التمييز وخطايا الكلام
(1) للكلام وقت وللسكوت وقت (ع1-8):
1الْعِتَابُ خَيْرٌ مِنَ الْحِقْدِ، وَالْمُقِرُّ يُكْفَى الْخُسْرَانَ. 2الْخَصِيُّ الْمُتَشَهِّي يُفْسِدُ الْبِكْرَ، 3وَهكَذَا فِعْلُ مَنْ يَقْضِي قَضَاءَ الْجَوْرِ. 4مَا أَحْسَنَ إِبْدَاءَكَ النَّدَامَةَ إِذَا وُبِّخْتَ؛ فَإِنَّكَ بِذلِكَ تَجْتَنِبُ الْخَطِيئَةَ الاِخْتِيَارِيَّةَ. 5رُبَّ سَاكِتٍ يُعَدُّ حَكِيمًا، وَرُبَّ مُتَكَلِّمٍ يُكْرَهُ لِطُولِ حَدِيثِهِ. 6مِنَ السَّاكِتِينَ مَنْ يَسْكُتُ، لأَنَّهُ لاَ يَجِدُ جَوَابًا، وَمَنْ يَسْكُتُ لأَنَّهُ يَعْرِفُ الأَوْقَاتَ. 7الإِنْسَانُ الْحَكِيمُ يَسْكُتُ إِلَى حِينٍ، أَمَّا الْعَاتِي وَالْجَاهِلُ فَلاَ يُبَالِي بِالأَوْقَاتِ. 8الْكَثِيرُ الْكَلاَمِ يُمْقَتُ، وَالْمُتَسَلِّطُ جَوْرًا يُبْغَضُ.
ع1: المُقر : المعترف.
إذا حدث خطأ من إنسان، فلا تغضب فى داخلك، وتتضايق منه، وتحقد عليه، ولكن بمحبة تقدم إليه، وعاتبه بلطف؛ لتزيل سوء التفاهم، وتكون فى قلبك ملتمساً العذر له؛ لأنك تخطئ أيضاً مثله فى أخطاء أخرى، فهدفك من العتاب ليس إظهار أخطاء الآخر، ولكن إزالة سوء التفاهم بالحب، بهذا يكون قلبك نقياً، وتكسب الآخر أيضاً.
وإذا كنت قد أخطأت فى شئ ما، فلا تخجل أن تعترف بخطئك حتى لا يستغل الشيطان هذا، ويوقع بينك وبين الآخرين، فتخسرهم، ولكن أسرع إلى الاعتذار عن خطئك، فبهذا يغفر لك الله، والآخر أيضاً، ويعود السلام بينكما، ويرضى عنك الله.
ع2، 3: الخصى : العاجز جنسياً.
المتشهى : الذى يشتهى شهوة جنسية.
البكر : العذراء.
الجور : الظلم.
الخصى الذى يشتهى شهوة جنسية، وينظر إلى عذراء، ويريد إفساد بكوريتها، فإن لم يستطع أن يمارس علاقة جسدية معها لعجزه، سيستخدم العنف ليفض بكارتها.
هكذا أيضاً الجاهل، إذا أتته فرصة ليحكم ويقضى على غيره، سيندفع ويحكم أحكاماً ظالمة، لأنه لا يفهم، ويسىء إساءة بالغة لمن يحكم عليهم بظلم وهم أبرياء. فالإثنان الخصى والجاهل عاجزان، ولكنهما يتصرفان كأنهما قادران، فيسيئاً للآخرين، ويظهر ضعفهما أمام أنفسهما، وأمام الآخرين.
ع4: تجتنب : تتجنب، أو تتحاشى وتبتعد.
إذا أخطأت فى خطأ ما، ووبخك إنسان على هذا الخطأ، فالأفضل أن تعتذر له، وتبدى ندامتك على ما فعلت، فإنك بهذا تكسب من أسأت إليه ووبخك.
ومن ناحية أخرى، أنت تبتعد عن الخطية الاختيارية، والمقصود بها ما يلى :
- فى محاولتك الدفاع عن نفسك، قد تبالغ فى أمر ما، أو تقلل من خطئك، فتسقط فى الكذب.
