عظمة الله والإفراز والزوجة المباركة
(1) صلاة ليظهر الله قوته (ع1-19):
1أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُ الْجَمِيعِ، ارْحَمْنَا وَانْظُرْ إِلَيْنَا وَأَرِنَا نُورَ مَرَاحِمِكَ. 2وَأَلْقِ رُعْبَكَ عَلَى جَمِيعِ الأُمَمِ الَّذِينَ لَمْ يَلْتَمِسُوكَ، لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ وَيُخْبِرُوا بِعَظَائِمِكَ. 3ارْفَعْ يَدَكَ عَلَى الأُمَمِ الْغَرِيبَةِ، وَلِيَعْرِفُوا عِزَّتَكَ. 4كَمَا قَدْ ظَهَرَتْ فِينَا قَدَاسَتُكَ أَمَامَهُمْ، هكَذَا فَلْتَظْهَرْ عَظَمَتُكَ فِيهِمْ أَمَامَنَا.
5وَلْيَعْرِفُوكَ كَمَا عَرَفْنَا نَحْنُ: أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ يَا رَبُّ. 6اسْتَأْنِفِ الآيَاتِ، وَأَحْدِثِ الْعَجَائِبَ.
7مَجِّدْ يَدَكَ، وَذِرَاعَكَ الْيُمْنَى. 8أَثِرْ غَضَبَكَ، وَصُبَّ سُخْطَكَ. 9دَمِّرِ الْمُقَاوِمَ، وَاحْطِمِ الْعَدُوَّ. 10عَجِّلِ الزَّمَانَ، وَاذْكُرِ الْمِيثَاقَ، وَلْيُخْبَرْ بِعَظَائِمِكَ. 11لِتَأْكُلْ نَارُ الْغَضَبِ النَّاجِيَ، وَلْيَلْقَ مُضَايِقُو شَعْبِكَ الْهَلاَكَ. 12اهْشِمْ رُؤُوسَ قَادَةِ الأَعْدَاءِ الْقَائِلِينَ: «لَيْسَ غَيْرُنَا». 13اجْمَعْ كُلَّ أَسْبَاطِ يَعْقُوبَ، وَاتَّخِذْهَا مِيرَاثًا لَكَ، كَمَا كَانَتْ فِي الْبَدْءِ. 14أَيُّهَا الرَّبُّ، ارْحَمِ الشَّعْبَ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِكَ، وَإِسْرَائِيلَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ مَنْزِلَةَ بِكْرِكَ. 15أَشْفِقْ عَلَى مَدِينَةِ قُدْسِكَ أُورُشَلِيمَ، مَدِينَةِ رَاحَتِكِ. 16امْلأْ صِهْيُوْنَ لِكَيْ تُنَادِيَ بِأَقْوَالِكَ. امْلأْ شَعْبَكَ مِنْ مَجْدِكَ. 17اشْهَدْ لِلَّذِينَ هُمْ خَلْقُكَ مُنْذُ الْبَدْءِ، وَأَيْقِظِ النُّبُوءَاتِ الَّتِي بِاسْمِكَ. 18أَعْطِ الَّذِينَ يَنْتَظِرُونَكَ الثَّوَابَ، وَلْيَتَبَيَّنْ صِدْقُ أَنْبِيَائِكَ. اسْتَجِبْ، أَيُّهَا الرَّبُّ، لِصَلاَةِ الْمُتَضَرِّعِينَ إِلَيْكَ، 19عَلَى حَسَبِ بَرَكَةِ هَارُونَ عَلَى شَعْبِكَ؛ فَيَعْلَمَ جَمِيعُ سُكَّانِ الأَرْضِ، أَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ إِلهُ الدُّهُورِ.
