نتائج الكبرياء والتواضع
(1) القاضى والرئيس (ع 1 – 5):
1الْقَاضِي الْحَكِيمُ يُؤَدِّبُ شَعْبَهُ، وَتَدْبِيرُ الْعَاقِلِ يَكُونُ مُرَتَّبًا. 2كَمَا يَكُونُ قَاضِي الشَّعْبِ، يَكُونُ الْخَادِمُونَ لَهُ، وَكَمَا يَكُونُ رَئِيسُ الْمَدِينَةِ، يَكُونُ جَمِيعُ سُكَّانِهَا. 3الْمَلِكُ الْفَاقِدُ التَّأْدِيبِ يُدَمِّرُ شَعْبَهُ، وَالْمَدِينَةُ تُعْمَرُ بِعَقْلِ وُلاَتِهَا. 4مُلْكُ الأَرْضِ فِي يَدِ الرَّبِّ، فَهُوَ يُقِيمُ عَلَيْهَا فِي الأَوَانِ اللاَّئِقِ مَنْ بِهِ نَفْعُهَا. 5فَوْزُ الرَّجُلِ فِي يَدِ الرَّبِّ، وَعَلَى وَجْهِ الْكَاتِبِ يَجْعَلُ مَجْدَهُ.
ع1: القاضى العاقل والحكيم يهتم بتنظيم قوانين مناسبة لحياة شعبه؛ حتى يعيشوا بأخلاق جيدة، ومبادئ سامية، فهو يقوم سلوكهم بتنظيم قوانين مؤدبة لمن يخالف هذه القوانين، وبهذا يسلكون حسناً، ولا يؤذى أحد الآخر، وترتفع شأن هذه الأمة، كما حدث أيام سليمان، إذ نظم حياة شعبه بقوانين قوية، فعاشوا فى سلام، وصاروا أغنياء؛ حتى أصبحت الفضة كالحجارة فى أورشليم (1مل10: 27).
ع2: القاضى، أو رئيس المدينة إن كان صالحاً، يكون شعبه صالحاً، وإن كان فاسداً يصير شعبه أيضاً فاسداً؛ لأنه يختار خدامه، ومعاونيه مثله صالحين، أو فاسدين، وهؤلاء يعاونونه فى قيادة الشعب، إما للصلاح، أو للفساد.
ع3: الملك الفاسد ستكون قيادته لشعبه فاسدة، فيدمر هذا الشعب بفساده، أما الوالى العاقل، فيهتم بمدينته، فتصير عامرة بالخيرات، وشعبه يصبح مستريحاً، ناجحاً فى طرقه، كما سار الشعب مع الله أيام داود، ولكن أيام الولاة الفاسدين، مثل يربعام بن نباط، وآخاب ملكى إسرائيل، قادا الشعب إلى عبادة الأوثان، فترك الله، وعاش فى فساد وهلك، إذ لم يعد لهم مكان راحة فى الأبدية.
ع4، 5: الكاتب : هو من يكتب شريعة الله، ويعرفها، ويعلم بها، ويقصد به الرئيس والحاكم الصالح.
إن كان الله يسمح بوجود رؤساء وملوك أشرار فاسدين، يفسدون شعوبهم، ولكن لأن الله ضابط الكل، وكل ممالك الأرض فى يده، فهو يقيم على هذه البلاد، فى الوقت المناسب، الملك الصالح الذى ينفعهم، ويباركه بنعمة كبيرة، فيظهر أمام الناس أن فوز، ونجاح هذا الحاكم هو بنعمة الله، أى أن مجد هذا الحاكم هو من قبل الرب، ومكافأة له، كما بارك الله داود، فانتصر على كل الشعوب المحيطة به، واتسعت مملكته إلى أقصى اتساع وعد به الرب الآباء قديماً، وذلك لأن داود قلبه مثل قلب الله، فصار مثلاً للصلاح لكل الملوك الذين أتوا من بعده، بل أتى المسيح أيضاً من نسله.
تمسك بوصايا الله؛ حتى تستطيع أن ترعى وتقود من حولك في بيتك، وفى عملك، وفى الكنيسة، وفى كل مكان، فيرى الناس صلاحك، ويقتدوا بك، ويقتربوا إلى الله، فيحيوا مطمئنين، أما أنت فيباركك الله، ويمجدك في الأرض، وفى السماء.