- تبريرك لنفسك هو إهمال الاعتذار عن خطئك، ولو كان جزئياً، فهذا يستفز الآخر، الذى أخطأت فى حقه، ويوقعه فى خطية الغضب والإدانة لانشغالك بتبرير نفسك، وعدم الاعتذار عن خطئك.
ع5، 6: إذا أخطأ إنسان، فوبخه الآخر على خطئه، فصمت إعلاناً لموافقته على التوبيخ، فهذا يُعتبر حكمة.
وإذا سأل إنسان شخصاً آخر عن موضوع ما، ولم يعرف هذا الشخص الجواب المناسب، أو لم يستطع التعبير السليم المناسب، أو كان الوقت غير مناسب للإجابة فصمت؛ كل هذا يُعتبر حكمة منه.
أما إذا أجاب وهو لا يعرف الموضوع معرفة دقيقة، سيكون كلامه فى غير محله، ولا يعجب السامعين، وإذا أطال الحديث فى هذا الكلام الغير مقنع، سيكره الناس كلامه، ويتضايقون منه.
ع7: العاتى : الجبار.
الإنسان الحكيم يختار الوقت المناسب ليتكلم فيه، أى أنه إذا وجد الوقت غير مناسب، يصمت حتى يأتى الوقت المناسب فيتكلم، ويسمعه الناس باهتمام.
أما الجبار المعتمد على قوته، أو الجاهل، فيندفع كل منهما فى الكلام، حتى لو كان الوقت غير مناسب، فيتضايق منهما الناس، أو يسكتا فى الوقت الذى يحتاج الناس فيه أن يسمعوا كلمة منهما؛ لعدم حكمتهما، واعتمادهما على نفسيهما، وليس على الله؛ لأنهما لا يصليان، ويسيران بدون إرشاد من أحد.
ع8: يُمقت : يصبح مكروهاً.
من يتكلم كثيراً بلا داعٍ؛ لأنه يحب أن يتعالى على الآخرين، أو لأنه يريد أن يتكلم بما يريد ولا يهتم بحاجة الناس إلى الاستماع، أو عدمه، سيتضايق منه الناس، ويكرهونه؛ لأنه متكبر وأنانى، ولا يشعر بهم.
وكذلك الذى يتسلط على الناس، ويظلمهم بأحكامه الخاطئة يتضايق منه الناس جداً، إذ أنه يؤذيهم، فهو أنانى يتكلم بما يريد بدون حكمة.
ليتك يا أخى تصلى قبل أن تتكلم، ولو صلاة قصيرة جداً تطلب فيها إرشاد الله، فيعطيك حكمة أن تسكت، أو تتكلم بما هو مناسب، فيفرح الناس بما تقول، ويشكرونك، بل يشعرون أن كلامك مفيد، ومن الله.
(2) الظاهر لا يعنى الحقيقة (ع9-12):
9رُبَّ نَجَاحٍ يَكُونُ لأَذَى صَاحِبِهِ، وَرُبَّ وِجْدَانٍ يَكُونُ لِخُسْرَانِهِ. 10رُبَّ عَطِيَّةٍ لاَ تَنْفَعُكَ، وَرُبَّ عَطِيَّةٍ تَكُونُ مُضَاعَفَةَ الْجَزَاءِ. 11رُبَّ انْحِطَاطٍ سَبَّبَهُ الْمَجْدُ، وَرُبَّ تَوَاضُعٍ يُرْفَعُ بِهِ الرَّأْسُ.
12رُبَّ مُشْتَرٍ كَثِيرًا بِقَلِيلٍ، يَدْفَعُ ثَمَنَهُ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ.
ع9: وجدان : تواجد أو تجد شيئاً.
قد يحدث نجاح لإنسان، ويكون هذا مؤذياً له، إذ يولد فى داخله كبرياء بأنه أفضل من غيره، لأنه نجح وغيره قد فشل، ولا ينسب المجد لله، أو يشكره، وقد يؤدى به النجاح إلى انشغال وانهماك فى الماديات، وتزداد نجاحاته فتغريه؛ ليعمل أكثر ويبتعد عن الله؛ لأنه مشغول.