ع1: هذه الصلاة تتكلم مع الله، وتصفه بأنه إله الجميع، أى أنه الإله الوحيد للعالم كله، وتطلب من الله ثلاث طلبات هى :
- “إرحمنا” : إذ كان شعب الله يعانى من ضغط المملكة اليونانية التى استولت على العالم، ومنها بلاد اليهود، وفرضت العبادة الوثنية على الكل، ومنعت العبادة اليهودية، مثل الختان، والذبائح، وكل الطقوس التى فى شريعة موسى، فكان ضيق عظيم فى الشعب، كما يظهر هذا فى بداية أسفار المكابيين.
- “أنظر إلينا” : أى التفت إلينا بأبوتك وحنانك؛ لتنقذنا من الاضطهادات التى تمر بنا، ونجنا من كل الشرور، التى يريد أعداؤنا أن يصنعونها فينا.
- “وأرنا نور مراحمك” : أى أضئ علينا بنورك، إذ نشعر أننا فى ضيق وظلام، وهذا معناه تعزيات روحية من السماء، وسلام داخلى يهبه الله لأولاده.
فيظهر من بداية هذه الصلاة؛ الإتضاع، والإيمان بالله، والإحتياج الشديد لتدخله، وبالطبع لا يمكن أن يهمل أولاده الصارخين إليه.
ع2 : تطلب الصلاة من الله أن يخيف الأمم الذين لا يؤمنون به، ويعبدون الأوثان، ولا يلتمسون، أو يصلون لله؛ حتى يعلموا أنه أقوى من آلهتهم، وهى الشياطين بكل أصنامها، وأن الله هو الإله الوحيد فى العالم، ويعرفوا معجزاته التى تفوق العقل.
ع3 : وتطلب الصلاة أيضاً أن يرفع الله يده على الأمم، أى يعاقبهم، ويوقف اضطهادهم لشعبه، ويريهم عزته، أى قوته. وقد استجاب الله لهذه الصلاة، فضرب أقوى ملوكهم، وهو أنطيوخس الكبير، الملك القاسى القلب، الذى هجم بجيوشه على أورشليم، وفى الطريق ضربه الله بالدود، فمات وألقوا جثته فى الطريق (2مك9: 9).
ع4 : قداسة الله ظهرت فى شعبه عندما حفظهم وباركهم، وفى نفس الوقت ظهرت عظمة الله فى أعدائهم عندما أدبهم، لعلهم يؤمنون ويتوبون.
وقد تكرر تطبيق هذه الآية فى أحداث كثيرة، مثل حفظ الله لأولاده بنى إسرائيل فى مصر، وضربه المصريين بالضربات العشر، لعل المصريين يفهمون ويؤمنون ويرجعون إليه.
وظهر هذا فى داود النبى الذى يخاف الله، فيحفظه من كل شر، ولا يستطيع شاول الملك الذى يطارده أن يؤذيه. وعلى العكس، يسقط شاول مرتين عند قدمى داود، ويسامحه داود؛ وفى النهاية، يموت شاول فى الحرب، أما داود، فيجلس على العرش. وكذلك حفظ الله داود الذى عاش فى القداسة، أما ابنه أبشالوم الذى قام عليه، فظهرت عظمة الله فى موته، عندما هجم على داود أبيه.
وحزقيا الملك الذى صلى إلى الله، فطمأنه عن طريق أشعياء النبى، أما سنحاريب ملك آشور الذى كان يهدده ويحاصر أورشليم، فضرب ملاك الرب جيشه، وقتل منهم 185000 (أش37: 36).
ع5: من تأديب الله للأمم، وحفظه شعبه المقدس فى سلام، يعرف الأمم أن الله هو الإله الوحيد، ويرفضون آلهتهم الوثنية، أى يؤمنون ويرجعون إلى الله، ويتوبون عن خطاياهم.
ع6-9: استأنف : قم وابدأ من جديد.
أحدث : إصنع.
أثر : من ثورة والمقصود هيج واظهر بقوة.
سخطك : غضبك الشديد.
احطم : اكسر.
إبدأ يا الله من جديد فى إظهار عجائبك وآياتك، وليظهر مجدك وقوتك (ذراعك اليمنى). هذا التدخل الإلهى يظهر فى اتجاهين هما :
- رعاية أولاده وحمايتهم من كل شر (الآيات – العجائب – مجد).
