التقوى والعبادة المرفوضة
(1) الأحلام (ع1-8):
1الآمَالُ الْفَارِغَةُ الْكَاذِبَةُ لِذِي السَّفَهِ، وَالأَحْلاَمُ يَطِيرُ بِهَا الْجُهَّالُ. 2مَثَلُ الْمُلْتَفِتِ إِلَى الأَحْلاَمِ؛ مَثَلُ الْقَابِضِ عَلَى الظِّلِّ وَالْمُتَطَلِّبِ لِلرِّيحِ. 3رُؤْيَا الأَحْلاَمِ هِيَ هذَا بِإِزَاءِ هذَا: شِبْهُ الشَّخْصِ أَمَامَ الشَّخْصِ. 4بِالنَّجِسِ مَاذَا يُطَهَّرُ؟ وَبِالْكَذِبِ مَاذَا يُصَدَّقُ؟ 5الْعِرَافَةُ وَالتَّطَيُّرُ وَالأَحْلاَمُ بَاطِلَةٌ. 6كَخَيَالاَتِ قَلْبِ الْمَاخِضِ. إِنْ لَمْ تُرْسَلْ هذِهِ مِنْ عِنْدِ الْعَلِيِّ فِي افْتِقَادٍ مِنْهُ؛ فَلاَ تُوَجَّهْ إِلَيْهَا قَلْبَكَ، 7فَإِنَّ كَثِيرِينَ أَضَلَّتْهُمُ الأَحْلاَمُ فَسَقَطُوا لاِعْتِمَادِهِمْ عَلَيْهَا. 8الشَّرِيعَةُ تُتَمَّمُ بِغَيْرِ تِلْكَ الأَكَاذِيبِ، وَالْحِكْمَةُ فِي الْفَمِ الصَّادِقِ كَمَالٌ.
ع1: ذي السفه: الجاهل الذي يقبل أفكاراً خاطئة، وتافهة.
يطير: يفرح
الإنسان السفيه هو من يتمنى تمنيات كاذبة غير حقيقية، ويبعد عن التصرف الحسن في واقع حياته. وكذلك الجاهل يفرح بالأحلام التي بلا أهمية، أو تأثير؛ لأنها كذب. فهذه الآية تحذرنا من التعلق بالأحلام والانقياد وراءها.
والأحلام يمكن تقسيمها إلى :
- أحلام من الله، مثل التي حلمها يوسف الصديق وتحققت (تك 37).
- أحلام من الشيطان، مثل التي كان يحلمها الأنبياء الكذبة (إر 23 : 25- 28).
- أحلام من العقل الباطن للإنسان، أي من الأحداث التي مرَّت في حياته، وتظهر له في الحلم بأشكال تشبه معناها.
ع2: لا يصح الاعتماد على الأحلام في شيء لأنها في الغالب تكون ترجمة لأفكار الإنسان وهو مستيقظ؛ تأتي إليه في الليل بأشياء تشبهها. ومن يعتمد على الأحلام وتفسيرها يشبه إنساناً يحاول أن يمسك بالظل، أو الريح، فلا يجد في يده شيئاً؛ هكذا الأحلام ليست أموراً حقيقية.
ع3: بإزاء : مقابل
الأحلام، كما ذكرنا، هي إنعكاس لما يعيشه الإنسان وهو مستيقظ، فهي تشبه ما حدث في حياته، وواقعه، ولكن بشكل غريب، فهي شيء كاذب، ولا يصح الاعتماد عليه.
“هذا بازاء هذا” معناه أن الحلم مقابل ما حدث في الواقع و”شبه الشخص أمام الشخص”، معناه أن الشخص الذي يظهر في الحلم يشبه الشخص الذي رآه في الواقع.
ع4: إن الشيء النجس لا يمكن أن يطهر شيئاً نجساً، وأيضاً كلام الكذب لا يمكن تصديقه، هكذا أيضاً الأحلام ليست حقائق، بل أكاذيب لا يمكن تصديقها.
ع5: العرافة: التنجيم والبحث عن معرفة المستقبل.
تطير: تشاؤم
إن البحث عن المستقبل عن طريق البخت والودع، وكل وسائل محاولة معرفة المستقبل، ويضاف إليها الأحلام كلها باطلة، أي كاذبة، فلا نسير وراءها. والتطير، وهو التشاؤم، وكذلك التفاؤل كلها أمور كاذبة يُخدع بها الناس، فبعض الناس ينشغلون بمعرفة المستقبل، ويجرون وراء هذه الخزعبلات، فيشككون أنفسهم، ويتركون حياتهم بين أيدي من يخدعهم، فيتشاءمون من بعض الأرقام، ويتفاءلون ببعض الماديات، كل هذه، خداعات يلزم الابتعاد عنها، وقد حرمتها شريعة موسى (تث 18 : 10 – 12).