(2) الكبرياء (ع6-16):
6إِذَا ظَلَمَكَ الْقَرِيبُ فِي شَيْءٍ، فَلاَ تَحْنَقْ عَلَيْهِ، وَلاَ تَأْتِ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الشَّتْمِ. 7الْكِبْرِيَاءُ مَمْقُوتَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ وَالنَّاسِ، وَشَأْنُهَا ارْتِكَابُ الإِثْمِ أَمَامَ الْفَرِيقَيْنِ. 8إِنَّمَا يُنْقَلُ الْمُلْكُ مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ لأَجْلِ الْمَظَالِمِ وَالشَّتَائِمِ وَالأَمْوَالِ. 9لاَ أَحَدٌ أَقْبَحَ جُرْمًا مِنَ البَخِيلِ. لِمَاذَا يَتَكَبَّرُ التُّرَابُ وَالرَّمَادُ؟
10لاَ أَحَدٌ أَكْبَرَ إِثْمًا مِمَّنْ يُحِبُّ الْمَالَ، لأَنَّ ذَاكَ يَجْعَلُ نَفْسَهُ أَيْضًا سِلْعَةً، وَقَدِ اطَّرَحَ أَحْشَاءَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ. 11كُلُّ سُلْطَانٍ قَصِيرُ الْبَقَاءِ. إِنَّ الْمَرَضَ الطَّوِيلَ يَثْقُلُ عَلَى الطَّبِيبِ. 12فَيَحْسِمُ الطَّبِيبُ الْمَرَضَ قَبْلَ أَنْ يَطُولَ، هكَذَا الْمَلِكُ يَتَسَلَّطُ الْيَوْمَ وَفِي غَدٍ يَمُوتُ. 13وَالإِنْسَانُ عِنْدَ مَمَاتِهِ يَرِثُ الأَفَاعِيَ وَالْوُحُوشَ وَالدُّودَ. 14أَوَّلُ كِبْرِيَاءِ الإِنْسَانِ ارْتِدَادُهُ عَنِ الرَّبِّ، 15إِذْ يَرْجِعُ قَلْبُهُ عَنْ صَانِعِهِ. فَالْكِبْرِيَاءُ أَوَّلُ الْخَطَاءِ، وَمَنْ رَسَخَتْ فِيهِ فَاضَ أَرْجَاسًا. 16وَلِذلِكَ أَنْزَلَ الرَّبُّ بِأَصْحَابِهَا نَوَازِلَ غَرِيبَةً، وَدَمَّرَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ.
ع6: تحنق : تغتاظ.
الظلم يثير الإنسان، وخاصة عندما يأتى من القريب الغير متوقع منه الإساءة. وهذه الإثارة هى تهييج للذات داخل الإنسان، فيغتاظ، وقد يزداد الأمر، فيشتم من ظلمه.
ولكن المتضع منشغل بتوبته، فيحتمل كل ظلم، ويقبل الإهانة، أى أن الظلم مفيد للمتضع، ولكنه غير محتمل للمتكبر، ولو كان كبرياؤه داخلياً غير ظاهراً للناس، ولكنه يغتاظ داخلياً، فينبغى عليه أن يتذكر رب المجد، الذى احتمل كل إساءة وظلم؛ ليفديه فيهدأ. وقد كُتب عن المخلص أنه “ظلم أما هو فتذلل” (اش53: 7). وفى سفر اللاويين سبق فدعى الإنسان ألا يتضايق من قريبه، حتى لو أخطأ فى حقه (لا19: 17، 18). وإن تضايق لضعفه البشرى، فلا يلجأ للشتم أبداً، إذ أنه خطية عظيمة (1كو6: 10).
ع7: ممقوته : مكروهة.
الكبرياء مكروهة من الله، فهى التى أسقطت الشيطان، وأيضاً الإنسان الأول، إذ هى تفصل الإنسان عن الله.
والكبرياء أيضاً مكروهة من الناس؛ لأن أى إنسان لا يستريح إذا تكبر عليه أحد، فهذا يثيره، ويغيظه.
فالكبرياء خطية، وإثم أمام الله والناس، فينبغى الابتعاد عنها، خاصة وأنها أم لخطايا كثيرة.