- تأديب الأشرار؛ ليتوبوا (غضبك – سخطك – دمر – أحطم).
ع10: عجل : أسرع.
تطالب الصلاة الله أن يتدخل سريعاً لإنقاذ شعبه من الاضطهاد اليونانى فى القرن الثانى قبل الميلاد، حيث حاول الأعداء إجبار شعب الله على عبادة الأوثان، مع منعهم من عبادة الله، ويصل الاضطهاد إلى التعذيب والقتل، كما يظهر فى أسفار المكابيين.
وتذكر الصلاة الله بميثاقه وعهده مع شعبه؛ هذا العهد الذى يعلن أن الله يحفظ أولاده إلى الأبد. وقد أعطى الله هذا العهد لإبراهيم (تك17: 19)، وثبته أيام موسى (تث5: 2 ، 3).
وتطالب الصلاة الله أن يعمل بسرعة؛ ليتمجد فى شعبه، فيخبر هذا الشعب بعمل الله معه، ويظهر هذا العمل أمام كل الأمم، فيخافوا الله؛ لعلهم يؤمنوا به، ويرجعوا إليه.
هذه الآية نبوة عن تجسد المسيا المنتظر؛ ليتمم عهد الله، ويخلص شعبه، وقد ذكر أشعياء نبوة بهذا المعنى (اش64: 1).
ع11، 12: اهشم : اكسر.
ليتك يا رب تتحرك بنارك لتأكل الأعداء، وتمتد النار؛ لتأكل من يحاول أن ينجو منهم، وبهذا يهلك من يضايقون شعبك، أما رؤساء الأعداء الذين يقودون جيوشهم ضد شعبك، فحطم رؤوسهم، فيعجزون عن مضايقة أولادك. والخلاصة، إنقذ شعبك من أعدائهم، ومن ناحية أخرى، لتمتد يدك؛ لتؤدب الأعداء، حتى يؤمنوا بقوتك، ويتوبوا.
وقد تكرر هذا الأمر مع أعداء شعب الله؛ سواء فى الضربات العشر فى مصر، أو فى برية سيناء مع عماليق أيام موسى، وكذا فى كنعان مع سكان الأرض الأشرار أيام يشوع.
ع13: يا رب اجمع شعبك الذى تشتت فى العالم، وعندما رجع زربابل، ومن بعده، وهم عزرا، ونحميا لم يعودوا إلا بالقليل من اليهود، أما الباقون ففضلوا أن يظلوا مشتتين فى العالم، يعيشون بين الوثنيين؛ لأنهم أحبوا ماديات العالم، ولم يرجعوا ليعبدوا الله فى هيكله المقدس. فابن سيراخ يصلى ويطلب من الله أن ينبه قلوب شعبه المشتتين، ويجمعهم؛ ليعودوا إلى أورشليم، ويعبدوا الله، لأنهم شعبه، وميراثه، اذ هم فقط الشعب الذى يعبد الله وسط العالم الوثنى، ولتعود جميع الأسباط، ولا يضيع منهم أحد. وهنا تظهر أبوة يشوع بن سيراخ، الذى يريد أن يجمع كل أولاد الله؛ لأنهم ميراث ونصيب الرب، فلا يصح أن يتوهوا وسط شرور العالم، ويتمنى أن يرجعوا كما كانوا فى البدء شعباً واحداً يعبد الله، كما كان فى أيام داود وسليمان.
ع14: إن رحمتك يا الله على بنى إسرائيل ترجع، لأن اسمك دعى عليهم، فإكراماً لإسمك يا رب، ارحمهم؛ ليتوبوا، ويرجعوا إليك، ويعبدوك.
ولا تنسى يا رب أنك اعتبرت شعبك هذا هو بكرك، والبكر له مكانة فى العهد القديم، إذ كان ينال ضعف إخوته فى الميراث.
