شهوة المال والطعام والشراب
(1) الغنى (ع 1-11)
1السَّهَرُ لأَجْلِ الْغِنَى يُذِيبُ الْجِسْمَ، وَالاِهْتِمَامُ بِهِ يَنْفِي النَّوْمَ. 2سَهَرُ الاِهْتِمَامِ يَحْرِمُ الْوَسَنَ، وَالْمَرَضُ الشَّدِيدُ يُذْهِبُهُ النَّوْمُ. 3 يَجِدُّ الْغَنِيُّ فِي جَمْعِ الأَمْوَالِ، وَفِي رَاحَتِهِ يَشْبَعُ مِنَ اللَّذَّاتِ، 4يَجِدُّ الْفَقِيرُ فِي حَاجَةِ الْعَيْشِ، وَفِي رَاحَتِهِ يُمْسِي مُعْوِزًا. 5مَنْ أَحَبَّ الذَّهَبَ لاَ يُزَكَّى، وَمَنْ اتَّبَعَ الْفَسَادَ يَشْبَعُ مِنْهُ. 6كَثِيرُونَ سَقَطُوا لأَجْلِ الذَّهَبِ، فَأَضْحَى هَلاَكُهُمْ أَمَامَ وُجُوهِهِمْ. 7الذَّهَبُ عُودُ عِثَارٍ لِلَّذِينَ يَذْبَحُونَ لَهُ، وَكُلُّ جَاهِلٍ يُصْطَادُ بِهِ. 8طُوبَى لِلْغَنِيِّ الَّذِي وُجِدَ بِغَيْرِ عَيْبٍ، وَلَمْ يَسْعَ وَرَاءَ الذَّهَبِ. 9مَنْ هُوَ فَنُغَبِّطَهُ؟ لأَنَّهُ صَنَعَ عَجَائِبَ فِي شَعْبِهِ. 10مَنِ الَّذِي امْتُحِنَ بِهِ فَوُجِدَ كَامِلًا؟ بِهِ فَلْيُفْتَخَرْ. مَنِ الَّذِي قَدَرَ أَنْ يَتَعَدَّى فَلَمْ يَتَعَدَّ، وَأَنْ يَصْنَعَ الشَّرَّ وَلَمْ يَصْنَعْ؟ 11سَتَكُونُ خَيْرَاتُهُ ثَابِتَةً، وَتُخْبِرُ الْجَمَاعَةُ بِصَدَقَاتِهِ.
ع1 : ينفى : يبعد.
المال نعمة من الله يعطيها لنا؛ لنستخدمها لاحتياجاتنا، ولمجد اسمه القدوس، فنساعد الفقراء، ونستخدمها فى كل أعمال الخير.
ولكن الانشغال بالمال أكثر مما ينبغى، بحيث يسهر الإنسان فى العمل؛ ليحصل على أموال إضافية، يتعب جسمه، ويذيبه، أى يتعب، وتنحل قواه.
والاهتمام المستمر بالمال، يجعل الإنسان فى قلق للحصول عليه، والخوف من فقدانه، فيسبب للإنسان اضطراباً، يحرمه من النوم، الذى هو احتياج ضرورى لكل إنسان.
ع2: الوسن : النعاس.
إذاً الاهتمام بجمع الأموال، والسهر فى العمل؛ لتحصيله، يحرم الإنسان من الاحتياج الطبيعى لجسده، وهو النعاس؛ ليستريح، ويجدد خلاياه، فيقوم فى نشاط.
وإذا تعب الجسد، ونالته أعراض الأمراض، مثل الصداع، وآلام الجسد المتنوعة، والتى قد تكون شديدة ومؤلمة، فعندما ينام، يستعيد سلامة جسده، ويقوم صحيحاً ونشيطاً؛ لأن النوم احتياج ضرورى للإنسان، فلا نضيعه لأى سبب؛ حتى لو كان جمع المال؛ لأن الجسد إذا صار مريضاً، سيعجز عن مواصلة العمل، ويمرض بأمراض مؤذية قد يصعب علاجها.
