اعلان الحق وأمجاد الله
(1) ما ينبغى إعلانه (ع1-8):
1حِينَئِذٍ يَكُونُ خَجَلُكَ فِي مَحَلِّهِ، وَتَنَالُ حُظْوَةً أَمَامَ كُلِّ إِنْسَانٍ. أَمَّا هذِهِ فَلاَ تَخْجَلْ فِيهَا وَلاَ تُحَابِ الْوُجُوهَ لِتَخْطَأَ فِيهَا: 2شَرِيعَةُ الْعَلِيِّ وَالْمِيثَاقُ وَالْقَضَاءُ بِحَيْثُ لاَ يُبَرَّأُ الْمُنَافِقُ، 3وَدَعْوَى صَاحِبِكَ مَعَ الْمُتَغَرِّبِينَ وَاقْتِسَامُ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الأَصْدِقَاءَ، 4وَعَدْلُ الْمِيزَانِ وَالْمِعْيَارِ وَالْمَكْسِبُ كَثُرَ أَمْ قَلَّ، 5وَالاِعْتِدَالُ فِي الْبَيْعِ بَيْنَ الْمُشْتَرِينَ، وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَأْدِيبِ الْبَنِينَ، وَضَرْبُ الْعَبْدِ الشِّرِّيرِ حَتَّى تَدْمِيَ جَنْبَهُ، 6وَالْخَتْمُ عَلَى الْمَرْأَةِ الشِّرِّيرَةِ أَلْيَقُ بِهَا. 7وَحَيْثُ تَكُونُ الأَيْدِي الْكثِيرَةُ أَقْفِلْ، وَمَتَى قَسَّمْتَ فَبِالْعَدَدِ وَالْوَزْنِ. وَالْعَطَاءُ وَالأَخْذُ كُلُّ شَيْءٍ لِيَكُنْ فِي دَفْتَرٍ. 8وَلاَ تَخْجَلْ فِي تَأْدِيبِ الْجَاهِلِ وَالأَحْمَقِ وَالْهَرِمِ الْمُتَحَاكِمِ إِلَى الشُّبَّانَ. حِينَئِذٍ تَكُونُ مُتَأَدِّبًا فِي الْحَقِيقَةِ، وَمَمْدُوحًا أَمَامَ كُلِّ حَيٍّ.
ع1: حظوة : مكانة.
تحاب : تحابى أى تميز شخص دون وجه حق.
إذا راعيت الحياء من الأمور السابق ذكرها فى الأصحاح السابق (ص41: 21-28) يكون لك مكانة مع من حولك، ومع كل الناس، وفوق الكل عند الله.
من ناحية أخرى، الأمور الآتية المذكورة من (ع2-8)، يلزم إعلانها، والتمسك بها، وعدم الحياء من إظهارها، لأنها أمور حسنة، وصحيحة، وترضى الله، وعدم اعلانها هو وقوف ضد الحق، ومحاباة للشر، فهو خطية.
ع2: يبرأ : يصبح بريئاً، أى غير مدان.
الأمور التى ينبغى التمسك بها وإعلانها هى كالآتى :
1- شريعة العلى والميثاق والقضاء :
شريعة العلى هى شريعة الله التى أعلنها موسى النبى مع الوصايا العشر، هذه فوق كل نظام، أو قانون.
وكذلك الميثاق، الذى هو العهد بين إنسان وآخر، أو إنسان وجماعة، فمادام هناك عهد واتفاق لا يصح إهماله، أو تعويجه لغرض شخصى.
الأمر الثالث الذى يلزم التمسك به، هو أحكام القضاء؛ حتى لو كانت على أقرب إنسان لى، فلا يصح رفضها، أو تعويجها.
وفى القرون السابقة لمجىء المسيح، كانت الدولة اليونانية هى المسيطرة على العالم، ونشرت ثقافتها فى كل مكان، حتى إن بعض شباب اليهود الذى انبهر بهذه الثقافة، بدأ يتشكك فى شريعة الله، ويخجل من إظهارها، ولذا فى القرون الأولى للمسيحية وقف علماء المسيحية، وأعلنوا أخطاء هذه الثقافة، وقبلوا فقط ما هو حسن منها، الذى يتفق مع شريعة الله.
