الميراث والعبيد
(1) خائف الله والأحـمق (ع1-6):
1مَنِ اتَّقَى الرَّبَّ لاَ يَلْقَى ضُرًّا، بَلْ عِنْدَ التَّجْرِبَةِ يَحْفَظُهُ الرَّبُّ، وَيُنَجِّيهِ مِنَ الشُّرُورِ. 2الرَّجُلُ الْحَكِيمُ لاَ يُبْغِضُ الشَّرِيعَةَ، أَمَّا الَّذِي يُرَائِي فِيهَا فَهُوَ كَسَفِينَةٍ فِي الزَّوْبَعَةِ. 3الإِنْسَانُ الْعَاقِلُ يُؤْمِنُ بِالشَّرِيعَةِ، وَالشَّرِيعَةُ أَمِينَةٌ لَهُ. 4هَيِّئْ كَلاَمَكَ، كَمَا يَفْعَلُ الصِّدِّيقُونَ فِي مَسَائِلِهِمْ؛ فَتُسْمَعَ. انْظِمْ مَعَانِيَ عِلْمِكَ وَجَاوِبْ. 5أَحْشَاءُ الأَحْمَقِ كَمَحَالَةِ الْعَجَلَةِ، وَفِكْرُهُ مِثْلُ الْمِحْوَرِ الْخَفِيفِ الدَّوَرَانِ. 6الصَّدِيقُ الْمُسْتَهْزِئُ كَفَحْلِ الْخَيْلِ الَّذِي يَصْهِلُ تَحْتَ كُلِّ رَاكِبٍ.
ع1: ضراً: ضرراً وسوءاً.
المتقي الرب الذي يخافه، لا يقابل في حياته شيئاً يضره؛ لأن الله يجعل كل شيء يتحول لخيره، كما يعلن هذا العهد الجديد: “كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله” (رو8: 28)، فحتى التجارب والضيقات يعطيه الله فيها سلاماً وبركات، والله يحفظه من الشرور التي
يريد الشيطان أن يسقطه فيها؛ لأن خائف الله متمسك بوصايا الله باتضاع، فالله يحبه، ويحفظه على الدوام.
يلاحظ أن هذه الآية تشبه تماماً الآية الأخيرة في الأصحاح السابق، لأن هذا الأصحاح امتداد للأصحاح الذي يسبقه.
ع2: الرجل الحكيم هو خائف الله، وهو يحب شريعة الله، فلا يهملها، بل يتمسك بها، فيحيا في سلام، كما ذكرت الآية السابقة حتى وسط الضيقات.
أما الإنسان المرائي، وهو الجاهل والأحمق، الذي يوجد بجسده في بيت الرب، أما قلبه فمتعلق بشهواته الشريرة، هذا الإنسان لا يتمتع بالسلام، بل بالعكس يكون مضطرباً في داخله، مثل سفينة في زوبعة، فتخبطها الرياح من كل جانب،وتكاد تحطمها، فهو يعاني من القلق؛ لأنه رفض أن يسكن الله في داخله، إذ أهمل وصاياه
ع3: الإنسان العاقل هو الذي يخاف الله، ويؤمن بشريعته ووصاياه، فيتمسك بها، فتصبح الشريعة أمينة وصادقة له، أي تتم فيه وعود الله، فيحفظه من كل شر، ويمتعه ببركات لا تحصى. فما دام الإنسان أميناً لله، فبالطبع الله سيكون أميناً له، ويحظفه في الأرض، ثم يمتعه في السماء.
ع4: تنادي هذه الآية أولاد الله الذين يتقونه أن يرتبوا كلامهم، كما يفعل القديسون، فيكون مثل كلام الله في الكتاب المقدس، فيسمعها الناس،ويستفيدون منها.
وعندما تقف للصلاة، رتب كلامك؛ ليكون مثل كلام الله، وهنا تظهر أهمية صلاة الأجبية والمزامير، وكلما شابهت صلواتنا كلام الله، يسمعها الله بفرح، ويرضى علينا.