ع3: يجد : يتعب.
الإنسان الغنى، كيف يحصل على أمواله ؟ إنه يتعب كثيراً فى أعماله؛ حتى يحصل على هذا المال، ثم يستريح، ويتلذذ، بل وينغمس أثناء راحته، بعد ساعات العمل؛ ليفرح بشهواته، ويشبع بها.
ع4: معوزاً : محتاجاً.
أما الفقير، فيتعب كثيراً؛ ليحصل على الأموال الضرورية؛ لسد حاجته، فيتعب طول النهار؛ ليجد رزقه، وعندما يأتى المساء لا يجد كل ما يحتاجه، فهو يسد بعض أعوازه، وإذا سدها يعود فقيراً، محتاجاً، فهو يستحق الإشفاق والمعونة من الأغنياء، ليساعدوه؛ فيحيا، ويجد احتياجاته الضرورية.
ويلاحظ أن الغنى قد يكون صالحاً، أو شريراً، وكذا الفقير يمكن أن يكون قريباً من الله، أو بعيداً عنه، ولكن المطلوب من الفقير أن يتعب لأجل الحصول على احتياجاته، أما الغنى فيلزم أن يساعد الفقير، ولا ينغمس فى شهواته.
ع5: لا يزكى : لا يتبرر.
من أحب الحصول على الذهب، وتعلق به ليحصل عليه بأية وسيلة، فإنه لا يكون مبرراً ونقياً أمام الله؛ لأنه تعلق بالمال، وليس بالله، “ومحبة المال أصل لكل الشرور” (1تى6: 10).
ومن أحب الفساد فى سلوكه للحصول على المال، فإنه يتعوده، ويشبع به، بل يعتبره سلوكاً سليماً، فلا يجاهد للتخلص منه، وهكذا يصير غنياً، ولكن بوسائل فاسدة.
والفساد أيضاً يرمز لكل الماديات التى فى العالم، فهى معرضة للفساد، ومن يحبها، يشبع منها، ويبتعد عن الروحيات، كما يقول الكتاب : “محبة العالم عداوة لله” (يع4: 4)، ومن يستوطن فى الجسد يتغرب عن الله (2كو5: 6).
ع6، 7: عود عثار : فخ يعثر ويسقط.
إن كثيراً من الناس أحبوا الذهب، واقتناء المال، فتعبوا كثيراً، وحتى عندما حصلوا على هذه الأموال لم يستفيدوا منها، إلا فى التلذذ ببعض شهواتهم، ولكن لم يكن لهم راحة فى داخلهم؛ لأجل التهابهم واضطرابهم لأجل شهوة جمع المال، وبعدما حصلوا على المال، تركوه لمن هم بعدهم، وهلكوا فى الحياة الأخرى؛ لأنهم رفضوا الله وأهملوه.
والمشكلة ليست فى المال، بل من يتعلق به، ويتعبد له كمن يذبح لوثن، هو أيضاً يقدم كل إمكانياته للحصول على المال، فيفكر فيه، ويشتاق إليه، ويتكلم عنه، ويسعى بكل طاقته للحصول عليه، والاحتفاظ به، وهكذا يتحول المال لهم إلى فخ يبعدهم عن الله، وعن الملكوت، فيهلكوا فى العذاب الأبدى، مثل الغنى فى مثل الغنى ولعازر، الذى هلك، وذهب إلى الجحيم بسبب محبة المال، وإهمال الفقراء، مثل لعازر (لو16: 19-31).
ع8، 9: طوبى : يالسعادة.
يسع : يسعى ويبحث.
نغبطه : نمدحه.
عظيم هو الشخص الغنى الذى لم يخطئ فى جمع الأموال، وسلك باستقامة، ولم يكن قلبه متعلقاً بالذهب، أو الأموال، ولكن عمله واجتهاده أدى إلى أن يصل إلى الغنى، مع بركة الله التى تسانده.
