الخضوع لله
(1) الخادم والصبر (ع1-6):
1يَا بُنَيَّ، إِنْ أَقْبَلْتَ لِخِدْمَةِ الرَّبِّ الإِلهِ، فَاثْبُتْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَأَعْدِدْ نَفْسَكَ لِلتَّجْرِبَةِ. 2أَرْشِدْ قَلْبَكَ وَاحْتَمِلْ. أَمِلْ أُذُنَكَ وَاقْبَلْ أَقْوَالَ الْعَقْلِ، وَلاَ تَعْجَلْ وَقْتَ النَّوَائِبِ. 3اِنْتَظِرْ بِصَبْرٍ مَا تَنْتَظِرُ مِنَ اللهِ، لاَزِمْهُ وَلاَ تَرْتَدِدْ، لِكَيْ تَزْدَادَ حَيَاةً فِي أَوَاخِرِكَ.4مَهْمَا نَابَكَ فَاقْبَلْهُ، وَكُنْ صَابِرًا عَلَى صُرُوفِ اتِّضَاعِكَ،5فَإِن الذَّهَبَ يُمَحَّصُ فِي النَّارِ، وَالْمَرْضِيِّينَ مِنَ النَّاسِ يُمَحَّصُونَ فِي أَتُونِ الاِتِّضَاعِ.
6آمِنْ بِهِ فَيَنْصُرَكَ. قَوِّمْ طُرُقَكَ وَأَمِّلْهُ. احْفَظْ مَخَافَتَهُ، وَابْقَ عَلَيْهَا فِي شَيْخُوخَتِكَ.
ع1: يخاطب يشوع بن سيراخ الخدام وكل من يودون أن يخدموا الرب، ليستعدوا للخدمة الناجحة، ويضع لها شروطاً هى :
1- “فاثبت على البر والتقوى” :
لا يمكن أن نخدم الرب إلا بنقاوة القلب والميل لعمل الخير؛ وهذا هو البر، ويضاف إليه التقوى، التى هى مخافة الرب، وهى التى تحفظنا من كل شر، وتدعونا لحفظ وصايا الله.
2- “أعدد نفسك للتجربة” :
ينبغى على الخادم أن يتوقع التجارب والضيقات فى الخدمة، وهى على أنواع كثيرة:
أ – تجارب داخل الخادم بأفكار تحاول تعطيله عن الخدمة؛ سواء شكوك، أو كسل، أو أية انشغالات.
ب- تجارب يقابلها فى المخدومين، الذين يرفضون الخدمة، أو يرفضون الله.
جـ- تجارب من الخدام المرافقين فى اختلاف آرائهم، أو حروب الكبرياء التى تعطل الخدمة.
ومن يخاف الله، ويستعد بحياة البر، يستطيع أن يحتمل بمعونة الله هذه التجارب، بل تكون هذه التجارب فرصة لاختبار قوة الله، ومساندته، فيتمتع الخادم برؤية الله.
وإعداد الخادم نفسه للتجربة يكون بما يلى :
أ – الإيمان بالله.
ب – الاتضاع.
جـ- الانضباط فى كل شئ والتجرد.
فلا ينزعج من حروب إبليس، وحيله ومكره.
وقد أكد المسيح هذا المعنى عندما قال لتلاميذه : “ها أنا أرسلكم كحملان وسط ذئاب” (لو10: 3)، وكذلك يعقوب الرسول (يع1: 2).
وقد يكون قصد يشوع بن سيراخ إعداد الخدام المتمسكين بشريعة الله لأى اضطهاد، أو ضيقة تأتى عليهم من الحكام اليونانيين، الذين يمجدون الفلسفة اليونانية، وليس شريعة الله، كما يحدث اليوم عندما يتمسك الخدام بكلام الله، فيضطهدهم العالم بأفكاره الغريبة المادية الأرضية، التى تتعارض مع كلام الله.
ع2: يواصل الكاتب إرشاده للمقبل على الخدمة، فيقول له :
3- “إرشد قلبك” :
القلب يُعنى به المشاعر، ويطلب الكاتب من المقبل على الخدمة أن يرشد قلبه، فبماذا يرشده ؟ بالطبع بكلام الله، فيسلك بوصايا الله، ولا يتأثر بأفكار العالم وفلسفاته.