وعندما يسألك أحد في شيء ما، فلا تتسرع في الإجابة، بل أطلب الله ورتب ونظم أفكارك، فتجيب إجابة سليمة بإرشاد روح الله الساكن فيك. هذا يكون في كل مجلس توجد فيه وخاصة إن كنت خادماً تعلم الآخرين.
ع5: إن قلب الإنسان الأحمق وأحشاءه متقلبان، مثل العجلة في أية عربة، فهي تدور دائماً، ولا تستقر، وهكذا قلب الأحمق خفيف، غير متزن ولا مستقر؛ لأنه لا يعرف الله، ويتقلب بحسب تقلبات الحياة.
ع6: فحل الخيل : ذكر الخيل
الصديق أو الزميل، الذي يستهزئ بكلام الله، أو كثير السخرية على من حوله، وكل من يمر به، إنه متقلب ومضطرب، ويعطي أصواتاً قوية، مثل ذكر الخيل الذي يعطي أصواتاً مزعجة، عندما يركبه أي إنسان، أي أنه غير مستقر وهذا الصديق، أو الزميل ومتقلب في أفكاره، فيوافق كل إنسان على أرائه، ويوافق الآخر على الآراء المضادة لها، وهذا يؤكد أنه مرائي ومتقلب.
حتى تحتفظ بسلامك الداخلي، تمسك بوصايا الله، وتعاليم الكنيسة، حتى لا تضطرب من تقلبات الحياة، بل على العكس تكون مستقراً، ويحب الناس أن يلتصقوا بك، ويجدوا راحتهم في طمأنينتك وسلامك، فتستفيد أو تفيد الآخرين.
(2) الله يميز بعض البشر (ع7-15):
7لِمَاذَا يُفْضَّلُ يَوْمٌ عَلَى يَوْمٍ، وَنُورُ كُلِّ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ مِنَ الشَّمْسِ؟ 8عَلْمُ الرَّبِّ مَيَّزَ بَيْنَهَا، إِذْ صُنِعَتِ الشَّمْسُ الَّتِي تَحْفَظُ الرَّسْمَ، 9وَخَالَفَ بَيْنَ الأَزْمِنَةِ؛ فَعُيِّدَتِ الأَعْيَادُ فِي السَّاعَةِ الْمُعَيَّنَةِ.
10فَمِنْهَا مَا أَعْلاَهُ وَقَدَّسَهُ، وَمِنْهَا مَا جَعَلَهُ فِي عِدَادِ الأَيَّامِ. وَكَذَا الْبَشَرُ كُلُّهُمْ مِنَ التُّرَابِ وَآدَمُ صُنِعَ مِنَ الأَرْضِ، 11لكِنَّ الرَّبَّ مَيَّزَ بَيْنَهُمْ بِسَعَةِ عِلْمِهِ، وَخَالَفَ بَيْنَ طُرُقِهِمْ. 12فَمِنْهُمْ مَنْ بَارَكَهُ وَأَعْلاَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّسَهُ وَقَرَّبَهُ إِلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَعَنَهُ وَخَفَضَهُ وَنَكَسَهُ مِنْ مَقَامِهِ. 13كَمَا يَكُونُ الطِّينُ فِي يَدِ الْخَزَّافِ، وَتَجْرِي جَمِيعُ أَحْوَالِهِ بِحَسَبِ مَرْضَاتِهِ، 14كَذلِكَ النَّاسُ فِي يَدِ صَانِعِهِمْ، وَهُوَ يُجَازِيهِمْ بِحَسَبِ قَضَائِهِ. 15بِإِزَاءِ الشَّرِّ الْخَيْرُ، وَبِإِزَاءِ الْمَوْتِ الْحَيَاةُ، كَذلِكَ بِإِزَاءِ الْتَّقِيِّ الْخَاطِئُ. وَهكَذَا تَأَمَّلْ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْعَلِيِّ، تَجِدْهَا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ الْوَاحِدُ بِإِزَاءِ الآخَرِ.
ع7: يتساءل ابن سيراخ في بداية موضوعنا هذا، فيقول: لماذا يميز الله بين يوم ويوم آخر من أيام السنة، مع أن نور كل يوم يأتي من الشمس التي تنير العالم، فما هو فضل يوم عن غيره من الأيام ؟
ع8 ، 9: الرسم : هو نظام الكون في دوران الكواكب وبعدها عن الشمس، مما يخلق فروقاً تظهر في تعاقب النهار والليل وفصول السنة.