ع8: والكبرياء خطورتها كبيرة، إذ تفقد الملك، أو الرئيس عرشه، لأن الملك إذا كان متكبراً سيظلم شعبه، ويهينه، وقد يكون محباً للمال، الذى يحصل عليه من الشعب الذى يفتقر، ونتيجة لعدم احتماله، يثور عليه، وينقل الملك لملك آخر.
وقد تدفع الكبرياء إنساناً أن يقتل الرئيس، أو الملك؛ ليملك بدلاً منه؛ حتى لو وصل إلى أن يقتل الإنسان أخيه، أو أبيه، كما حاول أبشالوم أن يقتل أبيه داود؛ ليملك عوضاً عنه، وكما قتلت عثليا أبناءها، وملكت بدلاً منهم على مملكة إسرائيل (2مل11: 1).
ع9: البخيل هو إنسان يحب ذاته على حساب كل من حوله، فهو متكبر، وقد يظلم الآخرين؛ ليزيد من أمواله.
وتتساءل الآية : لماذا يتكبر هذا الإنسان البخيل، وينسى أن أصله تراب ورماد، فالأولى بالإنسان أن يتضع، فينال رضى الله ومحبة الناس.
ع10: أطرح أحشاءه : ألقى أعضاءه الداخلية خارجاً، أى لم يعد قلبه مع الله.
الذى يحب المال يصير عبداً له، لا يهتم، ولا ينشغل بغيره، فيبتعد عن الله، وتصير أفكاره، ونيات قلبه، وكل ما فى داخله مطروحاً خارجه، كأنه جزء من الماديات، مثل المأكل والمشرب والمقتنيات المختلفة، فهو مستعد أن يبيع نفسه من أجل المال، ففقد وضعه كإنسان، وهيكل للروح القدس، وصار كأحد المقتنيات، أو السلع، ليس له قيمة أكثر منها، أى ضيع حياته، وصار تابعاً للشيطان.
ع11، 12: أى ملك لا يطول ملكه، فهو يبقى فترة على العرش، ولابد أن تنتهى، وقد تنتهى سريعاً.
فالملك يقابل مشاكل لا يستطيع علاجها، وقد يضطر لترك الملك، كما يقابل الطبيب أمراضاً يعجز عن علاجها، وقد يضطر لاستئصال العضو المريض، فهو يحسم الأمر بالاستغناء عن العضو؛ لأجل إنقاذ المريض، مثلما يترك الملك العرش لعجزه عن علاج مشاكل الشعب. وبالتالى يلزم أن يتضع الملك، فينال نعمة الله، بدلاً من الكبرياء التى تُظهر عجزه.
ع13: واضح من هذه الآية أن الإنسان لا يأخذ شيئاً من ماديات العالم معه إذا مات،
بل يترك كل شئ لمن حوله، ولا يبقى له إلا الأفاعى، والوحوش، والدود التى تأكل جسده.
إذن فليراجع الإنسان نفسه لماذا يتكبر، وفى النهاية سيفقد كل شئ؟ فهيرودوس عندما تكبر
لم يأخذ إلا الدود الذى أكل جسده (أع12: 23)، وهكذا أيضاً الملك أنطيوخوس الكبير
(2مك 9: 9).
ع14، 15: الخطاء : الخطية.
رسخت فيه : تأصلت.
أرجاسا : نجاسة وقذارة.
إذا تكبر الإنسان فإنه يبتعد عن الله؛ ليكون لنفسه شخصية مستقلة، وهذا ما فعله الشيطان، ثم سقط بعده الإنسان.
وبعدما يسقط الإنسان فى الكبرياء، يقع فى خطايا متنوعة كثيرة؛ لأن الكبرياء أم لخطايا متعددة.
فالشيطان بعد سقوطه، اُرتكبت كل الخطايا، وصار مصدراً للشر، فأسقط الإنسان، وتوالت خطايا الإنسان بعد تكبره، وابتعاده عن الله، وكما يقول الكتاب المقدس عن أن الكبرياء أم لرذائل كثيرة “قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح” (أم16: 18).
ع16: نوازل : مصائب.
بسقوط الإنسان فى الكبرياء أصبح من السهل عليه السقوط فى خطايا كثيرة، كما ذكرنا
فى الآية السابقة. وهنا يتدخل الله بمحبته، ويضرب المتكبرين بمصائب كثيرة، لعلهم من
الضيقة يتوبون، ولكن إن لم يتوبوا، فليس أمامهم إلا الدمار والهلاك فى الأرض، وفى الحياة الأخرى.