ع6: الماخض: الأم التي تتألم لاقتراب ولادتها.
الأم الماخض تضطرب ويأتي على فكرها خيالات مزعجة، كل هذه بلا قيمة، فهي
ناتجة عن آلام الولادة، وليس لها معنى، أو استنتاج لما سيحدث في الواقع. وكذا كل ما ذُكر
في الآية السابقة لا نعتمد عليه. الشيء الوحيد الذي له قيمة هي الأحلام الآتية من الله والواضحة، مثل أحلام يوسف (تك 37)، وفرعون (تك41: 5-7) وهي حالات نادرة في
العهد القديم، أما في العهد الجديد، فالله يكلمنا في الكتاب المقدس، وفي تعاليم الكنيسة وأب الاعتراف.
ع7: من الأمور التي نشاهدها، وتؤكد كذب الأحلام، أن بعض الناس صدقوا الأحلام، ووقعوا في مشاكل، كما فعل الأنبياء الكذبة الذين ظهروا قبل السبى وأثناءه، وقاوموا أنبياء الله (إر 23 : 25 – 28).
ع8: الذي يعتمد على الشريعة، وهي تحوي حكمة الله، فهو يسير في طريق مستقيم، ولا يعرض نفسه لأكاذيب الأحلام.
إهتم بقراءة الكتاب المقدس كل يوم، وتأمل ولو في آية واحدة، فالله يريد أن يحدثك كل يوم، ويقود حياتك بكلامه في طريق الملكوت.
(2) المختبر (ع9-13):
9الرَّجُلُ الْمُتَأَدِّبُ يَعْلَمُ كَثِيرًا، وَالْكَثِيرُ الْخِبْرَةِ يُحَدِّثُ بِعَقْلٍ. 10الَّذِي لَمْ يَخْتَبِرْ يَعْلَمُ قَلِيلًا، أَمَّا الَّذِي جَالَ فَهُوَ كَثِيرُ الْحِيلَةِ. 11الَّذِي لَمْ يُمْتَحَنْ مَاذَا يَعْلَمُ؟ أَمَّا الَّذِي ضَلَّ فَهُوَ كَثِيرُ الدَّهَاءِ.
12إِنِّي رَأَيْتُ فِي مَطَافِي أُمُورًا كَثِيرَةً، وَأَكْثَرُ أَقْوَالِي مِمَّا اخْتَبَرْتُ. 13وَقَدْ طَالَمَا خَاطَرْتُ بِنَفْسِي فِي هذَا الطَّلَبِ، حَتَّى إِلَى الْمَوْتِ ثُمَّ نَجَوْتُ.
ع9: الذي تعلم الشريعة، وطبقها في حياته، أي تأدب بها، يعلم أموراً كثيرة، فهمها من شريعة الله التي عاشها، ورأى تأثيرها في حياته، فهو له خبرة في وصايا الله وتنفيذها.
بالإضافة إلى هذا، الإنسان الكبير في السن له خبرات في الحياة تفيده، فعندما يسألونه، يجيب بعقل وحكمة، مستفيداً من خبراته السابقة.
والخلاصة، الإنسان الكبير في السن، والمرتبط بشريعة الله ويحيا بها، خبراته الروحية والاجتماعية كبيرة، وإجاباته متزنة لأنها من الله.
ع10: جال: سافر
كثير الحيلة: له خبرة كبيرة
الإنسان الصغير في السن، أو الذي لم يدخل في معاملات كثيرة مع الناس، خبرته قليلة.
وعلى العكس، الإنسان الذي سافر في أماكن متعددة، رأى كثيرين مختلفين عنه، وكيف يتصرفون، فتعلم منهم حسن التصرف في المواقف المتنوعة، فصارت خبرته كبيرة، وقدرته على التصرف متميزة في مختلف الظروف.
ع11: ضل: المقصود بها سافر
كثير الدهاء: المقصود بها كثير الخبرة.
