أمومة الحكمة
فى هذا الأصحاح تعلن الحكمة عن نفسها أنها تحب البشرية كلها (ع9)، ومركزها فى شعب الله وهيكله (ع14، 15)، ثم يتطلع ابن سيراخ إلى الحكمة الظاهرة فى كنيسة العهد الجديد، ويعلن أن مركز الحكمة هو فى السماء (ع7، 8)، وأنها تفيض بسخاء على العالم كله (ع35، 36). وهكذا نرى تطابق الكلام هنا عن صفات الحكمة مع صفات رب المجد يسوع المسيح مخلص العالم فى تجسده وأزليته (ع5)، وخدمته وفدائه (ع14)، وملكه إلى الأبد (ع34)، وإرساله الروح القدس (ع40).
(1) تميز الحكمة (ع1-11):
1الْحِكْمَةُ تَمْدَحُ نَفْسَهَا، وَتَفْتَخِرُ بَيْنَ شَعْبِهَا. 2تَفْتَحُ فَاهَا فِي جَمَاعَةِ الْعَلِيِّ، وَتَفْتَخِرُ أَمَامَ جُنُودِهِ،
3وَتُعَظَّمُ فِي شَعْبِهَا، وَتُمَجَّدُ فِي مَلإِ الْقِدِّيسِينَ، 4وَتُحْمَدُ فِي جَمْعِ الْمُخْتَارِينَ، وَتُبَارَكُ بَيْنَ الْمُبَارَكِينَ، وَتَقُولُ: 5«إِنِّي خَرَجْتُ مِنْ فَمِ الْعَلِيِّ بِكْرًا قَبْلَ كُلِّ خَلِيقَةٍ، 6وَجَعَلْتُ النُّورَ يُشْرِقُ فِي السَّمَوَاتِ عَلَى الدَّوَامِ، وَغَشَّيْتُ الأَرْضَ كُلَّهَا بِمِثْلِ الضَّبَابِ، 7وَسَكَنْتُ فِي الأَعَالِي، وَجَعَلْتُ عَرْشِي في عَمُودِ الْغَمَامِ. 8أَنَا وَحْدِي جُلْتُ فِي دَائِرَةِ السَّمَاءِ، وَسَلَكْتُ فِي عُمْقِ الْغِمَارِ، وَمَشَيْتُ عَلَى أَمْوَاجِ الْبَحْرِ،
9 وَدَاسَتْ قَدَمِي كُلَّ الأَرْضِ، وَعَلَى كُلِّ شَعْبٍ، 10وَكُلِّ أُمَّةٍ تَسَلَّطْتُ، 11وَوَطِئْتُ بِقُدْرَتِي قُلُوبَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ. فِي هذِهِ كُلِّهَا الْتَمَسْتُ الرَّاحَةَ، وَبِأَيِّ مِيرَاثٍ أَحِلُّ».
ع1: الحكمة تمدح نفسها، أى تعلن الحكمة – وهى الله – عن جمالها؛ لتجتذب نفوس البشر إليها. فلأن الإنسان يمكن أن ينشغل بالماديات، يحتاج من الله أن يظهر محبته، ونعمته له، فينتبه، وينجذب إليه.
وكذلك، فإن الحكمة تعمل فى أولاد الله، فيفرحون به، ويشكرونه، بل ويتحدثون عنه، ويمدحونه، فيجذبون باقى البشر إليه.
والحكمة أيضاً تفتخر بين المؤمنين بالله؛ لأنها أعظم من كل الماديات التى فى العالم، والتى يحاول الشيطان أن يجذب الإنسان إليها، بل عندما ينتبه الإنسان يكتشف أن كل عظمة فى ماديات العالم وكل المخلوقات، إنما مصدرها الله العظيم، والحكمة التى خلقت كل هذه المخلوقات. فالمخلوقات كلها تمجد الله، وتعلن أن الحكمة أعظم من كل المخلوقات، وتعلو فوق كل أمجاد العالم.
ع2: الحكمة تتكلم بحرية فى جماعة العلى، أى المؤمنين بالله؛ لأنهم سيفهمونها ويدركون معانيها الروحية الجميلة، بالإضافة إلى أنها تعلمهم الحكمة، فيكونون أفواهاً لها، يتحدثون بكلماتها أمام البشر، فيمجدون الله.
والحكمة تفتخر أمام جنود الله، وهم الملائكة، هؤلاء إدراكهم أعلى من البشر، فيعرفون عظمة الله، ويفرحون بالحكمة، ويمجدون الله، ويسبحونه على الدوام.
فى هذه الآية نبوة واضحة عن المسيح الأقنوم الثانى، الذى هو اللوغوس والحكمة الإلهية، الذى سيتجسد ويعيش بين المؤمنين بالله، وهم اليهود، وهو فخر الملائكة، ومجدهم فى السماء.
ع3: ملأ : جمع.
إن شعب الله، وهم اليهود فى العهد القديم، يعرفون عظمة الحكمة، فيمجدونها. وعلى قدر ما يهتم بالإنسان بالنقاوة والقداسة يدرك سمو الحكمة، فيمجدها، ويفرح بالوجود معها، ويظهر هذا بين جمهور القديسين المؤمنين بالله.
