كيف تنال رحمة القدير ؟
إن كان الأصحاح السابق يبين اهتمام الله بالإنسان، ففى هذا الأصحاح، يُظهر سيراخ رحمة الله الخالق العظيم لكل البشر، وكيف يتمتع أولاد الله أكثر من غيرهم بهذه الرحمة، من خلال الكلام الطيب، والاستعداد، والزهد.
(1) الخالق العظيم (ع1-5):
1الْحَيُّ الدَّائِمُ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ عَامَّةً. الرَّبُّ وَحْدَهُ يَتَزَكَّى. 2لَمْ يَسْمَحْ لأَحَدٍ أَنْ يُخْبِرَ بِأَعْمَالِهِ، 3وَمَنِ الَّذِي اسْتَقْصَى عَظَائِمَهُ؟ 4مَنْ يُعَدِّدُ قُوَّةَ عَظَمَتِهِ؟ وَمَنْ يُقْدِمُ عَلَى تَبْيَانِ مَرَاحِمِهِ؟ 5لَيْسَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يُسْقِطَ مِنْ عَجَائِبِ الرَّبِّ، وَلاَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا، وَلاَ أَنْ يَسْبُرَهَا.
ع1: عامة : كلها، أو جميعها.
يتزكى : يتبرر، وهو الكامل الذى بلا ضعف.
الله وحده هو الحى بذاته، أى لم يعطه أحد الحياة، وهو الدائم إلى الأبد، وكل الأشياء متغيرة؛ هذه هى المخلوقات التى خلقها الله كلها. وأعطاها الحياة والدوام بمقدار، وميز الإنسان عن باقى الخلائق فى الحياة والخلود؛ ليدوم مع الله إلى الأبد.
الله هو وحده الذى يتزكى ويسمو ويرتفع عن كل كائن على الأرض، أو فى السماء؛ لأن الله هو مصدر كل شئ، أما كل الأشياء فهى مخلوقاته، أى أن كل شئ منه، ولا قيمة له بدون الله، وبالتالى يكون الوحيد، المزكى، العظيم فى العالم كله هو الله.
ع2، 3: استقصى : بحث فى الشئ بحثاً شاملاً؛ حتى بلغ أعماقه.
الله وحده هو العارف قدراته، ولا يمكن لأى إنسان أن يعرف كل أعماق الله، فهو لم يسمح لأحد من البشر، أو الملائكة أن يخبر بأعماله؛ لأنهم لا يستطيعون أن يعرفوا كل ما يتصل بأعماله، إلا بالقدر الذى يسمح لهم به، فيعرفون بعض آثار أعماله عليهم؛ لأن كل كائن عاجز عن أن يصل إلى معرفة أعماق كل أعمال الله وعظائمه. لذا عاتب الله أيوب على شكواه منه، رغم أنه لم يكن قد خُلق عندما خلق الله العالم لأجله، فكيف يعرف تدبير الله، وخطته فى الخلائق، وفى حياة أيوب (أى38: 4). إن عقل الإنسان المحدود لا يمكن أن يفهم كل شئ عن أعمال الله.
ع4: تبيان : فسرها بوضوح.
يعجز كل إنسان عن أن يعرف عدد أعمال الرب القوية؛ لأنها تفوق عقل الإنسان. إنه يعرف فقط شيئاً عن قوته، أو بعض أعماله القوية.
ومن ناحية أخرى، لا يستطيع إنسان فهم، وتفسير رحمة الله، التى تغطى كل المخلوقات، وخاصة الإنسان، فإنها أيضاً تفوق العقل البشرى.
والخلاصة، أن قوة الله، ورحمته غير محدودة، والإنسان يعرف عنها القليل، ولا يمكن أن يعرف كل شئ عنها.
ع5: يسبرها : يصل إلى أعماقها.
إن أعمال الله كلها عجيبة وعظيمة، فليس من حق أى إنسان أن يقلل من مقدار عظمتها؛ لأغراض شخصية، أو انحراف فى فكره، ولا أيضاً من ناحية أخرى، أن يبالغ، أو يزيد من حجم العمل الإلهى؛ لأن الله يعمل كل شئ بالمقدار المناسب فى الوقت المناسب؛ لفائدة الإنسان. ويلزم أن يكون الإنسان صادقاً، ومدققاً فى فهمه، وشرحه أعمال الله، معتمداً على الصلاة والإرشاد.
وكذلك، لا يستطيع الإنسان أن يعرف الأعمال الإلهية، لكنه يعرف شيئاً عنها، قدر ما يكشف له الله.
