الطبيعة تمجد الله
(1) الشمس والقمر والنجوم (ع1-11):
1الْجَلَدُ الطَّاهِرُ فَخْرُ الْعَلاَءِ، وَمَنْظَرُ السَّمَاءِ مَرْأَى الْمَجْدِ. 2الشَّمْسُ عِنْدَ خُرُوجِهَا تُبَشِّرُ بِمَرْآهَا. هِيَ آلَةٌ عَجِيبَةٌ صُنْعُ الْعَلِيِّ. 3عِنْدَ هَاجِرَتِهَا تُيَبِّسُ الْبُقْعَةَ؛ فَمَنْ يَقُومُ أَمَامَ حَرِّهَا؟ الشَّمْسُ كَنَافِخٍ فِي الأَتُّونِ، لِمَا يُصْنَعُ فِي النَّارِ. 4تُحْرِقُ الْجِبَالَ ثَلاَثَةَ أَضْعَافٍ، وَتَبْعَثُ أَبْخِرَةً نَارِيَّةً، وَتَلْمَعُ بِأَشِعَّةٍ تَجْهَرُ الْعُيُونَ. 5عَظِيمٌ الرَّبُّ صَانِعُهَا، الَّذِي بِأَمْرِهِ تُسْرِعُ فِي سَيْرِهَا. 6وَالْقَمَرُ بِجَمِيعِ أَحْوَالِهِ الْمُوَقَّتَةِ، هُوَ نَبَأُ الأَزْمِنَةِ وَعَلاَمَةُ الدَّهْرِ. 7مِنَ الْقَمَرِ عَلاَمَةُ الْعِيدِ. هُوَ نَيِّرٌ، يَنْقُصُ عِنْدَ التَّمَامِ. 8بِاسْمِهِ سُمِّيَ الشَّهْرُ، وَفِي تَغَيُّرِهِ يَزْدَادُ زِيَادَةً عَجِيبَةً. 9إِنَّ فِي الْعَلاَءِ مَحَلَّةَ عَسْكَرٍ تَتَلأْلأُ فِي جَلَدِ السَّمَاءِ.
10هُنَاكَ بَهَاءُ السَّمَاءِ وَمَجْدُ النُّجُومِ وَعَالَمٌ مُتَأَلِّقٌ، وَالرَّبُّ فِي الأَعَالِي. 11عِنْدَ كَلاَمِ الْقُدُّوسِ تَقُومُ لإِجْرَاءِ أَحْكَامِهِ، وَلاَ يَأْخُذُهَا فِي مَحَارِسِهَا فُتُورٌ.
ع1: الجلد : قبة السماء.
الطاهر ِ: الصافى.
مرأى : منظر.
أول شىء يقابلنا فى الطبيعة، هى السماء التى تظهر أمامنا صافية، تحدثنا عن نقاوة الله، وهى تمثل سمو الله وعظمته.
وعندما ننظر إلى السماء، نشعر بمجد الله يسمو فوق عقولنا وأنظارنا، ولا تستطيع أن تصل العين إلى أعماقه؛ هذا هو الله الغير محدود.
ع2: مرآها : منظرها.
عندما تشرق الشمس على العالم، أى تخرج إليه، يفرح البشر برؤيتها؛ لأنها تعمل أعمالاً كثيرة أهمها :
- تنير العالم، فتعطى فرصة لكل عمل.
- توقظ النائمين؛ ليقوموا فى نشاط، ويستغلوا وقت النهار؛ لرؤية وفحص كل شىء، والعمل الذى يريدونه.
- تعطى دفئاً للعالم، خاصة فى الشتاء مع الهواء البارد.
فهى آلة، أو مخلوق عجيب فى عظمته، الله صنعها، كما يقول ابن سيراخ، فهى ليست إلهاً رغم عظمتها، لكنها آلة عظيمة خلقها الله لتمجد اسمه القدوس، وليس كما ظن بعض الناس قديماً أنها إله فعبدوها.
