بركات الحكمة لمن يختارها
(1) بركات الحكمة (ع1-10):
1الَّذِي يَتَّقِي الرَّبَّ يَعْمَلُ ذلِكَ، وَالَّذِي يَتَمَسَّكُ بِالشَّرِيعَةِ يَنَالُ الْحِكْمَةَ. 2تُبَادِرُ إِلَيْهِ كَأُمٍّ، وَتَتَّخِذُهُ كَامْرَأَةٍ بِكْرٍ. 3تُطْعِمُهُ خُبْزَ الْعَقْلِ، وَتَسْقِيهِ مَاءَ الْحِكْمَةِ، فِيهَا يَتَرَسَّخُ فَلاَ يَتَزَعْزَعُ، 4وَعَلَيْهَا يَعْتَمِدُ فَلاَ يُخْزَى، فَتَرْفَعُ مَقَامَهُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، 5وَتَفْتَحُ فَاهُ فِي الْجَمَاعَةِ، وَتَمْلأُهُ مِنْ رُوحِ الْحِكْمَةِ وَالْعَقْلِ، وَتُلْبِسُهُ حُلَّةَ الْمَجْدِ. 6فَيَرِثُ السُّرُورَ وَإِكْلِيلَ الاِبْتِهَاجِ وَاسْمًا أَبَدِيًّا. 7الْجُهَّالُ مِنَ النَّاسِ
لاَ يُدْرِكُونَهَا، أَمَّا الْعُقَلاَءُ فَيُبَادِرُونَ إِلَيْهَا، وَالْخَطَأَةُ لاَ يَرَوْنَهَا، لأَنَّهَا بَعِيدَةٌ عَنِ الْكِبْرِيَاءِ وَالْمَكْرِ. 8الْكَذَّابُونَ مِنَ النَّاسِ لاَ يَذْكُرُونَهَا، أَمَّا الصَّادِقُونَ فَيُوجَدُونَ فِيهَا وَيُفْلِحُونَ، إِلَى أَنْ يُشَاهِدُوا اللهَ.
9لاَ يَجْمُلُ الْحَمْدُ فِي فَمِ الْخَاطِئِ، 10لأَنَّ الْخَاطِئَ لَمْ يُرْسِلْهُ الرَّبُّ. إِنَّمَا يَنْطِقُ بِالْحَمْدِ ذُو الْحِكْمَةِ، وَالرَّبُّ يُنْجِحُهُ.
ع 1 : ينتهى الأصحاح السابق بالكلام عن الحكمة، ولذلك يبدأ هذا الاصحاح بحقيقة هامة، وهى أن من يتقى الرب ويخافه، يعمل ذلك، أى يقتنى الحكمة، ومن يريد أن يقتنى الحكمة لابد أن يتمسك بشريعة الله، أى سبيله إلى الحكمة، وبهذا يظهر أمرين ضروريين لاقتناء الحكمة وهما :
- مخافة الرب.
- التمسك بالشريعة.
ع2: تبادر : تسرع.
الحكمة تحب من يخاف الله، ويتمسك بالشريعة، فتمنحه بركات كثيرة هى : 1- تبادر إليه كأم فتسرع إليه بالحب والحنان؛ لترعاه كإبن لها، لتحفظه من الأخطار، فتهتم باحتياجاته، وترشده فى كل خطواته.
وتكون الحكمة أيضاً لخائف الله 2- امرأة بكر : أى عفيفة، وعروس نقية، تشتاق إليه، وتهتم به، فتشبعه من حبها، وتهتم براحته، وتفرحه كل أيامه.
ع3، 4: يترسخ : يثبت ثباتاً قوياً.
البركة الثالثة التى تعطيها الحكمة لخائف الرب هى : 3- خبز العقل الحكمة تطعم خائف الله بهذا الخبز، الذى هو الأفكار الإلهية المشبعة للعقل، التى تحفظه من الشر، فلا يجرى وراء شهوات العالم، وأفكاره الردية، وينشغل بهذه الأفكار، فتنتقل إلى مشاعره، وتملأ كيانه، وتفيض على كلامه وأفعاله.
4- ماء الحكمة : إن ماء الحكمة هو الروح القدس؛ روح الله الذى يعلن له، ويرشده إلى كل الحق، ويعلمه كل شئ، ويقوده فى طريق الحياة الأبدية. فهو لا يحتاج إلى شهوات العالم، فيحيا فى شبع، ويفرح بالله، بل ويفرح الآخرين.