والإلتزام بالمواثيق وأحكام القضاء، يضمن استقرار المجتمع، وحتى لو وجدت أخطاء فى هذه الأحكام، فليس الحل هو رفض الأحكام كلها وإلا يصبح المجتمع فى فوضى.
إذا تمسكنا بالشريعة، أو الميثاق والقضاء، سيدان المنافق، أى الشرير أياً كان، سواء كان من شعب الله، أو الوثنيين، فلو كان انساناً شريراً لكنه فى هذا الأمر لم يخطئ، يجب تبرئته، وعلى العكس، إذا كان إنساناً مستقيماً، ولكنه أخطأ فى أمر ما، فيلزم إدانته.
عندما قامت ثورة المكابيين فى القرن الثانى قبل الميلاد، تمسكت بشريعة الله حتى الموت، أى استشهدوا فى بسالة وشجاعة عظيمة تمسكاً بشريعة الله.
وفى العهد الجديد، أعلن المسيح بوضوح فى هذا الأمر وقال : “لأن من استحى بى وبكلامى فى هذا الجيل الفاسق الخاطئ، فإن ابن الإنسان يستحى به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين” (مر8: 38).
ع3:
2- دعوى صاحبك مع المتغربين :
إذا كنت مسافراً ومعك صحبة مسافرين معك، وكان لأحدهم مشكلة، أو طلب، فإذا شعرت أنه على حق، فاشهد معه وسانده، رغم عدم وجود صداقة قديمة بينكما، أو قرابة، فأنت تشهد للحق، وليس لك أى غرض، وإن لم تشهد فتعتبر مخطئاً؛ لأن فى يدك أن تسانده وأنت رفضت، وليس له من يسانده غيرك، كما شهد دانيال لسوسنة العفيفة التى اتهمت زوراً من الشيخين، فأظهر براءتها، وأنقذها من الموت (دا13).
3- اقتسام الميراث بين الأصدقاء :
إذا كان هناك ميراث لك نصيب فيه مع بعض الأصدقاء، أو الأقرباء، فلا تخجل أن تطلب حقك بمحبة ولطف، مع الاستعداد للتنازل عن شىء من نصيبك إذا اقتضى الأمر؛ حتى تحتفظ بسلامك وسلامهم.
وإذا كان هذا الميراث بين الأصدقاء، وليس لك نصيب فيه، فلا تتخلَّ عنهم إذا طلبوك لترشدهم وتساعدهم على اقتسام الميراث. فاعلن الحق؛ ليأخذ كل واحد منهم نصيبه، دون محاباة، أو خجل من أحد.
ع4:
4- عدل الميزان والمعيار والمكسب :
أيضاً ما لا يصح الخجل منه، هو أن يكون الميزان فى البيع والشراء مضبوطاً حتى يكون هناك عدل، فلا يخدع البائع المشترى، ولا المشترى البائع، مع ملاحظة أن الله يرى كل شىء، فلا يصح أن يخدع أحد الآخر.
كذلك يلزم العدل فى المعيار، أو ما يسمى المكيال، وهو كل ما يقاس بحجمه، وليس بوزنه كالميزان؛ سواء كانت سوائل، فتقاس باللتر مثلاً، أو مواد جافة، مثل البقول، التى كانت تقاس قديماً بالقدح والكيلة، فلا يصح أى خداع فيها.
يضاف إلى ذلك المكسب الذى يناله البائع، لا يصح أن يزيد، لئلا نأخذ من حق المشترى، ولا يقل فنأخذ من حق البائع.
ع5:
5- الاعتدال فى البيع بين المشترين :
يلزم العدل عند البيع للمشترين، فيكسب البائع المكسب المناسب، ويقدمها للمشترى بالسعر المناسب، فلا يظلم البائع نفسه ولا المشترى.