ع4: إن أولاد الله المختارين، الذين يؤمنون به، ويحيون معه، يفرحون بالحكمة ويمدحونها، ويشكرونها.
وأولاد الله المباركون، الذين ينفذون وصاياه، بالطبع يباركونه فى كل وقت، ويشعرون برعايته واهتمامه بهم، ويقولون له كلاماً كثيراً، هو كلام الشكر والتمجيد.
ع5: الحكمة تتكلم وتقول : أنها خرجت من فم العلى، أى الله الآب، فالحكمة من الله، والله لا يكون بدون حكمة، مثل النور والشعاع، فلا يمكن أن يوجد أحدهما بدون الآخر، ومثل العقل الإنسانى والكلمة المنطوقة، فأى عقل ينتج عنه كلامٌ، ولا يوجد عقل بدون كلام. إذاً فالمقصود أن الحكمة أزلية، مثل الله الآب، والحكمة هى أقنوم الابن.
وهو بكر كل خليقة، فكلمة بكر فى اليونانية تعنى المولود الأول، فهو مولود غير مخلوق، وهو البدء والرأس، والسبب فى خلقة كل خليقة، وكما نقول فى قانون الإيمان : “مولود من الآب قبل كل الدهور”، فهو ليس أول المخلوقات، ولكنه به خلقت الخليقة كلها. فأقنوم الابن هو الخالق لكل الخليقة، وليس أول المخلوقات؛ لأنه مولود منذ الأزل من الآب، وهو واحد مع الآب فى الجوهر، ومساوى له.
ع6: غشيت : غطت.
تضيف الحكمة وتقول أنها خلقت النور فى اليوم الأول (تك1: 3)؛ ليشرق فى السموات، وينير على الدوام. فالحكمة خرجت من السماء، وتصل إلى كل مكان على الأرض، فالحكمة، أو الله قريب من كل خلائقه، والإنسان بالتحديد يشعر بالله معه فى كل حين إن كان يطلبه، ويتجاوب معه.
ع7: إن الحكمة سكنت فى الأعالى، أى السماء، فهى أسمى من كل ما على الأرض من ماديات؛ لأن الحكمة هى الله، والحكمة تتكلم كشخص، لأنها الأقنوم الثانى، الذى تجسد فى ملء الزمان فى شخص ربنا يسوع المسيح.
والله الحكمة جعل عرشه فى عمود الغمام، فعندما كان يظهر الله ويتكلم مع رجاله، أو مع شعبه كان يظهر الغمام أو الضباب؛ ليعلن أن الله أعلى من أن يراه أحد. وكان يظهر أيضاً فى برية سيناء فى شكل عمود غمام يغطى شعبه أثناء النهار؛ حتى يحتملوا حرارة الشمس الشديدة، والغمام كان يعلن وجود الله مع شعبه، وحمايته لهم، وكان يظهر على باب خيمة الاجتماع عندما يتكلم مع موسى، وهكذا أيضاً ظهر على الجبل أمام الشعب كله أيام موسى (خر19: 16).
ع8-10: جُلت : دُرت ومشيت.
الغمار : المياه الكثيرة.
يواصل الله كلامه، فيقول أنا الحكمة، تحركت وحدى قبل أن يوجد أى كائن، أو إنسان، فدرت فى السماء وفى أعماق المياه، وفوق أمواج البحر، ومشيت على الأرض. وعندما خلقت العالم، وانتشر البشر فى كل مكان، أنا تسلطت على كل الأمم والممالك.
فالله الحكمة خالق كل شئ، هو أيضاً ضابطها، ومدبرها، ومتسلط عليها، فهو ضابط الكل.
ع11: وطئت : دست.
الله الحكمة الأقنوم الثانى كان يجول بين جميع الشعوب، ويهتم بكل شخص، كبير أو صغير، ويبحث عن المكان الذى يستريح فيه، أى قلب الإنسان المتجاوب معه، والذى يؤمن به. ويتساءل من يعطينى قلبه لأستريح فيه، ويكون ميراثاً لى؛ لأشبعه بخيراتى ؟! إنه سؤال سيجيب عليه فى الآيات التالية.
الله مازال يسأل يا أخى الحبيب، هل قلبك مستعد لقبوله؟ إنه يريد أن يحل فيك، ويعمل بروحه القدوس داخلك؛ ليشبعك ويفرحك، ثم ينقلك إلى السعادة الأبدية، بعد هذا العالم. فهل تفسح له مكاناً فى وقتك، وتصلى، وتتأمل فى كلامه؟! إنه نداء إلهى موجه لك، ليتك تستجيب له.
(2) مسكن الحكمة (ع12-16):
12حِينَئِذٍ أَوْصَانِي خَالِقُ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي حَازَنِي عَيَّنَ مَقَرَّ مَسْكَنِي، 13وَقَالَ: «اسْكُنِي فِي يَعْقُوبَ، وَرِثِي فِي إِسْرَائِيلَ». 14قَبْلَ الدَّهْرِ مِنَ الأَوَّلِ حَازَنِي، وَإِلَى الدَّهْرِ لاَ أَزُولُ، وَقَدْ خَدَمْتُ أَمَامَهُ فِي الْمَسْكَنِ الْمُقَدَّسِ. 15وَهكَذَا فِي صِهْيُونَ تَرَسَّخْتُ، وَجَعَلَ لِي مَقَرًّا فِي الْمَدِينَةِ الْمَحْبُوبَةِ، وَسَلْطَنَتِي هِيَ فِي أُورُشَلِيمَ. 16فَتَأَصَّلْتُ فِي شَعْبٍ مَجِيدٍ، وَفِي نَصِيبِ الرَّبِّ نَصِيبِ مِيرَاثِهِ، وَفِي مَلإِ الْقِدِّيسِينَ مُقَامِي.
