السـعـادة
(1) سعادة الأتقياء ( ع1، 2)
1طُوبَى لِلْرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَزِلَّ بِفِيهِ، وَلَمْ يَنْخَسْهُ النَّدَمُ عَلَى الْخَطِيئَةِ. 2طُوبَى لِمَنْ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ ضَمِيرُهُ، وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ رَجَائِهِ.
ع1: فيه : فمه.
يا لسعادة الإنسان التقى الذى يدقق فى كلامه؛ حتى لا يخطئ بشفتيه، أى أن كلامه نقى يرضى الله.
ويا لفرح الإنسان الذى لا يخطئ، وبالتالى لا يندم عن أخطاء فعلها، يؤنبه عليها ضميره، فهو مدقق فى أفكاره، ونيات قلبه، وليس فقط فى كلامه، وأفعاله. فيحيا فى سلام وسعادة.
ع2: ويا لسعادة الإنسان الذى لا يظل ضميره يحاكمه، ويظهر له أخطاءه؛ لأنه يتوب إن أخطأ، ثم يسلك بنقاوة.
ومن ناحية أخرى، يا لسعادة الإنسان الذى له رجاء دائم فى الله، وحتى لو أخطأ يقوم سريعاً، ويرجع إلى الله، ورجاؤه ينميه فى طريق الله، فيتمتع بعشرة الله، ويحيا مطمئناً.
إن مخافة الله تحميك يا أخى من السقوط فى الخطية، وإن أخطأت تسرع إلى التوبة، فتستعيد نقاوتك. ورجاؤك فى الله يفرح قلبك، ويقودك فى طريق محبة الله.
(2) البخل والحسد (ع3-10)
3الْغِنَى لاَ يَجْمُلُ بِالرَّجُلِ الشَّحِيحِ، وَمَا مَنْفَعَةُ الأَمْوَالِ مَعَ الإِنْسَانِ الْحَسُودِ؟ 4مَنِ اخْتَزَنَ بِخُسْرَانِ نَفْسِهِ؛ فَإِنَّمَا يَخْتَزِنُ لِلآخَرِينَ، وَيَتَنَعَّمُ بِخَيْرَاتِهِ غَيْرُهُ. 5مَنْ أَسَاءَ إِلَى نَفْسِهِ؛ فَإِلَى مَنْ يُحْسِنُ؟ أَلَمْ تَرَهُ لاَ يَتَمَتَّعُ مِنْ أَمْوَالِهِ. 6لاَ أَسْوَأَ مِمَّنْ يَحْسُدُ نَفْسَهُ. إِنَّ ذلِكَ جَزَاءُ خُبْثِهِ. 7وَإِنْ هُوَ أَحْسَنَ، فَعَنْ سَهْوٍ، وَفِي الآخِرِ يُبْدِي خُبْثَهُ. 8لاَ أَخْبَثَ مِمَّنْ يَحْسُدُ بِعَيْنِهِ، وَيُحَوِّلُ وَجْهَهُ، وَيَحْتَقِرُ النُّفُوسَ. 9عَيْنُ الْبَخِيلِ لاَ تَشْبَعُ مِنْ حَظِّهِ، وَظُلْمُ الشِّرِّيرِ يُضْنِي نَفْسَهُ. 10الْعَيْنُ الشِّرِّيرَةُ تَحْسُدُ عَلَى الْخُبْزِ، وَعَلَى مَائِدَتِهَا تَكُونُ فِي عَوَزٍ.
ع3: الشحيح : البخيل.
الإنسان البخيل لا يستطيع أن يتمتع بما يمتلكه؛ لأنه يحتفظ بما عنده، ولا يستخدمه، وأيضاً بالتالى لا يعطيه للمحتاجين. فإن زادت أمواله، أى صار غنياً، فلن يستفيد أيضاً من هذا الغنى، ولن يفيد غيره، ولذا يقول : لا يجمل، أى لا يكون جيداً أن يعطى للبخيل مالاً؛ لعدم فائدته.