والله لأجل هذا ضرب نبوخذنصر، فصار كالحيوانات، فتاب، وأرجعه الله إلى عرشه
(دا4: 28-37). أما عثليا الملكة المتكبرة والتى سقطت فى خطايا كثيرة، لم يكن مصيرها إلا الهلاك على يد ياهو الملك الجديد (2مل11: 13-16).
احترس من الكبرياء مها تخفت في أشكال متنوعة؛ لأنها براقة وجذابة، ولكنها لابد وأن تهلكك. وإن سقطت فيها فأسرع إلى التوبة؛ لأن إلهنا حنون، فيقبلك، وتستعيد بنوتك له.
(3) التواضع والكرامة (ع17-34):
17نَقَضَ الرَّبُّ عُرُوشَ السَّلاَطِينِ، وَأَجْلَسَ الْوُدَعَاءَ مَكَانَهُمْ. 18قَلَعَ الرَّبُّ أُصُولَ الأُمَمِ، وَغَرَسَ الْمُتَوَاضِعِينَ مَكَانَهُمْ. 19قَلَبَ الرَّبُّ بُلْدَانَ الأُمَمِ، وَأَبَادَهَا إِلَى أُسُسِ الأَرْضِ. 20أَقْحَلَ بَعْضَهَا، وَأَبَادَ سُكَّانَهَا، وَأَزَالَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. 21مَحَا الرَّبُّ ذِكْرَ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَأَبْقَى ذِكْرَ الْمُتَوَاضِعِينَ بِالرُّوحِ. 22لَمْ تُخْلَقِ الْكِبْرِيَاءُ مَعَ النَّاسِ، وَلاَ الْغَضَبُ مَعَ مَوَالِيدِ النِّسَاءِ. 23أَيُّ نَسْلٍ هُوَ الْكَرِيمُ؟ نَسْلُ الإِنْسَانِ. أَيُّ نَسْلٍ هُوَ الْكَرِيمُ؟ الْمُتَّقُونَ لِلرَّبِّ. أَيُّ نَسْلٍ هُوَ اللَّئِيمُ؟ نَسْلُ الإِنْسَانِ. أَيُّ نَسْلٍ هُوَ اللَّئِيمُ؟ الْمُتَعَدُّونَ لِلْوَصَايَا. 24فِيمَا بَيْنَ الإِخْوَةِ يَكُونُ رَئِيسُهُمْ مُكَرَّمًا، هكَذَا فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. 25الْغَنِيُّ وَالْمَجِيدُ وَالْفَقِيرُ فَخْرُهُمْ مَخَافَةُ الرَّبِّ. 26لَيْسَ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُهَانَ الْفَقِيرُ الْعَاقِلُ، وَلاَ مِنَ اللاَّئِقِ أَنْ يُكْرَمَ الرَّجُلُ الْخَاطِئُ. 27الْعَظِيمُ وَالْقَاضِي وَالْمُقْتَدِرُ يُكْرَمُونَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَعْظَمَ مِمَّنْ يَتَّقِي الرَّبَّ. 28الْعَبْدُ الْحَكِيمُ يَخْدُمُهُ الأَحْرَارُ، وَالرَّجُلُ الْعَاقِلُ لاَ يَتَذَمَّرُ.
29لاَ تَعْتَلَّ عَنِ الاِشْتِغَالِ بِالأَعْمَالِ، وَلاَ تَنْتَفِخْ فِي وَقْتِ الإِعْسَارِ. 30فَإِنَّ الَّذِي يَشْتَغِلُ بِكُلِّ عَمَلٍ، خَيْرٌ مِمَّنْ يَتَمَشَّى أَوْ يَنْتَفِخُ وَهُوَ فِي فَاقَةٍ إِلَى الْخُبْزِ 31يَا بُنَيَّ، مَجِّدْ نَفْسَكَ بالْوَدَاعَةِ، وَأَعْطِ لَهَا مِنَ الْكَرَامَةِ مَا تَسْتَحِقُّ. 32مَنْ خَطِئَ إِلَى نَفْسِهِ فَمَنْ يُزَكِّيهِ؟ وَمَنْ يُكْرِمُ الَّذِي يُهِينُ حَيَاتَهُ؟ 33الْفَقِيرُ يُكْرَمُ لأَجْلِ عَمَلِهِ، وَالْغَنِيُّ يُكْرَمُ لأَجْلِ غِنَاهُ 34مَنْ أُكْرِمَ مَعَ الْفَقْرِ فَكَيْفَ مَعَ الْغِنَى؟ وَمَنْ أُهِينَ مَعَ الْغِنَى فَكَيْفَ مَعَ الْفَقْرِ؟
ع17-21: أقحل : جعلها قاحلة، أى جرداء وليس بها سكان.