ومعنى أن الإنسان لا يستطيع أن ينقص، أو يزيد من أعمال الله، أنه لا يستطيع أن يحذف شيئاً من أعماله، ولا يستطيع أن يضيف شيئاً لم يخلقه، أو يعمله الله. فأقصى قدرة للإنسان، أن يستفيد من هذه الأعمال الإلهية، ويستثمرها، فتزيد بركة الله له، أو يقلل استخدامه لبعض أعمال الله، إذا كانت غير مناسبة له. فالزارع يستطيع أن يستخدم وسائل فى الزراعة؛ لإكثار النباتات، بواسطة الحبوب، أو النباتات الصغيرة (فسائل)، أو أجزاء من فروع النبات بالتطعيم، وإن أضاف شيئاً بالتهجين، أو التطعيم، فهو مأخوذ من حيوانات، أو نباتات سبق وخلقها الله، مثل إنتاج البغل من الحمار والحصان. وإذا كان الإنسان لا يرى كل الكواكب، أو النجوم، فليس معنى هذا عدم وجودها، ولا يستطيع أن يسقطها من حسابه، والاكتشافات مستمرة لمعرفة الكثير عن الإنسان والحيوان والنباتات وكل الكائنات.
تأمل يا أخى فى قدرة الله الخالق، وتدبيره لكل خلائقه، فهو يرعاها، ويطعمها بالشكل المناسب لها، فتحيا معاً فى توازن بيئى لمصلحة الإنسان. وكم تكون رعايته لك أيها
الإنسان الحبيب. ليتك تشكر الله كل يوم، فتكتشف الجديد من أعماله، ويزداد شكرك وسعادتك.
(2) رحـمة الله (ع6-14):
6إِذَا أَتَمَّ الإِنْسَانُ، فَحِينَئِذٍ يَبْتَدِئُ، وَإِذَا اسْتَرَاحَ، فَحِينَئِذٍ يَتَحَيَّرُ. 7مَا الإِنْسَانُ، وَمَا مَنْفَعَتُهُ؟
مَا خَيْرُهُ، وَمَا شَرُّهُ؟ 8عِدَّةُ أَيَّامِ الإِنْسَانِ عَلَى الأَكْثَرِ مِئَةُ سَنَةٍ. كَنُقْطَةِ مَاءٍ مِنَ الْبَحْرِ، وَكَذَرَّةٍ مِنَ الرَّمْلِ، هكَذَا سِنُونَ قَلِيلَةٌ فِي يَوْمِ الأَبَدِيَّةِ. 9فَلِذلِكَ طَالَتْ عَلَيْهِمْ أَنَّاةُ الرَّبِّ، وَأَفَاضَ عَلَيْهِمْ رَحْمَتَهُ. 10رَأَى وعَلِمَ أَنَّ مُنْقَلَبَهُمْ هَائِلٌ، 11فَلِذلِكَ أَكْثَرَ مِنَ الْعَفْوِ. 12رَحْمَةُ الإِنْسَانِ لِقَرِيبِهِ، أَمَّا رَحْمَةُ الرَّبِّ فَلِكُلِّ ذِي جَسَدٍ. 13يُوَبِّخُ وَيُؤَدِّبُ وَيُعَلِّمُ وَيَرُدُّ، كَالرَّاعِي رَعِيَّتَهُ. 14يَرْحَمُ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ تَأْدِيبَهُ، وَيُبَادِرُونَ إِلَى الْعَمَلِ بِأَحْكَامِهِ.
ع6: تعبر هذه الآية عن أهمية السعى والجهاد لمعرفة الله. أن الله غير محدود، فإذا سار الإنسان فى بحثه، وظن أنه قد أتم معرفة شئ محدد عن الله، يكتشف أنه قد انفتحت أمامه أبوابٌ كثيرة للبحث لابد أن يستكملها؛ لأن البحث يفتح عينى الإنسان ليعرف الجديد عن الله، والله لن ينتهى؛ لأنه غير محدود.