وقد يكون تواجد إنسان فى مكان، يسقطه فى متاعب، مثل أن يسقط فى رؤية مناظر شريرة، أو يجد رفقاء أشرار يشجعونه على كلام ردىء، أو على شرب خمر ومسكر، أو أية شهوات ردية، فيقول : يا ليتنى لم أذهب إلى هذا المكان.
وقد يجد الإنسان شيئاً فى طريقه، فيعتبرها فرصة، ويستغلها، فتؤدى به إلى خسارة، مثل أن ينشغل بمشروع جديد، فيهمل ما كان عنده من أعمال تكسبه كثيراً، فيخسر. أو قد يدخل فى شركة مع غيره يستغلونه، ويسقطونه فى مشاكل بلا حصر.
كل هذا يجعل الإنسان يدقق ويفحص كل أمر قبل أن يدخل فيه، ويصلى، ويهتم بالإرشاد الروحى من ذوى الخبرة.
ع10: قد يهب الله إنساناً عطية، فلا يشكر عليها، وينسبها لنفسه، وقدراته، فيتكبر، فيحول العطية من مكسب إلى خسارة لنفسه، أو يستخدم العطية فى أغراض شريرة، مثل الشهوات الردية، أو إيذاء الآخرين.
وعلى العكس، يمكن أن تكون للعطية جزاء مضاعف، إذا استخدم الإنسان العطية فى أغراض حسنة، وشكر الله على عطيته، فإذا ساعد محتاجاً، فالله يرضى عليه، ويضاعف له العطاء، ويسنده، ويبارك فى حياته كلها.
ع11: قد يعطى الله مجداً لأحد أولاده، فبدلاً من أن يشكر الله يتكبر، فينحط، ويفقد كثيراً من هذه الأمجاد، كما قالت أمنا العذراء فى تسبحتها عن الذين يتخلى عنهم الله لكبريائهم فقالت: “أنزل الأعزاء عن الكراسى، ورفع المتضعين” (لو1: 52). كما حدث مع نبوخذنصر، الذى تكبر فانحط وصار مثل الحيوانات لمدة سبع سنوات (دا4: 33).
وقد يتحول المجد إلى انحطاط إذا ظلم الإنسان الممجد غيره لو كان له سلطان، مثل أنطيوكوس الملك السلوقى الذى ضايق اليهود وأراد إهلاكهم، فأكله الدود وهو حى (2مك9: 9). وقد يستخدم ذو المجد مجده؛ ليتمم شهواته الردية التى تغضب الله، فينحط بسبب نجاسته.
وقد يتواضع إنسان فيفرح به الله ويكرمه، ويرفع رأسه، مثل يوسف الصديق، الذى احتمل العبودية والسجن باتضاع وشكر، فرفعه الله إلى عرش مصر.
ع12: قد يجد إنسان أنها فرصة عظيمة لكى يشترى أشياءً كثيرة بثمن قليل، مثل أى أثاث قديم للبيت، ويحتاج إلى إصلاحات، فينفق عليه كثيراً؛ حتى يصبح أثاثاً مناسباً، فيكون فى النهاية أغلى مما لو كان اشترى أثاثاً جديداً، إذ سيكون بثمن أقل، ويكون بحالة أفضل، أو اشترى منزلاً قديماً، أنفق عليه لإصلاحه، وتجديده أموالاً كثيرة، فيصبح ثمنه أغلى مما لو كان اشترى أرضاً، وبنى عليها مبنى جديداً.
وقد يشترى حاجيات كثيرة بثمن قليل، ولكن يضايق بها من حوله، مثل أهل بيته، فيدفع ثمناً كبيراً من أعصابه وسلامه فيضطرب، ويقول: يا ليتنى ما اشتريت شيئاً، أو اشتريت ما يعجب ويناسب من معى. وقد يضيع الإنسان وقتاً كبيراً فى البحث عما يريد أن يشتريه بثمن قليل، فيكتشف فى النهاية أنه قد أضاع وقته، وهو أغلى من أى شئ اشتراه.