يجيب ابن سيراخ على السؤال الوارد في الآية السابقة : بأن الله ميز بين أيام السنة عن طريق نظام الشمس والكواكب المحيطة بها، أي المجموعة الشمسية، فتدور بشكل محدد يميز بين الأيام؛ وبالتالي تظهر الأعياد المعروفة عند اليهود في أيام معينة من السنة تختلف عن باقي الأيام.
ع10 ، 11: الله جعل أياماً لها مقام عالي ومقدس أكثر من الأيام العادية، هذه هي أيام الأعياد، وكذا بنو البشر فكلهم مخلوقون من التراب، وهم من نسل آدم المصنوع من الأرض، ومع هذا، ميز الله بسابق علمه، واتساع إدراكه الغير محدود، بين بعضهم وبعض، ورأى اختلاف طرقهم وسلوكهم.
ع12: بعض الناس يباركهم الله أكثر من غيرهم، مثل موسى النبي الذي جعله رئيساً لشعبه، ومنهم من قدسه أكثر من غيره، مثل هارون رئيس الكهنة، ومنهم من نكسه، أي جعله في مكانة منخفضة، مثل عخان بن كرمي، الذي لم يطع الله وسرق فى ايام يشوع، فرجمه الشعب. والله لم يميز بينهم تمييزاً منه لأحد، ولكن عرف سلوكهم بسابق علمه، وكل واحد بحريته الكاملة صنع الخير، أو الشر.
ع13 ، 14: كما يشكل الخزاف الطين بيديه إلى أواني عظيمة، أو أشكال أقل مقاماً كيفما يرى، هكذا أيضاً الله خلق الناس لكل واحد مواهبه وقدراته، فبعضهم استغلها حسناً بحريته، وصار عظيماً، والبعض الآخر بحريته أخطأ، فصار شريراً وحقيراً، فاستحق كل منهم جزاءه العادل، كرامة، أو هواناً.
ع15: بإزاء: مقابل، أو أمام.
في العالم ستجد أموراً تابعة للخير، وأموراً أخرى تابعة للشر، ويلزمك أن تختار واحداً منها بحريتك، وإرادتك الخاصة، ومن يتهاون بالطبع سيسقط في فخاخ إبليس في الشر. أما من يحب الله سيختار الخير،وينمو فيه، فيثبت، وإن سقط يقوم سريعاً من الشر؛ ليعود إلى الخير، والله سيساعده لأنه ضعيف، وليس مصراً على الشر.
إن الخير يعطى لمن يختار الحياة مع الله، ثم الحياة الأبدية، ومقابل هذا، الأشرار يختارون الشر، فتكون نهايتهم الموت الأبدي، والابتعاد عن الله.
وكما يوجد أتقياء، يوجد أيضاً خطاة، وعليك أن تختار من تريد أن تلتصق بهم؛ لتحيا مثلهم، إما خائفي الله الأتقياء، أو الخطاة الذين أحبوا الشر، وانغمسوا فيه.
والله كلم موسى وشعبه في برية سيناء ليختاروا إما الخير، أو الشر؛ ليحيوا في أيهما (تث 30 : 15-20).
الله ميزك عندما خلقك إنساناً رئيساً للخليقة؛ لتقودها في تسبيح اسمه القدوس، فلا تتنازل عن مكانتك كإبن الله، ويغريك الشيطان بشهوات العالم، فتسقط فيها ويذلك، وإن سقطت قم سريعاً، وارفع رأسك كإبن الله بالتوبة؛ لتحيا في الخير طوال حياتك، ثم تنتظرك أمجاد السماء.