ع12، 13: حازنى : امتلكنى.
رثى : خذى ميراثاً.
الله خالق السماء والأرض وكل ما فيها، أوصى الحكمة، وهى الأقنوم الثانى فى الله، والذى حازها؛ لأن الله لا يمكن أن يكون بدون حكمة، أو عقل، وهو الذى يسمى باللوغوس.
وعين الله مسكن الحكمة فى وسط شعب بنى إسرائيل؛ لأن الله الذى يملأ كل مكان، أعطى بركة خاصة لشعبه المؤمن به، إذ كان هو الشعب الوحيد، الذى يحيا مع الله؛ لأن باقى العالم كان منغمساً فى الوثنية.
هذه الآيات أيضاً، نبوة عن تجسد المسيح فى ملء الزمان، مولوداً فى بيت لحم التى فى مملكة يهوذا،ويهوذا هو ابن يعقوب.
ع14-16: ترسخت : صرت ثابتة.
تأصلت : صار أصلى ثابتاً وعميقاً.
ملأ : جماعة.
تقول الحكمة أن الله امتلكها قبل الدهر، أى منذ الأزل، وستظل الحكمة فى الله؛ حتى إلى الدهر، أى نهاية الدهر، والمقصود الأبد.
الحكمة خدمت أمام الله فى المسكن المقدس، أى الهيكل الذى فى أورشليم، وذلك من خلال العبادة التى يقدمها الشعب لله فى الهيكل. فالحكمة كانت تقود الشعب فى إتمام الشريعة والطقوس، و العبادة المقدمة لله.
وهكذا ثبتت وتأصلت الحكمة فى أورشليم مدينة الله المحبوبة المقدسة، وفى الهيكل، حيث تقدم العبادة كل يوم، وبهذا صارت الحكمة ثابتة فى وسط شعب الله، الذى تمجد بحلوله فى وسطهم، أى فى وسط شعب الله المجيد، الذى هو نصيب ميراثه على الأرض، إذ هم فقط المؤمنون به وسط العالم. هؤلاء أيضاً يسمون جماعة القديسين، إذ قدسهم الله بحلوله وسطهم، ومن خلال العبادة المقدسة التى قدموها له فى الهيكل.
من خلال الآيات الثلاثة السابقة، نرى الله ربنا يسوع المسيح، الذى تجسد “المسكن المقدس“، واستقر فى أورشليم “سلطنتى هى فى أورشليم“، وفى العالم كله، فى الذين يؤمنون به.
إن الله يريد أن يسكن فيك، ويعطيك كل الحكمة والفهم، إن كان قلبك معداً لقبوله بالاتضاع والاهتمام بكلامه، وسعيك لتنفيذه، حينئذ يفرح بك الله، ويسندك ويكمل عملك.
(3) ثمار الحكمة (ع17-31):
17ارْتَفَعْتُ كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ، وَكَالسَّرْوِ فِي جِبَالِ حَرْمُونَ. 18كَالنَّخْلِ فِي السَّوَاحِلِ، وَكَغِرَاسِ الْوَرْدِ فِي أَرِيحَا. 19كَالزَّيْتُونِ النَّضِيرِ فِي السَّهْلِ، وَكَالدُّلْبِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ فِي الشَّوَارِعِ. 20فَاحَ عَرْفِي كَالدَّارَصِينِيِّ وَالْقُنْدُولِ الْعَطِرِ، وَانْتَشَرَتْ رَائِحَتِي كَالْمُرِّ الْمُنْتَقَى. 21كَالْقِنَّةِ وَالْجَزْعِ وَالْمَيْعَةِ، وَمِثْلَ بْخُورِ اللُّبَانِ فِي الْمَسْكِنِ. 22إِنِّي مَدَدْتُ أَغْصَانِي كَالْبُطْمَةِ، وَأَغْصَانِي أَغْصَانُ مَجْدٍ وَنِعْمَةٍ.
23أَنَا كَالْكَرْمَةِ الْمُنْبِتَةِ النِّعْمَةَ، وَأَزْهَارِي ثِمَارُ مَجْدٍ وَغِنًى. 24أَنَا أُمُّ الْمَحَبَّةِ الْبَهِيَّةِ، وَالْمَخَافَةِ وَالْعِلْمِ وَالرَّجَاءِ الطَّاهِرِ. 25فِيَّ كُلُّ نِعْمَةِ الطَّرِيقِ وَالْحَقِّ، وَكُلُّ رَجَاءِ الْحَيَاةِ وَالْفَضِيلَةِ. 26تَعَالَوْا إِلَيَّ أَيُّهَا الرَّاغِبُونَ فِيَّ، وَاشْبَعُوا مِنْ ثِمَارِي. 27فَإِنَّ رُوحِي أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ، وَمِيرَاثِي أَلَذُّ مِنْ شَهْدِ الْعَسَلِ،
28وَذِكْرِي يَبْقَى فِي أَجْيَالِ الدُّهُورِ. 29مَنْ أَكَلَنِي عَادَ إِلَيَّ جَائِعًا، وَمَنْ شَرِبَنِي عَادَ ظَامِئًا. 30مَنْ سَمِعَ لِي فَلاَ يُخْزَى، وَمَنْ عَمِلَ بِإِرْشَادِي فَلاَ يَخْطَأُ. 31مَنْ شَرَحَنِي فَلَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.