5- يترسخ : فيصير ثابتاً لا ينزعج من تقلبات الحياة والمشاكل والضيقات، وأيضاً التعاليم الغريبة، ويستطيع أن يحتمل الآلام، لأنه يتغذى دائماً من الحكمة، والله هو الذى يثبته.
6- عليها يعتمد : فلا يخزى خائف الرب يعتمد على الحكمة، ولأن الحكمة هى الله، فهو ليس فقط لا يضطرب من التهديدات، أو المشاكل، ولكنه أيضاً يصير قوياً، فيتحمل المسئوليات، ويتشجع، فيبادر إلى حل المشاكل، ومساعدة المظلومين، ومساندة الضعفاء. ولا يضطرب إذا تفرق عنه الكل؛ لأن معه كل شئ، وهو الله الحكمة الحقيقية وإذا تعرض لمشكلة، ترشده الحكمة، فيتصرف حسناً ولا يخزى، أى ينجح فى كل شئ على الأرض، ثم لا يخزى فى الملكوت، بل يجد نجاحه الأبدى.
7- ترفع مقامه عند أصحابه : الحكمة تعطى متقى الله نعمة فى أعين من حوله، فيحترمونه، ويمجدونه، ويخافونه، مهما كان متواضعاً وبسيطاً، فقوة الله تظهر فيه، كما كان الأنبا ابرآم اسقف الفيوم يهابه المطارنة والأساقفة، لأنه يعلن الحق ولا يهاب إنساناً، مع احتفاظه بالقلب الرقيق العطوف على كل محتاج.
ع5: 8- تفتح فاه .. الحكمة والعقل .. حلة المجد :
هذه البركة الثامنة لخائف الرب، هى القدرة على الكلام القوى السليم، فلا يخاف إنساناً، وكلماته مملوءة من الحكمة والعقل، وله مهابة فى أعين الكل، فيصمتون أمام كلامه، إذ يرونه لابساً حلة المجد، فيوقرون كلامه، ويخضعون له. وقد أعلن المسيح فى العهد الجديد عن الـروح القدس : “أنه يعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها، أو يناقضوها” (لو21: 15). فالروح القدس يعطى خائف الرب الكلام السليم فى الوقت المناسب، ويمجده فى أعين الكل.
ع6: 9- السرور والابتهاج : الحكمة تهب خائف الرب أيضاً السرور والابتهاج الذى يملأ قلبه، ويظهر على وجهه، حتى يفيض على الآخرين، فيتأثرون به، ويفرحون بصحبته والنظر إليه، والاستماع لكلماته.
10- اسماً أبدياً : لا تكتفى الحكمة بإعطاء خائف الرب كل البركات السابقة على الأرض، بل تهبه المجد الأبدى، ليخلد فى السعادة، والفرح الذى لا ينتهى، والتمتع برؤية الله، والوجود فى حضرته وسط مجمع الملائكة والقديسين، بالإضافة إلى تذكار اسمه على الأرض يكون مصدر بركة لكل من يسمع عنه، مثل كل القديسين الذين يتميزون بفضائل عظيمة، فداود قلبه مثل قلب الله، وسليمان ذو الحكمة العظيمة، وكل قديس يذكر بالفضائل التى عاش فيها.
ع7: الجهال هم الأشرار المنشغلون بشهواتهم، فهم بعيدون عن الله، ولا يستطيعون أن يفهموا الحكمة، أو يدركونها، والخطاة المنشغلون بالشر لا يستطيعون أن يروا الحكمة من أجل كبريائهم وخبثهم ومكرهم، الذى يستخدمونه للوصول إلى شهواتهم.
أما العقلاء، وهم خائفو الرب، فيسلكون باتضاع، ولذا يكشف لهم الله الحكمة، فيحبونها، ويسعون إليها، بل يبادرون إليها قبل أى شئ آخر فى حياتهم؛ ليتمتعوا بها، فيحيون فيها إلى الأبد.
ع8: يفلحون : ينجحون.
الكذابون هم الذين يخدعون أنفسهم بشهوات العالم، ويخدعون الناس للوصول إلى أهدافهم الشريرة، فهؤلاء، لانشغالهم بالشر، ينسون الحكمة ولا يذكرونها، فهى ليست من اهتمامهم.
