الأحمق والصديق
(1) الكسل (ع1، 2):
1الْكَسْلاَنُ أَشْبَهُ بِحَجَرٍ قَذِرٍ، كُلُّ أَحَدٍ يَصْفِرُ لِهَوَانِهِ. 2الْكَسْلاَنُ أَشْبَهُ بِزِبْلِ الْدِّمَنِ، كُلُّ مَنْ
قَبَضَهُ يَنْفُضُ يَدَهُ.
ع1، 2: زبل الدمن : فضلات الطيور والحيوانات، وهى تمثل القذارة.
الكسلان هو إنسان لا يريد أن يعمل، مخالفاً لكلام الكتاب المقدس؛ لأن الله عمل من بداية الكتاب المقدس فى خلقة العالم والإنسان. والإنسان الأول كان يعمل فى الجنة، وبعد خروجه منها، لأنه لو لم يعمل، سيصبح فقيراً، لا يجد احتياجاته، ويصبح أيضاً، إنساناً سلبياً، لا يستريح إليه الناس. والنهاية، سيصبح مثل حجر قذر، أو فضلات الحيوانات، كل من يمسكها يتضايق وينفض يده، والكل يحتقر الكسلان، مثل احتقار الحجر القذر، وزبل الدمن، ويصفرون لهوانه، تعبيراً عن احتقارهم واستهزائهم به.
إعلم أنك وكيل الله فى هذه الحياة، فكن أميناً فى أداء واجباتك قدر ما تستطيع، والله يفرح لأمانتك، فيساعدك، ويباركك، فتنجح وتفرح.
(2) الأحـمق (ع3-18):
3الاِبْنُ الْفَاقِدُ الأَدَبِ عَارٌ لأَبِيهِ، وَالْبِنْتُ إِنَّمَا تُعْقِبُ الْخُسْرَانَ. 4الْبِنْتُ الْفَطِينَةُ مِيرَاثٌ لِرَجُلِهَا، وَالْبِنْتُ الْمُخْزِيَةُ غَمٌّ لِوَالِدِهَا. 5الْوَقِحَةُ تُخْزِي أَبَاهَا وَرَجُلَهَا، وَكِلاَهُمَا يُهِينَانِهَا. 6الْكَلاَمُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَالْغِنَاءِ فِي النَّوْحِ، أَمَّا السِّيَاطُ وَالتَّأْدِيبُ فَهُمَا فِي كُلِّ وَقْتٍ حِكْمَةٌ. 7الَّذِي يُعَلِّمُ الأَحْمَقَ، يَجْبُرُ إِنَاءً مِنْ خَزَفٍ، 8وَيُنَبِّهُ مُسْتَغْرِقًا فِي نَوْمِهِ. 9مَنْ كَلَّمَ الأَحْمَقَ، فَإِنَّمَا يُكَلِّمُ مُتَنَاعِسًا؛ فَإِذَا انْتَهَى قَالَ: مَاذَا؟» 10إِبْكِ عَلَى الْمَيْتِ، لأَنَّهُ فَقَدَ النُّورَ، وَابْكِ عَلَى الأَحْمَقِ، لأَنَّهُ فَقَدَ الْعَقْلَ. 11أَقْلِلْ مِنَ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيْتِ فَإِنَّهُ فِي رَاحَةٍ، 12أَمَّا الأَحْمَقُ فَحَيَاتُهُ أَشْقَى مِنْ مَوْتِهِ. 13النَّوْحُ عَلَى الْمَيْتِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَالنَّوْحُ عَلَى الأَحْمَقِ وَالْمُنَافِقِ جَمِيعَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ. 14لاَ تُكْثِرِ الْكَلاَمَ مَعَ الْجَاهِلِ، وَلاَ تُخَالِطِ الْغَبِيَّ.
15تَحَفَّظْ مِنْهُ، لِئَلاَّ يُعْنِتَكَ وَيُنَجِّسَكَ بِرِجْسِهِ. 16أَعْرِضْ عَنْهُ فَتَجِدَ رَاحَةً، وَلاَ يَغُمَّكَ سَفَهُهُ.