وكذلك الحسود الذى ينظر إلى ما عند غيره، فإن زادت أمواله لن يستفيد منها؛ لأنه لا يشكر الله، ولا يتمتع بما عنده، بل دائماً هو متذمر، ويتمنى أن يأخذ ما عند غيره، ويشعر أنهم لا يستحقون ما عندهم، وبالتالى لا يستفيد من أمواله، أو مقتنياته؛ حتى لو أنفق كثيراًعلى نفسه؛ لكنه لن يفرح بأمواله.
ع4: إن الذى يختزن عنده كل شئ؛ حتى لو كان محتاجاً له، ويحرم نفسه منه، ويعتبر استخدام هذا الشئ خسارة، فإن كل ما يختزنه سيأخذه غيره. إن حاول فى حياته أن يحرم من حوله، متمادياً فى بخله على الجميع، فإنه حتماً بعد موته، سينفق أولاده، أو الآخرون هذه الأموال بتبذير، إذ عاشوا فى حرمان سنيناً كثيرة، إن لم يصيروا بخلاءً مثل أبيهم، ويحرمون أنفسهم، فتصير لمن بعدهم. فالخلاصة، أن البخيل لا يستفيد من أمواله، فيأخذها غيره، ولن يستطيع منعه؛ لأنه سيكون قد مات. فالأجدر به أن يعيش طبيعياً، ولا يشعر أن استخدام هذه الأموال خسارة على نفسه، أو على من حوله، فيفرح ويفرح الكل، لكى لا يتمنى أحد سرعة
موته.
ع5: يفهم عن البخيل أنه إن كان يحرم نفسه من احتياجاته، فبالطبع لن يحسن إلى غيره، فإن تعلقه بالمال والمقتنيات تعلق مريض، يريد أن يراها أمامه، فيطمئن ويفرح، ويظل هو وغيره فى حرمان، وعدم تمتع بكل ما عنده.
ع6: يوجد نوع غريب من الحسد، وهو أن يحسد الإنسان نفسه، أى يحرم نفسه من كل شئ، فيسىء إساءة كبيرة إلى نفسه، فيعانى من الحرمان، وهذا أسوأ صورة للبخل، فهذا الحسود يشعر أنه غير مستحق لأمواله، فيتحول إلى بخيل، يحرم نفسه بشدة. وهذا هو جزاء الحسد (الخبث)، أن يعانى من الحرمان.
ع7: سهو : بدون قصد.
يبدى : يظهر.
إن البخيل لا يريد أن يحسن إلى أحد؛ لأنه لا يشعر باحتياجات المحتاجين، إذ أن تعلقه بأمواله، أو بتمتعه الشخصى بها، يحرمه من الشعور بالآخرين. فإن أعطى إحساناً، فهذا يكون عن طريق الخطأ، أى لم يكن يقصد أن يحسن، مثل أن يحرجه أحد فيحسن إلى غيره، أو تسقط بعض أمواله. وبعد هذا الإحسان الذى تم عن طريق الخطأ يعود البخيل إلى بخله، أى خبثه، فلا يعطى أحداً.
ع8: من الأخطاء الفظيعة، الإنسان الذى ينظر بتدقيق لما عند غيره، ويحسده عليه، ويشعر أن ما يملكه الآخرون لا يستحقونه، فيحول نظره عنهم، فهو يحتقرهم فى قلبه، لأنهم يأخذون ما لا يستحقون؛ كل هذه أوهام يحيا فيها الحسود. هذه خطية كبيرة تحوى خطايا كثيرة، مثل : عدم المحبة، والأنانية، وتمنى الشر للآخرين، والكبرياء، والاحتقار.. .
فآخاب وإيزابل امرأته حسدا نابوت اليزرعيلى، واستوليا على حقله بالظلم، فماتا ميتة فظيعة (1مل21).
ع9: يضنى : يتعب بشدة.