الإنسان الذي لم يتعرض لتجارب، ولم تحل به مشاكل، وحياته سهلة، خبرته قليلة. أما الذي سافر في أماكن متنوعة، وقد يكون ضل في أحد أسفاره أو استطاع أن يخرج من التيهان الذي كان فيه، ويعود، فهو ذو خبرة كبيرة في التصرف، ومواجهة المواقف الصعبة، وتعلم كثيراً من الناس الذين قابلهم، وأصبح قادراً على تحمل المسئوليات الكبيرة.
ع12 ، 13: مطافى: رحلاتي
طالما: كثيراً
خاطرت: غامرت
يعلن ابن سيراخ أنه تعلم كثيراً من رحلاته في بلاد العالم، ونال خبرات جديدة في طباع الشعوب، ومعاملاتهم، مما أعطى عمقاً لشخصيته، وأقواله.
ولحب ابن سيراخ للرحلات دخل في مغامرات يمكن أن تؤذي حياته، ولكنه اتكل على الله، فحفظه في طرقه، ونجاه من الموت الذي يقابله، فخرج من هذه المغامرات بخبرات جديدة قوية.
ليتك يا أخي تستفيد من خبراتك الماضية، حتى لا تسقط في خطايا، أو تتعرض لمشاكل، ومن الأمور العظيمة، أن تتعلم خبرات من المحيطين بك، فتنمو شخصيتك، وتصير أكثر عمقاً، وتفيدك هذه الخبرات في علاقتك مع الآخرين، وإرشادهم.
(3) بركات المتقين (ع14-20):
14رُوحُ الْمُتَّقِينَ لِلرَّبِّ يَحْيَا، 15لأَنَّ رَجَاءَهُمْ فِي مُخَلِّصِهِمْ. 16مَنِ اتَّقَى الرَّبَّ فَلاَ يَخَافُ وَلاَ يَفْزَعُ، لأَنَّهُ هُوَ رَجَاؤُهُ. 17مَنِ اتَّقَى الرَّبَّ فَطُوبَى لِنَفْسِهِ. 18إِلَى مَنْ يَتَوَجَّهُ وَمَنْ عُمْدَتُهُ؟ 19إِنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَى مُحِبِّيهِ، هُوَ مُجِيرٌ قَدِيرٌ وَعُمْدَةٌ قَوِيَّةٌ. سِتْرٌ مِنَ الْحَرِّ وَظِلٌّ مِنَ الْهَجِيرِ. 20صِيَانَةٌ مِنَ الْعِثَارِ وَمَعُونَةٌ عِنْدَ السُّقُوطِ. هُوَ يُعْلِي النَّفْسَ وَيُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. يَمْنَحُ الشِّفَاءَ وَالْحَيَاةَ وَالْبَرَكَةَ.
ع14: إن كان الجسد معرض للموت كما يظهر من الآية السابقة في مغامرات ابن سيراخ، فإن الروح حية، وتحيا لله في الذين يتقونه ويخافونه. الذي يخاف الله، لا تنشغل روحه بشهوات العالم الشريرة، بل يحيا لله، ويحب الصلاة، والتسبيح والتأمل، وهكذا نفهم الآية أن روح الذين يتقون الرب تحيا له.
ع15: وروح المتقين للرب تتعبد له، وتحيا له؛ لأن رجاءهم في الله الذي خلصهم من الموت المذكور في (ع13)، ويخلصهم من كل شر يمكن أن يقابلوه في حياتهم الآتية، والذي رجاءه في الله هو إنسان ثابت؛ لأن الله هو الوحيد الثابت في العالم.
وهذه الآية نبوة عن المسيح الذي خلص البشرية على الصليب، وقدم الخلاص لكل من يؤمن به، أو من يترجاه في العهد القديم، ومات على الرجاء، فأرواح الذين يخافون الله، كانت تترجى المسيا المنتظر، الذي يخلصهم من خطاياهم، ولذا فبعدما أتم المسيح الفداء على الصليب، نزل إلى الجحيم، وأصعد آدم وبنيه، الذين كانوا يترجونه، وأدخلهم إلى الفردوس.
ع16: من البركات العظيمة التي ينالها من يخاف الرب، أنه لا يعود يخاف، أو يضطرب من أي إنسان، أو من أية تقلبات في الحياة؛ لأنه يترجى الله، ويستند عليه، فلا يتزعزع أبداً.
فقايين ترك مخافة الله، وقتل أخاه، وأجاب الله ببجاحة، فكانت النتيجة أنه أصبح يخاف من كل أحد، وعاد إلى الله وهو في فزع أن يقتله من يقابله (تك 4 : 14).