17أَيُّ شَيْءٍ أَثْقَلُ مِنَ الرَّصَاصِ؟ وَمَاذَا يُسَمَّى إِلاَّ أَحْمَقَ. 18الرَّمْلُ وَالْمِلْحُ وَالْحَدِيدُ أَخَفُّ حِمْلًا مِنَ الإِنْسَانِ الْجَاهِلِ!
ع3-5: تعقب : تترك وراءها، أو ينتج عنها.
يفرح الآباء بولادة ابن لهم، ولكن إن كبر، وكان فاقد الأدب، أى غير مؤدب، فإنهم يعانون من الخزى والعار، بسبب تصرفاته السيئة؛ لأنه لا يسلك باستقامة كابن لله، بل كأحمق لا يعرف الله.
وكذلك الإبنة الغير مؤدبة، والتى تسلك سلوكاً شريراً، تُخلف لوالديها خزياً وعاراً، فيشعرا بأنهما لم يستفيدا من وجودها، بل خسرا كثيراً، لأن الناس سيلومونهما، والله سيغضب عليها وعليهما، ويتذكرا غضب الله الذى حل بعالى الكاهن من أجل شرور ابنيه حفنى وفينحاس (1صم3: 13).
أما الإبنة الفطنة، أى الحكيمة فإن رجلها وأباها يفرحان بها، فإنها هدية وميراث ومكسب عظيم. أما البنت المخزية، فإن زوجها وأبيها يوبخانها كثيراً، ويهينانها لسلوكها الشرير.
ع6: السياط : جمع سوط وهو الكرباج.
يواصل سيراخ كلامه عن تربية الأبناء، الذى ذكره فى (ع3-5)، وبالتحديد كلامه عن الأبناء فاقدى الأدب، فيوجه أنظار الآباء إلى أهمية أن يكون كلام أبنائهم فى الوقت المناسب؛ لأن الكلام إذا كان فى وقت غير مناسب يضايق السامعين، مثل أن يغنى إنسان فى وقت العزاء فى موت أحد الأحباء، فإنه بالطبع يضايق الحزانى الجالسين فى المناحة.
ومن ناحية أخرى، يظهر أهمية التأديب للأبناء، الذى ينبغى أن يكون فى كل وقت إذا أخطأوا، حتى لو كان التأديب يستلزم أحياناً استخدام السياط، والمقصود أن يكون تأديباً شديداً لأجل خطأ كبير.
ع7-9: إذا أهمل الأحمق، أى فاقد الأدب، قبول التأديب، ووصل إلى رفضه تماماً، فيصبح كلام العتاب والتوبيخ، وأى تأديب غير مفيد له. ويشبه سيراخ ذلك بتشبيهين :
- كمن يريد إصلاح إناء مكسور من الخزف، فلا يمكن إصلاحه.
- كمن يحاول إيقاظ إنسان مستغرق فى نومه، فإن محاولته تفشل؛ لأن النائم مستسلم للنعاس الشديد.
من أجل هذا ينبغى على الآباء إصلاح وتربية أبنائهم منذ صغرهم، قبل أن يفوت الأوان، ويتمادوا فى الشر، ويرفضوا أى تأديب.
الكلام مع الأحمق، الذى شُبه بإنسان يريد أن يستغرق فى النوم، أى لا يريد أن يسمع كلام التوبيخ، فإنه بعد أن يسمع يقول ماذا، أى لا يفهم، ولا يريد أن يفهم كلام التأديب، فهو متمادى فى الشر.
ع10-13: الأحمق إنسان – كما ذكرنا – يرفض التعليم والتأديب، فهو فاقد العقل، وإن كان حياً بجسده، ولكنه لا يقبل كلام العقل، ويتمادى فى الشر، مثل هذا يحتاج إلى بكاء عليه طوال حياته، لعله ينتبه ويعود إلى الله. فالصلاة بدموع لأجله تحركه، فيرجع إلى الله. أما الإنسان الذى مات بالجسد، وفقد القدرة على رؤية النور، فالبكاء عليه من أجل فراقه شئ مؤقت، وبعد هذا يستريح الناس؛ لأنه كان إنساناً باراً، وله مكان أفضل عند الله فى الحياة الأخرى.