4- “واحتمل” :
إن كانت وصايا الله تتطلب من الإنسان أن يجاهد ويحتمل ليصل إلى هدفه، وهو إرضاء الله، لكنه سيفرح بالوجود مع الله والسلوك المستقيم، والقدرة على خدمة الآخرين.
5- “أمل أذنك” :
وإمالة الأذن معناها الاتضاع، والميل للتعلم والتلمذة الروحية، فيسمع الإنسان وصايا الله، وإرشادات الآباء والمرشدين الروحيين، والخدام السابقين، فيزداد حكمة كل يوم.
6- “إقبل أقوال العقل” :
أقوال العقل يُعنى بها الاتزان، ويُعنى بها أيضاً العقل الخاضع لله، فلا يندفع الإنسان وراء أهوائه، ويفكر جيداً، ويصلى، فيتصرف بعقل وحكمة، وهكذا يسلك بإرشاد الله، ويتقبل كل ما يمر به؛ لأن تدبير الله لخيره، كما علن لنا العهد الجديد : (رو8: 28).
7- “لا تعجل وقت النوائب” :
النوائب هى المصائب والتجارب، وهى وإن كانت مفيدة لبنيان شخصية الإنسان الروحى والخادم، ولكن لا يسعى إليها، أو يستعجلها الإنسان، والله يسمح بها فى الوقت المناسب لنمو الإنسان روحياً، ويكفى أن يقبلها الإنسان برضا وشكر، فتعمل فيه بقوة.
والمسيح فى العهد الجديد يعلمنا فى الصلاة الربانية أن نطلب ألا ندخل فى تجربة، وإن سمح بها الله، نطلب منه ألا يتركنا فى يد الشيطان، ولكن ينجينا منه. وإن كان داود النبى قد طلب التجربة (مز26: 2) ليتعلم منها، ولكنه ترك الله يختار الوقت المناسب للتجربة، ولم يستعجله.
ع3: ترتدد : ترتد، وتتراجع.
يضيف الكاتب أيضاً نصائح للمقبل على الخدمة، فيقول :
8- “انتظر بصبر ما تنتظره من الله” :
يوضح الكاتب أهمية الصبر عندما نصلى إلى الله، ونترك له تحديد وقت الاستجابة؛ لثقة الإنسان فى حكمة الله، وترتيب الوقت المناسب للاستجابة، مهما كانت الضيقة شديدة، أو متعبة.
9- “لازمه” :
تمسك بالله أكثر من تمسكك به قبل التجربة، ولا يقودك عدم استجابته إلى التهاون، أو اليأس، بل ليظهر إيمانك فى الالتصاق به من خلال الممارسات الروحية، مثل الصلاة والصوم، وثق أن ملازمتك له وصبرك ذو قيمة كبيرة فى عينيه، وسيكافئك ببركات كثيرة.
10- “لا ترتدد لكى تزداد حياة فى أواخرك” :
يحذرنا الكاتب من الابتعاد عن الله، أو عدم استكمال خدمتنا له بسبب الضيقات الكثيرة، أو الكبيرة، أى يوصينا بالثبات فى علاقتنا بالله، وخدمتنا له، ثم يقدم لنا البركة الكبيرة ليشجعنا إن لم نتراجع فيقول : “لكى تزداد حياة فى أواخرك”، والمقصود بالحياة هو الحياة مع الله، والتمتع بعشرته، فتكون أيامك سعيدة، وتختبر أعماقاً جديدة فى معرفة الله، بالإضافة إلى التمتع بالحياة الأبدية فى ملكوت السموات.
ع4: نابك : أصابك.
صروف : أنواع.
وأيضاً يضيف الكاتب نصائح للخادم، فيقول :
11- “مهما نابك فاقبله” :
يوصى الكاتب بقبول كل ما يمر بالإنسان، سواء ضيقات صعبة، أو أمور معاكسة، فقبول كل شئ من يد الله يعطى فرصة لعمل النعمة فى الإنسان، فينمو روحياً، وتزداد صلابته، وقوته النفسية.