(3) الميراث (ع16-24):
16إِنِّي أَنَا الأَخِيرَ قَدِ اسْتَيْقَظْتُ، وَوَرِثْتُ هذِهِ كَمَا كَانَتْ مُنْذُ الْبَدْءِ. 17كَمَنْ يَلْتَقِطُ وَرَاءَ الْقَطَّافِينَ أَقْبَلْتُ بِبَرَكَةِ الرَّبِّ؛ فَمَلأْتُ الْمَعْصَرَةَ كَالَّذِي قَطَفَ. 18فَانْظُرُوا كَيْفَ لَمْ يَكُنِ اجْتِهَادِي لِي وَحْدِي، بَلْ أَيْضًا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ التَّأْدِيبَ. 19اسْمَعُونِي يَا عُظَمَاءَ الشَّعْبِ، وَأَصْغُوا إِلَيَّ يَا رُؤَسَاءَ الْجَمَاعَةِ. 20لاَ تُوَلِّ عَلَى نَفْسِكَ فِي حَيَاتِكَ ابْنَكَ أَوِ امْرَأَتَكَ أَوْ أَخَاك أَوْ صَدِيقَكَ، وَلاَ تُعْطِ لآخَرَ أَمْوَالَكَ، لِئَلاَّ تَنْدَمَ فَتَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ بِهَا. 21مَا حَيِيتَ وَمَا دَامَ فِيكَ نَفَسٌ، لاَ تُسَلِّمْ نَفْسَكَ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ، 22لأَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَطْلُبَ بَنُوكَ مِنْكَ، مِنْ أَنْ تَنْظُرَ أَنْتَ إِلَى أَيْدِي بَنِيكَ. 23فِي جَمِيعِ أُمُورِكَ احْفَظْ لِنَفْسِكَ مَزِيَّتَهَا، 24وَلاَ تَجْعَلْ عَيْبًا فِي كَرَامَتِكَ. قَسِّمْ مِيرَاثَكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ حَيَاتِكَ حِينَ يَحْضُرُ الْمَوْتُ.
ع16: يتكلم ابن سيراخ في هذه الآية عن نفسه، فيقول أنا الأخير في الحكماء، قد نبهني الله، فاستيقظت لطلب الحكمة، وورثتها، أي تعلمتها من الحكماء السابقين لي، وابن سيراخ هو آخر الحكماء في العهد القديم، الذي كتب سفراً عن الحكمة.
وهذه الآية تظهر اتضاع ابن سيراخ، فيعلن اتضاعه فيما يلي :
- أن حكماء كثيرين سبقوه، وهو آخر الكل.
- أنه كان نائماً عن الحكمة، ثم استيقظ، أي نبهه الله، ووضع في قلبه أن يطلبها الحكمة؛ أي أنه ضعيف لنومه، والبركة ترجع لنعمة الله التي أيقظته.
- أنه ليس صاحب الحكمة، بل وريثاً لها.
ع17: يشبه ابن سيراخ نفسه بصبي يلتقط وراء القطافين، الذين يقطفون الثمار، وهو يأخذ ما نسيوه من الثمار، أوما سقط على الأرض، فهو مجرد تابع للحكماء الذين هم أفضل منه، ويقطفون ثمار الحكمة.
ولكن بركة الله كانت معه لاهتمامه بطلب الحكمة، فجمع كثيراً من الثمار؛ حتى ملأت المعصرة، وأخذ من العصير كثيراً، أي ملأه الله من الحكمة، مثلما بارك القطافين، أي الحكماء الذين سبقوه، وأشبعهم.
وهذا يؤكد أيضاً اتضاع ابن سيراخ؛ لأن من يجمع وراء القطافين، أو الحاصدين هو من الفقراء المحتاجين الذين يجمعون القليل الذي سقط من غيرهم، فابن سيراخ يعلن أنه فقير في الحكمة ومحتاج، وهومثل راعوث الفقيرة، التي سارت وراء الحصادين لسنابل القمح في حقل بوعز؛ لتأخذ القليل الذي يقوتها هي وحماتها، فأعطاها الله نعمة في عيني بوعز، وجعل الحصادين يتركون لها بعض السنابل فجمعت كثيراً، ثم مجدها الله بأن ولد المسيح من نسلها (سفر راعوث).
ع18: وعندما نال ابن سيراخ الحكمة من الله، نتيجة اجتهاده في طلب الحكمة، إستفاد هو من الحكمة لنفسه أولاً، ثم لكل من تعلم منه، ممن كان يطلب الحكمة وتأديب الله؛ ليخلص، وهذا يظهر أبوة ابن سيراخ واهتمامه بخدمة الآخرين.