ع17-19: تشبه الحكمة نفسها بما يلى :
1- الأرز فى لبنان :
وهو شجر مرتفع، خشبه قوى، وهو شجر مستديم الخضرة. ويرمز الأرز إلى سمو المؤمنين، وعلى رأسهم المسيح البكر بين إخوة كثيرين (رو8: 29). والأرز هو من العلامات الواضحة التى تُظهر جمال لبنان، وهكذا أيضاً المسيح جمال الكنيسة.
ونلاحظ أن الحكمة تبين عظمته من خلال تابعيها، وهم المؤمنون وكأنها تتكلم عن جنة عظيمة، مملوءة بأنواع من الأشجار والنباتات، التى ترمز إلى الكنيسة الى تظهر فيها فضائل القديسين المتنوعة.
2- السرو فى جبال حرمون :
السرو شجرة خشبها جيد، ومستديمة الخضرة، واستخدم خشبها فى هيكل سليمان، ويستخدم فى صنع الآلات الموسيقية، والشجر مرتفع أيضاً عالياً نحو السماء. وشجر السرو يرمز إلى الأبرار فى الكنيسة فى عظمتهم وقوتهم. وحرمون هى سلسلة جبال تقع فى الطرف الجنوبى من جبال لبنان، وكانت فى مملكة الملك عوج، ثم استولى عليها بنو إسرائيل.
3- النخل فى السواحل :
النخلة مرتفعة أيضاً نحو السماء، وأغصانها مفتوحة كمن يرفع يديه بالصلاة، وثمارها لذيذة الطعم وهى البلح، وترمز للأبرار، الذين يرتفعون نحو السماء، ولهم فضائل حلوة، ويسامحون من يؤذيهم، بل يقابلون الإساءة بعمل الخير؛ لأن من يقذف النخلة بحجر تعطيه بلحاً أيضاً، والصديق كالنخلة يزهو (مز92: 12)، والنخل ينمو فى أماكن كثيرة منها السواحل.
4- غراس الورد فى أريحا :
تتميز مدينة أريحا – التى تقع شمال أورشليم على بعد 17 ميلاً – بالرائحة الذكية، نتيجة لكثرة الأزهار العطرية فيها، وقد لعنها أليشع النبى، فهى ترمز للمسيح ذى الرائحة الذكية الذى خرج من الأرض التى لعنت بسب بخطية آدم.
5- الزيتون النضير فى السهل :
النضير : الأخضر الحسن.
الزيتون أحد المحاصيل الرئيسية فى اليهودية، ومنه يستخرج الزيت، الذى يرمز للروح القدس، وكان يستخدم فى إيقاد المنارة داخل الهيكل. وهو ينمو فى السهل المنخفض، فيرمز للاتضاع، فالروح القدس يعمل بحرية فى المتضعين.
6- الدلب على مجارى المياه فى الشوارع :
الدُلب شجرة عظيمة، ذات أوراق خضراء عريضة، وهو من أجمل الأشجار، ووصف عظمة فرعون بأنه مثل فروع الدلب (خر31: 8). وتنمو الشجرة على مجارى المياه، التى ترمز للروح القدس. والدلب يرمز للمسيح الأبرع جمالاً من بنى البشر (مز45: 2). ويرمز أيضاً للإنسان الروحى الذى ينمو على مجارى المياه، كما يذكر المزمور الأول.
ع20، 21: فاح : انتشرت رائحته.
عرفى : رائحتى.
الدارصينى : مثل القرفة ذو رائحة طيبة.
القندول : اللبان.
المر : نبات مر الطعم ولكن له رائحة طيبة.
المنتقى : المختار.
القنة : تستخدم فى صنع البخور، فهى ذات رائحة عطرة.
الجزع : حجر كريم لونه أسود وأبيض، ويسمى العقيق اليمانى، وهو حجر ذو شكل جميل.
الميعة : صمغ عطر الرائحة يستخرج من شجرة الجوز، وهو أحد مواد البخور.
تواصل الحكمة كلامها، فتشبه نفسها بمجموعة من المواد ذات رائحة طيبة وهى :
7- الدارصينى والقندول العطر والمر المنتقى والقنة والميعة وبخور اللبان :
وكل هذه مواد كانت تستخدم فى خيمة الاجتماع وهيكل سليمان. والدارصينى والقندول والمر تستخدم أيضاً ضمن المواد التى تكون المسحة المقدسة، التى يمسح بها الملوك والأنبياء ورؤساء الكهنة (خر30: 23-25).
8- الجزع :
كان يستخدم لتزيين رداء وصدرة رئيس الكهنة (خر35: 27) واستخدم أيضاً فى تزيين هيكل سليمان (1أى29: 2 ؛ 2أى7: 3).
