إلى مراجعة نفسك، وتب عن أفكار الكبرياء، وارجع إلى حياتك الهادئة مع الله، ومع أسرتك وأحبائك.
ع18: خلاصة القول فى كل ما سبق، لا تنشغل إلا بالله الذى هو أغنى الأغنياء، والذى يحبك، وقادر أن يسندك، فادعه بالصلاة كثيراً، فتتمتع بعشرته، ويتنقى قلبك من كل كبرياء، وتحيا فى سلام.
ع19، 20: نظيره : مثله.
الطبيعة تعلمنا أن الحيوان يتآلف ويعيش مع الحيوانات التى من نوعه، وكذا أيضاً كل إنسان يحب قريبه، أى الذى فى مستواه، ويحيا فى حياة قريبة من حياته، وهكذا أيضاً الطيور، والأسماك، والحيوانات البحرية، والحشرات … كل المخلوقات تعيش مع نفس نوعها.
ع21، 22: الضبع : حيوان متوحش منظره مخيف وأسنانه كبيرة، ويأكل الجثث الميتة.
لا يمكن أن نرى ذئباً يصاحب حملاً، ولا ضبعاً يسير مع كلب فى سلام، كذلك لا نجد صداقة بين الخاطئ والتقى الذى يخاف الله، أو صداقة بين الغنى والفقير.
ع23: الفراء : الحمار الوحشى.
إن كان الفراء، وهو الحمار الوحشى يفترس غيره من الحيوانات، لكنه لا يستطيع أن يصادق الأسد؛ لأنه سيفترسه، كذلك أيضاً لا يستطيع الفقير أن يصادق الغنى؛ لأن الغنى سيستغله، كما يستغل الإنسان الحيوانات التى يربيها، مثل الخراف، فيأخذ صوفها، ويأكل لحمها.
ع24: رجس : نجس ومحتقر.
إن كان المتكبر يحتقر المتواضع، فالغنى أيضاً يحتقر الفقير؛ لأنه يشعر أن قوته هى فى الغنى، ولذا فمن المؤكد أن يبتعد الفقير عن هذا الغنى الشرير؛ ليحيا فى سلام.
فكما يتخيل المتكبر أن التواضع ضعف وذل ومهانة، كذلك الغنى أيضاً يشعر أن الفقر تكاسل، وعدم فهم، وعجز عن النجاح فى الحياة، وأن الفقراء لا يستوعبون، أو يفهمون ما يفهمه الأغنياء، رغم أن الحقيقة قد تكون العكس، كما أن لعازر كان أعظم بكثير من الغنى فى المثل الذى ذكره المسيح (لو16: 20-25).
ع25: تزعزع : اهتز بشدة.
إذا اضطرب الغنى أمام أية مشكلة، فإن أصدقاءه يساعدونه، ويساندونه؛ ليخرج من اضطرابه. أما الإنسان الفقير المسكين إذا سقط فى أى خطأ، يعامله أصدقاؤه بشدة، ويطردونه عنهم؛ لأنهم لا يستفيدون منه شيئاً، عكس الغنى الذى يستفيدون من أمواله وولائمه.
ع26، 27: يزل : يسقط.
المنكرات : الأخطاء.
إذا سقط الغنى فى أى خطأ، فإن أصدقاءه يساندونه، ويعاونونه للخروج من هذا الخطأ كأن لم يحدث شئ، ويبررون أفعاله. وحتى لو تكلم بأمور قبيحة، وأخطاء دنسة، يلتمسون له العذر، ويعتبرون كلامه سليماً. كل هذا بالطبع مجاملة، ولا يجسر أحد أن يعاتبه، أو يوبخه؛ لأنهم أصدقاء مغرضون لا يطلبون خلاصه، بل أمواله. وللأسف هذا المسكين يصدق ما يقولونه فيتمادى فى شره.
أما المتواضع الفقير الضعيف، إذا سقط فى أى خطأ يوبخونه بوضوح. ومن ناحية أخرى إذا تكلم كلاماً عاقلاً، فلا يقبلونه، ولا يحترمون كلامه، إذ لا سند مادى له، فهم لا يفحصون الكلام جيداً، ولا يقدرون الكلام الحكيم، بل يحتقرون الفقير، ويجاملون الغنى؛ لأنهم يكيلون بمكيالين؛ الغنى يمدحونه حتى لو كان مخطئاً، والفقير يوبخونه، ويحتقرون كلامه؛ حتى لو كان كلاماً حكيماً.