ويظهر من هذه الثلاث آيات السابقة، اهتمام ابن سيراخ بميراث الحكمة قبل أي شيء آخر، ثم سيتكلم بعد هذا عن ميراث الماديات في الآيات التالية.
ع19: يبدو أن يشوع بن سيراخ كان في اجتماع، أو وليمة تجمع مجموعة من عظماء الشعب، ورؤسائهم فقال كلامه؛ ليس ليصل إلى سامعيه فقط، بل أيضاً لكل الشعب، الذين هم مسئولين عنهم.
ع20: لا تول : لا تجعله والياً عليك، ومتحكماً فيك.
ونصيحة ابن سيراخ لكل إنسان ألا يوزع أمواله، وممتلكاته أثناء حياته على أبنائه، أو زوجته، أو إخوته، أو أصدقائه؛ لئلا يتعرض لمشاكل أهمها:
- أن يتحكموا فيه، إذ معهم سلطان المال والممتلكات، وهو يصبح ضعيفاً، ليس له سلطان على شيء، وقد يضيعوا أمواله، ولا يستطيع أن يمنعهم، كما حدث مع الإبن الضال، الذي ضيع أمواله التي أخذها من أبيه في حياته (لو 15).
- قد يحتاج الأب صاحب المال في أواخر حياته، فيطلب من ابنه، أو ممن أخذ أمواله، فلا يعطيه احتياجاته، سواء علاج لأمراضه، أو حل لمشاكله المادية التي قد تأتي عليه، وقد يكون الابن بذر هذه الأموال، وليس لديه ما يساعد به أباه، أو في أنانية، فيتحكم في أبيه، ويصفه بالجهل والشيخوخة.
ع21: ماحييت: طوال حياتك
والخلاصة، إحرص طوال حياتك ألا تسلم نفسك وأموالك لأحد؛ حتى لا يتحكم فيك، وتشعر بالذل والمهانة.
ع22، 23: خير لك طوال حياتك أن تهتم بأولادك، وتعطيهم عند احتياجهم، فهذا ما ينتظرونه منك كأب، يهتم بهم، وبأسرهم، أي زوجاتهم، وأولادهم. هذا أفضل بكثير من أن تكون أنت محتاجاً للمال، سواء في معيشتك، أو علاجك، وتطلب من بنيك أن يساعدوك.
لذا في كل أيام حياتك كن متميزاً، فينتظر منك بنوك، ومن حولك كيف تساعدهم، وليس أن يساعدونك، فتعطيهم، ولا تفكرماذا تأخذ منهم، ليس فقط مشاعر الأبوة، بل أيضاً تساعدهم بأموالك في احتياجاتهم.
ع24: إذاً لا تهين نفسك عندما تكبر في السن، واحتفظ بأموالك معك، وعندما تشعر بقرب انتقالك، قسم ميراثك بالعدل بين أبنائك؛ حتى لا يتنازعوا معاً بعد موتك، وعلى قدر إمكانك اجعل لكل واحد ميراثه المستقل، حتى لايطغى أحد على أخيه، وتحدث مشاكل وظلم. كن شجاعاًوصلي ليرشدك الله، وفي جميع الأحوال ليكن معك من المال ما يكفيك؛ لتظل طوال حياتك تعطي أولادك.
اطلب الحكمة قبل كل شيء، وعلمها لأولادك، وإذ يعرفون الله لا يتعلقون بشهوات العالم، وعندما تقسم ميراثك، أو جزءً منه لا يتخاصمون، بل بالعكس يحب بعضهم البعض، ويساعد كل منهم الآخر قدر ما يستطيع.