البخيل لا يشبع، ولا يتمتع بما عنده، فهو حظه، أو عطية الله له، إذ هو متعلق بالمال، فلا يستخدمه، ولا يتمتع به. فهو بهذا يظلم نفسه، ولا يريد أن يساعد غيره، ويحيا فى أنانية، واضطراب وخوف من أن تضيع أمواله التى اكتنزها، فهو يتعب نفسه بشدة، وليس عنده أى سلام داخلى، والخلاصة، أنه تعيس، والسبب هو تفكيره الغريب، أى البخل.
فالبخيل يشعر أنه غير مستحق أن يتمتع بما، عنده، ويشعر أيضاً أن الآخرين غير مستحقين، فيظلم نفسه ويظلمهم، فيكون مضطرباً على الدوام.
ع10: العين الشريرة هى عين البخيل الحسود، الذى يحسد الفقير، الذى لا يملك إلا الخبز، فيحسده على هذا الخبز، وقد يكون يابساً. ولأجل بخله فمائدته ليس عليها خبز، فهو يحرم نفسه لبخله، فيعذب نفسه، ويسىء للآخرين بنظراته الشريرة.
ليتك تشعر بمن حولك؛ لتعطيهم مما عندك، بل ليتك تكون سخياً فى العطاء، وذلك
بالتأمل فى عطايا الله لك، وشكره عليها عندما تستخدمها، فتكون فى سلام ورضا وميل للعطاء.
(3) الكرم والعطاء (ع11-19)
11يَا بُنَيَّ، أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ بِحَسَبِ مَا تَمْلِكُ، وَقَرِّبْ لِلرَّبِّ تَقَادِمَ تَلِيقُ بِهِ. 12اُذْكُرْ أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُبْطِئُ. أَلَمْ يَبْلُغْكَ عَهْدُ الْجَحِيمِ؟ 13قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ أَحْسِنْ إِلَى صَدِيقِكَ، وَعَلَى قَدْرِ طَاقَتِكَ ابْسُطْ يَدَكَ وَأَعْطِهِ. 14لاَ تَخْسَرْ يَوْمًا صَالِحًا، وَلاَ يَفُتْكَ حَظُّ خَيْرٍ شَهِيٍّ. 15أَلَسْتَ مُخَلِّفًا أَتْعَابَكَ لآخَرَ، وَمَا جَهَدْتَ فِيهِ لِلاقْتِسَامِ بِالْقُرْعَةِ؟ 16أَعْطِ وَخُذْ وَزَكِّ نَفْسَكَ. 17قَبْلَ وَفَاتِكَ اِصْنَعِ الْبِرَّ؛ فَإِنَّهُ لاَ سَبِيلَ إِلَى الْتِمَاسِ الطَّعَامِ فِي الْجَحِيمِ. 18كُلُّ جَسَدٍ يَبْلَى مِثْلَ الثَّوْبِ، لأَنَّ الْعَهْدَ مِنَ الْبَدْءِ؛ أَنَّهُ يَمُوتُ مَوْتًا. فَكَمَا أَنَّ أَوْرَاقَ شَجَرَةٍ كَثِيفَةٍ، 19بَعْضُهَا يَسْقُطُ وَبَعْضُهَا يَنْبُتُ، كَذلِكَ جِيلُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ، بَعْضُهُمْ يَمُوتُ وَبَعْضُهُمْ يُولَدُ.
ع11: تقادم : تقدمات.
هذه الآيات التالية تعالج مشكلة البخل والحسد السابق ذكرها، فتدعو كل إنسان لينفق على نفسه واحتياجاته مما عنده من مال، أى لا يكون بخيلاً.
ومن ناحية أخرى، يهتم أن يقدم تقدمات للرب؛ لإشباع حاجة المحتاجين، وعندما يقدم هذه التقدمات تكون من صفاتها أن تليق بالرب، أى لا تكون قليلة بالنسبة لقدرة المعطى على العطاء، أى يعطى بسخاء، وتقدمات جيدة؛ لإظهار محبته لله، وللمحتاجين، الذين هم إخوة الرب.