ع28، 29: يصرعونه : يقتلونه، والمقصود يطردونه، ويستهزئون به وبكلامه.
هاتان الآيتان تظهران رياء الناس، فعندما يتكلم الغنى يمدحونه، وكأن كلامه كلام ملاك، أو كلام نزل من السماء، أى كلام عظيم جداً، مع أنه كلام عادى، أو قد يكون كلاماً خاطئاً، كما تكبر هيرودس الملك، فمدحه الصيدونيون، وقالوا هذا صوت إله، وليس إنسان
(أع12: 22).
أما الفقير فإذا تكلم، حتى ولو كلاماً حكيماً، ينظرون إليه باحتقار، ويقولون من هذا، ويشعرون أن كلامه تافه، وإن أخطأ فى شئ، ولو قليل، يقومون عليه بكلام عنيف، وقد يضربونه، أو يطردونه، لا لشئ إلا لأنه فقير، أقل منهم فى المستوى المادى والاجتماعى، وهذا هو الرياء الشديد.
ع30: مستقبح : قبيح، والمقصود شر كبير.
إن الغنى حسن جداً، إذا كان الإنسان الغنى بعيد عن الخطايا، ويحيا فى البر، فالغنى ليس شراً، ولكن إذا اقترن بالشر، أو استخدم المال فى الشر، يصبح أمراً مرفوضاً من الحكماء. فيشوع بن سيراخ ليس ضد الغنى، ولكنه ضد الغنى المرتبط بالشر، إذ يوجد أغنياء صالحون كثيرون، استخدموا أموالهم فى عمل الخير، ومساعدة المحتاجين.
أما الإنسان المنافق، فهو يرى أن الفقر شر كبير، وقبيح جداً؛ لتعلق المنافق بالمال، مع أن الفقر فى حد ذاته ليس شراً، بل يوجد فقراء صالحون، وعظماء فى نظر الله، مثل لعازر فى مثل الغنى ولعازر (لو16: 20-25)، ومثل راعوث ونعمى حماتها، وقد صارت راعوث فيما بعد عظيمة، بل وجدة للمسيح (مت1: 5).
ع31: القلب هو مركز المشاعر، وهو أعمق شئ فى الإنسان، ومن فضلة القلب يتكلم
الفم (مت12: 34)، فإن كانت فى القلب أفكار صالحة، يصبح اتجاه وجه الإنسان إلى عمل الخير. وإن كانت فى القلب أفكارٌ شريرة، يصبح اتجاه وجه الإنسان إلى الشر، فالقلب الصالح يجعل عين الإنسان بسيطة، تبحث عن فضائل الناس، وكل ما هو حسن، أما القلب الشرير
فإنه يجعل عين الإنسان شريرة، وجسده يكون مظلماً، بعيداً عن الله، ويميل إلى فعل الشر
(مت6: 22، 23).
ع32: طلاقة : فرح وتهليل.
من بركات القلب الصالح الطيب أن يجعل وجه صاحبه فرحاً، بشوشاً، لطيفاً فى تعاملاته مع الآخرين.
من ناحية أخرى، الذى يبحث عن الأمثال المنتشرة فى العالم، والتى تمثل الحكمة البشرية المنقولة من الآباء إلى الأبناء، فسيجهد عقله كثيراً؛ لأنها حكمة محدودة، وتحمل أيضاً أخطاء، وتعبر عن سلوك البشر، الذين ليس كلهم حكماء، بل إن بعضهم جهلاء، وبالتالى من إجهاد العقل يصبح الوجه حزيناً، ويفقد طلاقته، أما الحكمة الإلهية، التى فى الكتاب المقدس، فهى تعطى الإنسان سلاماً، وفرحاً (يع3: 17). كن أميناً فى استخدام أموالك، عالماً أن الله أعطاها لك؛ لتكون وكيلاً عليها، وتستخدمها للخير لاحتياجاتك، واحتياجات من حولك. لا تفكر فى نفسك فقط، وإلا ستكون أنانياً، ولكن أشعر بمن حولك، فيباركك الله ببركات لا تحصى.