وإذا تعب الإنسان أثناء بحثه، فاستراح لفترة، يشعر أنه مرتبك، ومتحير؛ لكثرة الأمور التى يحتاج إلى البحث فيها، لكن نعمة الله تسند كل من يطلب معرفة الله، وتكشف له أموراً تشبعه، وتفرحه، وتساعده على الاستمرار فى البحث. لذا، فبولس الرسول يضع مبدأً هاماً فى هذا الأمر، “لست أحسب نفسى أنى قد أدركت، ولكن افعل شيئاً واحداً، إذ أنا أنسى ما هو وراء وامتد إلى ما هو قدام، أسعى نحو الغرض لأجل جعالة دعوة الله العليا فى المسيح يسوع” (فى3: 13-15)، أى يشجعنا أن نظل نسعى نحو الله ومعرفته، فهدفنا هو معرفة الله، والوجود معه فى الأبدية، ولا نوقف جهادنا الروحى أبداً.
ع7: يقارن بن سيراخ الإنسان بالله، فيتساءل : “ما الإنسان وما منفعته” ؟ فهو أمام الله لا شئ، فهو مخلوق محدود، والله غير محدود. والإنسان إذا افتخر بخيره، فهو لا شئ أمام الله البار القدوس الكامل فى صفاته. وإذا افتخر بشره، فقوته لا شئ أمام قوة الله، أى لا يستطيع أن يؤذى الله، أو يوقف خطته الإلهية، ولذا ينبغى أن يتضع الإنسان أمام الله، فيباركه، ويكمل نقصه وضعفه.
ع8 : الإنسان أيامه على الأرض قليلة، فهى فى الغالب لا تزيد عن مئة عام، وعمر الإنسان هذا إذا قورن بالحياة الأبدية، فهو لا شئ، ويشبهه بنقطة ماء فى البحر، أو ذرة من الرمال الملقاة على الشاطئ؛ لأن كل أيام الإنسان أياً كان عددها، تعتبر لا شئ أمام يوم الأبدية، الذى هو غير محدود؛ لأن أى رقم حسابى هو لا شئ أمام ما لا نهاية له.
وقد أكد هذا المعنى الكثير من الآباء، مثل يعقوب آب الآباء، الذى قال لفرعون عن حياته التى بلغت وقتذاك مئة وثلاثون عاماً. أنها “قليلة وردية” (تك47: 9)، وموسى النبى الذى قال : أن عمر الإنسان سبعون أو ثمانون سنة، وأنها ستنتهى سريعاً (مز90: 10).
ع9 : كل ما سبق يدعو الإنسان إلى الاتضاع أمام الله، فينال مراحمه؛ لأن الله غير المحدود أب حنون، وكريم، وسخى، يشفق على أولاده، ويسندهم؛ حتى يعبر بهم إلى الحياة الأبدية السعيدة. فإذا أخطأ الإنسان، وسقط فى أية شهوة، يطيل الله أناته عليه؛ ليتوب. فالله يعرف ضعف الإنسان، الذى ينسى أنه لا شئ أمام الله، ويتهاون، ويضيع أبديته بخطايا مؤقتة؛ لذا قال الآباء القديسون : هلموا نجاهد؛ لأنه بأمور زهيدة (وهى تعب الجهاد الروحى) ننال ملكوت السموات.
ع10، 11: الله يعلم أن من يصر على الشر ستنقلب حياته، ويذهب إلى العذاب الأبدى. ولذا يدعو الإنسان للتوبة؛ ليعفو عنه ويرحمه، فيعيده إلى طريق الحياة والأبدية السعيدة. ولتكرار سقوط الإنسان، أكثر الله له العفو، حتى لا يخسر الملكوت.
ع12: إن مفهوم الإنسان عن الرحمة، هو أن يرحم أقرباءه، وكل من يرتبط بهم، وينتفع منهم. أما الله الغير محدود، فرحمته غير محدودة، تشمل كل البشر. وهذا يشجع كل إنسان على التوبة، ويعطيه رجاءً فى الله الذى سيرحمه.
وهذه الآية تعلن لليهود فى العهد القديم، أن الله سيقدم رحمته لكل البشر فى المسيح الفادى على الصليب؛ ليخلص ويرحم كل من يؤمن به، بالرحمة لليهود والأمم، وليس فقط لليهود، كما كان يظن البعض منهم.
ع13: إن الله الرحيم يستخدم وسائل مختلفة للتوبة عن خطاياهم. فإذا كانوا متمادين فى شرهم يوبخهم، وينخسهم؛ ليرجعوا عما يفعلون، وإذا استمروا بعد هذا فى الشر، يؤدبهم بضيقات كثيرة؛ حتى ينتبهوا ويتوبوا. وإذا لاحظ الله أن أولاده فى جهل، يعلمهم؛ ليرجعوا إلى وصاياه ، ويعيشوا فى الطريق المستقيم. كل هذا ليردهم إلى الحياة معه؛ لأنه هو الراعى الصالح، الذى يهتم بخرافه، فإذا ابتعد خروف عن القطيع، يسرع إليه ليرده؛ ليسير مع باقى إخوته فى الطريق الصحيح.