معنى هذا، أن الله ليس ضد الغنى، ولكنه يريد أن يكون صالحاً ومستقيماً فى سلوكه. والأغنياء الصالحون كثيرون، مثل إبراهيم أب الآباء، وابنه اسحق، وحفيده يعقوب، ويوجد فى الكتاب المقدس أمثلة كثيرة للأغنياء مثل أيوب وطوبيا..
هذا الغنى لأنه صالح، استخدم أمواله فى أعمال الخير الكثيرة؛ هذا ما تسميه الآية: “عجائب”، فهؤلاء الأغنياء اشتهروا بعمل الخير، وسفر أيوب يشهد بهذا من جهة أيوب، وطوبيا كان يساعد المحتاجين، ويعتنى بدفن الموتى.
ع10: يتعدى : يتجاوز ويعصى.
قليلون هم الأغنياء الذى يتعرضون لظروف تدفعهم لاستخدام أموالهم فى الشر، أو الظلم، ولم يفعلوا؛ هؤلاء عظماء ويفتخر بهم كل الناس.
هؤلاء العظماء تعرضوا لمواقف تجعلهم يتجاوزون فيها الحق اعتماداً على أموالهم، ولكنهم ظلوا ثابتين فى استقامتهم، ولم يتأثروا بكثرة أموالهم؛ لأن مخافة الله أمامهم.
من هؤلاء الأغنياء، ابراهيم الذى ساعده الله وانتصر عليه كدر لعومر، والملوك الذين معه بكل جيوشهم، ولما عاد منتصراً، رفض أن يأخذ أموالاً من أحد الذين دافع عنهم، لكى يعود الغنى والفضل كله لله، وداود بعدما صار ملكاً على كل أسباط إسرائيل، لم ينتقم من نسل شاول الذى حاول كثيراً قتله، لكنه على العكس اعتنى بمفيبوشث حفيد شاول، وابن يوناثان وأكرمه جداً (2صم9: 7).
ع11: الله يبارك هذا الغنى الصالح، فيحفظ له خيراته على الأرض، ثم يعطيه خيرات لا يعبر عنها فى السموات، ويشهد الناس بكرمه وعطاياه، ومساعدته للمحتاجين.
من الأمثلة الواضحة لهذا، المعلم إبراهيم الجوهرى، الذى كان فى مركز كبير الأقباط فى مصر، وكان غنياً وكريماً فى عطاياه بسخاء للمحتاجين، ومازالت الأجيال حتى الآن تشهد بصلاحه وتقواه.
أشكر الله على ما عندك من خيرات، وكن أميناً فى مساعدة كل محتاج؛ سواء بالمال، أو بالتشجيع، أو بالاهتمام الروحى؛ لكى تريح كل من يقابلك، فيفرح الله بك، ويباركك على الأرض، وفى السماء.
(2) المائدة (ع12-29):
12إِذَا جَلَسْتَ عَلَى مَائِدَةٍ حَافِلَةٍ؛ فَلاَ تَفْتَحْ لَهَا حَنْجَرَتَكَ، 13وَلاَ تَقُلْ مَا أَكْثَرَ مَا عَلَيْهَا.