(4) العبيد (ع25-33):
25الْعَلَفُ وَالْعَصَا وَالْحِمْلُ لِلْحِمَارِ، وَالْخُبْزُ وَالتَّأْدِيبُ وَالْعَمَلُ لِلْعَبْدِ. 26إِشْغَلِ الْغُلاَمَ بِالْعَمَلِ فَتَسْتَرِيحَ. أَرْخِ يَدَيْكَ عَنْهُ فَيَلْتَمِسَ الْعِتْقَ. 27النِّيرُ وَالسُّيُورُ تَحْنِي الرِّقَابَ، وَمُواظَبَةُ الْعَمَلِ تُخْضِعُ الْعَبْدَ. 28لِلْعَبْدِ الشِّرِّيرِ التَّنْكِيلُ وَالْعَذَابُ. اقْسُرْهُ عَلَى الْعَمَلِ لِئَلاَّ يَتَفَرَّغَ، 29فَإِنَّ الْفَرَاغَ يُعَلِّمُ ضُرُوبَ الْخُبْثِ. 30أَلْزِمْهُ الأَعْمَالَ كَمَا يَلِيقُ بِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يُطِعْ فَثَقِّلْ عَلَيْهِ الْقُيُودَ، لكِنْ لاَ تُفْرِطْ فِي عِقَابِ ذِي جَسَدٍ، وَلاَ تَصْنَعْ شَيْئًا بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ. 31إِنْ كَانَ لَكَ عَبْدٌ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَنَفْسِكَ؛ فَإِنَّكَ اكْتَسَبْتَهُ بِالدَّمِ. إِنْ كَانَ لَكَ عَبْدٌ فَعَامِلْهُ كَنَفْسِكَ؛ فَإِنَّكَ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ احْتِيَاجَكَ إِلَى نَفْسِكَ.
32إِنْ آذَيْتَهُ أَبَقَ، 33وَإِذَا فَرَّ ذَاهِبًا فَفِي أَيِّ طَرِيقٍ تَطْلُبُهُ؟
ع25: إن الإنسان في العهد القديم يمكن أن يملك ماشية، أو عبيداً، يشتريهم بأمواله، ولكن رغم أنهم ملكه ينبغي عليه أن يهتم بهم ليستفيد منهم، ولا يتعبوه، وذلك بالطرق الآتية :
- الحمار يعطيه طعامه وهو العلف، فلا يصح أن يرهقه بالأعمال، دون أن يطعمه ما يكفيه، وهكذا أيضاً العبد يلزم أن يعطيه طعامه، المشار إليه هنا، بالخبز، أي كل ما يأكله ليشبع، ويستطيع أن يقوم بأعماله.
- إن أخطأ الحمار، أو الحيوان، فيلزم ضربه بالعصا، ليسير في طريقه، أو يقوم بما هو مطلوب منه. وهكذا أيضاً العبد، إن أخطأ يلزم تأديبه وعقابه بأية وسيلة جزاء خطأه؛ حتى لا يعود إليه. أما إذا كان عبداً مطيعاً يقوم بواجباته، بالطبع لن يتعرض لتأديب، مثل يوسف، الذي أطاع، وأرضى الله، فرفعه وصار رئيساً على كل عبيد بيت فوطيفار، ومسئولاً عن كل ممتلكاته (تك39: 4، 6).
- يقوم الحمار بأعماله، ومن أهمها حمل الاشياء، وتوصيلها من مكان لمكان، وكذا العبد يقوم بالأعمال المطلوبة منه. فالإنسان ينبغي أن يقود العبد، أو الحمار قيادة متزنة، فيعطيه احتياجه من الطعام، ويستخدمه في الأعمال المطلوبة منه، ويؤدبه إن أخطأ؛ ليظل خاضعاً ويقوم بما هو مطلوب منه، ولكن لابد أن يحمل الإنسان في قلبه رعاية وشفقة على العبد، وأيضاً الحيوان.
ع26: الغلام: المقصود العبد
العتق : الحرية
توصي هذه الآية السيد الذي يمتلك عبداً أن يشغله، ويكلفه بأعمال، فيكون جسده وذهنه مشغولين بالعمل؛ لأنه لو جلس مستريحاً لمدة طويلة، وشعر بالفراغ يبدأ في التفكير بالهرب، أو التحرر من العبودية التي هو فيها، أي يتمرد على سيده، وهذا يبين أهمية العمل لكل إنسان؛ لأن الفراغ ينشئ أفكاراً رديئة يرسلها الشيطان للإنسان. والعبد يرمز لجسد الإنسان، فمن يشغل جسده بالعمل لا يفكر بالتمرد على الإنسان، وطلب الحرية المفسدة، التي تسقطه في شهوات شريرة.