لا تندفع فى أى عمل دون أن تفحصه، واعتمد على الله الذى يرشدك، لترضيه بكل أعمالك، فتحيا فى سلام وفرح.
(3) خطايا الأحـمق (ع13-19):
13الْحَكِيمُ يُحَبِّبُ نَفْسَهُ بِالْكَلاَمِ، وَنِعَمُ الْحَمْقَى تُفَاضُ سُدًى. 14عَطِيَّةُ الْجَاهِلِ لاَ تَنْفَعُكَ، لأَنَّ لَهُ عِوَضَ الْعَيْنَيْنِ عُيُونًا. 15يُعْطِي يَسِيرًا، وَيَمْتَنُّ كَثِيرًا، وَيَفْتَحُ فَاهُ مِثْلَ الْمُنَادِي. 16يُقْرِضُ الْيَوْمَ وَيُطَالِبُ غَدًا. إِنَّ إِنْسَانًا مِثْلَ هذَا لَبَغِيضٌ. 17يَقُولُ الأَحْمَقُ لاَ صَدِيقَ لِي، وَصَنَائِعِي غَيْرُ مَشْكُورَةٍ. 18إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ خُبْزِي خُبَثَاءُ اللِّسَانِ. مَا أَكْثَرَ الْمُسْتَهْزِئِينَ بِهِ، وَأَكْثَرَ اسْتِهْزَاءَاتِهِمْ. 19فَإِنَّهُ لاَ يُدْرِكُ حَقَّ الإِدْرَاكِ مَاذَا يَسْتَبْقِي، وَلاَ يُبَالِي بِمَا لاَ يَسْتَبْقِي.
ع13: سدى : هباء، أو بلا فائدة.
إن كلمات الحكيم مملوءة حكمة، فعندما يسمعها الناس يحبونه، ويستمعون إلى كلامه باشتياق، ويفرحون بالجلوس معه.
أما الأحمق فإن كانت له مواهب، فهو لا يستخدمها حسناً، ويضعها فى غير مكانها، فلا يستفيد منها الناس، بل يتضايقون منها.
ع14: الإنسان الجاهل إذا أعطى عطية لغيره لا يعطيها بمحبة، بل ينتظر فوائد ممن أعطاها له، ويحسده ويغير منه. إذ له نظرات وعيون كثيرة تراقب من وهبه العطية. وبالتالى يكون من أخذ العطية فى ضيق من كثرة نظراته وتعليقاته، وبالتالى العطية لا تنفع من أخذها، بل يتمنى لو لم يأخذها.
ع15: يسيراً : قليلاً.
يمتن : يتكلم عن عطاياه كثيراً لمن قدم له المساعدة.
فاه : فمه.
الأحمق يعطى شيئاً قليلاً، ولكنه يتكلم كثيراً عما أعطاه؛ لدرجة تضايق من أخذ منه، بل تهينه، فهو فى كبرياء يريد أن يمجد نفسه، فيذكِّر من أخذ منه بما أخذه، ويتكلم أيضاً مع الآخرين عما أعطاه، وبهذا يزيد ضيق من أخذ منه، ويود لو لم يكن قد أخذ شيئاً، إذ أن الأحمق سبب له إزعاجاً وإهانة أكثر مما استفاد منه.
ع16: يقرض : يُعطى سلفة.
الأحمق أيضاً إذا وجد إنساناً محتاجاً للمال، وأقرضه مبلغاً، فبعدما يقرضه يطالبه كثيراً بتسديد ما عليه، ويضايقه، ويهينه إذا تأخر فى الدفع، ويجرح مشاعره، فيتسبب فى كراهية الآخر له وكراهية جميع الناس؛ لإذلاله لمن اقترض منه.