ع14: إن مراحم الله تزداد لمن يقبلون تأديبه لهم؛ لأنهم يقرون بخطاياهم، ويعودون بالتوبة إليه.
وتزداد أيضاً مراحم الله لمن يسرعون إلى العمل بأحكامه، ووصاياه. فالله حنون ورحوم، خاصة على المتجاوبين معه.
إن كانت مراحم الله كبيرة إلى هذه الدرجة يا أخى، فهيا بنا نسرع إلى التوبة، بل نحترس من مصادر الخطية مهما بدت صغيرة؛ لنحيا فى نقاوة أمام الله، ونتمتع بمعونته ومحبته.
(3) الكلام الطيب (ع15-18):
15يَا بُنَيَّ، لاَ تَقْرِنِ الصَّنِيعَةَ بِالْمَلاَمِ، وَلاَ الْعَطِيَّةَ بِكَلاَمِ التَّنْغِيصِ. 16أَلَيْسَ النَّدَى يُبَرِّدُ الْحَرَّ؟ هكَذَا الْكَلاَمُ أَفْضَلُ مِنَ الْعَطِيَّةَ. 17أَمَا تَرَى أَنَّ الْكَلاَمَ أَفْضَلُ مِنَ الْعَطِيَّةِ، وَكِلاَهُمَا عِنْدَ الرَّجُلِ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ. 18تَعْيِيرُ الأَحْمَقِ مَكْرُوهٌ، وَعَطِيَّةُ الْحَاسِدِ تُكِلُّ الْعُيُونَ.
ع15: الملام : اللوم أو التأنيب.
التنغيص : المضايقة.
جيد أن تفكر فى عمل الخير، وأن تعمله، ولكن يلزم أن تعمله بنقاوة وحب. احترس من أفكار إبليس الذى يريد أن يقلب كل الخير الذى تعمله إلى شر، فيدفعك إلى إدانة الآخرين بغرض إصلاحهم، فتقرن عمل الخير بكلام يضايقهم، وبدلاً من أن تفرحهم تحزنهم. إن الناس عموماً يحتاجون إلى التشجيع أكثر من التأنيب والتوبيخ. وإذا كان لابد أن تعاتب وتوبخ، فيلزمك أن تقدم كلامك بطريقة إيجابية، فتمتدح الآخر، وتضيف إلى كلامك أنك ستكون بحالة أفضل إذا عملت كذا، كذا … بدلاً من أن تقول له أنت مخطئ فى كذا وكذا.
ضع نفسك مكان الآخر لتعرف ما تحتاج أن تسمعه، إن كنت مكانه؛ لتقدمه له، فتفرح وتفرح قلبه.
ولعلك عندما تخطئ وتقرن عمل الخير الذى تعمله بكلمات اللوم، تراجع نفسك بعد هذا؛ لترى مدى طول أناة الله عليك، وكيف يعمل معك الخير بكثرة، دون أن يلزمك؛ لتتعلم منه، وتعمل هذا مع الآخرين.
ع16: إن قطرات الندى الباردة، عندما تنزل على الأرض، وما عليها، تبرد حرارتها، هكذا أيضاً كلماتك الطيبة، سواء كانت تشجيع، أو مدح، تلطف القلوب المتعبة من الضيقات والمشاكل؛ هذا أفضل شئ تقدمه للمتعبين الذين يملأون الأرض حولك.
ع17: المنعم عليه : من يأخذ العطية.
إن العطية المعطاة للمحتاج، بالطبع تفرح قلبه، ولكن إذا اقترنت بالكلام الطيب، فإن المنعم عليه يكون فى سعادة لا توصف. فإن كنت تريد أن تعمل الخير وتفرح القلوب، فلابد أن تقرن صنع الخير بكلمات طيبة، وهذا يؤكد أن قلبك ممتلئ بالحنان على من تساعده.
ع18: تكل : تتعب وتجهد.
إن من يدين غيره؛ سواء أعطاه عطية، أو لم يعطه، هو إنسان أحمق، وبالطبع فإن المتلقى لهذا الكلام، سيتضايق من هذا الأحمق، ويكره ما يسمعه منه، وإن كان قد أعطاه الأحمق شيئاً، فيتمنى المتلقى ألا يأخذ هذا الشئ؛ حتى لا يسمع كلمات التعيير.