ع12: الموت أمر حتمى سيأتى على كل إنسان، وقبل مجىء المسيح كان الجميع، أبرار وأشرار، يذهبون إلى الجحيم، مكان الانتظار، فعهد الجحيم هو الموت، والموت أيضاً لا يبطئ، أى سيأتى سريعاً، فليس له ميعاد، وقد يأتى بعد أيام، أو شهور، وبالتالى وجب الاستعداد له بعمل الخير والحياة الروحية، فنحيا مع الله الذى سنقابله بعد الموت.
ع13: من أهم الأعمال قبل الموت، أن يعطى الإنسان المحتاجين من أصدقائه وأحبائه. والعطاء يمثل أمرين هامين : 1- المحبة وعدم الأنانية؛ ومحبة الله وتقديم الحب له.
2- الإحساس بالآخرين واحتياجاتهم، وتقديم محبة لهم، فى شكل عطايا تسندهم.
ع14، 15: كن معتدلاً، وانتهز كل فرصة لتتمتع بحياتك مع الله، فلا تحرم نفسك من التمتع بأية فرصة؛ لتعيش فى سعادة، أى لا تكون بخيلاً على نفسك، وتحرم نفسك بلا داع. وعندما يقول: “لا يفتك حظ غير شهى” يقصد لا تضيع فرصة تحبها تساعدك على التمتع بحياتك مع زوجتك وأولادك،أو مع أصدقائك فى اجتماع محبة، سواء فى بيتك، أو فى رحلة، ما دمت قادراً على نفقاتها، فتشكر الله وتحيا سعيداً؛ لأنك بعد الموت ستترك كل هذه الأموال لغيرك، ويقسمونها الورثة بينهم، أو يقترعون عليها، فلماذا تكنزها وتتعلق بها ؟
هذا بالطبع غير النسك فى الصوم، حيث يضبط الإنسان نفسه عن الماديات؛ ليتمتع بالروحيات. فسيراخ هنا يرفض البخل والاكتناز تعلقاً بالمال، ولكن لا يعارض النسك
والقناعة.
ع16: ينبغى أن تحيا حياة اجتماعية فى محبة، وتعطى الآخرين هدايا، وأشكال مختلفة من المحبة، وتقبل أيضاً منهم محبتهم، وولائمهم، فبهذا تزكى نفسك، أى تتمتع بحياتك فى جو من الحب يرضى الله.
ع17: فى حياتك على الأرض، قبل أن تموت انتهز فرصة العمر؛ لتصنع البر، ويشمل أمرين:
- علاقة مع الله فى صلوات وقراءات وأصوام.
- أعمال خير ورحمة للمحتاجين من البشر الذين حولك.
والذى يؤكد ضرورة الإسراع فى عمل البر، أنه لا توجد فرصة بعد الموت، أى فى الجحيم، لعمل شئ، أى لن تحصل على فرصة لعمل خير، أو بدء علاقة مع الله، بل ستحاسب على ما وصلت إليه طول عمرك على الأرض قبل الموت.
والمقصود بالتماس الطعام، أنك جائع وتريد أن تستريح وتشبع نفسك، وهذا لن يحدث فى الجحيم؛ لأنه بحسب ما شبعت فى الأرض من علاقة بالله وعمل خير، ستظل فى هذه الحالة فى الجحيم، أى الحياة الأخرى، وإن كنت جائعاً، ولم تصنع شيئاً من البر مع الله والناس، فستظل جائعاً، ولن تجد راحة فى الأبدية.
ع18، 19: يبلى : يفنى.
جيل اللحم والدم : البشر.
الموت أمر ضرورى لابد أن يحدث لكل إنسان؛ هذا ما حدث مع كل البشر الذين سبقونا، الكل لابد أن يموت. كما نرى فى الطبيعة شجرة كثيرة الأغصان والأوراق، أى كثيفة، فيسقط منها مع الزمن بعض الأوراق، وتنبت بدلاً منها أوراق أخرى، كذلك لابد أن يموت الناس الأحياء، ثم يولد بدلاً منهم أناس آخرون.