14اُذْكُرْ أَنَّ الْعَيْنَ الشِّرِّيرَةَ سُوءٌ عَظِيمٌ. 15أَيُّ شَيْءٍ خُلِقَ أَسْوَأَ مِنَ الْعَيْنِ؛ فَلِذلِكَ هِيَ تَدْمَعُ مِنْ كُلِّ شَخْصٍ. 16حَيْثُمَا لَحَظَتْ؛ فَلاَ تَمْدُدْ إِلَيْهِ يَدَكَ، 17وَلاَ تُزَاحِمْهَا فِي الصَّحْفَةِ. 18اِفْهَمْ مَا عِنْدَ الْقَرِيبِ مِمَّا عِنْدَكَ، وَتَأَمَّلْ فِي كُلِّ أَمْرٍ. 19كُلْ مِمَّا وُضِعَ أَمَامَكَ، كَمَا يَأْكُلُ الإِنْسَانُ، وَلاَ تَكُنْ لَهِمًا لِئَلاَّ تُكْرَهَ. 20وَكُنْ أَوَّلَ مَنْ أَمْسَكَ مُرَاعَاةً لِلأَدَبِ، وَلاَ تَتَضَلَّعْ لِئَلاَّ يُنْكَرَ عَلَيْكَ. 21وَإِذَا اتَّكَأْتَ بَيْنَ كَثِيرِينَ؛ فَلاَ تَمْدُدْ يَدَكَ قَبْلَهُمْ. 22مَا أَقَلَّ مَا يَكْتَفِي بِهِ الإِنْسَانُ الْمُتَأَدِّبُ، وَمِثْلُ هذَا لاَ تَأْخُذُهُ الْكِظَّةُ عَلَى فِرَاشِهِ. 23السُّهَادُ وَالْهَيْضَةُ وَالْمَغْصُ لِلْرَّجُلِ الشَّرِهِ. 24رُقَادُ الصِّحَّةِ لِقَنُوعِ الْجَوْفِ. يَقُومُ بَاكِرًا وَهُوَ مَالِكُ نَفْسِهِ. 25وَإِذَا أُكْرِهْتَ عَلَى الأَكْلِ؛ فَاعْتَزِلْ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ فَتَسْتَرِيحَ. 26اِسْمَعْ لِي يَا بُنَيَّ، وَلاَ تَسْتَخِفَّ بِي، وَأَخِيرًا تَخْتَبِرُ أَقْوَالِي. 27فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكَ كُنْ نَشِيطًا؛ فَلاَ يَلْحَقَ بِكَ سَقَمٌ.
28مَنْ سَخَا بِالطَّعَامِ تُبَارِكُهُ الشِّفَاهُ، وَيُشْهَدُ بِكَرَمِهِ شَهَادَةَ صِدْقٍ. 29مَنْ شَحَّ بِالطَّعَامِ تَتَذَمَّرُ عَلَيْهِ الْمَدِينَةُ، وَيُشْهَدُ بِلُؤْمِهِ شَهَادَةَ يَقِينٍ.
ع12، 13: حافلة : كثيرة الأطعمة.
إذا دُعيت إلى وليمة، ووضع على المائدة أطعمة متنوعة كثيرة، فلا تترك نفسك تشتهى ما عليها، وتحاول أن تأكل من كل الأصناف، بل كن منضبطاً، وكُل بمقدار، فتحفظ نفسك من الشهوة، وتعطى صورة حسنة لمن دعوك للوليمة.
كان من عادة الولائم أيام ابن سيراخ، أن يجلس الإنسان ويغطى وجهه إلى حد ما بالغطاء الذى على رأسه؛ حتى لا يتلفت يميناً ويساراً إلى كل الأطعمة، وحتى لا يلاحظ ما يأكله الآخرون، فيساعده كل هذا على الانضباط، والاكتفاء بما أمامه من أطعمة، وأن يأكل القليل المناسب منها.
ع14، 15: تذكر أن العين الشريرة، تجلب عليك متاعب كثيرة. والعين الشريرة هى التى تشتهى كل ما يقابلها؛ حتى أنها تدمع، أى تتأثر، وقد ينزل منها بعض الدموع، إذا وجدت مائدة ملآنة بالأطعمة، أو رأت مقتنيات كثيرة، أو رأت شخصاً له ملابس ومقتنيات فاخرة، وليس لديها مثل كل هذا.
والعين تعبر عن شهوة الطعام وشهوة التملك التى داخل الإنسان، وهذه العين تحتاج أن تنضبط، فلا تنظر فى كل مكان، وتكتفى بما عندها، وتشكر الله عليه.