وإسرائيل هو البكر، لأن اخوته الأمم سيؤمنون بالله بعده، أيام المسيح، ويكون العالم كله شعباً واحداً، ويعبدون الله، ويتركون أوثانهم.
والبكر الحقيقى لله هو المسيح الابن الوحيد، أما إسرائيل فقد أنزله الله منزلة البكر، أى فى مكان البكورية؛ لأن منه سيأتى المسيح.
ع15: يترجى ابن سيراخ من الله أن يشفق على أورشليم مدينة قدسه؛ لأنه قدسها بوجود هيكله فيها، وهى مكان راحته، إذ تُقدم فيها عبادة له، فيستريح الله فى قلوب من يعبدوه بأمانة. فابن سيراخ يتمنى أن يشفق الله على المدينة، ويرفع منها اضطهاد اليونانيين لها فى شكل أنطيوخس الملك، وكل جنوده، وقد تدخل الله فمات أنطيوخس فى طريقه لهدم أورشليم، وقتل من فيها، إذ ضربه الدود وهو حى ومات (2مك9: 9).
ويطلب من الله أن يملأ صهيون، أى أورشليم، ليس فقط بالعائدين من السبى، بل أيضاً بمن سيؤمنون به، وهذه نبوة عن الإيمان بالمسيح، ويطلب أيضاً أن يمتلئوا بعمل الروح القدس فيهم، ويمتلئوا ويسلكوا فى كل فضيلة، وهكذا يمتلئ شعب الله من عمل الله، ويتمجد فيهم.
ع16 : ويطلب الله أن يملأ صهيون، أى أورشليم، ليس فقط بالعائدين من السبى، بل أيضاً من سيؤمنون به، وهذه نبوة عن الإيمان بالمسيح، ويطلب أيضاً أن يمتلئوا بعمل الروح القدس فيهم، ويمتلئون من كل فضيلة، ويسلكون في كل فضيلة. وهكذا يمتلئ شعب الله من عمل الله، ويتمجد فيهم.
ع17: اشهد للذين خلقتهم منذ البدء، أى من بداية اختيار الله لإبراهيم. ويقصد بالشهادة أن تباركهم، وتسندهم، وتجعلهم شعباً عظيماً يعبدك.
أما النبوات التى قالها الأنبياء طوال العهد القديم عن عملك فى شعبك، وعن المسيا المنتظر، فيا ليتك تتمها يا الله؛ لتخلص شعبك. إنها صلاة من أجل الشعب المضطهد من اليونانيين فى القرن الثانى قبل الميلاد، ورجاء فى تجسد المسيح مخلص العالم كله، فيطهر الله هيكله فى أورشليم من دخول اليونانيين إليهم وتدنيسهم له، وقد حدث هذا فعلاً على يد المكابيين الأبطال، يهوذا وإخوته. ومن ناحية أخرى، تم الخلاص فى ملء الزمان على الصليب، وهذه أعظم شهادة من الله للذين خلقهم، أى المؤمنين به. وهيكل أورشليم قد تمجد بدخول المسيح إليه، ثم أسس كنيسته، وهى هيكل العهد الجديد الذى يقدم فيه نفسه، أى جسده ودمه، حياة لأولاده المؤمنين به.
ع18، 19: باستجابتك يا الله لهذه الصلاة، تعطى البركة للمؤمنين بك الذين ينتظرونك، وتتمم نبواتك على فم الأنبياء، وبهذا تستجيب لصلاة ابن سيراخ، وكل من يصلون معه، مترجين رحمتك، وتباركهم بكل البركات التى نطق بها هارون لشعبك (عد6: 22-27). وبهذا يعلم العالم كله أنك الإله الوحيد الدائم إلى الأبد، والذى فى يدك وحدك البركة والقوة و المجد.
ليتك يا أخى ترفع قلبك بالصلاة كل يوم، وتطلب كل ما تحتاج من الله. اشكره، وسبحه، وأيضاً اعترف بخطاياك أمامه، فتصير من أولاده المتمتعين برعايته.