وقد تأمل فيها داود النبى، فرآها مثل عريس خارج من خدره، يتهلل مثل الجبار المسرع فى طريقه، من أقصى السماء خروجها وإلى أقصى السماء لا شىء يختفى من حرارتها (مز19) (نص الأجبية).
ع3: هاجرتها : فى منتصف النهار، عندما تشتد حرارة الشمس لأعلى درجة.
تيبس : تجف.
البقعة : الأرض.
الأتون : فرن خاص يمكن النفخ فيه؛ لتزداد النار اشعالاً.
عندما تقف الشمس فى وسط السماء عند الظهر، تكون حرارتها شديدة جداً، فتجفف الأرض بحرارتها. ولأن حرارتها شديدة، لا يستطيع أحد أن يقاوم هذه الحرارة، فلابد أن تجف الأرض مهما كانت مبتلة بالماء.
والشمس فى حرارتها هذه، أقوى من الأتون الذى ينفخون فيه؛ ليزداد اشتعالاً.
وهى قادرة بالطبع أن تجعل الماء فى البحار والأنهار يتبخر، ويرتفع إلى السماء؛ ليعود إليها فيما بعد بشكل أمطار.
ع4: تُجهر : تجعل العيون لا تحتمل لمعانها.
وعندما تلقى الشمس أشعتها الحارة على الجبال، تجعلها ساخنة جداً، ثلاثة أضعاف سخونة أراضى الوادى، أو المياه عندما تأتى عليها أشعة الشمس الشديدة الحرارة؛ لأن الصخر يختزن الحرارة، فتظهر سخونة الشمس مضاعفة.
بل إن الحرارة الشديدة للشمس عندما تأتى على المياه، تخرج منها أبخرة شديدة السخونة كأنها أبخرة نارية، تلسع كل من تأتى عليه.
وأشعة الشمس الشديدة الحرارة، إذا نظر إليها إنسان لا يحتمل لمعانها، ويخفض عينيه، أو يغمضها.
ع5: من هذا تظهر عظمة الله الذى بمخلوق واحد، هو الشمس، يؤثر على الطبيعة كلها، فكم تكون قدرة الله خالقها؟ وفى نفس الوقت هذه الشمس تطيع الله فى مسارها، وتنفذ مشيئته على الدوام، فعندما أمرها ألا تشرق على المصريين فى ضربة الظلام، اختفت ثلاثة أيام كاملة، وفى نفس الوقت كانت تشرق وتدفئ شعب الله المجاور لهم. إنه عظيم وعجيب فى قدرته وسلطانه.
ع6، 7: نيِّر : منير والمقصود عندما يكون بدراً.
القمر أيضاً مخلوق عظيم خلقه الله، وهو له أحوال متغيرة مؤقتة، أى كل حالة تعبر عن زمن معين، فنستطيع أن نعرف منه الأزمنة المختلفة.
فالقمر ينبئنا بأن الشهر قد بدأ، أو انتصف، أو فى طريقه للنهاية، هو فعلاً نبأ الأزمنة. واليهود اعتمدوا فى تقويمهم على القمر، فيعرفوا رأس الشهر من مولد القمر كهلال، كما يظهر فى (عد28: 11). وعندما يصير القمر بدراً (مكتمل الاستنارة) يعلن منتصف الشهر، وهذا يوافق عيدى الفصح والمظال.
والقمر هو علامة الدهر؛ لأنه يستمر مع الشمس طوال حياة الإنسان على الأرض، وفى نهاية الدهر تظلم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه؛ هذا إعلان واضح أمام كل البشر، أن يوم الدينونة قد أتى.
وهناك مزامير أشارت إلى القمر وتأثيره، مثل (مز72؛ 121). ويلاحظ أن القمر فى منتصف الشهر، أى فى اليوم الرابع عشر منه، عندما يصير القمر بدراً، لا يستمر فى كمال نوره، ولكنه يتناقص تدريجياً كل يوم بعد ذلك؛ حتى ينتهى الشهر.
ع8: باسم القمر سُمى الشهر، أى الأشهر القمرية، التى تعتمد على القمر فى ترتيبها، كما عند اليهود والعرب.