يُفهم من هذه الآيات أن البكاء على الميت سيقل تدريجياً، ويتعزى الإنسان؛ لأجل الراحة التى دخل إليها الميت، أما الأحمق، فلأن حياته فى الشر بعيداً عن الله مملوءة شقاءً وتعاسة، فيحتاج إلى بكاء فى صلوات كثيرة.
إن كانوا فى العُرف قديماً يبكون على الميت سبعة أيام (تك50: 10؛ 1صم31: 13)، لكن الأحمق والمنافق يحتاجان إلى بكاء طوال عمرهما لعلهما يتوبا؛ لأنهما يعلمان أن خطاياهما أجرتها الموت، ومع هذا يستمران فيها.
ع14-16: يُعنتك : يتعبك ويضايقك.
سفهه : تفاهته وسطحيته.
الكلام مع الجاهل ومخالطته ستسبب لك مشاكل؛ لأنه يجادل، وكلامه تافه، فيستفزك، ويضايقك؛ لذا ابتعد عنه؛ لئلا تتأثر بشره، فتتعلم الكلمات الشريرة منه، بل والعادات الردية، مثل شرب السجائر والخمر، أو الإدانة والغضب، بل وقد يؤثر على تصرفاتك، فتصير سطحياً، منشغلاً بالماديات والشهوات، فاحفظ نفسك بعيداً عنه؛ لأن طريقك غير طريقه.
ع17، 18: إن مخالطة الأحمق ستضايقك وتصير حملاً عليك، تريد أن تتخلص منه، ولا تستطيع؛ لالتصاقه بك، وتفكيره أنه صديقك. فلا تتأثر بكل هذا؛ لأنك لن تستطيع احتماله كثيراً، فهو عبء ثقيل كأنك تحمل رصاصًا، أو رملاً، أو ملحاً، أو حديداً، فكلها وأمثالها ثقيلة، لا يستطيع الإنسان مواصلة طريقه بهذه الأحمال، والأحمق أثقل من كل هذه الأمثلة السابقة.
أحب كل الناس، وقدم لهم مساعدتك، ولكن احرص أن يكون المقربون منك من الحكماء، الذين يسيرون فى طريق الله، أما الجهلاء فإنهم سيعطلونك.
(3) الإرشاد (ع19-23):
19عَرَقُ الْخَشَبِ الْمَرْبُوطَةُ فِي الْبِنَاءِ، لاَ تَتَفَكَّكُ فِي الزَّلْزَلَةِ، كَذلِكَ الْقَلْبُ الْمُعْتَمِدُ عَلَى
مَشُورَةٍ سَدِيدَةٍ، لاَ يَخَافُ أَصْلًا. 20الْقَلْبُ الْمُسْتَنِدُ عَلَى رَأْيٍ عَاقِلٍ، كَزِينَةٍ مِنْ رَمْلٍ عَلَى حَائِطٍ مَصْقُولٍ. 21كَمَا أَنَّ الأَوْتَادَ الْمَوْضُوعَةَ فِي مَكَانٍ عَالٍ، لاَ تَثْبُتُ أَمَامَ الرِّيحِ، 22كَذلِكَ قَلْبُ الأَحْمَقِ الْخَائِفُ الأَفْكَارِ، لاَ يَثْبُتُ أَمَامَ هَوْلٍ مِنَ الأَهْوَالِ. 23قَلْبُ الأَحْمَقِ يَخَافُ فِي أَفْكَارِهِ، أَمَّا الَّذِي يَسْتَمِرُّ عَلَى وَصَايَا اللهِ فِي كُلِّ حِينٍ؛ فَلاَ يَخَافُ أَبَدًا.
ع19، 20: سديدة : صحيحة وسليمة.
كانوا قديماً يبنون البيوت من الطوب اللبن (النى)، وهو نوع ضعيف من الطوب، فكانوا يدعمون الحوائط بعروق من الخشب، تصير كحزام حول البيت، فتجعله متماسكاً، قوياً أمام أية اهتزازات، مثل الرياح العاصفة والزلازل.
