الآباء يشوع وكالب وصموئيل
(1) يشوع وكالب (ع1-12):
1كَانَ يَشُوعُ بْنُ نُونٍ رَجُلَ بَأْسٍ فِي الْحُرُوبِ، خَلِيفَةَ مُوسَى فِي النُّبُوءَاتِ. 2وَكَانَ كَاسْمِهِ عَظِيمًا فِي خَلاَصِ مُخْتَارِيهِ، شَدِيدَ الاِنْتِقَامِ عَلَى الأَعْدَاءِ الْمُقَاوِمِينَ، لِكَيْ يُوَرِّثَ إِسْرَائِيلَ. 3مَا أَعْظَمَ مَجْدَهُ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ، وَتَسْدِيدِ حَرْبَتِهِ عَلَى الْمُدُنِ. 4مَنْ قَامَ نَظِيرَهُ مِنْ قَبْلِهِ؟ إِنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ دَفَعَ إِلَيْهِ الأَعْدَاءَ. 5أَلَمْ تَرْجِعِ الشَّمْسُ إِلَى الْوَرَاءِ عَلَى يَدِهِ، وَصَارَ الْيَوْمُ نَحْوًا مِنْ يَوْمَيْنِ؟ 6دَعَا الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ إِذْ كَانَ يَهْزِمُ الأَعْدَاءَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَاسْتَجَابَ لَهُ الرَّبُّ الْعَظِيمُ بِحِجَارَةِ بَرَدٍ عَظِيمَةِ الثِّقَلِ. 7أَغَارَ عَلَى الأُمَّةِ بِالْقِتَالِ، وَفِي الْمُنْهَبَطِ أَهْلَكَ الْمُقَاوِمِينَ، 8لِكَيْ تَعْرِفَ الأُمَمُ كَمَالَ عُدَّتِهِمْ، وَأَنَّ حَرْبَهُ أَمَامَ الرَّبِّ، لأَنَّهُ مُنْقَادٌ لِلْقَدِيرِ. 9وَفِي أَيَّامِ مُوسَى صَنَعَ رَحْمَةً، هُوَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّا، إِذْ قَامَا عَلَى الْعَدُوِّ، وَرَدَّا الشَّعْبَ عَنِ الْخَطِيئَةِ، وَسَكَّنَا تَذَمُّرَ السُّوءِ. 10وَهُمَا وَحْدَهُمَا أُبْقِيَا مِنَ السِّتِّ مِئَةَ أَلْفِ رَاجِلٍ، لِيُدْخِلاَهُمْ إِلَى الْمِيرَاثِ، إِلَى أَرْضٍ تَدُرُّ لَبَنًا وَعَسَلًا. 11وَأَتَى الرَّبُّ كَالِبَ قُوَّةً، وَبَقِيَتْ مَعَهُ إِلَى شَيْخُوخَتِهِ؛ فَصَعِدَ إِلَى ذلِكَ الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الأَرْضِ، الَّذِي نَالَتْهُ ذُرِّيَّتُهُ مِيرَاثًا، 12لِكَيْ يَعْلَمَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ الاِنْقِيَادَ لِلرَّبِّ حَسَنٌ.
ع1: بأس : قوة.
يشوع بن نون هو خليفة موسى النبى، الذى أمر الله موسى أن يقيمه رئيساً على شعبه أمام ألعازار الكاهن.
وأعطاه الله قوة فى الحرب، فانتصر على أعدائه.
ع2: يشوع كلمة عبرية معناها “الله يخلص”، وهو عظيم لأنه خلص شعبه، وانتصر فى حروب كثيرة بقوة الله، فانتقم من الأعداء الذين هجموا عليه؛ سواء فى سيناء، أو فى أرض كنعان؛ حتى ورث شعبه أرض الموعد.
وابن سيراخ يتكلم عن يشوع القوى فى الحروب؛ ليسند شعبه المحارب ضد الإمبراطورية اليونانية فى القرن الثانى قبل الميلاد، وهم المكابيون؛ ليثبت إيمانهم بقوة الله المساندة لشعبه، وأولاده المؤمنين به.