والخلاصة أن الحكمة عظيمة تؤثر فى كل من حولها مثل الروائح الذكية، وجميلة تجذب القلوب إليها، وتساعد الإنسان الروحى على الاشتراك فى العبادة المقدسة؛ لأن هذه المواد، كما ذكرنا، كانت تستخدم فى الأمور المتعلقة بعبادة الله.
ولأن الحكمة هى المسيح الأقنوم الثانى، فنجد المزمور (45: 8) يحدثنا عن المسيح ذى الرائحة الذكية، مستخدماً بعض المواد السابق ذكرها فى هذه الآيات، وبالطبع فإن كل مسيحى هو رائحة المسيح الذكية فى كل مكان يعيش فيه (2كو2: 15).
ع22، 23: البطمة : هى شجرة الضروة، وهى شجرة عظيمة تنمو على الجبال. وتستخدم أوراقها فى علاج السعال وتقوية الشعر.
وتضيف الحكمة فى وصف صفاتها ، فتقول :
9- البطمة والكرمة :
فالحكمة مثل هذه الأشجار التى تمتد أغصانها، وتعطى أبناءها مجداً ونعمة، وأيضاً فالمسيح الذى هو الحكمة، يعطى أولاده فى كنيسته مجداً، ونعمة فى أعين الكل، وفى داخل حياتهم، ويغنيهم بثمار روحه القدوس ومواهبه.
ع24: كذلك تقول الحكمة عن نفسها أنها :
10- المحبة والمخافة والعلم والرجاء :
إن الحكمة تربطنا بالمسيح فنحبه؛ لأنه هو فادينا ومخلصنا، وبالمحبة الناتجة من الحكمة ننال مخافة الله، إذ نرفض الخطية، التى تحرمنا من محبته، ونخشى أن نغضبه، أو نرد على محبته بخطايانا وإساءاتنا.
وإذ نرتبط بالمسيح ونتحد به، ننال منه العلم، أى معرفة الآب، “الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبر” (يو1: 18).
وإذ نعرف الله، يثبت رجاؤنا فيه، وهو رجاء طاهر، مبنى على إيماننا به، ونبغى منه أن نكون مع الله إلى الأبد، ونتمتع بعشرته، وتمتلئ حياتنا بالرجاء الدائم فى كل عمل صالح.
ع25: وكذلك تقول الحكمة عن نفسها أن فيها :
11- الطريق والحق والحياة والفضيلة :
وهذا أعلنه المسيح عن نفسه، إذ قال : “أنا هو الطريق والحق والحياة” (يو14: 6). فالحكمة هى المسيح، والحكمة تعلمنا وترشدنا إلى الطريق الذى يؤدى بنا إلى عشرة الله؛ لنعرف الحق فنسلك فى الطريق المستقيم. وبالحكمة ننال الحياة فى المسيح، ومن خلال الحياة فى المسيح نقتنى كل فضيلة.
ع26، 27: ثم تنادى الحكمة على طالبيها؛ لتعطيهم :
12- روحها وميراثها :
فروح الحكمة أحلى من العسل، أى يعطى لذة وحلاوة لكل من يطلبها، وكذلك تعطيه ميراثاً فى هذه الحياة يظل معه إلى الأبد، وهو أحلى من شهد العسل. فالحكمة تعطى لذة لتابعيها، وتمتع فى كل خطواتهم على الأرض؛ حتى وسط الضيقات، ثم تمتد بهم إلى لذة الحياة الأبدية التى لا يعبر عنها.
ع28: ثم تكمل الحكمة، فتتحدث عن صفة جديدة من صفاتها وهى :
13- ذكرى يبقى :
فلأن الحكمة مهمة جداً، ولا يمكن أن يستغنى عنها أحد من أولاد الله، فهى تدوم إلى أجيال الدهور، أى نهاية العالم، ثم تمتد إلى الأبدية، حيث يخلد أولاد الله معه فى الملكوت، ويتمتعون ببركات الحكمة التى لا يعبر عنها.
ولأن الحكمة حلوة ولذيذة، فطالبوها والراغبون فيها يرددون اسمها، ويتأملون فيها كل يوم، فنحن نذكر اسم المسيح كل يوم فى التسبحة فى ترتيلة خاصة، نسميها إبصالية، بالإضافة إلى صلاة يسوع التى نرددها مرات كثيرة؛ لنتمتع بهذا الإسم الحسن، الذى يشبعنا، ويخيف الشياطين.
ع29: ظامئاً : عطشاناً.
وتستكمل الحكمة كلامها فتضيف صفة جديدة هى :
14- التعلق بها :
والذى يظهر فى عودة كل من يأكل منها إليها مرة أخرى فى جوع ليأكل منها ثانية،
وفى عطش ليشرب ويرتوى من ينبوعها، فتولد فى طالبيها ما يسمى بالجوع والعطش إليها،
كما قال المسيح وطوب هؤلاء الطالبين فى العظة على الجبل بقوله : “طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون” (مت5: 6).
فمن يعرف الحكمة يحبها، ويتعود عليها، ويظل يطلبها كل يوم ليشبع بها، فتصير هى حياته “لى الحياة هى المسيح” (فى1: 21).