ع17: الذي يخاف الله، ينال تطويبات كثيرة، أي بركات لا نهاية لها، إذ يعطيه الله سلام في داخله، ونعمة في أعين من حوله، وقوة لتحمل أكبر المسئوليات، وقلب مفتوح يحتوي من حوله، فيصير محبوباً من الكل، ويبتعد عن الخطية، ويحيا نقياً، ويعاين الله، وتنكشف أمامه أسراره المقدسة، بل يتذوق الملكوت وهو على الأرض، ويصير نوراً للعالم … إنها بركات كثيرة يصعب حصرها.
ع18: عمدته : من يعتمد عليه
إن من يتقي الرب، إلى من يتجه؛ إنه لا يتجه إلى أي إنسان، ولكنه يتجه إلى الله، ويتكل عليه، فيصير ثابتاً، بل وسنداً لمن حوله، فالذي يضع رجاءه في الله، لا يحتاج أن يضع رجاءه في البشر؛ لأنهم ضعفاء مثله. فما هي بركات من يعتمد على الله؟ هذا ما سنعرفه في الآيتين التاليتين.
ع19 ، 20: مجير: منقذ
الهجير: شدة الحر
العثار: السقوط أو العثرة
تقدم هاتان الآيتان بركات الله لمن يتقونه ويعتمدون عليه وهي:
- “أن عين الرب إلى محبيه” : الله ينظر ويرعى ويعتني بمن يعتمدون عليه، فلا يحتاجون إلى شيء.
- “مجير قدير”: إن واجه الذين يعتمدون على الله أية مشكلة، فهو قادر أن ينقذهم منها مهما كانت صعبة، مثل إنقاذ الثلاث فتية من الآتون، ودانيال من جب الأسود.
- “عمدة قوية”: أي سند قوي، ليس أقوى منه، وبالتالي يتمتع من يخاف الله بالثبات والسلام الداخلي.
- “ستر من الحر وظل من الهجير”: الله يحمي أولاده، ليس فقط من حرارة الشمس الشديدة، بل من الضيقات التي تمر بهم، سواء كانت جسدية، أو نفسية، أو روحية، ويظل معهم مهما طالت التجربة، كما حفظ الله شعبه في مصر، وأكثرهم وباركهم، رغم قسوة المصريين عليهم، بمحاولة قتل أطفالهم الذكور، وإلقائهم في النهر.
- “صيانة من العثار”: والله يحمي أولاده الذين يتقونه من حروب الشيطان، فلا يسقطهم؛ لأنهم في يد الله، وصيانته. فنحميا حاول أعداء شعب الله إيقاف عمله في بناء السور، ولكن الله كان معه وأنجحه.
- “معونة عندالسقوط”: وإن سقط الإنسان الذي يتقي الله في الخطية، أو في مشكلة، وطلب معونة الله، يسرع إليه، ويقيمه منها، كما سقط داود في زنى وقتل، ولكن الله افتقده بناثان النبي، فتاب ونقل عنه خطيته (2صم 12 : 13)
- “يعلي النفس”: الله يشدد أولاده الذين يتقونه، ويرفع نفوسهم، فيثقوا به، وبأنفسهم، ولا ينزعجوا من تشكيكات إبليس. كما كان الله مع حزقيا الملك عندما حاصر سنحاريب أورشليم، وأرسل له الله أشعياء النبي فشجعه، وقتل 185.000 من جيش سنحاريب (أش 37: 36).
- “ينير العينين”: يعطي أيضاً الله لأولاده الذين يتقونه الاستنارة الروحية، بل يكشف لهم الأسرار، فيخاف منهم أعداءهم، كما كان يكشف الله لأليشع النبي أسرار أعداء شعب الله، وهم الأراميون (2مل 6 : 12).
- “يمنح الشفاء والحياة والبركة“: إن تعرض خائفو الله لأمراض، ومتاعب، يشفيهم، ويعيد إليهم قوتهم، كما حدث مع أيوب، فشفاه، وأعطاه ضعف ما فقده في التجربة (أي 42: 12 ، 13).
إن كان الرب يفيض ببركاته على من يتقونه، فهيا بنا يا أخي لنخاف الله، ونذكر اسمه في كل حين، فنحيا في طمأنينة.