6- المبالغة فى تأديب البنين :
أى بذل كل الجهد الممكن فى تأديب البنين، فلا ينشغل الوالدان عن الاهتمام ببنيهم مهما كانت الظروف؛ لأنه لا يوجد من يهتم بهم مثل الوالدين. وإهمال التأديب للبنين يجعلهم فى سلوك سئ يحرج والديهم، ويسىء إليهم.
7- ضرب العبد الشرير حتى تدمى جنبه :
إذا كان لك عبد صالح، لن تحتاج أن تضربه إذا أخطأ؛ لأنه يعتذر، ويصلح أخطاءه سريعاً.
أما إذا كان عبداً شريراً لا يطيع الأوامر فإن لم تعاقبه بشدة، مثل استخدام الضرب الشديد، فقد يستهين بكلامك يا سيد، لأنه شرير، وقد يتمرد عليك، بل ويتحول إلى مجرم؛ لأنك لم تهتم بتأديبه. فالمقصود ليس القسوة، ولكن الإصلاح بشدة لمن لا ينفع معه إلا الشدة.
ع6:
8- الختم على المرأة الشريرة :
إذا كانت امرأتك شريرة يمكن أن تتجاوب مع الأشرار من الرجال، أو يسهل خداعها، وبعد توجيهها مرات كثيرة، للحفاظ عليها، يلزم استخدام الختم، أى منعها من الخروج ووضع ضوابط لئلا تنحرف، إذ أنها تتجاوب مع الغير، وللأسف يمكن أن تتجاوب مع الشر.
ع7:
9- حيث تكون الأيدى الكثيرة أقفل :
إذا كان بيتك فيه أيدى كثيرة، أى عدد كبير من الخدم والعبيد، وداخلك الشك، أو القلق على مقتنياتك، فيمكنك أن تغلق على الممتلكات الثمينة وتراقبها لئلا يسرقها أحد.
10- متى قسمت فبالعدد والوزن والعطاء والأخذ كل شىء ليكن فى دفتر :
إذا كان لك أموال ومقتنيات وقسمتها بين أبنائك وزوجتك، أو أعطيت شيئاً للخدام والعبيد، فليكن كل شئ مقسم بحكمة، وتكتب ما أعطيته بالعدد والوزن، وتسجله فى دفتر، فقد تحتاجه مع الوقت، إذا اختلف بعضهم مع بعض.
وأيضاً فى تجارتك وأعمالك الخارجية، فليتك تكتب، وتسجل أعمال البيع و الشراء فى دفاتر؛ لتعلم مدى مكسبك وخسارتك، وأسبابها، فتعالج مشاكلك، وتستطيع أن تحاسب زبائنك وكل من تتعامل معهم فى البيع والشراء؛ كل هذا لتكون عادلاً فى تقسيم وتوزيع أموالك، ولا تظلم أحداً قدر ما تستطيع.
ع8: الهرم : العجوز الذى كبر جداً فى سنه وأصبح ضعيفاً.
11- تأديب الجاهل والأحمق والهرم المتحاكم إلى الشبان :
إن الجاهل والأحمق معرضان للخطأ كثيراً، ولا يتعلمان بسرعة؛ لأنهما متكبران، فيلزم تأديبهما؛ لتقليل أخطائهما، وحمايتهما من كثرة الانحرافات.
وكذلك الهرم الذى يرجع فى حكمه على الأمور إلى الشباب الصغير، فهو لا يرجع إلى الشيوخ القريبين منه سناً، وذوى الحكمة، بل يلجأ إلى شباب؛ لعله يتصابى ليكون مثلهم، فيضلونه بآرائهم المندفعة، ويسخرون منه، وهو عنيد لا يريد التراجع عن انحرافاته، فهذا يلزم تأديبه ومنعه من الخطأ لئلا يضل نفسه، ويعثر غيره، الذين يتوهمون أنه شيخ، وذو حكمة، وهو عكس ذلك.