ع30: وتواصل الحكمة حديثها عن صفاتها، فتضيف صفة أخرى هى :
15- الحماية :
إن الحكمة تطوب من يسمعها باهتمام ليعمل بها، فتضمن له أنه لا يخزى، طالما هو متمسك بها. وكذلك فهى تحمى من يطلبها من السقوط فى الخطية؛ لأن من يحبها، ويحيا فيها ينشغل بها، وهى تحفظه، فيخاف الشيطان أن يقترب إليه. فالذى يحيا فى الحكمة يتذوق السلام الداخلى، الذى هو عربون ملكوت السموات.
ع31: وأخيراً تختم الحكمة حديثها عن صفاتها، فتضع صفة جميلة هى :
16- نوال الملكوت :
وهذه النعمة ينالها كل من يشرح لغيره بركات الحكمة، أى يبشر بها، ويدعو الآخرين لاقتنائها. وهذا ما قاله المسيح فى نهاية عظته على الجبل فقال : “أما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيماً فى ملكوت السموات” (مت5: 19).
من يتمسك بالحكمة، ويحيا بها، تدفعه هذه الخبرة الروحية ليحدث الناس عنها، فيزداد تعلقه بها، ويتمنى أن يحيا فيها إلى الأبد، فيهبه الله ملكوت السموات؛ ليحيا فى الحكمة إلى الأبد.
إن كانت الحكمة يا أخى عظيمة جداً، ومتعددة الصفات التى تشمل الحياة كلها، فنحن محتاجون أن نتمسك بها كل يوم. فاطلب الله قبل كل عمل؛ ليرشدك بحكمته، فتسلك حسناً بحسب مشيئته، وتتمتع بعمله فيك.
(4) فيض الحكمة وغناها (ع32-47):
32هذِهِ كُلُّهَا هِيَ سِفْرُ الْحَيَاةِ، وَعَهْدُ الْعَلِيِّ وَعِلْمُ الْحَقِّ. 33إِنَّ مُوسَى أَمَرَ بِالشَّرِيعَةِ، وَأَحْكَامِ الْعَدْلِ مِيرَاثِ آلِ يَعْقُوبَ وَمَوَاعِيدِ إِسْرَائِيلَ. 34إِنَّ الرَّبَّ وَعَدَ دَاوُدَ عَبْدَهُ، أَنْ يُقِيمَ مِنْهُ الْمَلِكَ الْقَدِيرَ الْجَالِسَ عَلَى عَرْشِ الْمَجْدِ إِلَى الأَبَدِ. 35هُوَ يُفِيضُ الْحِكْمَةَ كَفِيشُونَ، وَمِثْلَ دِجْلَةَ فِي أَيَّامِ الْغِلاَلِ، 36وَيَمْلأُ فَهْمًا كَالْفُرَاتِ، وَمِثْلَ الأُرْدُنِّ فِي أَيَّامِ الْحَصَادِ، 37وَيُبْدِي التَّأْدِيبَ كَالنُّورِ، وَمِثْلَ جِيحُونَ فِي أَيَّامِ الْقِطَافِ. 38الْحِكْمَةُ لاَ يَسْتَوفِي مَعْرِفَتَهَا الأَوَّلُ، وَلاَ يَسْتَقْصِيهَا الآخِرُ، 39لأَنَّ فِكْرَهَا أَوْسَعُ مِنَ الْبَحْرِ، وَمَشُورَتَهَا أَعْمَقُ مِنَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ. 40أَنَا الْحِكْمَةَ مُفِيضَةُ الأَنْهَارِ. 41أَنَا كَسَاقِيَةٍ مِنَ النَّهْرِ، وَكَقَنَاةٍ خَرَجَتْ إِلَى الْفِرْدَوْسِ. 42قُلْتُ أَسْقِي جَنَّتِي، وَأُرْوِي رَوْضَتِي؛ 43فَإِذَا بِسَاقِيَتِي قَدْ صَارَتْ نَهْرًا، وَبِنَهْرِي قَدْ صَارَ بَحْرًا. 44فَإِنِّي أُضِيءُ بِالتَأْدِيبِ مِثْلَ الْفَجْرِ وَأُذِيعُهُ إِلَى الأَقَاصِي. 45أَنْفُذُ إِلَى جَمِيعِ أَعْمَاقِ الأَرْضِ وَأَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِ الرَّاقِدِينَ، وَأُنِيرُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَرْجُونَ الرَّبَّ. 46إِنِّي أُفِيضُ الْتَّعْلِيمَ مِثْلَ نُبُوَّةٍ، وَأُخَلِّفُهُ لأَجْيَالِ الدُّهُورِ. 47فَانْظُرُوا كَيْفَ لَمْ يَكُنْ عَنَائِي لِي وَحْدِي، بَلْ أَيْضًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الْحِكْمَةَ.
ع32: إن الحكمة الى تكلمنا عن صفاتها الكثيرة فى الآيات السابقة هى :
1- سفر الحياة :
فالحكمة هى الكتاب الأساسى الذى نحيا به فى حياتنا، والمقصود بهذا السفر هو الكتاب المقدس الذى يحوى كتاب الله.