ع3: تظهر قوة يشوع ومجده عند رفع يديه؛ ليدعو جيشه للهجوم على الأعداء، وتسديد رمحه وكل سهام جيشه على أعدائه، فيعطيه الله النصرة.
ع4: لم يظهر رجل حرب عظيم مثل يشوع؛ لأن شعبه كان شعباً بسيطاً، غير متمرس، أو متمرن على الحروب، ولكن بقوة الله، وقيادة يشوع العظيم انتصر على أعدائه.
ع5: انتصر يشوع على عماليق فى برية سيناء، ثم انتصر على أريحا المدينة العظيمة، عنما دخل أرض كنعان. وبعد هذا دخل فى معركة عنيفة أمام خمسة ملوك متحدين معاً، وكانت مقاومتهم شديدة، ولكنه كاد ينتصر عليهم، ولما رأى يشوع أن الشمس تستعد للمغيب صلى إلى الله، فوقفت الشمس فى مكانها لمدة يوم، أى أنه حارب الخمسة ملوك لمدة يومين متواصلين، فانتصر عليهم؛ لأنه خشى إذا غابت الشمس أن يذهبوا ويجمعوا جنوداً، وأسلحة أخرى، فيتقووا بها. وعندما طلب يشوع من الله إيقاف الشمس فى مكانها، استجاب له فى الحال، وتحقق النصر له، وأعطى جيشه قوة ليواصل الحرب مدة يومين.
ع6: صلى يشوع، وهو يحارب الخمسة ملوك بإيمان، واثقاً من أن الله القدير أقوى من كل أحد، فأعطاه النصرة، ليس فقط بسيوف جنوده، ولكن أيضاً ساعده الله بأن ألقى حجارة البرد، وهى قطع ثلجية حادة تقتل من تنزل عليه، بقوة من السماء، فانتصر على أعدائه، وقتل الكثيرين منهم (يش10: 5-11).
ع7: أغار : هجم واعتدى.
المنهبط : المنحدر.
استمر يشوع فى مهاجمته لجيوش الملوك الخمس، فحاربهم من كل جهة، فسقطوا تحت يديه، خاصة، وهم هاربين فى منحدر بيت حورون (يش10: 11).
ع8: عدتهم : أسلحتهم.
بانتصار يشوع على الملوك الخمس المتحدين بكل جيوشهم، عرفت كل الأمم والشعوب فى أرض كنعان أن عدتهم وأسلحتهم لا شئ أمام قوة الله التى مع يشوع؛ لأن الله يسنده، فيهزم أعداءه مهما كانت عدتهم كاملة، أو قوية.
ع9: فى أيام موسى ظهر إيمان وتميز يشوع بن نون، وكالب بن يفنة، اللذين تجسسا أرض الميعاد مع عشرة آخرين من باقى الأسباط، ورجعا إلى شعبهما يشجعانه؛ ليقوم على العدو، ويمتلك بلاده، مهما كانت قوة الأعداء، فالله أقوى منهم.
ورغم أن العشرة زملائهما فى التجسس على أرض الميعاد، قالوا للشعب أن الأعداء أقوياء، ولا يمكن اقتحامهم، ظل يشوع وكالب يشجعان الشعب، ويردانه عن الأفكار الخائفة التى روجها العشرة الزملاء، وحاولا إزالة هذه الأفكار السيئة، وتثبيت إيمان الشعب بقوة الله المساند لهم (عد14: 6-10).
ع10: ولتذمر الشعب على الله، ورفضه الذهاب إلى أرض الميعاد، وتأثره بكلام العشرة جواسيس، الذين شككوه فى قوة الله، غضب الرب عليه، وأمر الا يدخل أحد منهم أرض
كنعان، ودخل بدلاً منهم أولادهم، ولم يدخل مع الأولاد إلا إثنان كبار، هما الباران يشوع
وكالب، ومات الست مئة ألف رجل؛ هم شعب بنو إسرائيل، الذين تذمروا على الله، ويشوع وكالب فقط هما اللذان أدخلا الأبناء إلى أرض تفيض لبناً وعسلاً، أى خيرات كثيرة هى
أرض كنعان.