وكذلك من يعطى غيره، وهو لا يحب المحتاج، أو يشعر أنه أحق بها منه، فهو حاسد، والحسد هو الذى جعله غير محب وغير مشفق على من يعطيه، بل على العكس، فهو يؤذى من يعطيه، ويتعبه جسدياً ونفسياً؛ حتى أن متلقى العطية قد يبكى من كثرة ضيقه وتكل عيناه. فاحذر يا أخى لئلا تكون شريكاً للأحمق، أو الحاسد دون أن تدرى.
تأمل يا أخى فى معاونة الله لك، وعطاياه الكثيرة؛ حتى تسعى بالحب نحو الآخرين، ليس فقط بالعطايا، بل بالأكثر بكلماتك الطيبة. شجع صغار النفوس، واسند الركب المخلعة، وتأنى على الجميع (عب12: 12).
(4) الاستعداد حـماية (ع19-29):
19قَبْلَ الْقَضَاءِ كُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنَ الْحَقِّ، وَقَبْلَ الْكَلاَمِ تَعْلَّمْ. 20قَبْلَ الْمَرَضِ اسْتَطِبَّ، وَقَبْلَ الْقَضَاءِ افْحَصْ نَفْسَكَ، فَتَنَالَ الْعَفْوَ سَاعَةَ الاِفْتِقَادِ. 21قَبْلَ الْمَرَضِ كُنْ مُتَوَاضِعًا، وَعِنْدَ ارْتِكَابِ الْخَطَايَا أَرِ تَوْبَتَكَ. 22لاَ يَحْبِسْكَ شَيْءٌ عَنْ قَضَاءِ نَذْرِكَ فِي وَقْتِهِ، وَلاَ تُحْجِمْ عَنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ حَتَّى الْمَوْتِ، فَإِنَّ ثَوَابَ الرَّبِّ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. 23قَبْلَ الصَّلاَةِ أَهِبْ نَفْسَكَ، وَلاَ تَكُنْ كَإِنْسَانٍ يُجَرِّبُ الرَّبَّ. 24اُذْكُرِ الْغَضَبَ فِي أَيَّامِ الاِنْقِضَاءِ، وَوَقْتَ الاِنْتِقَامِ عِنْدَ تَحَوُّلِ الْوَجْهِ. 25فِي وَقْتِ الشِّبَعِ اذْكُرْ وَقْتَ الْجُوعِ، وَفِي أَيَّامِ الْغِنَى اذْكُرِ الْفَقْرَ وَالْعَوَزَ. 26بَيْنَ الْغَدَاةِ إِلَى الْعَشِيِّ يَتَغَيَّرُ الزَّمَانُ، وَكُلُّ شَيْءٍ سَرِيعُ التَّحَوُّلِ أَمَامَ الرَّبِّ. 27الْحَكِيمُ يَتَحَذَّرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي أَيَّامِ الْخَطَايَا يَحْتَرِزُ مِنَ الْهَفَوَاتِ. 28كُلُّ عَاقِلٍ يَعْرِفُ الْحِكْمَةَ، وَيَعْتَرِفُ لِمَنْ يَجِدُهَا. 29الْعُقَلاَءُ فِي الْكَلاَمِ يُتِمُّونَ أَعْمَالَهُمْ بِالْحِكْمَةِ، وَيُفِيضُونَ الأَمْثَالَ السَّدِيدَةَ.
ع19: يقين : تأكد وثقة.
إذا طُلب منك أن تقضى فى أمر ما، فابحث عن الحق، وافحص الأمور جيداً، وتأكد من الحقيقة، قبل أن تقضى، وتصدر قرارك.
بل أكثر من هذا قبل أن تتكلم فى أى موضوع، إحرص أن تسأل، وتفهم، وتفحص وتدقق بل وأيضاً تتعلم، وتتلمذ على ذوى الخبرة، فيكون لك حكمة، وتتكلم بكلام الحق، فتفيد من يسمعك.
والخلاصة، لا تندفع فى أحكامك مهما كان سنك، أو خبرتك، بل أطع وصايا الله، التى تقول “لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك، لأنك إذا فعلت هذا تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضاً” (1تى4: 16).
ع20: استطب : اعتنى بصحتك.
ساعة الافتقاد : ساعة المساءلة والحكم.