والقمر فى تغيره يزداد زيادة عجيبة، فيتحول من هلال فى اليوم الأول إلى بدر فى اليوم الرابع عشر من الشهر.
ع9: نلاحظ عندما ننظر إلى السماء كأن هناك محلة مملوءة من الجنود، أو كمعسكر يحوى مجموعة من العساكر؛ هذه هى النجوم التى تنير العالم كله، وهى أيضاً كواكب خاضعة لله، تنفذ مشيئته بكل دقة، وتسير فى مساراتها بلا أى انحراف. وهذه النجوم تلمع فى السماء، أى فى الجلد.
ع10: وهكذا عندما ننظر إلى السماء، نرى بهاءً عظيماً من أنوار النجوم، التى تظهر ككواكب مضيئة تمجد الله. ثم نجد عالماً متألقاً من الأنوار، هو القمر والنجوم ليلاً، مقابل الشمس أثناء النهار؛ كل هذه هى أعمال الله التى تعلو عن أفكارنا، وتمجده فى السماء، وعندما ننظر إليها، نشترك نحن أيضاً معهم فى تمجيد الله. إن هذه النجوم تشبه ملائكة تدعونا كل يوم إلى تسبيح الله وتمجيده.
وإن كان الليل جعله الله راحة للإنسان، بعد تعب النهار، ولكنه أيضاً فرصة للهدوء والسهر الروحى، لتقديم الصلوات والتسابيح، مثل صلاة نصف الليل، وأيضاً تسبحة نصف الليل؛ حتى أن بعض الآباء شعروا أن الليل فرصة عظيمة للصلاة، وقالوا : “أن الليل مفروز للصلاة”، أى أن الله فى نظرهم خلق الليل؛ ليكون للصلاة.
ع11: إن أوامر الله ومشيئته هى الى تحرك النجوم، فهى تطيع مشيئته، وتسير فى مساراتها، وهى تشبه جنود يحرسون السماء، ولا ينامون، بل يعملون بلا فتور لتنفيذ مشيئة الله؛ ليظل الكون مضيئاً فى النهار بالشمس، وفى الليل بالقمر والنجوم.
كل الكواكب وخلائق الله تطيع مشيئته بكل دقة، وهى صورة أمامى، كإنسان، تدعونى إلى طاعة وصايا الله بكل تدقيق، وإلى أن أسبح وأمجد الله مثلها، وأشكره على تدبيره كل هذا الكون من أجلى.
(2) السحب والرياح والثلج والبحر (ع12-27):
12اُنْظُرْ إِلَى قَوْسِ الْغَمَامِ، وَبَارِكْ صَانِعَهَا. إِنَّ رَوْنَقَهَا فِي غَايَةِ الْجَمَالِ. 13تُنَطِّقُ السَّمَاءَ مِنْطَقَةَ مَجْدٍ، وَيَدَا الْعَلِيِّ تَمُدَّانِهَا. 14بِأَمْرِهِ عَجَّلَ الثَّلْجَ، وَرَشَقَ بُرُوقَ قَضَائِهِ. 15وَبِهِ انْفَتَحَتِ الْكُنُوزُ، وَطَارَتِ الْغُيُومُ كَذَوَاتِ الأَجْنِحَةِ. 16بِعَظَمَتِهِ شَدَّدَ الْغُيُومَ؛ فَانْقَضَّتْ حِجَارَةُ الْبَرَدِ. 17بِلَحَظَاتِهِ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ، وَبِإِرَادَتِهِ تَهُبُّ الْجَنُوبُ. 18عِنْدَ صَوْتِ رَعْدِهِ تَتَمَخَّضُ الأَرْضُ، عِنْدَ عَاصِفَةِ الشَّمَالِ وَزَوْبَعَةِ الرِّيحِ. 19يَذْرِي الثَّلْجَ كَمَا يَتَطَايَرُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ، وَانْحِدَارُهُ كَنُزُولِ الْجَرَادِ. 20تَعْجَبُ الْعَيْنُ مِنْ حُسْنِ بَيَاضِهِ، وَيَنْذَهِلُ الْقَلْبُ مِنْ مَطَرِهِ. 21وَيَسْكُبُ الصَّقِيعَ كَالْمِلْحِ عَلَى الأَرْضِ، وَإِذَا جَمَدَ صَارَ كَأَطْرَافِ الأَوْتَادِ. 22تَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ الْبَارِدَةُ؛ فَيَجْمُدُ الْمَاءُ. يَسْتَقِرُّ الْجَلِيدُ عَلَى كُلِّ مُجْتَمَعِ الْمِيَاهِ، وَيُلْبِسُ الْمِيَاهَ دِرْعًا. 23تَأْكُلُ الْجِبَالَ وَتُحْرِقُ الصَّحْرَاءَ، وَتُتْلِفُ الْخَضِرَ كَالنَّارِ.