2- عهد العلى :
إن الحكمة هى أساس العهد بين الله والناس، فإذا أطاع أولاد الله الحكمة، وسلكوا فى صفاتها المختلفة، فإن الله أمين فى عهده معهم أن يكون لهم إلهاً، ويكونون له شعباً، ويحفظهم، ويرعاهم، ويشبعهم، وفى النهاية يمتعهم فى ملكوت السموات.
3- علم الحق :
إن معرفة الحكمة هى العلم الحقيقى، ومعرفتها هى معرفة الحق، الذى هو الله، فمن يعرف الحكمة فقد عرف الله؛ ليحيا به وفيه، ولا ينزعج من أفكار العالم الغريبة، بل يحكم عليها، ويسلك فى الطريق المستقيم، الذى هو طريق الحكمة، وطريق الحق.
ع33: الحكمة موجودة منذ الأزل، وأعلنها الله على لسان موسى النبى على الوجه التالى:
1- الشريعة وأحكام العدل :
فموسى أمر شعبه أن يقبلوا كلام الله، الذى استلمه منه على الجبل، وهو الشريعة وأحكام العدل، التى تشمل وصايا الله، وقوانينه فى التعامل بين الناس والله، وبين الشعب بعضهم البعض، وبهذا تميز شعب الله عن باقى شعوب العالم، إذ يحيون بكلام الله، وليس بأفكار الناس.
2- ميراث آل يعقوب :
الحكمة الموجودة فى الشريعة والأحكام هى نعمة إلهية عظيمة، وهبها الله لشعبه ميراثاً أبدياً؛ ليحيوا بها على الأرض.
3- مواعيد إسرائيل :
تضمنت الحكمة أيضاً وعود الله لشعبه إسرائيل، ولأولاده على مر الأجيال، فالله بحكمته يعدهم وعوداً كثيرة، ما داموا متمسكين بأحكامه. وهذا يعطيهم رجاءً ومساندة وقوة فى كل خطواتهم.
ع34: تظهر حكمة الله فى أنه يعطى مواعيد لأولاده، ومحبيه، ليشجعهم فى حياتهم الروحية، وكمثال لهذه المواعيد، أنه وعد داود عبده، الذى قلبه مثل قلب الله (1صم13 : 14) أن يعطيه أن يملك هو ونسله على عرش المجد، والمقصود بعرش المجد، ليس فقط، أن يملك على بنى إسرائيل، ولكن يملك إلى الأبد، وهذا يتحقق فى نسل داود، الذى هو المسيح.
ع35، 36: إن الله يفيض حكمته على أولاده، مثل نهر فيشون الذى كان فى جنة عدن قديماً (تك2: 11)، أى أن الله يريد أن يعيد الإنسان إلى الحالة الفردوسية الأولى، حيث يتمتع بفيض محبة الله عليه وحكمته.
ويشبه فيض الحكمة أيضاً بفيض المياه فى نهر دجلة الموجود فى العراق فى أيام زراعة الغلال، وهى محاصيل مختلفة مثل الأرز والقمح، حيث تذوب الثلوج، وتملأ الأنهار، وتكون المياه كثيرة.
وفيض الحكمة أيضاً يشبه فيض المياه فى نهر الفرات الموجود بالعراق، ومثل فيض المياه فى نهر الأردن الموجود فى الأردن.
والخلاصة، أن الحكمة تفيض على أولاد الله مثل فيض الأنهار المعروفة، حيث تمتلئ بالمياه، وتفيض على الأراضى المحيطة بها، فتشبعها، وترويها وتخرج ثماراً كثيرة؛ كل هذا يرمز للشبع والنمو الروحى، الذى يعطى ثماراً روحية متنوعة.
ع37: جيحـون : نهر من أنهار الجنة (تك2: 13)، أو نبع ماء بجوار أورشليم (2أى32: 30).
القطاف : جمع الثمار، وغالباً المقصود جمع عناقيد العنب.
إن الله يعلن التأديب للبشر بوضوح مثل النور الذى يظهر كل شئ عندما يسطع عليه. فالله يبين للإنسان خطورة الشر وعقابه؛ حتى يبتعد عنه، ويوضح ذلك حتى يفهم الإنسان، فيحترس من الشر.
ويبدى التأديب بفيض مثل جيحون فى أيام القطاف، أى يوضح التأديب، ويكرر الكلام عنه، مثل المياه الكثيرة التى تخرج من جيحون، وذلك لتنبيه الإنسان فيتراجع عن خطاياه. وهذا يبين محبة الله للإنسان وطول أناته عليه؛ حتى يرجع بالتوبة وينال الخلاص.
ع38، 39: يستقصيها : يصل إلى منتهاها.
الغمر : المياه العميقة.
إن الحكمة واسعة جداً، وعميقة أيضاً فوق كل عمق، فلا يستطيع الإنسان الأول، وهو آدم، أن يعرف كل شئ عنها؛ لأنها أزلية، أى موجودة قبله، وإدراكه لا يمكن أن يحتويها، إذ هى غير محدوة، أما عقله ومشاعره فمحدودان. وكذلك الإنسان الأخير، أى آخر إنسان يوجد على الأرض، مهما كانت معرفته، فلا يمكن أن يصل إلى منتهاها؛ لأنها أبدية، وتفوق كل العقول، لأن الحكمة هى الله الأقنوم الثانى، لذا لا يمكن أن يحويها كلها أى إنسان، لكن يعرف عنها شيئاً بحسب ما يساعده الله على فهم هذا الجزء.