الخلاصة فى النهاية، إذا راعيت الإحدى عشر تنبيهاً السابق ذكرها، وتمكست بها فتكون سالكاً فى طريق التأدب، بل ويمدحك الناس لأجل حكمتك وسلوكك المتزن.
تمسك بالحق فى كل حين، ولا تخشَ إعلانه، فالله سيساعدك، ويسندك، بل وينجح طريقك، فتزداد قوة وحكمة كل يوم، وتسلك فى طريق الله.
(2) مشاكل النساء (ع9-14):
9الْبِنْتُ سُهَادٌ خَفِيٌّ لأَبِيهَا، وَهَمٌّ يَسْلُبُهُ النَّوْمَ مَخَافَةً مِنَ الْعُنُوسِ إِذَا شَبَّتْ، وَالصَّلَفِ إِذَا تَزَوَّجَتْ. 10وَفِي عُذْرَتِهَا مِنَ التَّدَنُّسِ، وَالْعُلُوقِ فِي بَيْتِ أَبِيهَا. وَفِي الزَّوَاجِ مِنَ التَّعَدِّي عَلَى رَجُلِهَا أَوِ الْعُقْمِ. 11وَاظِبْ عَلَى مُرَاقَبَةِ الْبِنْتِ الْقَلِيلَةِ الْحَيَاءِ، لِئَلاَّ تَجْعَلَكَ شَمَاتَةً لأَعْدَائِكَ وَحَدِيثًا فِي الْمَدِينَةِ وَمَذَمَّةً لَدَى الشَّعْبِ؛ فَتُخْزِيَكَ فِي الْمَلإِ الْكَثِيرِ. 12لاَ تَتَفَرَّسْ فِي جَمَالِ أَحَدٍ، وَلاَ تَجْلِسْ بَيْنَ النِّسَاءِ. 13فَإِنَّهُ مِنَ الثِّيَابِ يَتَوَلَّدُ السُّوسُ، وَمِنَ المَرْأَةِ الْخُبْثُ. 14رَجُلٌ يُسِيءُ، خَيْرٌ مِنِ امْرَأَةٍ تُحْسِنُ، ثُمَّ تَجْلُبُ الْخِزْيَ وَالْفَضِيحَةَ.
ع9: سهاد : أرق وعدم القدرة على النوم.
الصلف : الكبرياء.
العنوس : التأخر فى الزواج.
شبت : كبرت.
إذا أنجب إنسان بنتاً ، فإنه يقلق عليها، بل ويصيبه الأرق ليلاً، فلا ينام لما يلى :
- مخافة من العنوس : إذا تأخرت عن الزواج، وكبر سنها.
- الصلف إذا تزوجت : وحتى بعدما تتزوج يظل أبوها فى أرق، خوفاً من أن تتكبر على زوجها، أو تضايقه بأى شكل، وترفض الخضوع له، فيتشاجر معها، أو يرسلها إلى بيت أبيها.
ع10: عذرتها : وهى مازالت عذراء قبل زواجها.
التدنس : السقوط فى الزنى والنجاسة.
العلوق : البقاء والثبات.
ويعانى الأب، أو الوالدان، فيقلقا على ابنتهما من أمور أخرى وهى :
3- التدنس فى عذرتها :
إذا كانت البنت عذراءً لم تتزوج بعد، ومازالت فى بيت والدها، يخاف عليها والداها من السقوط فى الزنى، أو أية معاشرات ردية.
4- العلوق فى بيت أبيها :
إذا صارت سمعة البنت سيئة بسبب سلوكها السئ، فإنها تظل بلا زواج فى بيت أبيها، وهذا بالطبع يضايق والديها.
5- التعدى على رجلها فى الزواج :
إذا تزوجت البنت فقد تتعدى على زوجها، أى تحرمه من بعض حقوقه، أو تضايقه، وتسيطر على البيت فى نواحى معينة، فلا يحتملها زوجها.
6- العقم :
وأيضاً بعد زواج البنت يخشى والداها أن تكون عقيمة، فيتضايق منها زوجها، فيرذلها لعدم إنجاب بنين منها.
ع11: المذمة : التعرض للنقض واللوم.