[2] التمييز (ع20-22) :
20الْجَوْفُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ طَعَامٍ، لكِنَّ مِنَ الطَّعَام مَا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ غَيْرِهِ. 21الْحَلْقُ يُمَيِّزُ أَطْعِمَةَ الصَّيْدِ، وَالْقَلْبُ الْفَهِمُ يُمَيِّزُ الأَقْوَالَ الْكَاذِبَةَ. 22الْقَلْبُ الْخَبِيثُ يُورِثُ الْغَمَّ، وَالرَّجُلُ الْكَثِيرُ الْخِبْرَةِ يُكَافِئُهُ.
ع20، 21: الإنسان عندما يأكل أى طعام، يستطيع جوفه، أى لسانه، وجهازه الهضمى أن يعرف ما هو مريح، أو مؤذى له، ويميز ما يحبه، وما يرفضه. وهكذا أيضاً خُلق الإنسان يعرف طعم أنواع اللحوم التى يأكلها، والتى يصطادها الصياد.
والإنسان الحكيم إذ يميز الطعام اللذيذ والمناسب له، لا يمكن أن يطلب طعاماً غير محبب له، أو يضايقه، بل بالعكس يطلب ما يحبه.
هكذا أيضاً قلب الإنسان، والمقصود قلبه وفكره، يستطيع أن يميز ما يسمعه، هل هو أقوال صحيحة أم كاذبة، وأيضاً يضبط نفسه، فلا يتكلم إلا بالكلام الحكيم المفيد، ويبتعد عن أى كلام شرير يضره، ويضر من حوله.
والتمييز هو فهم ما يسمعه الإنسان، ومعرفة الصالح، ورفض ما هو ضار. هذا التمييز يناله الإنسان إن كان متضعاً، وملتصقاً بالله، أى مصلياً، ومتتلمذاً على كلام الله، وخاضعاً للمرشدين الروحيين.
ع22: “القلب الخبيث يورث الغم”
الإنسان الشرير الذى تميل مشاعره إلى الخبث والشر، يسقط فى خطايا، فيقع فى الغم والضيق، مثل شاول الملك الذى كان شريراً فظن السوء فى داود، وحاول التخلص منه، بل طارده مدة طويلة، لكنه فشل، وأنقذ الله داود من يده؛ لأنه صالح.
“والرجل الكثير الخبرة يكافئه”
الإنسان الحكيم ذو الخبرة الروحية الكثيرة، يميز الصلاح من الشر، ويختار الصالحات، فيحيا مطمئناً، بل ينمو فى المعرفة والتمييز. فحكمته هى مكافأة له من الله، وقلبه الحكيم يكافئه، مثل داود الصالح الذى يحب كل من حوله، ويقبل الكل، ويسامح من يخطئ فى حقه، مثل شاول وأبشالوم اللذين حاولا قتله.
كن متضعاً أمام الله، واطلب إرشاده، واطلبه قبل كل عمل، فيرشدك وتميز الطريق المستقيم، والكلام الصالح، فتحيا مطمئناً، وكلامك وتصرفاتك، وأفكارك أيضاً تكون صالحة.
(3) الزوجة الفاضلة (ع23-28):
24الْمَرْأَةُ تَتَزَوَّجُ أَيَّ رَجُلٍ كَانَ، لكِنَّ فِي الْبَنَاتِ مَنْ تُفَضَّلُ عَلَى غَيْرِهَا. 24جَمَالُ الْمَرْأَةِ يُبْهِجُ الْوَجْهَ، وَيَفُوقُ جَمِيعَ مُنَى الإِنْسَانِ. 25وَإِنْ كَانَ فِي لِسَانِهَا رَحْمَةٌ وَوَدَاعَةٌ؛ فَلَيْسَ رَجُلُهَا كَسَائِرِ بَنِي الْبَشَرِ. 26مَنْ حَازَ امْرَأَةً؛ فَهِيَ لَهُ رَأْسُ الْغِنَى وَعَوْنٌ بِإِزَائِهِ وَعَمُودٌ يَسْتَرِيحُ إِلَيْهِ. 27حَيْثُ لاَ سِيَاجَ يُنْتَهَبُ الْمَلِكُ، وَحَيْثُ لاَ امْرَأَةَ يَنُوحُ التَّائِهُ. 28مَنْ ذَا يَأْمَنُ اللِّصَّ الْمَشْدُودَ، الأَزْرِ الْهَائِمَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ؟ هكَذَا حَالُ الرَّجُلِ الَّذِي لاَ وَكْرَ لَهُ فَيَأْوِي حَيْثُمَا أَمْسَى.