24يُسْرِعُ الْغَمَامُ فَيَشْفِي كُلَّ شَيْءٍ، وَالنَّدَى النَّاشِئُ مِنَ الْحَرِّ يُعِيدُ الْبَهْجَةَ. 25بِكَلاَمِهِ طَأْمَنَ الْغَمْرَ، وَأَنْبَتَ فِيهِ الْجَزَائِرَ. 26الَّذِينَ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ يُحَدِّثُونَ بِهَوْلِهِ. نَسْمَعُ بِآذَانِنَا فَنَتَعَجَّبُ. 27هُنَاكَ الْمَصْنُوعَاتُ الْعَجِيبَةُ الْغَرِيبَةُ: أَنْواعُ الْحَيَوَانَاتِ، خَلاَئِقُ الْحِيتَانِ.
ع12: رونق : حسن وبهاء.
إن قوس الغمام يقصد به قوس قزح، الذى يظهر فيه ألوان الطيف السبعة عندما ينزل المطر الشديد؛ ولذا سماه قوس الغمام، أى قوس السحاب، أو القوس الذى يظهر فى السحاب بعد نزول المطر، وهذا أعطاه الله علامة لنوح، وكل البشر، أن مراحمه لن تسمح بعمل طوفان مرة ثانية على البشرية؛ حتى يطمئن البشر، إذا سقطت الأمطار بشكل كبير جداً (تك9: 13).
إذا تأملت فى قوس قزح، فإن عينيك وقلبك يفرحان بهذا الجمال الإلهى الذى يظهر فى السماء لييطمئن البشر أن الله يحبهم، ويشفق عليهم مهما كانت خطاياهم، ويدعوهم للتوبة.
ع13: تنطق السماء منطقة : تلبس السماء حزاماً.
تمدانها : تبسطها.
إن قوس قزح يشبه حزاماً جميلاً متنوع ومتناسق الألوان، ويلف السماء بعد نزول المطر الشديد، ويعطيها مجداً فوق مجدها. ولا تنسَ أن يد الله العلى هى التى مدت هذا القوس، وصنعته لأجل طمأنينة أولاد الله.
ع14: عجل : جعله يسرع.
رشق : رمى، أو ضرب.
بأمر الله يجعل الثلج يسرع وينزل على الأرض، فهو نوع من المطر، ولكن على هيئة ثلج.
وأيضاً تخرج البروق من عند الله، كسهام تصوَّب نحو الأعداء؛ لتظهر قوة الله وعدله، وتضىء بلمعانها وتجذب الأنظار؛ لتعلن أن المطر سينزل على الأرض.
والخلاصة، أن الثلج والبروق تعلن قوة الله وعدله، فيستخدمها لتظهر مجده أمام الناس، ولتعاقب الأشرار، كما حدث فى ضربة البرد والنار على المصريين (خر9: 23).
ع15: بقوة الله انفتحت كنوز السماء، أى نزلت الأمطار؛ لتروى الأرض والنباتات، وتروى أيضاً الإنسان والحيوان.
وفى نفس الوقت، عند نزول المطر الشديد، تنسحب الغيوم سريعاً، وتطير كأنها طيور ذوات أجنحة، فتختفى سريعاً، وتبدو السماء صافية.