يشبه هنا الإنسان العاقل المعتمد على مشورة صحيحة كأنه عروق خشبية تسند البناء، أى يكون هذا الإنسان ثابتاً قوياً أمام تيارات الأفكار المحيطة به فى المجتمع، ولا يخاف منها، بل يصير إيمانه بالله أقوى من كل حروب إبليس.
ويعطى تشبيهاً آخر لثبات الإنسان العاقل، المعتمد على مشورة، أو رأى حكيم، بأنه مثل حبات الرمال الملتصقة بحائط مصقول، كزينة لهذا الحائط. وكذلك الرمال أيضاً، يصنع منها الزجاج اللامع، ذو الشكل الجميل، الذى يزينون به الحوائط أيضاً، أى أن الإنسان العاقل، المعتمد على مشورة عاقلة، هو إنسان جميل فى طباعه وتصرفاته، ومحبوب من الناس.
ع21، 22: هول : مصيبة.
قلب الأحمق يهتز ويخاف أمام أية مشكلة، أو مصيبة، وهو يشبه أوتاد خيمة قد غُرست فى مكان عالٍ، فإذا هبت الريح على هذه الخيمة تقلعها بأوتادها، ولا تثبت أمامها الأوتاد. فالرياح ترمز للمشاكل، والخيمة ترمز لحياة الإنسان، والأوتاد ترمز للقلب الضعيف لعدم اعتماده على وصايا الله. فإذا واجهت الأحمق مصائب، أو مشاكل يهتز ويخاف ويضطرب جداً.
ع23: الخلاصة، نفهم من الآيات الأربعة السابقة أن قلب الأحمق يخاف من المشاكل، أما قلب الحكيم، الذى يثبت فى وصايا الله على الدوام، لا يهتز أبداً.
إهتم بوصايا الله، وإرشادات الآباء الروحيين، وخاصة أب اعترافك، فتسلك بثبات فى طريق الله، ولا تزعجك مشاكل الحياة، فهى مؤقتة وزائلة.
(4) الصديق (ع24-33):
24مَنْ نَخَسَ الْعَيْنَ أَسَالَ الدُّمُوعَ، وَمَنْ نَخَسَ الْقَلْبَ أَبْرَزَ الْحِسَّ. 25مَنْ رَمَى الطُّيُورَ بِالْحَجَرِ نَفَّرَهَا، وَمَنْ عَيَّرَ صَدِيقَهُ قَطَعَ الصَّدَاقَةَ. 26إِنْ جَرَّدْتَ السَّيْفَ عَلَى صَدِيقِكَ؛ فَلاَ تَيْأَسْ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ.
27إِنْ فَتَحْتَ فَمَكَ عَلَى صَدِيقِكَ، فَلاَ تَخَفْ فَإِنَّهُ يُصَالِحُ، إِلاَّ فِي التَّعْيِيرِ وَالتَّكَبُّرِ وَإِفْشَاءِ السِّرِّ َالْجُرْحِ بَالْمَكْرِ؛ فَإِنَّهُ فِي هذِهِ يَفِرُّ كُلُّ صَدِيقٍ. 28إِبْقَ أَمِينًا لِلْقَرِيبِ فِي فَقْرِهِ، لِكَيْ تَشْبَعَ مَعَهُ مِنْ خَيْرَاتِهِ. 29اُثْبُتْ مَعَهُ فِي وَقْتِ ضِيقِهِ، لِكَيْ تَشْتَرِكَ فِي مِيرَاثِهِ. 30قَبْلَ النَّارِ بُخَارُ الأَتُونِ وَالدُّخَانُ، وَكَذلِكَ قَبْلَ الدِّمَاءِ التَّقْرِيعَاتُ. 31لاَ أَسْتَحْيِي أَنْ أَدْفَعَ عَنْ صَدِيقِي، وَلاَ أَتَوَارَى عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ إِنْ أَصَابَنِي مِنْهُ شَرٌّ، 32فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ بِذلِكَ يَتَحَفَّظُ مِنْهُ. 33مَنْ يَجْعَلُ حَارِسًا لِفَمِي، وَخَاتَمًا وَثِيقًا عَلَى شَفَتَيَّ، لِئَلاَّ أَسْقُطَ بِسَبَبِهِمَا وَيُهْلِكَنِي لِسَانِي.