ع11، 12: من أجل إيمان كالب أعطاه الله قوة، ومد فى عمره الخامسة والثمانون، فصعد على قرية أربع المرتفعة على الجبل، والتى كان يسكنها بنو عناق، واستولى عليها، ودعاها حبرون. وبهذا أثبت أن الله قادر على الانتصار على الأعداء مهما كانوا أقوياء، وكان يمكن لشعب بنى إسرائيل، لو آمنوا، أن يمتلكوا أرض كنعان منذ أربعين عاماً، فثبت إيمان الشعب بقوة الله القادر على كل شئ (يش14: 10-15).
آمن بالله ووصاياه ليتشدد قلبك، وتكون قوياً، فلا تنزعج من تشكيكات الآخرين، وتتقدم بنجاح فى حياتك؛ لأن الله معك.
[2] القضاة وصموئيل (ع13-23)
13وَالْقُضَاةُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ، الَّذِينَ لَمْ تَزْنِ قُلُوبُهُمْ عَلَى الرَّبِّ، وَلَمْ يَرْتَدُّوا عَنْهُ. 14لِيَكُنْ ذِكْرُهُمْ مُبَارَكًا، وَلْتُزْهِرْ عِظَامُهُمْ مِنْ مَوَاضِعِهَا. 15وَلْيَتَجَدَّدِ اسْمُهُمْ، وَلِيُمَجِّدْهُمْ بَنُوهُمْ. 16صَمُوئِيلُ الْمَحْبُوبُ عِنْدَ الرَّبِّ، نَبِيُّ الرَّبِّ، سَنَّ الْمُلْكَ، وَمَسَحَ رُؤَسَاءَ شَعْبِهِ. 17قَضَى لِلْجَمَاعَةِ بِحَسَبِ شَرِيعَةِ الرَّبِّ، وَافْتَقَدَ الرَّبُّ يَعْقُوبَ. 18بِإِيمَانِهِ اخْتُبِرَ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَبِإِيمَانِهِ عُلِمَ أَنَّهُ صَادِقُ الرُّؤْيَا. 19دَعَا الرَّبَّ الْقَدِيرَ، عِنْدَمَا كَانَ أَعْدَاؤُهُ يُضَيِّقُونَ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَأَصْعَدَ حَمَلًا رَضِيعًا. 20فَأَرْعَدَ الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ، وَبِقَصِيفٍ عَظِيمٍ أَسْمَعَ صَوْتَهُ، 21وَحَطَّمَ رُؤَسَاءَ الصُّورِيِّينَ، وَجَمِيعَ أَقْطَابِ فَلَسْطِينَ. 22وَقَبْلَ رُقَادِهِ عَنِ الدَّهْرِ، شَهِدَ أَمَامَ الرَّبِّ وَمَسِيحِهِ، إِنِّي لَمْ آخُذْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ مَالًا بَلْ وَلاَ حِذَاءً، وَلَمْ يَشْكُهُ إِنْسَانٌ. 23وَمِنْ بَعْدِ رُقَادِهِ تَنَبَّأَ، وَأَخْبَرَ الْمَلِكَ بِوَفَاتِهِ، وَرَفَعَ مِنَ الأَرْضِ صَوْتَهُ بِالنُّبُوءَةِ لِمَحْوِ إِثْمِ الشَّعْبِ.
ع13: ينتقل ابن سيراخ من الكلام عن يشوع وكالب إلى القضاة الذين خلفوهما بعد موتهما. وكلهم قادة حربيون، قادوا شعوبهم فى حروب ضد الآلهة الوثنية والأصنام، وانتصروا فى معاركهم، فهم يمثلون المؤمنون التابعون لله، الذين لم يزنوا روحياً بعبادة الأوثان، بل على العكس حاربوها.
ع14: هؤلاء القضاة الذى قضوا بشريعة الله لشعبهم، أى بنى إسرائيل، فى وقت كانوا قد زاغوا عن الله، واختلطوا بالوثنيين جيرانهم، وعبدوا آلهتهم، أى زنوا روحياً من وراء الله، بالإضافة إلى الزنى المادى، بزواجهم من أجنبيات، والله قد أوصاهم على يد يشوع أن يطردوا هؤلاء الوثنيين، ولا يخالطوهم، ولكنهم لم يطيعوا كلام الله. هؤلاء القضاة الذين أعلنوا صوت الله، يطلب ابن سيراخ أن يظل ذكرهم مباركاً فى قلوب وأفواه شعب الله.