ع23: كانت قديماً الابنة فى البيت تتزوج من يختاره، أو يوافق عليه والدها، وليس لها حق الاختيار، أما الرجل فمنذ القديم، أيام يشوع بن سيراخ ومن قبله، كان من حقه اختيار زوجته، فكان يجد من تفضل عن غيرها فى صفاتها، فيختار الزوجة الفاضلة، المتميزة؛ ليتمتع معها بحياة زوجية سعيدة. والآيات التالية ستظهر لنا الصفات المحببة فى الزوجة، ومدى تأثيرها على زوجها.
ع24: منى : أمنيات.
جمال المرأة يبهج الرجل الذى ينظر إليها، ويجذبه نحوها أكثر من كل المغريات، إذ يشعر بارتياح وإعجاب، ينبئه بأن صفاتها لابد وأن تكون جميلة؛ هذا ما يتخيله الرجل، وهو صحيح بنسبة؛ لأن الجمال لا يعتمد على مقاييس معينة، لكنه انطباع يشعر به الرجل، ويختلف من واحد إلى آخر، فما يعجب رجلاً قد لا يعجب الآخر.
وجمال المرأة مبنى ليس فقط على منظر الوجه، أو الجسد، ولكنه يشمل أيضاً ما فى داخل المرأة، فالمرأة الهادئة الوديعة يظهر هذا إلى حد كبير على شكلها الخارجى، والتى تتمتع بعشرة مع الله، تكون فى فرح، ويبدو هذا فى ابتسامتها، وتحركاتها. وهكذا يخرج ما فى داخل الإنسان، ويظهر عليه من الخارج.
ولكن ليس معنى هذا أن كل ما فى داخل الإنسان يظهر خارجه، وقد تمثل المرأة مظهراً خارجياً يختلف أحياناً عما فى داخلها، أى تبدو أنها لطيفة ووديعة، لكنها تحمل قسوة دفينة فى قلبها.
ع25: إن تميزت المرأة، بجوار جمالها، بصفتين هما :
- لسانها اللطيف، ذو الكلمات الطيبة الناعمة المشجعة.
- الوداعة، أى الهدوء الداخلى، بالإضافة إلى مظهر الهدوء الخارجى قدر ما تستطيع.
هاتان الصفتان، بالإضافة إلى جمالها، يعطيها تأثيراً قوياً على زوجها، بل نستطيع أن نقول أنه لا يكون مثل سائر البشر، بل أفضل منهم، ومتميزاً عنهم؛ لتمتعه بهذه الزوجة الفاضلة.
هذه الآية تظهر أنه ليس بالجمال الجسدى وحده تكون المرأة فاضلة، ومؤثرة فى زوجها، ولكن لابد أن يقترن الجمال بفضائل هامة، مثل اللسان والتصرفات. فاللسان الحلو والوداعة واللطف صفات أساسية فى المرأة. وهذه الصفات تكمل جمال المرأة، وعلى قدر ما توجد فيها تجعلها أكثر جمالاً من غيرها، أى أنها لو كانت أقل فى الجمال، ولكنها متميزة فى هذه الصفات، تجعلها أفضل من غيرها.
ع26: حاز : نال وحصل وامتلك.
بإزائه : مقابله.