ولكن على العكس، فالصادقون مع أنفسهم، يحاسبون أنفسهم ويراجعونها فى كل شئ، وهم واضحون أمام الله والناس، هؤلاء يحبون الله، ويقبلون إليه، ويتمتعون بالوجود فى حضرته، وهو الحكمة الحقيقية، وينجحون فى حياتهم الروحية والعملية طوال عمرهم؛ حتى يتمتعوا بمشاهدة الله، ليس فقط جزئياً على الأرض، ولكن بوضوح فى السماء إلى الأبد.
ع9، 10: يجمل : يحسن.
الإنسان الخاطئ يشعر أن ما عنده من خيرات هو نتيجة مجهوده وتعبه. وإن شكر الله، فهو إما يردد كلمات لا يؤمن بها فى قلبه، أو لكبريائه يشعر أنه يسلك حسناً، ولذا يأخذ هذه الخيرات من الله. فشكره يؤكد كبرياءه وليس بغرض تمجيد الله، إذ ينسب كل شئ لنفسه، وليس لله.
والله لم يرسل هذا الخاطئ ليكون قدوة للناس فى هذا الشكر، لأنه يتظاهر فقط بالشكر، أما الحكيم، فلأجل اتضاعه، يشعر أنه غير مستحق لعطايا الله، فيشكره عليها، والله يباركه بنجاحات أكبر، فيزداد شكره.
الحكمة هى الله قريبة جداً منك، وتريد أن تسكن فيك، فلا تطفئها بانشغالات الحياة، وشهوات العالم، ولكن افسح لها مكاناً بالصلوات والقراءات، فتعمل فيك، وتبنيك وترشدك، فتحيا فى فرح كل حين.
(2) الشر اختيار الإنسان (ع11-22):
11لاَ تَقُلْ: «إِنَّمَا ابْتِعَادِي عَنْهَا مِنَ الرَّبِّ»، بَلِ امْتَنِعْ عَنْ عَمَلِ مَا يُبْغِضُهُ. 12لاَ تَقُلْ: «هُوَ أَضَلَّنِي»، فَإِنَّهُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي الرَّجُلِ الْخَاطِئِ. 13كُلُّ رِجْسٍ مُبْغَضٌ عِنْدَ الرَّبِّ، وَلَيْسَ بِمَحْبُوبٍ عِنْدَ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. 14هُوَ صَنَعَ الإِنْسَانَ فِي الْبَدْءِ، وَتَرَكَهُ فِي يَدِ اخْتِيَارِهِ، 15وَأَضَافَ إِلَى ذلِكَ وَصَايَاهُ وَأَوَامِرَهُ. 16فَإِنْ شِئْتَ، حَفِظْتَ الْوَصَايَا وَوَفَّيْتَ مَرْضَاتَهُ. 17وَعَرَضَ لَكَ النَّارَ وَالْمَاءَ؛ فَتَمُدُّ يَدَكَ إِلَى مَا شِئْتَ. 18الْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ أَمَامَ الإِنْسَانِ؛ فَمَا أَعْجَبَهُ يُعْطَى لَهُ. 19إِنَّ حِكْمَةَ الرَّبِّ عَظِيمَةٌ. هُوَ شَدِيدُ الْقُدْرَةِ، وَيَرَى كُلَّ شَيْءٍ، 20وَعَيْنَاهُ إِلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ، وَيَعْلَمُ كُلَّ أَعْمَالِ الإِنْسَانِ. 21لَمْ يُوصِ أَحَدًا أَنْ يُنَافِقَ، وَلاَ أَذِنَ لأَحَدٍ أَنْ يَخْطَأَ، 22لأَنَّهُ لاَ يُحِبُّ كَثْرَةَ الْبَنِينَ الْكَفَرَةِ الَّذِينَ لاَ خَيْرَ فِيهِمْ.
ع11: تخاطب هذه الآية كل إنسان خاطئ يدعى أن ابتعاده عن الحكمة هو من الرب. فالله الذى هو الحكمة كيف يبعد الناس عنه ؟! إنه إدعاء شرير يقوله الخاطئ ليبرر خطاياه.