ع16، 17: الصحفة : الطبق.
إذا لاحظت صنفاً جذاباً من الأطعمة، فلا تسرع وتمد يدك إليه قبل غيرك فى شهوة شديدة. وإذا لاحظت أن غيرك مد يده، فانتظر حتى يأخذ ما يريد، ولا تزاحمه فى نفس الطبق لتخطف ما تستطيع أن تأخذه، أى اضبط نفسك، ولا تنساق وراء شهواتك.
ع18: إذا دُعيت لوليمة، فلا تطالب من يقيم الوليمة أن يعد لك أطعمة معينة، أو إذا دخلت الوليمة، فلا تطلب أصنافاً معينة لدرجة أن تُرهق صاحب الوليمة. تأمل فيما تصنعه، فلا تندفع وراء شهواتك، فتستطيع أن تضبط نفسك؛ حتى لا تضايق صاحب الوليمة، وتكون ضيفاً لطيفاً يفرح أن يراك دائما فى ولائمه، وتكون عفيفاً أمام الله، فتحمى نفسك من خطايا كثيرة.
ع19: لهما : من النهم ومعناه الأكل بكثرة والبلع بسرعة.
عندما تجلس على مائدة الوليمة، فكل مما أمامك، ولا تنظر إلى ما أمام غيرك وتشتهى ما ليس عندك.
وعندما تأكل، ليكن أكلك بتأدب مثل باقى البشر المتأدبين، ولا تكن كالوحوش التى تفترس وتلتهم من كل ناحية.
ولا تأكل بشراهة، فيكون منظرك صعباً، وحينئذ يتضايق منك من حولك، وصاحب الوليمة أيضاً، فيكره أن يدعوك مرة أخرى إلى ولائمه.
ع20: أمسك : توقف عن الأكل.
تتضلع : تشبع وترتوى.
عندما تجلس فى وليمة، فاحرص أن يكون شكلك متعففاً، وغير منغمس فى شهوة الطعام والشراب، فتكون أول شخص من الجالسين على المائدة فى التوقف عن الأكل، و إلا سيظهر عليك العكس، وهو انشغالك بالطعام والشراب، وأنك غير قادر أن تمسك نفسك، إلا بعد أن تشبع تماماً، فيكون مظهرك سيئاً، وينكرون عليك ما فعلته، أى يتضايقون منك، ويدينونك.
مع مراعاة أيضاً، ألا يظهر عليك أن الطعام لا يعجبك، ولذا لا تريد أن تأكل، ولكن المقصود، أن تأكل بتعفف، أى قليلاً قليلاً، ولا تكون أول من يمد يده، ولا آخر من يتوقف عن الأكل.
ع21: اتكأت : جلست.
من الأمور التى تراعيها أيضاً عند جلوسك على المائدة فى الوليمة، ألا تسرع قبل غيرك، وتمد يدك إلى الأصناف المحببة لتأخذ نصيبك، أو ما تشتهيه. كن متعففاً، واترك غيرك يسبقك، فتكون متأدباً، ويمدحونك.
ع22، 23: الكظة : الامتلاء الزائد من الأكل، أى ما يسمى بالتخمة، ويصاحبه عسر الهضم.
السهاد : العجز عن النوم، الأرق.
الهيضة : قئ وإسهال.
إن الإنسان المتأدب هو المتعفف، فيكتفى بالقليل من الطعام فى الوليمة، وبالتالى لا يتعرض للتخمة، وما ينتج عنها من سهاد وهيضة، أى ينام مستريحاً بعض الأكل المعتدل. وعلى العكس، فإن الإنسان الشره الذى يأكل كثيراً، يتعرض لامتلاء البطن الزائد، وما يصاحبه من أرق ومغص وقئ وإسهال، وأى متاعب صحية أخرى، مثل أمراض القلب والضغط والسكر.