إذا نال الرجل امرأة فاضلة بالصفات السابقة، فقد اقتنى كنزاً عظيماً ليس أفضل منه، فهو بهذا أعظم غنى؛ لأن المرأة الفاضلة أفضل من كل أموال العالم. بالإضافة إلى هذا، فالمرأة الفاضلة مدبرة، فتحافظ على أموال زوجها، وهى قنوعة، فتستطيع أن توفر لزوجها الكثير من النفقات، فيصير بالتدريج غنياً.
هذه المرأة الفاضلة هى عون لرجلها، كما أعلن الله عندما خلق حواء وقال : أنها معيناً نظيره (تك2: 18). فهى تكمله، وتسنده، ويطمئن لوجودها معه، بل تجعله عظيماً بين الناس، كما يقول المثل : “وراء كل عظيم امرأة”. هذه المرأة الفاضلة تكون عموداً يستند عليه الرجل، ويستريح عنده، أى تكون سنداً قوياً ثابتاً، مثل العمود، رغم شكلها الجسدى الأضعف منه، لكنها قوية فى فضائلها، فيستريح الرجل فى كل خطواته لوجودها معه.
ع27: سياج : سور.
ينتهب : يسرق.
إن كان السياج والأسوار ضرورية للمحافظة على أملاك الإنسان، وخاصة الغنى، مثل الملك، حتى تحفظ له ممتلكاته من السارقين، فكذلك المرأة ضرورية فى حياة زوجها، فإذا فقدها يتألم، ويبكى، إذ يشعر أنه وحيد بدونها، بل يصير مثل التائه وسط زحام الحياة. هذا كله يؤكد أهمية المرأة الفاضلة فى حياة رجلها، فهى تشجعه، ويتحدث معها، فيراجع أفكاره وأعماله، ويسمع مشورتها، وتهون عليه متاعبه، وآلامه، وبكلامها الطيب يستعيد هدوءه، ويستريح، ويمتلئ قوة يستطيع بها أن يواصل جهاده، ونجاحه فى الحياة.
ع28: المشدود الأزر : القوى المستعد للهجوم.
الهائم : خرج لا يعرف أين يتجه.
وكر : مسكن.
يأوى : يبيت.
أمسى : عندما يأت وقت المساء.
إذا كان الناس يخافون من اللص الذى يتنقل من مدينة إلى مدينة، وهو قوى ومستعد للهجوم، فكم بالأولى يلزم الخوف من الرجل الذى لا يعيش فى بيت مع امرأته، ويتحرك فى كل مكان، ويبيت فى أى مكان يجده؛ لأنه يمكن أن يهاجم أية امرأة، ويضايقها، أو يسقط معها فى الخطية؛ لأنه لا يتمتع بالحياة الزوجية المستقرة.
ومن هذا يُفهم أن الزوجة الفاضلة تقدم لزوجها حياة مستقرة هادئة مشبعة، فلا يحتاج أن ينظر نظرات أو يفكر أفكاراً شريرة.
ويلاحظ أنه فى العهد القديم لم توجد إلا أمثلة قليلة للبتولية، مثل إيليا النبى، ولكن الوضع السائد هو الزواج، فليته يكون بإمرأة فاضلة، ليعيش الإنسان حياة مستقرة مع الله.
من الآيات السابقة نشعر بأهمية المرأة الفاضلة التى تتمتع بصفات كثيرة أهمها :
- الجمال.
- اللسان الرحيم.
- الوداعة.
- مصدر الغنى.
- معينة.
- مساندة ومطمئنة.
- سور وحصن.
- حماية وشبع.
ليت كل فتاة وامرأة تسعى للتحلى بهذه الصفات من خلال علاقتها بالله، وليت كل رجل يتمتع بالصفات الحميدة فى زوجته. وعلى كل من يسعى للزواج أن يختار فى زوجته الصفات التى تسنده طوال حياته، وينظر إلى الجوهر قبل المظهر، فنحيا كلنا مطمئنين بين يدى الله.