كل إنسان معرض أن يصاب بالأمراض، والإنسان الحكيم يهتم بالوقاية من الأمراض، أفضل من أن يمرض ثم يُعالج من المرض. فإن كان هذا أمراً هاماً يفيد الصحة؛ وهو الابتعاد عن مسببات الأمراض، و العناية بالصحة العامة، فيلزم أيضاً أن يحترس الإنسان من الأمراض الروحية، وهى الخطايا، فيسلك سلوكاً مستقيماً، مدققاً، ويتباعد عن أسباب الشر؛ حتى لا يسقط فى الخطية، هذا أفضل من أن يسقط فى الخطية، ثم يعالجها بالتوبة والرجوع إلى الله.
وقبل أن يُقضى عليك، أى يُحكم عليك بعقوبة؛ سواء عن تصرفاتك كمواطن فى بلدك، أو فى عملك، أو فى أى هيئة تنتمى إليها، إفحص تصرفاتك، أى حاسب نفسك كل يوم؛ لتعرف أخطاءك، وتتوب عنها، وتتلافاها. وإن كان هناك خطية فى الفكر، أو القلب لا تجعلها تخرج للخارج على لسانك، أو فى أعمالك، فهذا الاحتراس سيجعل سلوكك سليماً، وإذا حدثت أية مشكلة، وفحص المسئولون الأمر، يجدونك بريئاً.
والذى يسلك بتدقيق ويراجع نفسه فى حياته اليومية، سيساعده هذا على فحص نفسه روحياً، فيبتعد عن كل خطية، وإذا أخطأ يسرع للتوبة، وإصلاح ما نتج عن خطيته قدر ما يستطيع، فيرضى الله عليه، ويسامحه، وإذا وقف أمام الله يوم الدينونة، يعفو عنه الله، ويمتعه بالدخول إلى السعادة الأبدية.
ع21: أرِ : إظهر.
ليتك تتعود الاتضاع، فإذا حلَّ بك مرض، يزداد اتضاعك؛ لأن المرض يظهر للإنسان ضعفه، فيساعده على الاتضاع، وإذا زاد اتضاعك أمام الله، تنال مراحمه فى الشفاء، والمساندة الروحية، والنفسية.
من ناحية أخرى، فإن بعض الأمراض تنتج عن خطايا، فإذا كنت متضعاً، يسهل عليك أن تتجنب الخطايا، فلا تسقط فى هذه الأمراض.
كذلك كن متضعاً، فلا تتفاخر بقوتك الجسمانية، فتبذل جهداً فوق طاقتك، وتتعرض للأمراض، فالاتضاع يساعد الإنسان على الاتزان، والحكمة فى التصرف.
المتضع أيضاً، يتجنب أمراضاً روحية، أى خطايا كثيرة، فيبعدها عنه الله؛ لأجل اتضاعه.
وإذا سقطت فى خطية، أسرع إلى التوبة، بهذا تنال رحمة الله وغفرانه، وأيضاً تهدئ غضب من أسأت إليه؛ لأنك بتوبتك ستعتذر له، وتكسبه.
ع22: لا يحبسك : لا يمنعك.
قضاء : إيفاء.
تُحجم : تمتنع.
كن حريصاً على أن توفى النذر الذى نطقت به. فإن كان الله أميناً معك، وأعطاك ما طلبته، فكيف تكون غير أمين معه، ولا توفى ما نذرته ؟ لا تمتنع عن إيفاء النذر بحجة انشغالك، أو عدم توفر المال، أو أى ظروف أخرى؛ لأنه لماذا اندفعت ونذرت شيئاً ليس فى طاقتك ؟! كن حريصاً، مدققاً عندما تنذر، وأيضاً أميناً، فتوفى نذرك سريعاً، فتنال بركات أوفر من الله، وسيساعدك الله على إيفاء النذر، كما قال القديس أغسطينوس.
والأفضل ألا تنذر من أن تنذر ولا تفى (جا5: 4، 5).
من ناحية أخرى، اهتم بأعمال البر طوال حياتك. وأعمال البر نوعان :
- العبادة، والصلاة، والقراءة، وكل علاقة لك مع الله.
- أعمال الرحمة والخير التى تعملها مع الآخرين والمحتاجين مادياً، ونفسياً وروحياً.
والاستمرار، وتعود عمل البر أمر يرضى الله، ويفرحه؛ حتى أنه يكافئك، ليس فقط فى الأرض، بل بالأكثر فى الحياة الأبدية فى ملكوت السموات.
ع23: أهب : إستعد وهيئ نفسك.