فتخزيك : فتخجلك.
الملأ : جماعة من الناس.
يُفهم مما سبق، أنه إذا لاحظ أحد الآباء أن بنته ليست مدققة فى سلوكها، ولا تخجل من عمل الشر، فيلزمه أن يراقبها، ويرشدها لإصلاح سلوكها.
وإن لم يفعل هذا، فستسلك ردياً، و تصير سمعتها سيئة، ويتعرض والدها للنقض من الناس، والخزى والعار أمام المحيطين بهم فى المدينة، وفى كل مكان.
ع12: تتفرس : تدقق النظر.
بعد أن حذر ابن سيراخ من المشاكل التى تسقط فيها العذراء، أو المرأة المتزوجة، ينتقل فى هذه الآية؛ ليحذر الرجل من التطلع إلى المرأة بتدقيق، فيسقط فى نظرات شريرة شهوانية.
ويحذره أيضاً من الجلوس بين النساء ليرضى شهوته، فهذا يعرضه للزنى بالنظر والفكر، وقد يتطور فيقيم علاقات أقوى معهن، تسقطه فى شهوات متنوعة.
ع13: كما أن السوس قد تجده فى الثياب المخزونة، والمقصود بالسوس حشرات العث (العتة)، كذلك أيضاً يتولد من النظر إلى النساء الشهوة الردية، التى هى الخبث، فيفكر الرجل أفكاراً ردية، وقد يدبر ما يشبع شهوته، وقد تتجاوب المرأة، بل وتكمل تدبير الشر معه، فيسقطا فى الزنى.
ع14: إن الرجل الذى كلماته جافة، أو قاسية، فيسىء إلى سامعيه؛ لأن كلماته غير لطيفة، هو أفضل من المرأة التى تحسن فى معاملتها للرجال بواسطة لطفها ونعومتها، فتجتذب بهذه النعومة الماكرة قلوب البعض، وتسقطهم فى الشهوة الردية، وتسقط معهم.
تربية البنات فن عظيم يقدر عليه الإنسان الروحانى الحكيم، الذى يصلى، ويهتم ببناته، ويمزج بين اللطف والحزم فى معاملته لهن، ويلصقهن بالكنيسة، فيعشن حياة طاهرة، ويتعلمن البذل والتضحية وتحمل المسئولية، فيفرح بهن، ويباركه الله.
(3) أعمال الله المجيدة (ع15-26):
15إِنِّي أَذْكُرُ أَعْمَالَ الرَّبِّ، وَأُخْبِرُ بِمَا رَأَيْتُ. إِنَّ فِي أَقْوَالِ الرَّبِّ أَعْمَالَهُ. 16عَيْنُ الشَّمْسِ الْمُنِيرَةُ تُبْصِرُ كُلَّ شَيْءٍ، وَعَمَلُ الرَّبِّ مَمْلُوءٌ مِنْ مَجْدِهِ. 17أَلَمْ يُنْطِقِ الرَّبُّ الْقِدِّيسِينَ بِجَمِيعِ عَجَائِبِهِ، الَّتِي أَثْبَتَهَا الرَّبُّ الْقَدِيرُ، لِكَيْ يَثْبُتَ كُلُّ الْخَلْقِ فِي مَجْدِهِ؟ 18إِنَّهُ بَحَثَ الْغَمْرَ وَالْقَلْبَ، وَفَطِنَ لِكُلِّ دَهَاءٍ. 19عَلِمَ الرَّبُّ كُلَّ عِلْمٍ، وَاطَّلَعَ عَلَى عَلاَمَةِ الدَّهْرِ، مُخْبِرًا بِالْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، وَكَاشِفًا عَنْ آثَارِ الْخَفَايَا. 20لاَ يَفُوتُهُ فِكْرٌ، وَلاَ يَخْفَى عَلَيْهِ كَلاَمٌ. 21وَقَدْ زَيَّنَ عَظَائِمَ حِكْمَتِهِ، وَهُوَ الدَّائِمُ مُنْذُ الدَّهْرِ وَإِلَى الدَّهْرِ. وَلَمْ يُزَدْ شَيْئًا، 22وَلَمْ يُنْقَصْ وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى مَشُورَةٍ. 