ع24، 25: يظهر من الآيات السابقة من (ع3-18) أن الأحمق تصرفاته سيئة، تبعد عنه الأصدقاء، أى لا يكون له صديق بسبب حماقته. وهنا فى هاتين الآيتين، يحذرنا سيراخ من الإساءة للصديق لئلا نخسره، ويضع هذا فى أربع خطوات هى :
- نخس العين، أى الإساءة الظاهرة للصديق، والتى تغضبه، وقد تصل إلى أن تسيل دموعه.
- إثارة مشاعر الصديق، فنجرحه، ويتضايق داخلياً.
- ضرب بحجر، هكذا الإساءة لصديق بكلمات و أفعال سيئة، تجعله يتباعد عنك.
- تعيير الصديق بنقاط ضعفه؛ لأن الصديق يعرف ضعفات صديقه، فإن استغلها لتعييره، فإن الصديق يغضب جداً ويقطع صداقته تماماً؛ هذه أسوأ حالة.
مما سبق يفهم أنه من المحتمل حدوث إساءة صغيرة بين الصديقين، ولكن بمعالجتها بسرعة بالمحبة والاعتذار نحافظ على الصداقة. أما الإساءة المستمرة، والتى قد تصل إلى التعيير، فإنها تقطع الصداقة تماماً. فلكيما تكسب أصدقاءك، راعى مشاعرهم، واعتذر سريعاً إن أخطأت فى حقهم.
ع26، 27: يؤكد ابن سيراخ فى هاتين الآيتين ما ذكره فى الآيتين السابقتين، وهو أن الصديق الحقيقى يمكن أن يلتمس لك العذر إن أخطأت فى حقه. ولكن إن زادت إساءاتك، فإنك تخسره تماماً. ويذكر أمثلة للإساءات التى قد يغفرها لك صديقك وهى :
- إن جردت سيفك على صديقك، أى فعلت فعلاً يسئ إليه، فهو يمكن أن يعذرك ما دمت قد رجعت عنه.
- وإن صدرت منك كلمات سيئة، وتبت عنها، واعتذرت، فإنه يصالحك.
ولكن إذا كانت إساءات شديدة، فإنها تبعد صديقك عنك تماماً. وأعطى أمثلة هذه الإساءات وهى :
- التعيير : وهو كما قلنا، استخدام الصديق لما يعرفه من ضعفاتك ويعايرك بها.
- التكبر : على الصديق واحتقاره، سواء بكلمات، أو تصرفات لا يحتملها الصديق.
- إفشاء السر : فإفشاء أسرار الصديق التى عرفتها لأنك صديقه، واستخدمتها لفضحه، فإنه يغضب غضباً شديداً، إذ أن هذا يُعتبر خيانة، وعدم أمانة فى المحافظة على أسراره.
- الجرح بالمكر : أى خداع الصديق لتوقعه فى موقف محرج، وتجرحه بتصرفات سيئة، سواء أمام الناس، أو وحده، فهذا يتعبه جداً، ويبتعد أيضاً عنك.
فهذه الأخطاء تُظهر للصديق أنك غير مؤتمن على أسراره، ويفقد ثقته بك، فيبتعد عنك؛ لأنه أحبك، وأظهر إخلاصه لك قبلاً فى مسامحتك عن أخطائك، مثل تجريد السيف، أو فتح الفم عليه، ولكن إن تماديت فى الإساءة له بواحدة من الأربع إساءات المذكورة، فإنه لا يحتملك، ويبتعد عنك.