12- “وكن صابراً على صروف اتضاعك” :
يتعرض الإنسان لمواقف متنوعة علاجها الاتضاع. والاتضاع له أنواع كثيرة. فمنها الاتضاع أمام الله، والتذلل فى الصلاة، وقد تقترن بالميطانيات، ثم الاتضاع فى التعامل مع الكبار، واحتمالهم، والخضوع لأوامرهم. ومن ناحية أخرى، الاتضاع فى التعامل مع الزملاء والأحباء بتقديمهم وإكرامهم، بالإضافة للاتضاع أمام الأطفال، والصغار، وكل من هم فى مرتبة أقل، وفوق كل هذا، الاتضاع أمام المسيئين، والذين يثيرون، ويستفزون الإنسان.
والاتضاع أيضاً هو قبول الأمور الوضيعة، واحتمال الأعمال الأقل شأناً، مثل خدمة الآخرين فى الطعام والشراب، ومساعدة كل مريض، أو مسن، كما نرى بعض الآباء البطاركة الذين يقومون بأعمال وضيعة، مثل تنظيف الحمامات العامة فى الأديرة، والكنائس.
ع5: يمحص : ينقى.
أتون : فرن أو موقد نار.
كما أن الذهب يوضع فى النار الشديدة؛ ليتنقى من الشوائب التى فيه، كذلك أيضاً الذين يرضى عنهم الله من الناس، أى المرتبطين بالله، ينقيهم الله فى نار الاتضاع، إذ يحتملون من حولهم، والظروف المحيطة بهم باتضاع. وهذا الاحتمال غالي جداً عند الله، كما اتضع المسيح واحتمل الصليب والعار لأجل محبته للبشر. والتنقية هى أهم أهداف الاتضاع، وأكد هذا المعنى بطرس الرسول فى رسالته (1بط1: 7).
ع6: أمِّله : ضع أملك ورجاءك فيه.
“آمن به فينصرك” :
حتى تجتاز التجربة، تحتاج أن تؤمن بالله، فلا تنزعج من الضيقة، وتثق أنك ستنال بركات كثيرة منها. وبالإيمان تستطيع أن تنتصر على إبليس الذى يحاول إسقاطك فى الخطية من خلال التجربة. لا تخف منه، بل تمسك بالله فتنتصر عليه.
“قوم طرقك” :
بالإضافة للإيمان يحتاج الإنسان فى التجربة أن يراجع نفسه، فيتوب عن خطاياه ويسلك فى الطريق المستقيم، فيشعر بمساندة الله له، وإذ يطلبه يسنده فى التجربة. فتقويم الطريق هو الابتعاد عن أى انحراف، والسلوك مع الله فى حياة ترضيه.
“أمِّلْه” : ضع أملك ورجاءك فى الله مهما بدت الضيقة شديدة، وثابر فى جهادك؛ لأنك ترى الله أمامك، فلا تهتز من تقلبات الحياة، أو شر الناس.
“احفظ مخافته، وابق عليها فى شيخوختك” :
كذلك يلزم المجاهد الروحى فى التجربة أن يحتفظ بمخافة الله فى قلبه، فتبعده عن كل خطية، وتقربه إلى الله فى خشوع، فيعرف الله، ويتمتع بهذه المعرفة، التى تربطه بالله كل أيام حياته حتى الشيخوخة. فمن يتذوق حلاوة مخافة الله وعشرته لا يمكن أن يتركه أبداً.
إن صبرك على الضيقات، يعلن إيمانك وحبك لله، فتستحق حينئذ أن يكشف لك أسراره، ويدخلك إلى أعماقه، ويمتعك بعشرته، فتؤهل لخدمته، والتحدث عنه مع كل إنسان.