ع27: النير : خشبة مستعرضة توضع على رقبتي حيوانين ليجرا آلة زراعية، فتحني رقابهما.
السيور : أحزمة جلدية وتوضع للخيل لإحناء رقابها وتوجيهها للاتجاه المطلوب.
كما أن النير والسيور تخضع الحيوانات، هكذا أيضاً استمرار شغل العبد بالعمل تخضعه، فيصير مطيعاً أو منشغلاً بما هو مفيد، فيقوم بواجباته، ويسهل التعامل معه.
وهذا تأكيد للآية السابقة لأهمية العمل للعبيد، ولكل إنسان؛ حتى لا تقوم عليه شهواته وأفكاره الردية.
ع28 ، 29: التنكيل : المعاملة القاسية
أقسره : أجبره
ضروب : أنواع
إذا كان العبد الذي عندك شريراً، فهو محتاج للمعاملة القاسية؛ حتى تبعده عما يريده من شر، أي لا تتركه يؤذيك، أو يؤذي غيره.
وعندما تجبر العبد الشرير على العمل؛ فأنت لا تعطيه فرصة للتفرغ للشر، أي تشغله بأعمال مفيدة، ليخرج طاقته فيها، فيستريح من الشر، ويريحك من الأعمال الردية، والتمرد؛ والخبث بكل أنواعه.
هكذا أيضاً جسدك عندما يثور عليك بشهوات شريرة، لابد أن تضبطه بشدة بواسطة الصلوات والأصوام والميطانيات والخدمات التي تحتاج إلى مجهود كثير.
ع30: تفرط : تبالغ
العبد الشرير لابد أن يلزمه سيده بأعمال كافية تناسبه؛ حتى يخرج طاقته فيها، وليس في الشر.
وإن لم يطع العبد الشرير ما كلفه به سيده، فلابد من زيادة العمل المطلوب منه؛ لأنه متمرد، فيلزم إخضاعه، وربطه بأعمال كثيرة فتكون مثل قيود له.
مع مراعاة عدم زيادة العمل فوق الطاقة، أو الإساءة إليه بشناعة، كما كان يفعل بعض السادة الرومانيين فيفقأوا عيني العبد، أو يقتلوه.
ع31: إن كان لك عبد طيب، فاهتم به، وعامله معاملة حسنة، كما تريد أن يعاملك الناس؛ لأن عبدك هذا غالي عندك مثل نفسك، وقد دفعت فيه أموالاً كثيرة، تعبت فيها، وبذلت كثيراً من جهدك ودمائك، بالإضافة إلى أنك ستحتاج إليه ليساعدك في أعمال كثيرة، فعامله كأخ، واهتم برعايته.
هذه الآية ترمز إلى محبة المسيح، الذي نظر إلينا نحن عبيده، فأحبنا واشترانا بدمه على الصليب، وعاملنا كإخوة، وفي العهد الجديد يوصينا الله بمعاملة العبيد برففق وعدل (كو 4: 1، أف 6 : 9)
ع32 ، 33: آبق : هرب
هاتان الآيتان تحذران السيد من القسوة الشديدة مع العبد الشرير؛ لأنها ستدفع العبد للهروب من البيت، وإن هرب، فيصعب على السيد القبض عليه وإعادته؛ لذا يلزم الحكمة في الحزم مع هذا العبد.
إن العبد الشرير يرمز إلى أعضائك التي تحاربك بالشهوات المختلفة فيلزم ضبطها، وتقييدها، وشغلها بأمور كثيرة؛ حتى لا تنساق وراء الشيطان؛ هذا هو الجهاد الروحي الذي يلزم أن يكون معتدلاً، فلا يكون فوق طاقة الإنسان، ولكن يكون جهاداً شديداً، بإرشاد أب الاعتراف.
كن حكيماً في معاملة الخدم الذين يعملون في بيتك، أو من يساعدونك في عملك، فتشغلهم، وتشجعهم بمحبتك، وتكون حازماً مع المتمردين منهم، ولكن لا تنسى أنهم اخوتك، فيباركك الله، ويرحمك من أجل رحمتك عليهم.