كن معتدلاً فى حياتك، فانفق أموالك لتساعدك على حياة كريمة مع الله، وكذا تنظر إلى احتياجات أسرتك، وتهتم بالعطاء للآخرين. واحذر من محبة المال، فإنها أصل لكل
الشرور.
(4) سعادة الحكماء (ع20-27)
20كُلُّ عَمَلٍ فَاسِدٍ يَزُولُ، وَعَامِلُهُ يَذْهَبُ مَعَهُ. 21وَكُلُّ عَمَلٍ مُنْتَقًى يُبَرَّرُ، وَعَامِلُهُ يُكْرَمُ لأَجْلِهِ.
22طُوبَى لِلْرَّجُلِ الَّذِي يَتَأَمَّلُ فِي الْحِكْمَةِ، وَيَتَحَدَّثُ بِهَا فِي عَقْلِهِ، 23وَيَتَفَكَّرُ فِي طُرُقِهَا بِقَلْبِهِ، وَيَتَبَصَّرُ فِي أَسْرَارِهَا. يَنْطَلِقُ فِي إِثْرِهَا كَالْبَاحِثِ، وَيَتَرَقَّبُ عِنْدَ مَدَاخِلِهَا، 24وَيَتَطَلَّعُ مِنْ كَوَّاتِهَا، وَيَتَسَمَّعُ عِنْدَ أَبْوَابِهَا، 25وَيَحِلُّ بِقُرْبِ بَيْتِهَا، وَيَضْرِبُ وَتَدًا فِي حَائِطِهَا، وَيَنْصِبُ خَيْمَتَهُ بِجَانِبِهَا، وَيَنْزِلُ بِمَنْزِلِ الْخَيْرَاتِ. 26يَجْعَلُ بَنِيهِ فِي كَنَفِهَا، وَيَسْكُنُ تَحْتَ أَغْصَانِهَا. 27يَسْتَتِرُ بِظِلِّهَا مِنَ الْحَرِّ، وَفِي مَجْدِهَا يَجِدُ رَاحَةً.
ع20: الأعمال الفاسدة هى الأعمال الشريرة، وكلها تزول، فهى بلا نفع ولا توصل إلى الله. وكما أن الشر عكس الخير، كذلك الظلمة عكس النور. فالأعمال الفاسدة هى ظلمة، وفقدان للنور، ولذا فهى تزول، وبلا قيمة، وكل من يعمل هذه الأعمال الشريرة، يذهب معها إلى الجحيم، إذ هو يقرر ابتعاده عن الله، ورفضه للحكمة التى هى الله.
ع21: الأعمال المنتقاة هى أعمال الخير، وهى تعبير عن الحكمة الحقيقية، وتظهر محبة الإنسان لله؛ ولذا فالذى يعملها يكرمه الله، فى الأرض بالسلام الداخلى والفرح، وفى السماء بالملكوت. هذا هو الإنسان الحكيم الذى يحيا مع الله فى الأرض، وفى السماء. ويؤكد ذلك سفر الرؤيا، الذى يعلن أن الأعمال الصالحة تتبع من عملوها إلى السماء؛ ليكرمهم الله من أجلها (رؤ14: 13).
ع22: من يشعر بأهمية الحكمة يتأمل فيها، أى لا يعرفها فقط، ولكن يفحصها باهتمام، ويتأمل فى معانيها؛ ليحيا بها.
وهو أيضاً يتحدث بها فى عقله، أى يفكر فيها، ويكررها، أى يلهج بها؛ ليتمتع بها وتثبت فيه، ويحيا بها بسهولة، وهكذا يستخدم الإنسان عقله للتمتع بالحكمة.
ع23: يتبصر : يتفهم.
إثرها : خلفها.