إنه منظر عجيب يظهر قوة الله، وضبطه لكل شىء فى مصلحة وفائدة الإنسان.
ع16: انقضت : هجمت بسرعة.
بعظمة الله وجبروته شدد الغيوم، فصارت كثيفة، وحينئذ ألقت من السماء البرد، وهو الثلج الذى ينزل على الناس مثل الحجارة، ويمكن أن تصدمهم وتصيبهم بجروح، أو تقتلهم إذا كانت شديدة. إنها إعلان لقوة الله، وعقاب المخالفين، كما فى ضربة البرد على المصريين أيام موسى (خر9: 23).
ع17: عندما ينظر الله إلى الجبال، مجرد ملاحظته لها بنظرة واحدة، تتزلزل. فالأرض كلها تتزلزل بأمره فى الحال، بما تحمله من جبال وخلائق متنوعة.
وأيضاً بإرادة الله تهب رياح الجنوب الساخنة، وتأتى على الأرض فتدفئها.
إن كل شىء فى يده يحركه بحسب إرادته؛ لأنه ضابط الكل، ولا يبغى إلا اجتذاب الإنسان إليه؛ ليتمتع بحبه، ويستخدم وسائل متنوعة؛ لقساوة قلب الإنسان الذى لا يفهم سريعاً.
ع18: تتمخض : تتألم بشدة، مثل آلام الولادة.
إذا حدث رعدٌ، فالأرض تتألم، أى كل البشر على الأرض يرتعدون، ويخافون، وتأتى عليهم رياح الشمال الباردة بزوابعها الشديدة.
هذا يبين قوة الله، فالعواصف التى تهب على الناس، تشعرهم بقوته، فيخافوا، ولو كانوا حكماءً يراجعون أنفسهم بالتوبة، والرجوع إلى الله.
ورياح الشمال ترمز إلى جيوش بابل وأشور، التى هجمت على شعب الله، وأخذته إلى السبى، فهى ترمز لهجوم الشياطين، وحروبهم الشديدة التى تستعبد الناس للشهوات المتنوعة، ولا ينجو منها إلا الإنسان المتضع، الذى يرجع إلى الله بالتوبة، فيبعد عنه هذه الآلام والضيقات، كما عاد الشعب عند السبى بالتوبة إلى الله، فأرجعهم إلى بلادهم على يد زربابل ومن بعده (عز2: 2).
ع19: يذرى : ينثر.
الله أيضاً ينثر وينشر الثلج على الأرض، إذ يلقيه من السماء، فيتطاير، مثل الطيور ذوات الأجنحة فى شكل جميل وغريب.
وانحدار هذا الثلج من السماء بكثرة، يشبه نزول أسراب الجراد، التى تحوى ملايين الحشرات، فتأتى على الأرض. هكذا أيضاً هذا الثلج لا يمكن إيقافه، أو حصره، وإذا كان الجو ساخناً يذوب فى الحال، أو يظل فى حالته المتجمدة إذا كان الجو بارداً.
فالله عجيب، وهو محرك الكون كله بأشكاله المتعددة، فيظهر قوته من خلال جمال الطبيعة.
ع20: فتتعجب عيون البشر أمام منظر الثلج الأبيض المتناثر. والقلب يصير فى ذهول أمام قوة الله المسيطرة على العالم كله، والتى ترسل أمطاراً ثلجية تغطى الأرض.
ع21: الصقيع : الجليد.
الله أيضاً يسكب الصقيع، وهو الجليد الذى ينزل كحبات ثلجية على الأرض، كأن الله ينثر الملح على الأرض، ولكنه فى الحقيقة ثلجٌ صغيرٌ.
وإذا كانت الأرض باردة، أى فى المناطق الشمالية من الكرة الأرضية، فإن هذا الجليد يتراكم ويتحول إلى كتل ثلجية أكبر ذات أطراف مدببة، كأنها أوتاد الخيام.