(2) الرب يخلص خائفيه (ع7-13):
7أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ لِلرَّبِّ، انْتَظِرُوا رَحْمَتَهُ، وَلاَ تَحِيدُوا لِئَلاَّ تَسْقُطُوا. 8أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ لِلرَّبِّ، آمِنُوا بِهِ؛ فَلاَ يَضِيعَ أَجْرُكُمْ. 9أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ لِلرَّبِّ، أَمِّلُوا الْخَيْرَاتِ وَالسُّرُورَ الأَبَدِيَّ وَالرَّحْمَةَ. 10أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ لِلرَّبِّ، أَحِبُّوهُ؛ فَتَسْتَنِيرَ قُلُوبُكُمْ. 11اُنْظُرُوا إِلَى الأَجْيَالِ الْقَدِيمَةِ وَتَأَمَّلُوا. هَلْ تَوَكَّلَ أَحَدٌ عَلَى الرَّبِّ فَخَزِيَ؟12أَوْ ثَبَتَ عَلَى مَخَافَتِهِ فَخُذِلَ؟ أَوْ دَعَاهُ فَأُهْمِلَ؟ 13فَإِنَّ الرَّبَّ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ، يَغْفِرُ الْخَطَايَا وَيُخَلِّصُ فِي يَوْمِ الضِّيقِ.
ع7: الله يخلص أولاده الذين يتقونه، أى يخافونه؛ لأنهم يتجاوبون معه، ويطيعونه، ولذا يوصيهم بوصايا محددة تساعدهم على نوال هذا الخلاص، وهى :
1- “انتظروا رحمته” :
من يؤمن بالله ويخافه يثق أنه رحيم، ويشفق على أولاده، ولكنه يقدم رحمته فى الوقت المناسب، فقد يتأخر فترة من الزمن، ثم يعطى رحمته. ولذا يطلب الله من أولاده الذين يخافونه ألا ينزعجوا، بل يثبتوا فى إيمانهم وينتظروا رحمة الرب، فى الوقت الذى يحدده؛ لنوال هذه الرحمة.
2- “لا تحيدوا لئلا تسقطوا” :
يوصيهم الرب ألا يحيدوا عن وصاياه؛ لأن عصيان وصايا الله، أو إهمالها سيعرض الإنسان للسقوط فى أصعب الخطايا. أما التمسك بوصايا الله، وعدم الانحراف عنها، سيحفظ الإنسان فى حياة نقية.
ع8: يستكمل الكاتب فى هذه الآية وصايا الله لخائفيه فيقول :
3- “آمنوا به” :
إن الإيمان بالله يجعل الإنسان ليس فقط مطمئناً، ولكنه يستند عليه، ويتمسك بوصاياه، فينال مكافأة عظيمة، ليس فقط فى الأرض، بل بالأحرى فى السماء.
ع9: تضيف هذه الآية وصية إلهية جديدة للمتقين الرب، وهى :
4- “أملوا الخيرات والسرور الأبدى والرحمة” :
يوصيهم الرب أن يأملوا الخيرات، أى يكون أملهم ورجاؤهم فى الخيرات السماوية، والسرور الذى سيحيون فيه إلى الأبد فى الملكوت، ويكون رجاؤهم أيضاً فى الرحمة الإلهية التى تعوضهم عن أتعابهم على الأرض، وتمسح كل دمعة من عيونهم، فينسون آلام الأرض؛ لأن إلههم رحوم، ولا ينسى تعب محبتهم.
نرى فى (ع8) الله يوصى خائفيه بالإيمان، وفى هذه الآية يوصى بالرجاء، أما فى الآية التالية فينصح بالمحبة، وهذه الثلاثة هى أعمدة الحياة الروحية؛ الإيمان والرجاء والمحبة، كما يؤكد لنا العهد الجديد نفس المعنى وبنفس الترتيب (1كو13: 13).
ع10: وتضيف هذه الآية نصيحة جديدة هى :
5- “أحبوه فتستنير قلوبكم” :
الله كامل فى صفاته ومحبته للبشر، ولذا فمن الطبيعى أن أولاده يحبونه تجاوباً مع حبه الغير محدود. فهذه المحبة تعطيهم استنارة فى قلوبهم، أى فى مشاعرهم، وتصبح مشاعرهم قادرة على تمييز الحق، ويسهل عليها السلوك المستقيم، بل تصير مرشدة للآخرين.