ويطلب أيضاً أن تزهر عظامهم، أى يتمنى لهم حياة أبدية سعيدة، فهذا يعلن إيمان ابن سيراخ بالقيامة من الأموات.
ع15: يطلب ابن سيراخ أيضاً لهؤلاء القضاة أن يتجدد اسمهم من خلال بنيهم الأبرار، الذين يحاربون عبادة الأوثان، ويثبتوا فى الإيمان بالله.
ويطلب أيضاً أن تمجدهم الأجيال التالية من بنيهم؛ لأجل أمانتهم وإيمانهم ومحبتهم لله.
ع16: صموئيل هو آخر القضاة، وهو محبوب من الله، إذ دعاه وهو طفل فى الهيكل، وكلمه، مع أنه كان له مدة طولة لم يكلم بنى إسرائيل لابتعادهم عنه (1صم3: 1). أما صموئيل فوجد نعمة فى عينى الله وأحبه، ودعاه، وجعله نبياً وسط بنى إسرائيل (1صم3: 20).
وبسماح من الله، بدأ صموئيل نظام الملك فى بنى إسرائيل، فمسح شاول أول ملك لبنى إسرائيل (1صم10: 1) وبعده مسح داود ملكاً (1صم16: 13).
ع17: قام صموئيل بإرشاد الشعب، والقضاء له بشريعة الله؛ ليعود بنو إسرائيل، أى نسل يعقوب لعبادة الله، والتمسك بوصاياه هكذا افتقد الله شعبه بهذا القائد الروحى العظيم، وهو صموئيل النبى، فأعادهم إلى الحياة مع الله.
وقد وبخ شاول الملك لكسره الشريعة، بقيامه بعمل الكهنوت وتقديم الذبيحة (1صم 13: 11، 12).
ع18: بإيمان صموئيل ظهر تميزه كنبى وسط كل شعبه، وانتشر الخبر فى كل بلاد بنى إسرائيل، فخضعوا له كنبى وقائد (1صم3: 20).
وأيضاً بإيمان صموئيل بالرب ظهر أنه صادق الرؤيا، عندما كلمه الله وهو صبى صغير فى الهيكل (1صم3: 4، 15). وبعد الرؤيا التى ظهر فيها الله لصموئيل فى الهيكل، دعاه الشعب كله بأنه الرائى، خاصة بعد ظهور الله له فى شيلوه (1صم3: 21).
ع19-21: قصيف : صوت الرعد الشديد.
تميز صموئيل بمحبة الصلاة، فكان لا يكف عن الصلاة من أجل شعبه (1صم12: 23)، وخاصة فى الضيقات، كما حدث فى المصفاة، عندما قام على بنى إسرائيل أقطاب الفلسطينيين، فصلى صموئيل، وقدم حملاً رضيعاً، واستجاب الله له، وأرعد من السماء، فانزعج الفسطينيون، وانكسروا أمام بنى إسرائيل (1صم7: 9، 10).
ع22: وقبل أن يموت صموئيل، ويترك الحياة على الأرض، قال خطاباً وداعياً لشعبه، لا ليدافع عن نفسه، ولكن ليعلم الملك الجديد كيف يسلك. فأظهر أنه لم يسلب أحداً، ولم يظلم أحداً، ولم يكن لأحد شكوى عليه (1صم12: 1-5).
ع23: وظهر صموئيل النبى بعد موته للملك شاول، الذى التجأ إلى صاحبة جان فى عين دور، وتنبأ له بأنه سيموت. وكان هذا الظهور بقوة الله، وليس عمل العرافة صاحبة الجان، وذلك ليعطى فرصة أخيرة لشاول الملك أن يتوب هو وشعبه، وحينئذ، الله مستعد أن يمحو إثمه، وإثم الشعب الذى يتوب.? إن كان الجو المحيط بك ليس مع الله، فلا تنزعج، بل تمسك بإيمانك وسلوكك المستقيم، والله سيسندك، كما ساند صموئيل، وأعطاه قوة، وثبته طوال حياته فى حياة نقية.