ع24: الإنسان المعتدل فى تناوله للطعام و هو متمسك بالقناعة، والعفة؛ يتمتع بنوم هادىء، وتكون صحته جيدة، إذ لا يثقل على معدته، وجهازه الهضمى كله بأطعمة فوق طاقته. وبالتالى يستطيع أن يستيقظ مبكراً؛ لأنه غير مثقل بالأطعمة الكثيرة، وتخف عنه حروب الشهوات، ويسرع إلى عمله ومسئولياته بنشاط، وله إرادة قوية، وجسد متماسك قادر على أداء أعماله.
ع25: إذا كنت فى وليمة، وضغطوا عليك لتأكل أطعمة تشعر أنها زيادة عن احتياجك، فتوقف عن الأكل واعتذر لهم، واترك المائدة، فتستريح من هذا الضغط، ولا تثقل على نفسك أكثر من احتمالك.
وإذا كنت أنت صاحب الوليمة، فليتك لا تضغط على الآخرين، بداعى الإكرام، فإن هذا قد يضايقهم، يمكن أن تشجع مضيفك على الأكل مرة، أو مرتين، ثم تتركه بحريته.
ع26: فى نهاية الكلام عن الطعام والمائدة، يطلب ابن سيراخ ممن يسمعونه، أو يقرأون كلامه، ألا يستهينوا به؛ لتدخله فى تفاصيل معاشة عملية، وإن طبق الإنسان نصائح ابن سيراخ، سيكتشف بالخبرة مدى صحتها، واستفادته منها.
ع27: سقم : مرض.
نصيحة غالية يقولها ابن سيراخ لكل من يبغى الحكمة، أن يهتم بالنشاط فى كل خطواته؛ سواء بالانضباط فى الأكل والشرب، أو القيام مبكراً، والاعتدال فى كل ما يعمله الإنسان؛ ليحتفظ بنشاطه، وبهذا يحمى نفسه من الأمراض الجسدية والنفسية، بل يساعده هذا على الاقتراب إلى الله.
ع28: نصيحة أخرى ختامية يقولها ابن سيراخ لكل إنسان حكيم، أن يكون سخياً فى ولائمه، أى يكون كريماً عندما يقدم الطعام للناس؛ ليشبعهم، فيشهد الكل بكرمه، ويباركه الناس، خاصة المحتاجين، الذين يشبعون من خيره، وهذه الشهادة شهادة صادقة؛ لأنها خارجة من أفواه المحتاجين الذين شبعوا بالحقيقة.
ع29: لؤمه : المقصود بخله.
يقين : حق.
على العكس، الإنسان البخيل الذى يعطى الطعام بشح، أى أقل مما هو مطلوب لاحتياج الناس، خاصة الفقراء المحتاجين، فيتذمر عليه كل من حوله فى المدينة، ويعلنون أنه بخيل، وشهادتهم حقيقية، إذ يتكلمون عن ثقة بما رأوه أمام أعينهم.
? الطعام نعمة من الله، فاشكره عليها، ولا تتعلق بالطعام فى حد ذاته، وفى حضورك للولائم كن متعففاً، فيباركك الله، وتتمتع بصحة جيدة، ويحبك الناس.
(3) الخمر ( ع30-42) :
30لاَ تَكُنْ ذَا بَأْسٍ تُجَاهَ الْخَمْرِ؛ فَإِنَّ الْخَمْرَ أَهْلَكَتْ كَثِيرِينَ. 31الأَتُونُ يَمْتَحِنُ الْحَدِيدَ الْمُمْهَى، وَالْخَمْرُ تَمْتَحِنُ قُلُوبَ الْمُتَجَبِّرِينَ فِي الْقِتَالِ. 32الْخَمْرُ حَيَاةٌ لِلإِنْسَانِ، إِذَا اقْتَصَدْتَ فِي شُرْبِهَا. 33أَيُّ عَيْشٍ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ خَمْرٌ؟ 34أَيُّ شَيْءٍ يُعْدِمُ الْحَيَاةَ؟ الْمَوْتُ. 35الْخَمْرُ مِنَ الْبَدْءِ خُلِقَتْ، لِلاِنْبِسَاطِ لاَ لِلسُّكْرِ. 36الْخَمْرُ ابْتِهَاجُ الْقَلْبِ وَسُرُورُ النَّفْسِ، لِمَنْ شَرِبَ مِنْهَا فِي وَقْتِهَا مَا كَفَى.37الشُّرْبُ بِالرِّفْقِ صِحَّةٌ لِلنَّفْسِ وَالْجَسَدِ. 38الإِفْرَاطُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ خُصُومَةٌ وَنِزَاعٌ.
39الإِفْرَاطُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَرَارَةٌ لِلنَّفْسِ. 40السُّكْرُ يُهَيِّجُ غَضَبَ الْجَاهِلِ لِمَصْرَعِهِ، وَيُقَلِّلُ الْقُوَّةَ وَيُكْثِرُ الْجِرَاحَ. 41فِي مَجْلِسِ الْخَمْرِ لاَ تُوَبِّخِ الْقَرِيبَ، وَلاَ تَحْتَقِرْهُ فِي سُرُورِهِ. 42لاَ تُخَاطِبْهُ بِكَلاَمِ تَعْيِيرٍ، وَلاَ تُضَايِقْهُ فِي الْمُطَالَبَةِ.
ع30: بأس : قوة.
لا تدعى أنك قوى أمام الخمر، ولا يهمك إن شربت منها قليلاً، أو كثيراً، أو أنك ستضبط نفسك وتشرب قليلاً؛ لأنك يمكن أن تنزلق دون أن تشعر، وتشرب فى إحدى المرات أكثر مما ينبغى، فيغيب عنك وعيك، ولو قليلاً، فتصير مجالاً للاستهزاء والخزى.
ويمكن من ناحية أخرى، أن تتعود شرب الخمر حتى تدمنه، ولا تستطيع أن تتنازل عنه. إحترس من الكأس الأولى، فإن كثيرين سقطوا فى التعلق بالخمر وتعبوا وهلكوا.
ع31: الآتون : الفرن.
الحديد الممهى : الحديد الصلب، أو الفولاذ.
إن كانت النار قوية لدرجة أن تمتحن الحديد الصلب فتصهره، أو تجعله ليناً، فهكذا أيضاً الخمر، تمتحن قلوب الأقوياء فى نظر أنفسهم، فتظهر ضعفهم مهما كانوا معروفين بالقوة فى القتال، سواء الحرب، أو فى مواقف الحياة الصعبة، لكنهم يضعفون أمام الخمر، ويخضعون لها، ويدمنوها، أو تؤثر على اتزانهم، لذا ينبغى الاحتراس منها، وعدم إدعاء القوة أمامها؛ حتى لا يخزى الإنسان.
ع32-37: كل شئ خلقه الله جيد إذا استخدم بما يرضى الله. فعصير العنب المخمر كان منتشراً فى اليهودية، وهو العصير الذى فيه نسبة قليلة من التخمير، ولا يسكر منها الإنسان إذا شرب منها كمية قليلة، وهى ليست مثل الخمر المعروفة حالياً المستخرجة بالتقطير، وفيها نسبة كحول كبيرة. فإذا شرب الإنسان كوباً صغيراً، أو كأساً من هذه الخمر فى أحد الأفراح لا يمكن أن يسكر، ولكن إن شرب كثيراً يمكن أن يتأثر ويفقد شئ من وعيه، وبهذا يدخل فى درجة من درجات السكر، وهذا ممنوع كما فى (ع35).
هذه الخمر طعمها لذيذ، فيه نسبة من السكر، وتعطى الإنسان فرحاً وسروراً، ولا تضره.