ع11، 12: ثم يذكر الكاتب نصائحاً أخرى وهى :
6- “هل توكل أحد على الرب فخزى” :
إن الاتكال على الله مبنى على الإيمان، ومن يؤمن بالله، ويترجاه سيتكل عليه، فينال بركات كثيرة، ولا يفشل، أو يناله الخزى، بل يفرح وينتصر فى الأرض، وأيضاً فى السماء.
وقد كان أحد البروتستانت المتشددين، وهو يوحنا بنيان يبحث عن آية تعزيه وتشبعه فى الكتاب المقدس، وظل سنة كاملة فى البحث حتى وجد أخيراً هذه الآية، وحزن أنه وجدها فى سفر لا تعترف به طائفته، ولكنه تعزى بها جداً، وتأمل فيها كثيراً، وأعطت نفسه راحة كبيرة.
7- “أوثبت على مخافته فخذل” :
من يخاف الله، يحفظه من كل خطية، ويستنير قلبه، فيرى محبته ورحمته، فيتعلق قلبه به، أما من ثبت فى هذه المخافة، فينال بركات لا يعبر عنها. فالكاتب ينصحنا بالثبات على مخافة الرب مهما كانت المعطلات.
8- “أو دعاه فأهمل” :
إن من يدعو الله، ويطلبه بلجاجة، ويصلى إليه بإيمان لا يمكن أن يهمله الله، ولكنه يستجيب له، ويفرح قلبه. فالصلاة طريق المؤمنين خائفى الله لنوال رضاه على الأرض، وملكوت السماوات.
ع13: يعلن الكاتب فى نهاية كلامه عن خائفى الله، ونصائحه لهم، بأن الله إذا أطاعوه، وتمسكوا بهذه النصائح، فإنهم يتمتعون بما يلى :
أ – “الرب رؤوف رحيم” :
أول ما يتمتعون به رأفة الله ورحمته، فيحبهم، ويشفق عليهم، ويكمل نقائصهم، ويسندهم فى كل خطواتهم.
ب- “يغفر الخطايا” :
إن كانوا قد أخطأوا خطايا كبيرة، أو صغيرة، أو تكررت خطاياهم كثيراً، وقدموا توبة عنها، فالله يسامحهم، ويغفر لهم، وينسى خطاياهم.
جـ- “يخلص فى يوم الضيق” :
إن تعرض أولاد الله لضيقات صعبة، فإن الله يمد يده ويخلصهم، إذ لا يوجد منفذ فى يوم الضيقة إلا الله وحده، المحب جداً، والقادر على كل شئ.
إن كنت تخاف الله، فيسهل عليك أن تقبل هذه النصائح السابقة، والتى أهمها الإيمان، والرجاء، والمحبة. ليكن عندك استعداد كل يوم للتعلم والتلمذة، فتخلص نفسك من كل شر بنعمة الله، وتنال محبته الفياضة، وبركاته التى لا تحصى.
(3) التوانى والشر (ع14-17):
14وَيْلٌ لِلقُلُوبِ الْهَيَّابَةِ، وَلِلأَيْدِي الْمُتَرَاخِيَةِ، وَلِلْخَاطِئِ الَّذِي يَمْشِي فِي طَرِيقَيْنِ. 15وَيْلٌ لِلْقَلْبِ الْمُتَوَانِي، إِنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ وَلِذلِكَ لاَ حِمَايَةَ لَهُ. 16وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الَّذِينَ فَقَدُوا الصَّبْرَ، وَتَرَكُوا الطُّرُقَ الْمُسْتَقِيمَةَ، وَمَالُوا إِلَى طُرُقِ السُّوءِ،17فَمَاذَا تَصْنَعُونَ يَوْمَ افْتِقَادِ الرَّبِّ؟
ع14: الهيابة : الخائفة.
يقدم الكاتب فى الآيات التالية من (ع14-17) تحذيرات من حيل إبليس لتعطيل السائرين فى طريق الرب. فما هى فئات الناس الذين يعطلهم الشيطان :
1- “ويل للقلوب الهيابة” :
أى الناس الذين يخافون من البشر، وأحداث الحياة، والظروف المحيطة. هؤلاء لا يخافون الله، لذلك يخافون من الناس، فمن يخاف الله يصبح شجاعاً، قوياً، قادراً بقوة الله على السير فى الطريق المستقيم، بل ويدوس على عقبات الشيطان التى تقابله.