23مَا أَشْهَى جَمِيعَ أَعْمَالِهِ، وَالَّذِي يُرَى مِنْهَا مِثْلُ شَرَارَةٍ. 24كُلُّ هذِهِ تَحْيَا، وَتَبْقَى إِلَى الأَبَدِ لِكُلِّ فَائِدَةٍ، وَجَمِيعُهَا تُطِيعُهُ. 25كُلُّ شَيْءٍ اثْنَانِ؛ وَاحِدٌ بِإِزَاءِ الآخَرِ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا نَاقِصًا، 26بَلِ الْوَاحِدُ يُؤَيِّدَ مَزَايَا الآخَرِ. فَمَنِ الَّذِي يَشْبَعُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَجْدِهِ؟
ع15: عندما تأمل ابن سيراخ أعمال الله فى الطبيعة والإنسان والحيوان والنبات، شعر بقوة الله الذى خلق كل شىء بكلمته. فأقوال الله تمت فى الحال عندما نطق بها، فصارت هذه الخليقة الجميلة التى نتمتع بها الآن، وهذا يبين أمرين :
- قوة الله القادرة أن تصنع ما يريده.
- عظمة تدبيره فى جمال الخليقة وتناسقها معاً؛ لفائدة الإنسان.
- مادام كل شئ ميسر ومدبر للإنسان، ففرصته واضحة للتمتع بعشرة الله؛ لأن الله يكفى كل احتياجاته.
ع16: الله خلق الشمس لتنير العالم كله، وبنورها يرى الإنسان كل ما حوله؛ ليظهر للإنسان أن الله الخالق، الذى خلق الشمس وكل الموجودات، يرى أعمال الإنسان وأفكاره ومشاعره؛ ليحيا الإنسان فى مخافة الله وينعم بمحبته.
وعندما ينظر الإنسان إلى الخليقة المحيطة به، يرى مجد الله فى كل خلائقه؛ لأن الخليقة تتحدث بمجد الله، وتخبر الإنسان المتأمل فيها بأفكار جديدة عن الله كل يوم، فيحبه ويتعلق به، ويسبحه، ويمجده على الدوام.
ع17: يُنطق : يجعلهم ينطقون.
إن القديسين من بداية الخليقة يرون تدابير الله وعجائبه، ويمجدونه. وبهذا يثبتون فى الإيمان به، وتمجيد وتسبيح اسمه القدوس. وداود النبى من أشهر الذين مجدوا الله، وذلك من خلال مزاميره، مثل (مز19) “السموات تحدث بمجد الله …”، وكذلك موسى النبى مجد الله بعد خروجه من البحر الأحمر (خر15: 2).
ع18: الغمر : المياه العميقة.
إن الله كاشف أعماق الغمر، ورغم أن الغمر يصعب معرفة أعماقه، ولكن كل شىء مكشوف وعريان أمام الله.
وقلب الإنسان مملوء بمشاعر كثيرة، يصعب حصرها، ولكن الله عارف وفاحص لأعماق القلب.
والله يميز بحكمته كل دهاء، أو حكمة على الأرض، فهو الحكمة الغير محدودة، الذى يسهل عليه أن يعرف ويحتوى كل حكمة فى البشر.
ع19: علامة الدهر : هى الشمس والقمر والنجوم، وكل المجموعات الشمسية والمجرات الى خلقها الله، وبها تتحدد الأوقات؛ الأيام والشهور والسنين.
إن كانت هناك علوم على الأرض يعرفها الإنسان، فالله عالم بكل هذه العلوم. ويعلم كل الأزمنة الماضية والمستقبلية؛ لأنه هو واضع الزمن، وفوق الزمن، وهو أيضاً يعلم الماضى والحاضر والمستقبل، وكل شىء مكشوف أمامه.