ع17: ولأن الأحمق يريد دائماً أن يشكره الناس ويمجدوه حتى لو كانت عطاياه قليلة، فهو يتضايق من الناس، ويعتبرهم لا يستحقون صداقته، فيقول : لا صديق لى؛ لأن عطاياه القليلة يريد أمامها شكراً كثيراً جداً، وبالطبع الناس لا تعطيه هذا الشكر، فيتضايق منهم.
ع18: ويضيق الأحمق، فيقول : إن من يستفيدون من عطاياى هم أشرار وخبثاء؛ لأنهم لا يشكروننى كما ينبغى، بل يتضايقون عندما أطالب بحقى، وهو الشكر، أو إعادة واسترداد ما أخذوه من أموالى.
والخلاصة، أن معظم الناس يتضايقون من هذا الأحمق، ويستهزئون به، فهو مشغول بذاته، وتمجيدها، وشحيح فى العطاء، ويذل من يأخذ منه، فالناس تكرهه، وتسخر منه.
ع19: إن الأحمق لا يفهمك إذا كنت رفيقاً، أو صديقاً له، ولا يقدر قيمتك؛ لأنه مشغول بنفسه، ويريد أن يشكره الناس دائماً. وإذا تضايقت منه، وابتعدت عنه، لا يشعر أنه قد خسر شيئاً بتركك إياه، بل إنك غير مستحق لصداقته. والخلاصة، هو لا يستبقى صديقاً، ويخسر جميع الناس، فهو يعيش فى عالم غريب وحده، ليس فى هذا العالم إلا شخصه، ويتمنى أن كل الناس تمجده دائماً، حتى لو كان مخطئاً، أى أنه مسكين لابتعاده عن الله، فهو بلا حكمة.
اهتم يا أخى أن تلتصق بالله، فتصلى وتقرأ الكتاب المقدس، وتتناول من الأسرار المقدسة، فيعطيك الله من أجل اتضاعك حكمة، فتحيا مطمئناً، ويحبك الكثيرون.
(4) خطايا اللسان (ع20-33):
20الزَّلَّةَ عَنِ السَّطْحِ وَلاَ الزَّلَّةَ مِنَ اللِّسَانِ؛ فَإِن سُقُوطَ الأَشْرَارِ يُفَاجِئُ سَرِيعًا. 21الإِنْسَانُ السَّمِجُ كَحَدِيثٍ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ لاَ يَزَالُ فِي أَفْوَاهِ فَاقِدِي الأَدَبِ. 22يُرْذَلُ الْمَثَلُ مِنْ فَمِ الأَحْمَقِ، لأَنَّهُ لاَ يَقُولُهُ فِي وَقْتِهِ. 23رُبَّ إِنْسَانٍ يَمْنَعُهُ إِقْلاَلُهُ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَفِي رَاحَتِهِ لاَ يَنْخَسُهُ ضَمِيرُهُ. 24مِنَ النَّاسِ مَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنَ الْحَيَاءِ، وَإِنَّمَا يُهْلِكُهَا لأَجْلِ شَخْصِ الْجَاهِلِ. 25وَمَنْ يَعِدُ صَدِيقَهُ مِنَ الْحَيَاءِ؛ فَيُصَيِّرُهُ عَدُوًّا لَهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ. 26الْكَذِبُ عَارٌ قَبِيحٌ فِي الإِنْسَانِ، وَهُوَ لاَ يَزَالُ فِي أَفْوَاهِ فَاقِدِي الأَدَبِ. 27السَّارِقُ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْلَفُ الْكَذِبَ، لكِنَّ كِلَيْهِمَا يَرِثَانِ الْهَلاَكَ. 28شَأْنُ الإِنْسَانِ الْكَذُوبِ الْهَوَانُ، وَخِزْيُهُ مَعَهُ عَلَى الدَّوَامِ. 29الْحَكِيمُ فِي الْكَلاَمِ يَشْتَهِرُ، وَالإِنْسَانُ الْفَطِنُ يُرْضِي الْعُظَمَاءَ. 30الَّذِي يَفْلَحُ الأَرْضَ يُعْلِي كُدْسَهُ، وَالَّذِي يُرْضِي الْعُظَمَاءَ يُكَفِّرُ الذَّنْبَ. 31الْهَدَايَا وَالرُّشَى تُعْمِي أَعْيُنَ الْحُكَمَاءِ، وَكَلِجَامٍ فِي الْفَمِ تَحْجُزُ تَوْبِيخَاتِهِمْ. 32الْحِكْمَةُ الْمَكْتُومَةُ، وَالْكَنْزُ الْمَدْفُونُ، أَيُّ مَنْفَعَةٍ فِيهِمَا؟ 33الإِنْسَانُ الَّذِي يَكْتُمُ حَمَاقَتَهُ خَيْرٌ مِنَ الإِنْسَانِ الَّذِي يَكْتُمُ حِكْمَتَهُ.