ع40: مفيضة : تفيض أى تعطى ماءً كثيراً.
الحكمة هى الله الذى يفيض أنهار النعمة على كل البشر، كما قال المسيح : “من آمن بى… تجرى من بطنه أنهار ماء حى” (يو7: 38) ويقصد عمل الروح القدس فى المؤمن الذى يفيض على الآخرين.
ع41: المتكلم هنا هو الإنسان المؤمن، الذى يشبه نفسه بساقية تخرج الماء من الروح القدس، فتفيض بالحكمة على الناس.
ويستكمل المؤمن كلامه، فيشبه نفسه بقناة تخرج من الله، وتصل إلى الفردوس، أى أن بدايته من الله الحكمة، الذى خلقه، وهدفه فى كل حياته أن يصل إلى الفردوس، فيحيا بالحكمة الإلهية التى تقوده فى الطريق المستقيم، وتوصله إلى فردوس النعيم.
ع42: روضة : بستان أخضر، ويرويه ماء كثير.
يتكلم الله الحكمة هنا ويقول أنه اهتم أن يسقى جنته، ويروى روضته، أى المؤمنين به فى الكنيسة، ويعطيهم روحه القدوس مواهب وثماراً كثيرة، ووسائط نعمة تشبعهم، وتملأ قلوبهم.
ع43: ويكمل الله كلامه بهذه الآية، فيقول إن ساقيته، أى المؤمن به، قد صارت نهراً، فهى ليست فقط تنقل الماء من النهر إلى الأرض المزروعة لترويها، بل أيضاً هى نفسها قد صارت نهراً، فتفيض بالروح القدس على من حولها، وتجذبهم للمسيح الحكمة، وهكذا يتحقق كلام الكتاب المقدس : “المُروِى هو أيضاً يُروَى” (أم11: 25)، ويقول المسيح أيضاً : “إعطوا تعطوا” (لو6: 38).
ويستمر عمل الحكمة فى الإنسان المؤمن الخادم، الذى يهتم بنفوس من حوله، فتزيده الحكمة قوة وبركة؛ حتى يتحول من نهر إلى بحر. والمقصود أن يصير ماؤه كثيراً جداً يشبع نفوساً كثيرة، مثل شاول الطرسوسى الذى آمن، وبدأ يخدم، ثم انتشرت خدمته، فتحول من نهر إلى بحر.
ع44: يتكلم الله الحكمة فيقول : إنى عندما أعلن وصاياى، وشريعتى التى تحمل إنذارات للابتعاد عن الخطية، أنا أعلِّم بالتأديب البشر بوضوح مثل الفجر المضىء. ويكون كلامى قوياً ومسموعاً عند كل البشر، حتى الذين يسكنون فى أماكن بعيدة.
وهذا الكلام نفسه يقوله كل مؤمن يحب الحكمة، ويحيا بها، ويقدمها للآخرين.
ع45: إن الحكمة تصل إلى أعماق الأرض حيث الظلمة الكاملة. وهذه الظلمة ترمز للبعيدين عن الله، والغارقين فى شهوات الشر، وظلمة الخطية. فالحكمة تصل إليهم؛ لتنير لهم، ويتوبوا ويرجعوا إلى الحياة النقية مع الله.
والحكمة أيضاً التى هى الله، والموجودة فى كل طالبى الحكمة، تنظر إلى الراقدين، أى الأموات بالخطية؛ لتوقظهم، وترجعهم إلى الله.
أما الذين يرجون الرب، ولكن مازالوا يعانون من الضعف والظروف المعطلة لهم عن الله، فإن الحكمة تأخذ بيدهم، وتقودهم إلى طريق الحياة.
ع46: إن تعاليم الحكمة تفيض على الناس، وهى تحدثهم عن مستقبلهم مع الله إذا ساروا فى طريقه، وعن مستقبلهم الأبدى، وهو ملكوت السموات، فتعاليم الحكمة هى إرشادات لطالبى الحكمة، ونبوات لمستقبلهم مع الله.
والحكمة كلماتها ثابتة من جيل إلى جيل، فالخادم الذى يتكلم بالحكمة، كلماته تظل بعد موته ترشد من خلفه، وتهديهم إلى الطريق المستقيم مع الله.
ع47: عنائى : تعبى وجهادى.
يختم الخادم كلامه بأن جهاده وتعبه، ليس فقط ليقتنى هو الحكمة ويحيا بها، بل أيضاً لكل من حوله، الذين يطلبون الحكمة، ويريدون أن يحيوا بها، فيتعلموا من كلامه، وأيضاً من حياته، إذ هو قدوة للآخرين. إن الحكمة أغلى ما فى العالم، فلذا ليتك يا أخى تطلبها باهتمام؛ لتحيا بها، وستجدها فى كلمات الكتاب المقدس، وسير وأقوال القديسين، بل وأيضاً فى كلام وأعمال الآباء والإخوة الروحيين المحيطين بك، فبهذا تتعلم وتتتلمذ كل يوم على الحكمة، وتنمو فيها، فتقترب إلى الله، وتفرح فى أحضانه.