ع22: رياح الشمال هى رياح باردة تهب على مجتمعات المياه، أى البحار والبحيرات، فتجمد المياه السطحية، وتكون طبقة من الجليد تغطى البحر، أو البحيرة فى الأماكن الشمالية الباردة، ويصبح هذا الجليد كدرع يحمى الحيوانات المائية التى تسكن فى البحر، ويظل هذا الدرع الجليدى موجوداً إلى أن يدفأ الجو، وينصهر الجليد، فتخرج الحيوانات المائية، وتلعب فى فرح أمام الله.
وريح الشمال ترمز لحروب إبليس التى تحاول منع الحرارة الروحية عن المؤمنين، ولكن إذا تمسكوا بالله، لا ينزعجون من هذه الحروب، ولذا طقس الكنيسة يبين هذا الأمر فى دورة الأناجيل الإثنى عشر، فى يوم أحد الشعانين وعيد الصليب، فنأتى عند الباب البحرى، أى باب الشمال، ونتذكر هذه الحروب، ونطلب معونة الله فى يوم الدينونة المخوف، ونترجاه أن يعرفنا ويقبلنا، ونقول له بالتحديد : إذا أتيت فى ظهورك الثانى المخوف فلا نسمع برعدة أننى لست أعرفكم.
ع23: الله بقوة الجليد يأكل الجبال، ويصنع فيها إما حفرة، أو نقرة، وأيضاً بالنسبة للصحراء، يحرقها بكميات الثلج النازلة عليها، فتحرق أية كائنات، مثل النباتات الصحراوية.
وهذا الجليد أيضاً يتلف أى نبات أخضر صغير، أو كبير على الجبال، أو فى الصحارى، أو فى أى مكان، فقوة الله لا يقف أمامها أحد.
وهذه صورة لغضب الله، فيلزم للإنسان ألا يقف أمام الله فى غضبه، بل يستتر بالتوبة والرجوع له، فيغفر له، ويغطيه بمراحمه.
ع24: الغمام أحياناً يعكس أشعة الشمس فيدفئ الجو، وفى هذا الجو الدافئ تصبح قطرات الندى ملطفة للأرض، وتعيد البهجة بعد البرودة الشديدة التى كانت قبلاً.
ع25: طامن : أعطى طمأنينة.
بكلام الله يعطى طمأنينة للبحر، وكل من يسبح فيه، وفيما الإنسان يسبح، يجد جزراً فى وسط البحر، فيرتفع إليها ويستريح قليلاً.
ع26، 27: هوله : عظمة أعمال البحر الهائلة.
الذين يركبون سفناً تسبح فى البحر يحدثون بعجائب البحر، وأطواره المختلفة، فالبحر قادر أن يقلب أكبر السفن، مهما كانت محصنة، بالإضافة إلى أن البحر يحوى فى أعماقه حيوانات بحرية متنوعة، وبعضها كبير جداً، مثل الحيتان، كل هذه تحيا فى سلام أمام الله داخل البحر، ولكنها مرعبة إذا اصطدمت بإنسان، فكثير منها قادر أن يقتل الإنسان. فما والبحر يحوى أموراً هائلة وعظيمة فوق التخيل؛ كلها تؤكد عظمة الله خالقها.
عندما تنظر إلى الطبيعة فى تغيراتها المختلفة، تأمل عمل الله فيها، فتشعر بقوته وتمجده، وتطلب معونته، فيحول الظروف الصعبة إلى ظروف سهلة، ويعطيك نعمة لتتكيف مع الظروف المعاكسة.