الله أنزل المتكبرين، الذين جلسوا على العروش، ورفع المتواضعين، كما قالت أمنا العذراء فى تسبحتها (لو1: 52).
هذا ما حدث مع الشيطان، الذى سقط من مجده كملاك عظيم، وصار مثالاً للشر، محكوماً عليه بالعذاب الأبدى، هو وكل الشياطين التى سقطت معه، وجلس فى السماء بدلاً منه القديسون المتواضعون.
وآدم الذى تكبر طُرد من الجنة، حيث كان متنعماً مع الله، أما آدم الثانى – المسيح – الذى اتضع على الصليب، فأعاد البشرية إلى الفردوس مرة أخرى.
والدول التى تكبرت مثل أشور، وبابل قلعها الرب، وأبادها، ولم تعد تُذكر، أما الذى ملك مكانها فهو المسيح المتضع فى المزود، الذى ملك على قلوب أولاده المؤمنين، وسيملك إلى الأبد عليهم.
والشعوب الكنعانية التى تكبرت، وانغمست فى الخطية، أبادها الرب، وأسكن بدلاً منها شعبه المتضع المؤمن به؛ شعب بنى إسرائيل.
ع22: الله خلق الإنسان نقياً، وعلى صورته، ومثاله، ولم يكن فيه خطية، ولكن بفعل إبليس، وغوايته للإنسان سقط آدم، وحواء فى الكبرياء، وهى أم لخطايا كثيرة، مثل الغضب، الذى هو خطية شائعة؛ كل هذه الأمور دخيلة على حياة الإنسان، وتتعارض مع كيانه، وتزعجه؛ لأنها ليست من طبيعته، ولذا يلزم الإسراع إلى التوبة، إذا سقط الإنسان فى خطية؛ ليتنقى، ويستعيد طبيعته الأولى المحبة لله.
ع23: النسل الكريم هو النسل المكرم، هو نسل الإنسان الذى على صورة الله، ومثاله، ويسلك بوصاياه. أما من يتعدى وصايا الله، فيكون لئيماً، يتظاهر أنه مع الله، وهو بعيد عنه، ولا يخافه، ولا يسلك بوصاياه، لذا سُمى لئيماً، وهو بالطبع بلا كرامة أمام الله، لا فى الأرض، ولا فى السماء، والكرامة على الأرض محدودة، أما فى السماء فخالدة، وممتدة إلى الأبد.
ع24: على الأرض يُكرم الرئيس، ومن له سلطان، أو مركز، ولكن أمام الله المكرم هو من يخاف الله، ويحيا بوصاياه. والكرامة أمام الله تتميز بأنها ممتدة إلى الأبد، أما كرامة الأرض فتزول مع نهاية حياة الإنسان على الأرض.
ع25: المجيد : الإنسان الممجد ذو الكرامة.
يختلف الناس فى الغنى والفقر، والمجد وعدم المجد، والمكرم وغير المكرم، ولكن الكل ليس لهم فخر أمام الله إلا بالتقوى. فمن يتقى الله، ويحفظ وصاياه هو العظيم، والمكرم فى نظر الله.
ع26: الفقير فى نظر الناس ضعيف، ولا يُكرم، ولكن إن كان عاقلاً، أى حكيماً، فهو يحيا مع الله، وهذا يستحق التكريم من الله؛ حتى لو كان الناس لا يكرمونه، أو يهينونه.
أما الإنسان الخاطى، أى الشرير، فمهما كان له من الغنى، أو المركز، أو السلطان، فهو غير مكرم أمام الله؛ حتى لو كرمه الناس؛ لأنه شرير، وبعيد عن الله.