وليس هناك شىء خفى عنه، وهو يخبرنا بآثار هذه الأمور الخفية؛ ليرشدنا لمعرفة ما يتم فى العالم، فيرشد عقول العلماء والمكتشفين؛ ليعرفوا قدر ما يستطيعون أن يفهموا.
ع20: الله عالم بكل أفكار الإنسان، وكذلك كل الكلام الصادر عن هذا التفكير، فهو يعرف فكر الإنسان قبل أن يعلنه فى كلام، كما نرى هذا فى العهد الجديد، فى ربنا يسوع المسيح، الذى يعلم أفكار الحاضرين معه وسامعيهم (لو6: 8؛ 11: 17).
ع21، 22: إن عظائم حكمة الله، هى أعماله ومخلوقاته التى خلقها بحكمته، وقد زينها بجمال جذاب، لا يستطيع أحد أن يعمل مثلها، كما يوضح ذلك، فى أنه ألبس زنابق الحقل أشكالاً جميلة لا يستطيع أى إنسان، ولا سليمان فى كل مجده أن يلبس مثلها (مت6: 28).
والله كائن منذ الدهر، أى منذ الأزل، وإلى الدهر، أى إلى الأبد، فهو أزلى أبدى ليس له حدود، ليس قبله ولا بعده شىء.
وهو كامل لا يزيد عليه شىء، ولا ينقص منه شىء، فأفكاره إن خرج منها كلامٌ يظل فيها، فلا ينقصه شىء. ولا يستطيع أحد أيضاً أن يزيد إليه شيئاً.
وهو أيضاً كامل فى حكمته، فلا يحتاج إلى مشورة خارجية؛ لأن فيه كل المشورة والحكمة.
ع23: أعمال الله فى خلقته عظيمة جداً، وذكرها شهى وجذاب. فكلما تسمع يا إنسان عن حكمة الله فى خلقته تتعجب.
مع ملاحظة أننا لم نعرف عن حكمة الله فى خليقته إلا القليل جداً، وتشبهه الآية بأنه شرارة من نار كبيرة مشتعلة، أى جزء صغير جداً. وهذا القليل يمجد الله أمام كل إنسان عاقل، غير خاضع لشكوك إبليس، ومازال العالم يكتشف كل يوم الجديد من حكمة الله.
ع24: جميع الخلائق من حيوان ونبات وجماد تحيا إلى الأبد، أى إلى نهاية الدهر، أى مادام الإنسان حياً على الأرض. وهى مفيدة للإنسان، وتطيع الله، بل وتطيع الإنسان الخاضع لله، والذى ينال سلطاناً على كل الخليقة، ثم بعد هذا، الذى يخلد إلى الأبد هو الإنسان وحده، فيحيا مع الله، ويسبحه إلى الأبد.
ع25، 26: بإزاء : مقابل.
الله خلق خليقته، ويبدو أن بينها تضاد؛ كل هذا لتكامل الفائدة للإنسان، وليس فيها شىء ناقص، ولكن كل منها يكمل الآخر. فالليل والنهار مختلفان، وكل منهما يكمل الآخر. فالنهار فرصة للعمل، والليل فرصة للهدوء والتوبة والصلاة.
والغنى والفقر متضادان، ولكل منهما ميزاته وعيوبه، وكذلك الرئيس والمرؤوس، والصحيح والمريض … وهنا تظهر المحبة التى تكمل الكل. حتى يعرف الإنسان ميزات كل حالة، ويستفيد منها، ويتعاطف مع الحالة المحتاجة، مثل المرض، أو الفقر. وكذا الغنى الذى يحمل هموماً كثيرة.
الخلاصة، أن كل حالة تؤيد وتكمل الحالة الأخرى. والتأمل فى كل هذه الحالات يظهر مجد الله، فيسبحه الإنسان ويمجده. ليتك تتأمل أعمال الله، ولو مرة كل أسبوع، ولو كتبت تأملاتك يكون أفضل، لتثبت فى داخلك، فيمتلئ قلبك بالشكر، وتسبيح الله، والفرح الحقيقى.