إذا كنت تريد أن تصلى، فاهتم أن تهيئ نفسك للصلاة، إما بقراءة الكتاب المقدس، أو كتاب روحى، أو تحاسب نفسك، أو تعمل ثلاثة ميطانيات، وتطلب من أجل أكثر شئ تحتاجه… والاستعداد للصلاة يساعد الإنسان على التركيز فى كلماتها. ومن ناحية أخرى، إذا طلب الإنسان شيئاً فى الصلاة يكون بالاتكال على الله، و التسليم فى الحياة، فيقبل مشيئة الله؛ سواء استجاب الله للطلبة، أو لم يستجب. فإذا كنت خاضعاً لمشيئة الله، فأنت لا تجرب الله، بل على العكس، مطيعاً لمشيئته.
ع24: عندما تقف لتصلى تذكر أيام الانقضاء، أى يوم الموت ويوم الدينونة، عندما تقف أمام الله، فتقدم توبة عن كل خطاياك؛ لتتنقى بغفرانه ومراحمه. وتذكر أيضاً أنه إن لم تتب، سيحول الله وجهه عنك، وتتعرض للانتقام الإلهى، أى العدل؛ لأن الله سيجازى كل واحد بحسب أعماله، إن كان خيراً، أو شراً، فإن كنت تائباً، وعملت أعمالاً صالحة، فسيجازيك الله خيراً، وإن لم تتب وعملت أعمالاً شريرة، فسيجازيك شراً، أى تلقى فى العذاب الأبدى. وهكذا نرى نفس هذا المعنى فى صلوات الأجبية، مثل صلاة النوم التى نقول فيها : “هوذا أنا عتيد أن أقف أمام الديان العادل”.
فإذا كنت تستعد للصلاة؛ لتستفيد منها وتكون عميقة، فإعلم أن صلاتك كل يوم، هى استعداد للأبدية، ويوم الدينونة، فتشعر بسلام، وتتمتع بالسعادة فى ملكوت السموات.
ع25: العوز : الاحتياج.
إذا أعطاك الله غنى وأموالاً كثيرة، فلا تكون مسرفاً، وتضيع أموالك فى أمور تافهة، وتذكر أيام الجوع التى قد تأتى عليك، فتكون متزناً فى مصروفاتك، وتدخر من أموالك لأيام الجوع.
فإن كان البخل أمراً كريهاً، فالإسراف أيضاً أمر مكروه. كن متزناً، فتحيا مطمئناً. وفى أيام الشبع الروحى، جاهد كثيراً فيسندك هذا أيام الجوع والحرب الروحية.
ع26: الغداة : باكر.
العشى : الوقت ما بين غروب الشمس والليل مباشرة.
وتذكر أنه من باكر اليوم إلى نهاية النهار، أى وقت العشى، تحدث تغيرات كثيرة، فقد يغتنى إنسان، أو يفتقر، نتيجة معاملاته مع الآخرين وظروف الحياة، واحتياجاتها، فلهذا كن متزناً فى صرف ما عندك من أموال؛ لأن الفقر، أو الجوع قد يقبل عليك فجأة، فتكون مستعداً له، والمسيح نفسه يعلن هذا المعنى فى العهد الجديد، فيقول : “لنسر ما دام لنا النور لئلا يدركنا الظلام” (يو12: 35).
ومن الناحية الروحية، إذا كنت فى نشاط روحى، وتعزية إلهية، فلا تتهاون، أو تستسلم للكسل، لئلا يأتيك وقت تحارب فيه بالفتور الروحى والجفاف، بل ثابر فى جهادك؛ لتظل فى شبع روحى وحماس مستمر.
ع27: الإنسان الحكيم يكون منتبهاً كل أيام حياته، ويبتعد عن مصادر الشر؛ حتى لا يسقط فى الخطايا الصغيرة، والتى يمكن أن تؤدى إلى الخطايا الكبيرة.
وأيام الخطايا هى أيام هذا العمر؛ لأننا معرضون للسقوط فى الخطية فى أى وقت. ويمكن أن تكون أيام الخطايا هى الأيام التى يكون فيها الإنسان ضعيفاً روحياً. فى هذه الأيام يلزم أن يكون الإنسان أكثر حرصاً واحتراساً من الهفوات، أو الخطايا التى تبدو صغيرة. وسليمان الحكيم يحذرنا من الثعالب الصغيرة (نش2: 15).
ع28: العاقل هو الذى يميز الحكمة، ويسعى إليها؛ ليقتنيها ويحيا بها. فالعاقل هو الحكيم الذى يستطيع أن يعرف ويميز الحكمة.