(4) العبادة غير المقبولة (ع21-31):
21الذَّابِحُ مِنْ كَسْبِ الظُّلْمِ يُسْتَهْزَأُ بِتَقْدِمَتِهِ، وَاسْتِهْزَاءَاتُ الأُثَمَاءِ لَيْسَتْ بِمَرْضِيَّةٍ. 22الرَّبُّ وَحْدَهُ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ. 23لَيْسَتْ مَرْضَاةُ الْعَلِيِّ بِتَقَادِمِ الْمُنَافِقِينَ، وَلاَ بِكَثْرَةِ ذَبَائِحِهِمْ يَغْفِرُ خَطَايَاهُمْ. 24مَنْ قَدَّمَ ذَبِيحَةً مِنْ مَالِ الْمَسَاكِينِ، فَهُوَ كَمَنْ يَذْبَحُ الاِبْنَ أَمَامَ أَبِيهِ.
25خُبْزُ الْمُعْوِزِينَ حَيَاتُهُمْ؛ فَمَنْ أَمْسَكَهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّمَا هُوَ سَافِكُ دِمَاءٍ. 26مَنْ يَخْطَفْ مَعَاشَ الْقَرِيبِ يَقْتُلْهُ. 27مَنْ يُمْسِكْ أُجْرَةَ الأَجِيرِ يَسْفِكْ دَمَهُ. 28وَاحِدٌ بَنَى وَآخَرُ هَدَمَ؛ فَمَاذَا انْتَفَعَا سِوَى التَّعَبِ؟
29وَاحِدٌ صَلَّى وَآخَرُ لَعَنَ؛ فَأَيُّهُمَا يَسْتَجِيبُ الرَّبُّ لِدُعَائِهِ؟ 30مَنِ اغْتَسَلَ مِنْ لَمْسِ الْمَيْتِ ثُمَّ لَمَسَهُ؛ فَمَاذَا نَفَعَهُ غُسْلُهُ؟ 31كَذلِكَ الإِنْسَانُ الَّذِي يَصُومُ عَنْ خَطَايَاهُ ثُمَّ يَعُودُ يَفْعَلُهَا، مَنْ يَسْتَجِيبُ لِصَلاَتِهِ، وَمَاذَا نَفَعَهُ اتِّضَاعُهُ؟
ع21: الذي يقدم ذبيحة لله، اشتراها بمال الظلم، فهى ذبيحة غير مقبولة، ويستهزئ الله بها، أي برفضها، وأيضاً الناس. هذه الذبائح التي قدمها الأشرار الأثماء لا يرضى الله عنها، فالله غير محتاج للذبائح، ولكنها تعبير من الذي يقدم الذبيحة عن محبته لله، ونقاوة قلبه. فإذا كان شريراً وغير نقي، ويظلم غيره، بل ويتجاسر ويستخدم مال الظلم لمحاولة إرضاء الله بتقديم ذبائح، فبالطبع الله لا يرضى عنها. هذه التقدمات هي استهزاء بالله؛ لذا يسميها استهزاءات الآثماء. فبدلاً من أن يقدم هؤلاء الأثماء توبة، ويرجعون إلى الله، مقدمين ذبائح نقية، فهم على العكس، يقدمون ذبائحهم من مال الظلم.
ع22: وعلى الجانب الآخر، الذين ينتظرون الرب، ويترجون أن يكون لهم مكان في الحياة الأبدية، فيسلكون بالحق والعدل؛ هؤلاء هم الذين يتمتعون بسكنى الله فيهم، فالله لهم وحدهم؛ لأنهم يحبونه، ويتقدمون إليه بتوبة ونقاوة.
ع23: تقادم : تقدمات
المنافقون، أي الأشرار المتمسكون بشرورهم، ولا يريدون أن يتوبوا عنها، الله لا يقبل تقدماتهم، وذبائحهم حتى لو قدموا تقدمات كثيرة.
وهكذا يؤكد أيضاً الكتاب المقدس في سفر الأمثال، فيقول: “ذبيحة الأشرار مكرهة الرب وصلاة المستقيمين مرضاته” (أم 15 : 8) وأيضاً “ذبيحة الشرير مكرهة، فكم بالحرى حين يقدمها بغش” (أم 21 : 27).
ع24: تؤكد هذه الآية ما ذكره ابن سيراخ في (ع21) فيقول: إن من يظلم المساكين، أي الفقراء من خلال تعامله معهم، فهو يحصل على أموال ليست من حقه، ثم يقدم منها ذبائح لله. هذه التقدمات مكروهة تماماً من الله؛ لأنها تشبه من يذبح إبناً أمام أبيه؛ هذا شيء فظيع. الإبن هو المسكين الفقير، الذي حرمه الظالم من قوته، وعرضه للموت جوعاً، والأب هو الله؛ لذا فهي خطية صعبة جداً أن يقوم الإنسان بتقديم ذبائح لله من أموال حصل عليها من ظلم المساكين.