ثم يواصل سيراخ كلامه لهذا الخاطئ، ويقول له : الأولى بك أن تبتعد عن كل شر يغضب الله، ولا تتمادى فى تبرير خطاياك، وتدعى أن الله هو السبب، فإنك بهذا تعمل شرين؛ الشر الأول هو خطيتك، والشر الثانى هو أن تنسب السبب فى خطيتك لله، الذى أبعدك عن الحكمة، أو حرمك منها، فإن الله لا يحرم إنساناً من معرفته، وهو لا يترك نفسه بلا شاهد (أع14: 17).
ع12 : لا تقل يا شرير أن الله هو الذى أضلنى، وجعلنى أمشى فى الشر، فالله الذى هو نور كيف يتفق مع الظلمة ؟! والله بالطبع لا يحتاج إلى الخاطئ؛ لأن الخاطى قد رفض الله وابتعد عنه. الله يريد أولاده المطيعين المحبين، وبالطبع فالله لا يضل أحداً، بل يجتذب إليه الجميع، ويشجع كل من يريد أن يتبعه.
ع13: رجس : شر.
الله يكره الشر، والذى يخاف الله ويتقيه فهو بالطبع يحب الله، ويكره الشر مثله؛ لأن الشر هو عكس الخير، والله هو الخير، وأولاده هم محبو الخير.
ع14، 15: الله خلق الإنسان فى البدء، ووهبه حرية الإرادة، أى تركه فى يد اختياره. فيختار ما يريد الخير، أو الشر. وسانده بالوصايا والأوامر التى تقوده إلى الخير، وتبعده عن الشر.
ع16: وفيت : أتممت.
الإنسان له الحرية أن يختار الله، فيحفظ وصاياه، ويطيع أوامره؛ لأنه يهتم بإرضاء الله. أو العكس أن يتهاون ويتكاسل عن تنفيذ وصايا الله وأوامره، وبالتالى يغضب الله. فهو له الحرية الكاملة فى أن يختار الله، أو الشر.
ع17، 18: وتأكيداً لحرية الإنسان أعطى له الله النار والماء، فإن مد يده إلى النار تلسعه، ولكن إن مدها للماء، فعلى العكس، ترطب يده، وله الحرية أن يختار ما يريد، وإن كان بالطبع اختيار الماء أفضل.
كذلك وضع الله أمام الإنسان الحياة والموت. إما أن يحفظ وصايا الله وأوامره، فيحيا مع الله إلى الأبد، أو يرفض وصايا الله، وبهذا تكون نهايته الموت الأبدى.
إذن للإنسان أن يختار ما يعجبه بحريته، وحتى إن سقط، فالمسيح قدم له حلاً، وهو التوبة والاعتراف، فيستعيد حياته مع الله، أما إذا أصر على الخطية ورفض التوبة، فقد اختار الشر، ولا يقل أن الله هو الذى أضلنى، لكن الحقيقة أنه أضل نفسه بإرادته.
ع19، 20: إن الله عنده الحكمة كلها، والقدرة الكاملة، فهو يعرف كل شئ، وقادر على كل شئ، وفى نفس الوقت يرى كل شئ، إذ لا يخفى عنه أى شئ فى فكر، أو قلب الإنسان، أو فى كلامه وأعماله.
إذن فالله يرى كل من يتقيه؛ ليكافئه على أعماله الصالحة، وأفكاره الطيبة.
ع21، 22: الله الذى هو نور وخير لا يمكن أن يكون قد أوصى إنساناً بالنفاق والشر، وبالطبع أيضاً لا يمكن أن يأذن لإنسان أن يفعل شراً؛ لأنه يبغض الشر. أما إذا أصر الإنسان على الشر، فالله يتضايق، ولكنه لا يمنعه؛ لأنه يحترم حرية الإنسان. والله لا يحب كثرة البنين الأشرار بمعنى أنه لا يحب خطاياهم، وينتظر توبتهم ورجوعهم.
الخلاصة، أن الله خير، ومحبو الخير يتبعونه ويحفظون وصاياه. أما الأشرار، فيرفضون وصاياه، ويتباعدون عنه، وهو لا يحب شرهم وعنادهم. تمتع يا أخى بنعمة الله، وهى حرية الإرادة؛ لتختار الله، وكل شئ صالح يرضيه، فتحيا فى فرح وسلام؛ لأن الشر والابتعاد عن الله لا يعطى إلا الاضطراب والتعاسة. الله يحبك ويريد سعادتك، فاقترب إليه.