وإذا وجد الحكيم شخصاً آخر حكيماً، يكتشفه بسهولة، ويعرف أنه حكيم، ويمتدحه، ويتعلم من حكمته، فالحكماء يعرفون بعضهم البعض، ويستفيدون ممن حولهم، فيزدادون حكمة.
ع29: السديدة : المستقيمة والصواب.
يتميز العقلاء، أى الحكماء بأنهم ليس فقط يقولون كلاماً حكيماً، بل يعملون به، فهم يتكلمون عن الحكمة، ويحيون بها، ثم أكثر من هذا تفيض من أفواههم أمثال الحكمة، التى تفيد الآخرين، وتقرب وتسهل لهم تطبيق الحكمة فى حياتهم من خلال الأمثال.
كن محباً للتلمذة، لتتعلم الحكمة ممن حولك. وبالصلاة تكتسب القدرة على تمييز الحكمة، فتسعى إليها، وتزداد حكمتك كل يوم، فترى الله، وتتمتع بعشرته؛ لأن الله هو الحكمة.
(5) الزهد (ع30-33):
30لاَ تَكُنْ تَابِعًا لِشَهَوَاتِكَ، بَلْ عَاصِ أَهْوَاءَكَ. 31فَإِنَّكَ إِنْ أَبَحْتَ لِنَفْسِكَ الرِّضَى بِالشَّهْوَةِ، جَعَلَتْكَ شَمَاتَةً لأَعْدَائِكَ. 32لاَ تَتَلَذَّذْ بِكَثْرَةِ الْمَآدِبِ، وَلاَ تُلْزِمْ نَفْسَكَ الإِنْفَاقَ عَلَيْهَا. 33لاَ تُفْقِرْ نَفْسَكَ بِالْمَآدِبِ، تُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنَ الدَّيْنِ، وَلَيْسَ فِي كِيسِكَ شَيْءٌ، فَإِنَّكَ بِذلِكَ تَكْمُنُ لِحَيَاتِكَ.
ع30: عاص : قاوم واضبط.
الشهوات تتحرك داخل الجسد، فإما أن يضبطها الإنسان بإرادته، أو ينساق وراءها، فيسقط فى خطايا كثيرة. فينصحنا ابن سيراخ بألا نتبع شهواتنا، بل نقاوم كل ما هو زائد منها، ونضبط الشهوات؛ لتسير فى الطريق المستقيم بما يرضى الله. هذه هى الحكمة الحقيقية، أى طاعة وصايا الله وضبط الشهوات.
ع31: أبحت : وافقت.
إن خضعت لشهواتك، وتركتها تقودك، ستسقط فى خطايا، وتعصى وصايا الله، فيشمت بك أعداؤك الشياطين. كن ابناً لله، فيعطيك نعمة، وتستطيع أن تضبط شهواتك، وتسير مطمئناً فى حياتك.
ع32، 33: المآدب : الولائم
تكمن لحياتك : تدبر مشكلة ومصيبة لنفسك.
تحذرنا هاتان الآيتان من الانغماس فى التلذذ بالأطعمة فى الولائم؛ حتى لا نتعلق بها.
وبعدما نتعلق بالولائم التى دُعينا إليها، نضطر أن نقيم ولائمنا لمن دعونا إلى ولائمهم، رداً لجميلهم، وحتى نشبع أنفسنا بالأطعمة اللذيذة، والشراب الفاخر، وإذا لم يكن معنا المال الكافى نستدين من الآخرين؛ لإقامة هذه الولائم. ونظل هكذا متعلقين بشهوة الطعام، نذهب إلى الولائم، ونقيمها من الأموال التى نقترضها من الآخرين؛ حتى نفتقر تماماً، ويطالبنا الدائنون بالأموال، فيأخذون ما عندنا، وقد نلقى فى السجن؛ لعدم قدرتنا على السداد، فنسبب مصائب شنيعة لأنفسنا كنا فى غنى عنها، لو كنا منضبطين وزاهدين فى أطعمة العالم، ومحبين للأطعمة الروحية التى نحيا بها مع الله.
احترس يا أخى من شهوة الطعام التى أسقطت أبانا آدم من الجنة، وجعلت عيسو يبيع بكوريته، وبنى إسرائيل يتذمرون على الله، وينشغلون فى شهوة أكل اللحم، فتضربهم الحيات السامة. كن منضبطاً فى أيام الصوم، أو الافطار، حتى تحيا باتزان، ويساعدك على هذا علاقتك بالله فى الصلوات و القراءات والتأملات.