ع25: تؤكد هذه الآية خطورة أن يظلم أحد الفقراء، ويأخذ قوتهم الضروري، أي خبزهم، فهو حياتهم، إذ بدونه يموتون جوعاً، فهو يأخذ هذه الأموال كأنه سفك دم هؤلاء الفقراء، أي أنه قاتل نفوس، وكان الأولى به أن يساعدهم ويعطيهم عطايا، بدلاً من استغلالهم، وأخذ القليل الذي عندهم تحت عنوان “التجارة شطارة”.
ع26: إذاً من يخطف معاش القريب الفقير، أي يستولى على قوت المسكين، مهما كان هذا يبدو قانونياً سليما، فهو يأخذ حياة هذا الفقير، أي أنه قاتل، وليس هناك أي تبرير لما يفعله، والله يعاقبه كقاتل.
ع27: إذا كنت صاحب عمل وعندك عمال، أى أجراء، لا تؤجل إعطاءهم أجرتهم ماداموا قد أتموا عملهم؛ لأنك إذا أمسكت أجرة الأجير، ولم تعطها له، فإنك تمنع عنه احتياجاته الضرورية، وهي الطعام، وإذا استمر منعك إعطائه أجرته سيموت جوعاً، فتكون بهذا سافك دم، أي قاتل. لا تكن أنانياً، وتبحث عن مصلحتك على حساب راحة الآخرين. وهذه الآية تأكيداً لما ورد في شريعة موسى (لا 19 : 13).
ع28: إذا بنى إنسانٌ مبنى والآخر هدمه، فتعبهما لم يفدهما في شيء، هكذا من بني نفسه روحياً بالفضائل، ثم يهدمها عن طريق حواسه التي تنغمس في الشر.
وأيضاً إن كان إنسانٌ يطلب صلوات القديسين لبنيان حياته، ولكنه متمسك بخطاياه، فتعب القديسين في الصلاة من أجله لن يفيده شيئاً.
ع29: إذا كان غنيٌ يصلي؛ حتى يزيد الله ثرواته، التي يجمعها بظلم الفقراء، أو على الأقل لا يعطف على الفقراء، وفي نفس الوقت هؤلاء الفقراء يلعنون الغني؛ لأنه سلب أموالهم بظلمه، أو على الأقل لم يعطف عليهم بقليل من أمواله، فالله يستجيب لمن منهما ؟ صلاة الغني الظالم غير مقبولة، وكذلك لعنات الفقير المتذمر غير مقبولة.
ع30: الذي يغتسل؛ لأنه تنجس بلمس ميت، ثم يعود بعد أن اغتسل ولمس الميت، فإنه يتنجس، فهو لم ينتفع من اغتساله.
ع31: كما تُظهر الآيات الثلاثة الماضية عدم الانتفاع من البناء، أو الصلاة، أو الاغتسال، كذلك أيضاً من يترك خطاياه، ثم يعود إليها بتهاون واستباحة، وليس عن ضعف، فالله لا يستجيب لصلواته المخادعة، ولا تواضعه وتذللـه في الصلاة؛ لأنه يقدم توبة ويصلي رافضاً الخطية، وفي نفس الوقت لا يقاومها إذا رآها أمامه، بل يسعى إليها أيضاً.
هذه الآيات تحدثنا عن المستبيحين المنغمسين في خطاياهم؛ هؤلاء عبادتهم لله من صلوات وأصوام غير مقبولة، ولكن من يجاهد ثم يسقط عن ضعف، فيسرع للتوبة، فالله يقبله، أي أن تكرار السقوط ليس معناه رفض الله له، الخطأ هو أن يستبيح الإنسان الخطية، ويتظاهر بعبادة سطحية، ولكن ليس في نيته أن يبتعد عن خطاياه.
أي عبادة تقدمها لله يفرح بها، إن كانت من قلب نقي، فاحرص على محاسبة نفسك كل يوم، وقدم توبة، وواظب على سر الاعتراف، وثق أن الله يفرح بتوبتك، وأيضاً بكل عبادة تقدمها له، ولا تنزعج من ضعفاتك وسقطاتك، ولكن قم سريعاً، والله سيسندك ويفرح بجهادك، مهما كان ضعفك وخطاياك.