2- “وللأيدى المتراخية” :
الأيدى المتراخية هى أيدى الكسالى الذين لا يريدون أن يتعبوا فى الجهاد الروحى، ولا يتحملون مسئولية الأعمال المختلفة. وبهذا الكسل يبتعدون عن أى تقدم روحى، ويتعرضون لحروب شديدة من الشيطان، تنحدر بهم وتهلكهم.
3- “وللخاطئ الذى يمشى فى طريقين” :
هذا الخاطئ يحاول السير فى طريق الله، وطريق الشر فى نفس الوقت، فهو إما يسير أحياناً فى هذا، وأحياناً فى ذاك، أو يحاول الخلط بينهما، فيصير بلا هوية، بل وفاتراً، فيرفضه الله.
ع15: 4- “ويل للقلب المتوانى” :
الإنسان المتوانى هو المهمل الذى لا يريد السير بجدية فى طريق الله، وهذا معناه أن إيمانه ضعيف بالله، ويزداد ضعفه، حتى يكاد يتلاشى إيمانه، فيفقد حماية الله له، ويسقط فى أية خطية.
ع16: 5- “ويل لكم أيها الذين فقدوا الصبر” :
أنهم الذين لم يصبروا على أتعاب الجهاد الروحى، وتشككوا فى طريق الله، فلم يواصلوا جهادهم، مع أن الصبر فى الجهاد على الأرض يكون لمدة محدودة هى عمر الإنسان، وينال فى النهاية سعادة أبدية، بالإضافة إلى أن معونة الله ستسنده، وتخفف أتعابه، بل وتفرح قلبه، لأنه يشعر بالله معه.
وعندما لا يثابر ولا يصبر المجاهد فى طريق الله ويتركه وينحرف إلى طريق السوء والشر، فهو بهذا قد اختار الشر بدلاً من الخير، وطريق الشيطان بدلاً من طريق الله، فيكون هلاكه مؤكداً.
بعد هذه الويلات والتحذيرات، يتساءل الكاتب بطريقة استنكارية، فيقول لهذه الخمس فئات : ماذا ستصنعون يوم افتقاد الرب للبشرية ليحاكمها، أى يوم الدينونة الذى ينال فيه كل إنسان جزاء عمله خيراً كان، أو شراً ؟
ليتك يا اخى تحاسب نفسك كل يوم لئلا تكون قد سقطت فى أحد هذه الأخطاء، فتتعرض للويلات. ولكن ما دامت هناك فرصة فى العمر، فأسرع إلى التوبة، فإن الله رحوم سيسامحك، ويسندك، ويعيدك إلى طريق الحياة.
(4) خائفو الرب يحفظون وصاياه (ع18-23):
18إِنَّ الْمُتَّقِينَ لِلرَّبِّ لاَ يُعَاصُونَ أَقْوَالَهُ، وَالْمُحِبِّينَ لَهُ يَحْفَظُونَ طُرُقَهُ. 19إِنَّ الْمُتَّقِينَ لِلرَّبِّ يَبْتَغُونَ مَرْضَاتَهُ، وَالْمُحِبِّينَ لَهُ يَمْتَلِئُونَ مِنَ الشَّرِيعَةِ. 20إِنَّ الْمُتَّقِينَ لِلرَّبِّ يُهَيِّئُونَ قُلُوبَهُمْ، وَيُخْضِعُونَ أَمَامَهُ نُفُوسَهُمْ. 21إِنَّ الْمُتَّقِينَ لِلرَّبِّ يَحْفَظُونَ وَصَايَاهُ، وَيَصْبِرُونَ إِلَى يَوْمِ افْتِقَادِهِ، 22قَائِلِينَ: «إِنْ لَمْ نَتُبْ، نَقَعْ فِي يَدَيِ الرَّبِّ لاَ فِي أَيْدِي النَّاسِ، 23لأَنَّ رَحْمَتَهُ عَلَى قَدْرِ عَظَمَتِهِ».