ع20: الزلة : السقوط.
إن سقوط إنسان من على سطح بيته قد يسبب له كدمات، أو كسور، وقد تنتهى حياته، ولكن هذا أسهل من أن يسقط الإنسان فى كلمات ردية، لما يأتى :
- قد يتكلم ويدين إنساناً، وعندما يعرف هذا الإنسان، ينتقم منه انتقاماً شديداً لا يحتمله.
- قد يسقط الإنسان فى كلام ردىء ولا يتوب عنه، فيؤدى به إلى العذاب الأبدى.
- إذا تعود الإنسان أن يسقط فى خطايا اللسان، يعتبرها كلاماً عادياً، ويبرر نفسه، فلا يتوب عنه، وبالتالى يذهب الإنسان إلى الهلاك الأبدى.
إن الأشرار مندفعون فى كلامهم، وشرورهم، وأعمالهم الردية، ولذا فسقوطهم يأتى سريعاً، وهلاكهم أيضاً يفاجئهم؛ لأنهم لا يستعدون لحياتهم الأبدية؛ لانغماسهم فى الشر.
ع21: السمج : القبيح الخبيث، أى ليس حسناً.
الإنسان السمج كلامه يشبه الكلام الذى لا يقال فى الوقت المناسب، مثل إنسان يتكلم مع إنسان مُجهد جسدياً، أو نفسياً، أو يتكلم بكبرياء مع أناس أكبر منه سناً.
هذا الإنسان السمج يستمر فى الحديث بدون احترام لمن يسمعه، فيكون مثل الإنسان الغير مؤدب، الذى يهين سامعيه.
ع22: يُرذل : يُرفض.
إذا تكلم الإنسان الأحمق، الذى هو سمج، وقال مثلاً يحمل معانى حكمة مفيدة، لا يُقبل كلامه، ويُرفض من السامعين، لأنه لا يقوله فى الوقت المناسب، إذ لا يشعر بالسامعين وبظروفهم ومتاعبهم، فكلامه بالطبع مرفوض.
ع23: قد تحل بالإنسان ظروف معينة، مثل الفقر، أو المرض، أو أى ظروف محيطة به تمنعه من أن يعمل الخطية، فهو ليس متعففاً، أو رافضاً للخطية، بل هو مشتاق أن يفعلها، ولكن الظروف تمنعه. فهذا الإنسان إذا جلس وحده لا ينخسه ضميره إذا فكر فى الخطية، أو حاول أى يفعلها بشكل، أو بآخر، أو إذا وجد فرصة ليفعلها بعيداً عن أعين الناس يسرع إليها، فهو يحمل حب الخطية فى قلبه؛ حتى يجد فرصة ليتممها.
ع24: الحياء أمر عظيم إذا استخدم فى مكانه، أى يكون الإنسان متعففاً عن الشر والماديات، ولا يتطفل على غيره، أو يسرع فى أنانية ليأخذ ما لا يحق له، أو ينتهز الفرص لأجل مصلحته.
ولكن يمكن أن يستخدم الإنسان الحياء فى غير مكانه، عندما يكون مع شخص جاهل، أى بعيد عن الله، ومنشغل بالعالم وشهواته، فيخجل الإنسان الصالح من أن يرفض أن يشارك صديقه الجاهل فى الشر؛ هذا حياء خاطئ، إذ ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس، فينبغى أن يرفض الشر من أجل الله؛ حتى لو ضايق صديقه.