(3) تمجيد الله (ع28-37):
28بِهِ يُنْتَهَى إِلَى النَّجَاحِ، وَبِكَلِمَتِهِ يَقُومُ الْجَمِيعُ. 29إِنَّا نُكْثِرُ الْكَلاَمَ وَلاَ نَسْتَقْصِي، وَغَايَةُ مَا يُقَالُ أَنَّهُ هُوَ الْكُلُّ. 30مَاذَا نَسْتَطِيعُ مِنْ تَمْجِيدِهِ، وَهُوَ الْعَظِيمُ فَوْقَ جَمِيعِ مَصْنُوعَاتِهِ. 31مَرْهُوبٌ الرَّبُّ وَعَظِيمٌ جِدًّا وَقُدْرَتُهُ عَجِيبَةٌ. 32ارْفَعُوا الرَّبَّ فِي تَمْجِيدِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ؛ فَلاَ يَزَالُ أَرْفَعَ. 33بَارِكُوا الرَّبَّ وَارْفَعُوهُ مَا قَدَرْتُمْ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ مَدْحٍ. 34بَالِغُوا فِي رَفْعِهِ قَدْرَ طَاقَتِكُمْ. لاَ تَكِلُّوا فَإِنَّكُمْ لَنْ تُدْرِكُوهُ. 35مَنْ رَآهُ فَيُخْبِرَ؟ وَمَنْ يُكْبِرُهُ كَمَا هُوَ؟ 36وَهُنَاكَ خَفَايَا كَثِيرَةٌ أَعْظَمُ مِنْ هذِهِ؛ فَإِنَّ الَّذِي رَأَيْنَاهُ مِنْ أَعْمَالِهِ هُوَ الْقَلِيلُ. 37إِنَّ الرَّبَّ صَنَعَ كُلَّ شَيْءٍ، وَأَتَى الأَتْقِيَاءَ الْحِكْمَةَ.
ع28: الله هو محرك الطبيعة التى ذكرت فى الآيات السابقة، فبأمره يكون كل شىء، وهو ضابط الكل. بل والله أيضاً يوصل كل هذا إلى النجاح لفائدة أولاده البشر المؤمنين به.
ع29، 30: نستقصى : نسعى إلى آخر ما نستطيع.
إذا تكلمنا عن خلائق الله وعجائبه، فإننا لا يمكن أن نصل إلى معرفة كل شىء من أعماله، وهى كلها عظيمة، ولكن الله نفسه خالقها هو الأعظم، ولذا نسبحه كل حين على ما نعرفه، وعلى ما لا نعرفه، فهو كلى القدرة والسلطان و التدبير للعالم كله، ومهما قلنا لا يمكن أن نوفى الله تسبيحاً وتمجيداً.
ع31-33: إن الله ليس فقط عظيم، بل مرهوباً فوق كل خلائقه، ولذا فمهما مجدنا الله، ورفعنا اسمه، وقدمنا له التسبيح، لن نستطيع أن نوفيه ما يستحقه، إذ نحن بشر محدودون، أما هو فهو الله غير المحدود، الذى لا يمكن لإنسان أن يدركه، أو يحده، ولكن فقط نتمتع برؤية شىء من أعماله، ونسبح اسمه القدوس.
ع34-36: ينادى ابن سيراخ محبى الله ومسبحيه : أن يبالغوا قدر ما يستطيعون فى تمجيد الله، ويستمروا فى رفعه وتمجيده بكل طاقتهم، خاصة، وأنه لا يوجد إنسان قد رأى الله وكل أعماله، أو استطاع أن يحد مدى كبره وعظمته، إذ أن كل ما عرفناه عن الله وأعماله هو القليل، والخفايا هى الأكثر؛ لذا نستمر فى تمجيده كل أيام حياتنا، لعلنا نقدم شيئاً قليلاً من إيماننا ومحبتنا وتقديرنا لعظمته. وسيظل العلم يبحث ويكتشف الجديد من أعمال الله، ولكن كل هذا هو القليل الذى نعرفه عن أعماله المجيدة.
ع37: إن المنفذ الوحيد للاستزادة من معرفة الله وأعماله هو الحكمة، التى يهبها الله لأولاده، فيزدادوا فى معرفته قدر ما يحتملون، ويظل هو خفى عن الكل؛ لأنه غير محدود فى أعماله وتدابيره. ما أجمل أن تتأمل أعمال الله؛ لتتمتع بمعرفته وتمجيد اسمه القدوس. وثق على قدر ميلك لمحبة الله، سيكشف لك المزيد، وتزداد معرفتك وعشرتك له.