ع18: الذين يتقون الرب، أى يخافونه يتميزون بصفات عظيمة هى :
1- “لا يعاصون أقواله” :
لا يمكن لخائف الرب أن يقف أمامه، ويتحداه، ويعصى أوامره، إذ يشعر بعظمة الله، فيرفض الخطية، كما فعل يوسف الصديق وقال : “كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله” (تك39: 9).
2- “والمحبين له يحفظون طرقه” :
إن خائفى الرب هم محبيه؛ لأن من يخاف الله يعرف حقيقة عظمته، واتضاعه، ومحبته، فيحبه ويتعلق به، وبالتالى يهتم جداً بوصاياه ويحفظها، ويعمل بها، فتظهر فى حياته. كما أكد المسيح هذا المعنى (يو14: 23).
ع19: ويتصف أيضاً خائفو الرب بما يلى :
3- “يبتغون مرضاته” :
إذ يخاف الإنسان الله يسعى دائماً لإرضائه، فيفعل وصاياه، ويقبل كل تدابيره؛ حتى لو كانت صعبة.
4- “والمحبين له يمتلئون من الشريعة” :
خائفو الرب ومحبوه، ليس فقط، يحفظون شريعته، بل يمتلئون بها، ويشبعون، فهم يحبونها؛ لأنها كلام الله، ويسعون لتنفيذها.
ع20: وكذلك من صفات خائفى الرب :
5- “يهيئون قلوبهم” :
إن خائفى الرب، إذ يحبونه، ويخافونه يهيئون قلوبهم لاستقبال كلامه باشتياق وفرح. وتهيئة القلب تكون بالاتضاع، وترك المشاغل حتى يتفرغوا لسماع صوته، وطرح المشاكل عند قدميه، والاتكال عليه، فيكون اهتمامهم الوحيد هو قبول كلام الله، وتطبيقه فى حياتهم.
6- “ويخضعون أمامه نفوسهم” :
من أهم صفات خائفى الرب الخضوع لله وطاعته، ولأنهم متضعون يسهل عليهم الخضوع لتدابيره، حتى لو مرت بهم ضيقات، فيقبلون عكس مشيئتهم؛ لأن مشيئة الله فى نظرهم فوق كل شئ.
ع21: بالإضافة للصفات السابقة، نجد هذه الصفة الهامة، وهى :
7- “يصبرون إلى يوم افتقاده” :
إنهم يثابرون فى حفظ وصايا الله، مهما كانت الظروف المحيطة بهم تحاول تعطيلهم، فهم لا يتذمرون، بل يشكرون الله فى كل حين، ويواصلون جهادهم فى تنفيذ كلام الله، مهما بذلوا من جهد، ويظلون هكذا حتى نهاية حياتهم؛ هذا هو يوم افتقاد الله لهم بأخذ نفوسهم وارتفاعها إلى السماء.
والصبر أيضاً يكون على الضيقات؛ حتى تنتهى، ويتدخل الله، ويفتقدهم بمحبته، ويرفع عنهم الضيقة.
ع22: إن خائفى الرب يقبلون التجربة، ويقولون ما دام الله قد سمح بها، فنحن بهذا واقعون فى يد الرب، وهذا أفضل شئ لنا، فلا نسير بأفكارنا ومشيئتنا، أو مشورة الناس أهل العالم، وبهذا نقع فى يد أخرى غير يد الله.
ع23: إن كان الله عظيماً جداً بلا حدود، فرحمته أيضاً كبيرة جداً وهى بلا حدود. وبالتالى سيتدخل حتماً، ويسندنا أثناء التجربة، ثم يرفعها عنا فى الوقت المناسب. إننا واثقون تماماً برحمته. وهكذا يحيا خائفو الرب فى طمأنينة كاملة؛ حتى داخل الضيقات الصعبة. لأنك يا أخى تخاف الله، فاصبر على كل تعب يمر بك، واثقاً من محبته، ورحمته، فتدبيره لك هو أفضل شئ، فقط ارفع قلبك إليه بالصلاة دائماً فتطمئن.