يفهم من هذا، أن الأفضل للإنسان الصالح ألا يصادق صديقاً شريراً؛ حتى لا يتعرض لهذا الحرج فى رفض مشاركته للشر، فيغضب منه الإنسان الشرير.
ع25: لأجل الحياء قد يجد الإنسان أنه محرج أن يرفض طلباً لأحد أحبائه، ويعده أن يكون معه ويسانده؛ مع أن هذا فوق طاقته، فالوعد هنا خطأ؛ لأنه عندما يأتى الموقف الذى يحتاج فيه هذا الإنسان لمن يساعده، لن يستطيع ذو الحياء أن يكون معه، فيغضب صديقه منه، وتتحول الصداقة إلى عداوة.
ع26: الكذب خطية قبيحة، وتعتبر عار للإنسان الذى يفعلها. لماذا ؟
- لأنه يتبع الشيطان الكذاب وأبو الكذاب (يو8: 44) وبهذا يصير ابناً للشيطان.
- من يكذب لا يثق فيه الناس بعد هذا، فيكون مرفوضاً، ومكروهاً من الناس القريبين منه والبعيدين.
- الكذب يسبب مشاكل وانقسامات، ويولد كراهية بين الناس، فالكذاب أنانى يهمه مصلحته؛ حتى لو ضايق الآخرين.
- الشيطان يسهل الكذب، ويبرره فى نظر البعيدين عن الله؛ حتى يوهمهم أنه ضرورة فى بعض المواقف للوصول إلى ما يريدون؛ كل هذا غير سليم، ويثير غضب الله؛ حتى لو أوهمنا الشيطان أن الكذب وسيلة للوصول لغاية حسنة ويسميه : “الكذب الأبيض”، ولكن كل هذا مرفوض من الله.
- الأجدر بالإنسان الذى كذب أن يتراجع عن كذبه، ويعلن الحق، فيسامحه الله والناس، وبهذا يكون قوياً، ويهمه الله، وليس كبرياءه.
- للأسف، فاقدو الأدب، أى البعيدون عن الله يستسهلون الكذب، ويتعودونه، فينتج من كذبهم كل المساوئ السابقة، بل ويعثرون غيرهم، إذ يشجعونهم على الكذب.
ع27: يألف : يعتاد.
السرقة خطية كبيرة تنهى عنها الوصايا العشر، ورغم صعوبتها فابن سيراخ يعلن أنها أخف من الكذب، أو أن الكذب أشر منها. لماذا ؟
- السرقة خطية واضحة، أى أن الإنسان يأخذ شيئاً ليس من حقه، أما الكذب، فهو تضليل الآخر عن الحق، فتوبة السارق أسهل من توبة الكذاب، الذى تعود الكذب، ويبرره لنفسه.
- السارق يؤذى الشخص الذى سرق منه، أما الكذاب، فيسقط كثيرين حوله فى أخطاء، إذ يعتمدون على كذبه، ويظنونه حقيقة، فيسلكون سلوكاً شريراً. فالكذب خطية معثرة، تسقط كثيرين فى الشر.
ولكن السرقة، وتعود الكذب خطيتان تؤديان بأصحابها إلى الهلاك، حتى لو كانت واحدة أخف من الأخرى.
ع28: من الآيتين السابقتين يظهر أن الإنسان الذى تعود الكذب سيعانى من عقوبات كثيرة وهى :
- الهوان، أى يستخف بكلامه الناس، ولا يثقون فيه.
- الخزى، إذ ينظرون إليه باحتقار من أجل كلامه الذى سبب مشاكل كثيرة فى المجتمع حوله.
- نهاية الكذاب هى الهلاك الأبدى، إذ يدوم خزيه إلى الأبد، وليس فقط فى هذا العالم، أى يظل يعذب إلى الأبد بسبب كذبه.
ع29: عندما يسمع الناس عن إنسان حكيم يحبون أن يستمعوا إليه، بل أكثر من هذا يلتجئون إليه؛ ليرشدهم فى حل مشاكلهم، فيشتهر بين الناس، فيعرف الكل أنه حكيم.