ع28، 29: إذا كان لك صداقة مع أحد أقربائك، وحلت به أزمة مالية، وصار فقيراً، فكن أميناً فى محبتك له، فتساعده قدر ما تستطيع من مال، أو عطايا عينيه، وبكلماتك الطيبة تشجعه، وتظهر تعاطفك معه، حتى يخرج من هذه الأزمة، وينصلح وضعه المالى، فهو لن ينسى محبتك له أثناء فقره، ويسرع ليشركك معه فى الخيرات التى حصل عليها.
وإن طالت مدة تجربته، سواء فى المال، أو أية مشكلة اجتماعية، أو روحية، فكن ثابتاً فى اهتمامك به، وتعضيدك له، وبصلواتك سيعبر التجربة، وسيكون شاكراً لك، خاصة عندما ينال بركات من الله، فيعطيك منها، حتى لو لم تطلب شيئاً؛ لأنه لن ينسى جميلك معه، فالأصدقاء يُعرفون وقت الشدة، وليس وقت الفرح.
ع30: التقريعات : الإهانات والشتائم.
إذا كان الناس يشعلون ناراً كبيرة، لتكون أتون نار، ففى البداية يظهر الدخان، وبعد هذا تتوهج النار. كذلك أيضاً إذا أخطأ صديقك، فيمكنك أن تحذره؛ حتى لا يستمر فى خطئه، فتنبهه بلطف، ثم بعتاب بكلام محدد، وواضح. وقد تحتاج إلى التوبيخ إذا كان منغمساً فى الخطأ، ولكن فى غلاف من كلمات محبتك، واهتمامك به؛ حتى يثق أنك تحبه، وتهتم به، وليس لك أى غرض شخصى.
ولكن احترس من أن تغضب، و تنفعل، فتهينه، أو تشتمه، فهذا سيغضبه، وقد يتطاول أيضاً عليك بالإهانات والشتائم، فتنسون أنكم أصدقاء، وتؤذون بعضكم بعضاً؛ حتى تصلوا إلى الشجار، والصراع الذى يؤدى إلى سفك الدماء.
ع31، 32: أتوارى : اختفى.
إن تعرض صديقك لمشكلة، وقام عليه آخرون؛ ليؤذونه، فلا تتخلى عنه، أو تتركه، ولكن سانده، ودافع عنه. إياك أن تكون أنانياً وتختفى، وتتركه وحيداً، فيغضب منك، ويلومك الله؛ لأنه كان فى يدك أن تتدخل، وتهدئ الصراع، وتحميه من نفسه، وتحمى الآخرين من الاستمرار فى الغضب.
ولكن إن أنقذت صديقك، ثم مرت الأيام، ونسى فضلك عليه، وأساء إليك، فسيرى الناس تصرفه السىء، ويلومونه لعدم تقديره لصداقتك، ومساندتك. وأيضاً يتحفظون منه، أى يتباعدون عن أية علاقة صداقة معه؛ لأنه إن كان قد خان صديقه، فمن يجسر أن يصادقه، فهو غير أمين ولا يستحق أن يصادقه أحد، إلا إذا اعتذر اعتذاراً واضحاً، وأعاد الصداقة الجميلة بينكما.
ع33: وثيقاً : محكماً.
فى نهاية الكلام عن الصداقة، يتمنى يشوع بن سيراخ أن يكون لفمه حارساً، ولشفتيه ختماً محكماً؛ حتى لا يتكلم بدون داعٍ، فيتكلم فقط بعد أن يصلى، فتكون كلماته مملوءة حكمة، تفيده، وتفيد الآخرين.
وابن سيراخ قد تأثر بكلمات المزمور (مز141: 3)، فهو حريص ألا يسقط بسب فمه وشفتيه، ولا يهلك بسبب كلمات لسانه الغير مناسبة، التى تغضب الله، وتضايق سامعيه. كل الناس يحتاجون إلى أصدقاء، فليتك تكون صديقاً أميناً لمن حولك، وذلك بأن تخاف الله، فلا تخطئ فى حق أحد، وإن أخطأت تعتذر، وتكون وفياً لهم، وتظهر محبتك فى كل شكل؛ لتكسب وتساند الجميع، فيحبك الكل، ويتمنون صداقتك، ويفرح بك الله، الذى هو أحلى صديق لكل البشر الذين يتجاوبون معه.