الإنسان الحكيم الذى يتأكد أن نهاية كل إنسان هو الموت، وبالتالى يلزم أن يحيا الإنسان مع الله على الأرض، والله هو الحكمة، الذى تجسد فى ملء الزمان؛ ليفدينا على الصليب، فلذا لا يفكر الإنسان فقط بالحكمة فى عقله، ولكن أيضاً يتفكر بها فى قلبه، أى يشعر بها فى قلبه، فالإحساس بالحكمة الموجودة فى كلام الله فى الشريعة، يجذب الإنسان إلى الله؛ حتى أنه يتبصر فى أسرارها، وما هى أسرارها إلا المعانى والمبادئ المختفية فى وصايا الله، فيفكر فيها، ويحيا بها الإنسان.
إن الإنسان طالب الحكمة يشتاق أن يعرف أعماقها، فيبحث فى كلام الله ووصاياه؛ ليستخرج المعانى التى يحتاج أن يحيا بها.
وطالب الحكمة أيضاً يترقب عند مداخلها، أى ينظر باهتمام إلى مداخل الحكمة؛ ليعرفها ويقتنيها. وما هى هذه المداخل إلا الفضائل الموصلة إليها، وهى المحبة والاتضاع، والوداعة… فهو يحب الحكمة، فيسعى إلى كل ما يوصل إليها؛ ليقتنيها ويفرح بها.
ع24: يتطلع : ينظر.
كواتها : شبابيكها.
ومن يريد الحكمة يتطلع من كواتها، فينظر باهتمام من خلال نوافذها. وما هى هذه النوافذ إلا أولاد الله، الذين يحيون معنا، فيتأمل فى حياتهم، وكيف يعيشون بالحكمة، ويتتلمذ على أيديهم.
وكذلك ويتسمع عند أبوابها، وهذه الأبواب هى القديسون الذين سبقونا إلى السماء، بعد أن عاشوا حياتهم بالحكمة، ووصلوا إلى السعادة الأبدية، فيقرأ سيرهم باهتمام، ويتأمل فى أقوالهم، ليسير وراءهم فى موكب الحكمة.
ع25: وبعد هذا من يطلب الحكمة يحل بقرب بيتها، الذى هو بيت الرب رمز الكنيسة، ليستضىء بنورها، وينال بركاتها.
ولا يكتفى بهذا، بل يضرب وتداً فى حائطها، وينصب خيمته بجانبها، أى يلتصق بالكنيسة، ويثبت بجوارها، فيسكن هناك كل أيامه، ليرضع من لبنها، ويتغذى بأسرارها المقدسة، فيثبت فيها إلى الأبد.
وأيضاً ينزل بمنزل الخيرات، فيفرح بخيرات الكنيسة، فيسمع ألحانها، ويتغنى بمزاميرها، ويحب الصلاة والتسبيح فى كل حين، ويتأمل فى كلام الله، ويشعر بحضرته على الدوام.
ع26: كنفها : أحضانها.
ويستمر الحكيم فى سعيه للحكمة فيجعل بنيه فى كنفها، أى لا يلتصق هو فقط ببيت الرب، بل يهتم أن يلصق أبناءه بالكنيسة، فيولدون من بطن معموديتها، ويتمتعون بكل الجو الروحى الذى فيها، فيحيون فى طقوسها.
وفى النهاية يصل الحكيم إلى هدفه فيسكن تحت أغصانها، وهى تعاليم الكنيسة، فيتتلمذ ويتعلم كل يوم الجديد منها، فينمو فى الحكمة.
ع27: يستتر : يستظل.
وبعد هذا يستتر بظلها من الحر، فيحتمى الحكيم من الحر، أى التجارب، فلا يضطرب، أو يتقلقل بسبب هذه الضيقات، بل يظل فى ثباته تحت ظل تعاليم كنيسته.
وأخيراً فى مجدها يجد راحة، هذا المجد ليس فقط يتمتع به على الأرض فى سلام وفرح، ولكن بالأكثر فى السماء، حيث الراحة الأبدية فى أمجاد السماء.
إن كانت الحكمة تعطى كل هذه السعادة على الأرض وفى السماء، فيلزم يأخى أن نسعى نحوها، فنقرأ فى الكتاب المقدس كل يوم، ونتأمل فيه، ونحيا به، فنعيش فى طمأنينة وفرح.