ع27: الناس يكرمون العظماء، ومن لهم السلطان والقدرة، والقضاة، الذين يحكمون فى مشاكل الناس، وكل من له سلطان، ولكن أعظم من كل هؤلاء من يتقى الله. فالمكرمون أمام الله، هم من يحبون الله، ويخافونه، أما العظمة والمراكز الأرضية، فهى زائلة تنتهى بنهاية الحياة، والذى يكرمه الله يكون مكرماً إلى الأبد فى ملكوت السموات.
ع28: إذا عاش الإنسان مع الله فى مخافة، وتمسك بوصاياه، فالله يهبه الحكمة، بل يجعله مكرماً؛ حتى لو كان عبداً، فيصير مثل أحد الأبناء (أم17: 2؛ كو3: 11)، ويخدمه الكل، ليس فقط العبيد، بل أيضاً الأحرار من الأبناء؛ لأن الله يعطيه مهابة، ونعمة فى أعين الكل، فيرشد، ويريح من حوله، بل يبارك الله من حوله من أجله، كما حدث مع يوسف الصديق الذى كان عبداً، وكان متمسكاً بالله، فكان ناجحاً، ومكرماً، ورئيساً على كل أملاك فوطيفار، بل بارك الله فوطيفار من أجله (تك39: 5).
الرجل العاقل، أى الحكيم لا يتذمر من إكرام هذا العبد الحكيم؛ لأنه يعلم أهمية الحكمة، والتصرف بعقل، فهى أعظم من كل شئ على الأرض، ومن يقتنيها يستحق الإكرام.
ع29، 30: تعتل : تتعالى وتترفع.
الإعسار : الشدة والفقر.
فاقة : احتياج وفقر.
إذا كنت محتاجاً، فلابد أن تعمل أى عمل يقابلك، ولا تتعالى بكبرياء عن العمل الضرورى الوحيد، الذى تجده أمامك، خاصة وإن كنت فى فقر واحتياج، فلا يصح أن تنتفخ وتتكبر، فهذا أفضل من أن تمد يدك، وتتسول من الناس.
فإن من يقبل أن يعمل أى عمل، هو بالطبع أفضل ممن يتكبر عن الأعمال الوضيعة، ويظل فى فقر، مثل العظيم بولس الرسول، الذى عمل بيديه فى صناعة الخيام؛ ليوفر احتياجاته، هو ومن معه من الخدام؛ حتى لا يثقل على من يبشرهم (2تس3: 8).
ع31، 32: من يريد أن يكون ممجداً أمام الله، ومكرماً، ينبغى أن يسلك بالوداعة، أى بالهدوء والاتضاع. وأيضاً سيحبه الناس، إذ يكون لطيفاً ومريحاً فى التعامل معهم. بهذا تكرم نفسك أمام الله والناس، أى تسلك حسناً، وهذا ما طلبه المسيح من كل المؤمنين به، أن يتعلموا منه الوداعة والتواضع (مت11: 29). وإن كنت حاد الطباع، فلا تنزعج، يمكنك إن اقتربت من الله أن يسندك فى جهادك، فتصير وديعاً، كما فعل موسى النبى، فصار حليماً أكثر من جميع الناس (عد12: 3)، مع أنه فى بدايته كان عنيفاً فقتل المصرى (خر2: 12).
وعلى العكس، من يخطئ فى حق نفسه، أى يسلك بكبرياء وغضب، فلن يستريح له الناس ولن يكرموه؛ لأنه لم يسعَ إلى الكرامة الحقيقية.
ع33، 34: الفقير يكرمه الناس من أجل أعماله الصالحة وحكمته، ومخافته لله، وليس بالطبع لأجل فقره. أما الغنى فيكرمه الناس؛ لأجل غناه، إما لسلطانه، أو طمعاً فى عطاياه.
فإن أنعم الله على هذا الفقير بالأموال، وصار غنياً، ومازال متمسكاً بصلاحه، فكم يكون إكرام الناس له؛ لابد أن يكون إكراماً عظيماً، أما الغنى الذى يهينه الناس لأجل شره، إن افتقر، وظل منغمساً فى شره، ستزداد إهانة الناس له. إن التواضع هو أقصر طريق إلى قلب الله، إذ تصير بالتواضع يا أخى مثل الله المتواضع في تجسده، وصلبه، وبهذا تقهر الشياطين، ويخافون منك. فاهتم باقتناء الإتضاع، فتستريح كل أيامك، وتجد مكانك العظيم في السماء.