بالإضافة إلى أن الخمر تستخدم فى علاج بعض الأمراض قديماً، لعدم توفر الأدوية المستعملة حالياً، كما أشار بولس على تلميذه تيموثاوس : أن يشرب قليلاً من الخمر لعلاج معدته (1تى5: 23)، وأيضاً السامرى الصالح استخدم الخمر لعلاج جروح وأوجاع اليهودى الذى هجم عليه اللصوص وضربوه (لو10: 34).
إذا شُرب قليل من الخمر الذى يحتوى على نسبة قليلة من الكحول يعطى الإنسان :
- حياة، أى حيوية ونشاط.
- سروراً وفرحاً.
- علاجاً لبعض الأمراض قديماً.
أما السكر فيؤذى الإنسان، وإذا استمر فيه يؤدى به للموت (ع34).
ع38-40: شرب الخمر بكثرة يؤدى إلى السكر، وينتج عنه مشاكل كثيرة أهمها :
- نزاع بين الجالسين لشرب الخمر، بل وخصومات أيضاً، وأيضاً هذا السكير إذا عاد إلى بيته يصنع مشاكل ونزاعات مع أهله، ومع من يمر به أى المحيطين به؛ لأنه ليس فى وعيه الكامل.
- يسبب مرارة للإنسان إذ يذكره بأوجاعه، ويتكلم عنها بحزن، فتزداد متاعبه التى كان يحاول أن يتناساها بشرب الخمر.
- يهيج الغضب فى الإنسان السكران، وهذا الغضب يؤذى صاحبه، وإذا استمر فى الشرب، يتأثر جسده؛ حتى يموت من شرب الخمر.
- يضعف قوة الإنسان، ويفقد نشاطه وقوته الأولى.
- يسبب له جراحاً كثيرة، أى متاعب جسدية ونفسية وروحية، فيتباعد عن الله والإحساس به، بالإضافة إلى متاعب فى عمله وعلاقاته مع الآخرين، كما حدث مع لوط، فزنى مع ابنتيه عندما سكر، وأنجب منهما ابنين كونا شعبين بعيدين عن الله، وأتعبا شعب الله زماناً طويلاً، وهما شعب موآب وبنى عمون (تك19: 32-38).
والخلاصة، يلزم الابتعاد عن شرب الخمر، وإن كانت هى غير محرمة؛ لأن الله خلق كل مادة صالحة، ولكن إن لم يكن لها داعى فيبتعد عنها الإنسان، وعلى الأقل يوفر أمواله، ويعطيها للمحتاجين إن كانت زائدة عن حاجته.
ع41، 42: الإنسان السكران ليس فى وعيه، وبالتالى لا ينفع أن توبخه على شرب الخمر الكثير، أو على أى خطأ عمله قبلاً؛ لأنه لن يستفيد شيئاً مما تقوله.
وأيضاً لا تحتقر السكران لأنه يتصرف ويتكلم ويفعل أموراً لا تليق، كما احتقر كنعان أباه نوح عندما سكر وتعرى (تك9: 21، 22).
لا تستغل أيضاً وضع السكران، إذ أنه فى غير وعيه الكامل، فلا تعيره بسكره، فإنه لن يستطيع أن يرد عليك، وكذلك لا تستغل سكره، فيوقع على شئ لتكسب منه أى أمر مادى، أو تطالبه بأى أموال، وتأخذها منه، وهو فى هذه الحالة.
والخلاصة، بدلاً من أن تستغل ضعف السكير، أشفق عليه، وصلى لأجله، وحاول أن توصله إلى بيته؛ حتى لا يستغله أحد.
? احترس من الاقتراب من الخمر، لا تستخدم هذا فى اللهو، أو تنساق مع من يحبون شرب الخمر، فتتعلق بها، وتجاهد كثيراً للتخلص منها عندما تكتشف أنك أدمنتها، أو تحتاج أن تدخل مكاناً للعلاج من إدمانك.
كن حريصاً فى استخدام كل شئ، وليس الخمر فقط، فلا تتعلق بشئ إلا بمحبة الله، ومحبة الخير.