وتصل الأخبار أيضاً إلى العظماء، أى الملوك والرؤساء، وكل إنسان له مكانة فى المجتمع، فيطلبون أن يستمعوا لإرشاداته؛ كل هذا نعمة من الله يعطيها للحكيم فى أعين الناس، فيستمعوا إلى كلام الله على لسانه.
ومن الأمثلة الشهيرة فى الحكمة، سليمان الحكيم، الذى سمع العالم كله عن حكمته، وأتت إليه ملكة سبأ، فانبهرت بما رأته وسمعته، وآباؤنا الرسل البسطاء، الذين عبر عنهم بولس الرسول بالمزدرى وغير الموجود، استطاعوا أن ينشروا الإيمان، ويفتنوا المسكونة (1كو1: 28).
ع30: كدسه : مخازنه، أو محاصيله الكثيرة.
إن الفلاح الذى يهتم بزراعة أرضه يحصل على محاصيل كثيرة، وتمتلئ مخازنه منها. هكذا أيضاً من يهتم بالحكمة، ويبحث عنها تزداد حكمته، وينال بركات عظيمة.
والحكيم الذى يقترب من العظماء، إذ يجد نعمة فى أعينهم، ويرضيهم بأقوال الله الحكيمة، فيستمعون إليه، ويطيعونه؛ هذا يستطيع أن يدافع عن المظلومين أمام العظماء، فيصفحوا عنهم، ويتأكدوا من براءتهم، فهو بهذا، أى بكلامه الحكيم، يكفر عما ظنه العظماء ذنوباً، ويخلص الأبرياء من العقوبات التى كانت ستأتى عليهم، ويحمى العظماء من السقوط فى أحكام ظالمة. هكذا أيضاً المسيح حكمة الله استطاع أن يكفر بدمه على الصليب عن ذنوب البشر، الذين آمنوا به.
ع31، 32: الرشى : الرشاوى وهى جمع رشوة.
من معطلات الحكمة الهامة قبول الهدايا والرشاوى، وهذا يبين ضعف بعض الحكماء أمام قوة المال؛ لأنهم عندما يقبلون هذه الهدايا المغرضة يعوجون القضاء، ويحكمون ببراءة المتهمين، ومعاقبة الأبرياء، وهكذا يحجبون الحكمة ويكتمونها، ويصبح الحكماء بلا فائدة، ويكونون كالكنز المدفون الذى لا يعرفه أحد فلا يستفيد منه، أو كالطعام المخفى عن أعين الجائع.
ومثال واضح لتأثير الهدايا والرشاوى؛ بلعام بن بعور، الذى تأثر بهدايا الملك، فأرشد الملك بطريقة خبيثة لإسقاط شعب الله فى الخطية، فيضعفوا ويتخلى عنهم الله، ثم يهاجمهم العدو، فيتغلب عليهم، وحدث هذا بالفعل، ولكن الله عاقب بلعام بتوبة شعب الله، فساندهم الله، وانتصروا على الأعداء وقتلوهم، ومعهم بلعام (عد31: 8).
ع33: الإنسان الأحمق الذى يشعر أن أفكاره حمقاء، ويبدأ طريق التوبة، فيكتم حماقته، فهذا شئ عظيم، وحتى لو كتم حماقته لأى أسباب أخرى مثل الخوف من الناس، فهذا أيضاً أفضل من أن يتكلم. يضاف إلى هذا أن كتمان الأحمق لحماقته بالطبع شئ مفيد، أما كتمان الحكيم لحكمته فهذا شئ مضر، فينبغى أن الأحمق يكتم حماقته، والحكيم يعلن حكمته؛ لأنها صوت الله، ولأنها وزنه من الله يلزم أن يستثمرها لمجده. ليتك يا أخى لا تتسرع فى الكلام، حتى تعلن كلام الله، وتكتم، وترفض كلام الشر، فأنت صورة الله ونور للعالم، والله ينتظر منك أن تعلن صورته للعالم.