انتصار نبوكدنصر ورسائله إلى العالم
(1) عظمة أرفكشاد (ع1-4) :
1-إن أرفكشاد ملك الماديين قد أخضع أممًا كثيرة لسلطانه وبنى مدينة منيعة جدًا أسماها أحمتا.
2-بناها من حجارة مربعة منحوتة وابتنى أسوارها على ارتفاع سبعين ذراعًا فى عرض ثلاثين ذراعًا وشيد بروجها على ارتفاع مئة ذراع. 3-مساحة كل جانب من مربعها عشرون قدمًا وجعل أبوابها فى علو الأبراج. وكان يفتخر بقدرته وسطوة جيشه وعزة مراكبه.
ع1: الماديين : هم سكان مملكة مادى التى يحدها من الشمال والشرق بحر قزوين، ومن الجنوب فارس ومن الغرب مملكة أشور (العراق حاليًا).
أرفكشاد هو المسمى “فرارتس” أى “الملك العظيم”، أو “فرا” أى الملك، ثم أضيف إليها كشاد، أى “الحليم” فهى كلها أسماء لملك واحد، الذى لقب بالملك العظيم والحليم. والعظيم؛ لأنه بنى المدينة العظيمة “أحمتا” والحليم لأنه كان محبًا لليهود وعطوفًا عليهم. وهو ابن الملك “ديوجس” الذى بدأ ببناء أحمتا، ثم أكمل أرفكشاد بناءها.
وواضح أن أرفكشاد هذا كان قويًا عظيمًا، استطاع أن ينتصر على شعوب كثيرة محيطة به ويوسع مملكة “مادى”.
وتأكيدًا لعظمته بنى مدينة عظيمة أسماها “أحمتا”، أو “أكبتانا” وجعلها عاصمة لبلاد مادى، وهى بالقرب من مدينة طهران الحالية بإيران.
ع2-4: لقد إهتم الملك العظيم أرفكشاد ببناء مدينة أحمتا عاصمته على أعلى مستوى من القوة والعظمة، فبنى بيوتها بحجارة مربعة من الصخر، وجعل أسوارها مرتفعة وضخمة جدًا، تعلن عـن حصانة مدينته وقوته، فكان ارتفاع السور سبعين ذراعًا (الذراع يتراوح ما بين 45-50سم) – وهو ذراع إنسان – أى حوالى خمسة وثلاثين مترًا، أما عرض السور فكان ثلاثين ذراعًا، أى حوالى خمسة عشر مترًا تقريبًا، فأصبح السور كطريق عريض يمكن أن تُحشد عليه مركبات وجنود.
وتعظيمًا لمدينته بنى على السور أبراجًا، يصل ارتفاعها إلى مئة ذراع، أى حوالى خمسين مترًا، وهى أبراج مربعة الشكل، طول ضلعها ما يوازى عشرون قدمًا تقريباً (القدم 30سم)، أى حوالى ستة أمتار.
أما أبواب المدينة، فجعلها عالية وضخمة جدًا كالأبراج، يصل إرتفاعها إلى خمسين مترًا، فتظهر عظمة جيوشه عندما تخرج منها .. وتكبر أرفكشاد وتفاخر بقوته وعظمة جيوشه.
وهذا هو الإنسان فى كل جيل، يعتمد على الماديات ويظن بهذا أنه حصَّن نفسه ولكن “إن لم يحرس الرب البيت فباطلاً يسهر الحراس” (مز126: 1-2).
وهذه المدينة العظيمة دُمرت بعد ذلك بقليل، كما تتلاشى كل الماديات التى يتكل عليها الإنسـان، ولا يبقى إلا : “اسم الرب الذى هو برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع” (أم18: 10).
فليتك يا أخى تتضع وتشكر الله على عطاياه، ولا تتعاظم على من حولك، بل كن مثل سيدك الذى جلس عند أقدام تلاميذه.
(2) انتصار نبوكد نصر على أرفكشاد (ع5، 6):
5-وإن نبوكد نصر ملك أشور الذى كان مالكًا على نينوى المدينة العظيمة فى السنة الثانية عشرة من ملكه حارب أرفكشاد فظفر به. 6-فى الصحراء العظيمة التى يقال لها رعاوى عند الفرات ودجلة ويادسون فى صحراء آريوك ملك عليم.
ع5، 6: دجلة والفرات : نهرى العراق الرئيسيين.
يادسون : نهر يقع شرق العراق.
عليم : أى عيلام وهى دولة تقع شرق العراق.
رعاوى : وهى راجيس وتقع هذه المنطقة شرق العراق عند ملك عليم.
خاف نبوكد نصر ملك أشور (المجاورة لمادى من الغرب) وعاصمتها نينوى (الموجودة على نهر دجلة) من ازدياد سطوة أرفكشاد وسيطرته على الممالك المجاورة، فقرر نبوكد نصر فى السنة الثانية عشر من ملكه أن يحارب أرفكشاد ملك مادى. وهو غير نبوخذنصر ملك بابل، الذى أتى فى وقت لاحق وهزم مملكة أشور، إذ أن نبوخذ نصر هو لقب يطلق على بعض ملوك أشور وبابل ويعنى “حامى البلاد” وكان إسمه الحقيقى “اسرحدون”، فتحرك نحو أرفكشاد بجيوش كبيرة والتقى به فى صحراء “رعاوى”.
وقد استمرت الحروب بين نبوكد نصر وأرفكشاد مدة خمس سنوات، حتى السنة السابعة عشر لملك نبوكدنصر (طبعة الآباء اليسوعيين الحديثة). وفى النهاية انتصر عليه واستولى على بلاده.
(3) رسائل نبوكد نصر إلى بلاد العالم (ع7-12):
7-فعظم إذ ذاك ملك نبوكد نصر وسمت نفسه فراسل جميع سكان قيليقية ودمشق ولبنان.
8-والأمم التى فى الكرمل وقيدار وسكان الجليل فى صحراء يزرعيل الواسعة. 9-وجميع من فى السامرة وعبر الأردن إلى أورشليم وفى جميع أرض يسى إلى حدود الحبشة. 10-إلى جميع أولئك بعث نبوكد نصر ملك أشور رسلاً. 11-فأبى جميعهم إتفاقًا وردوا الرسل خائبين وطردوهم بلا كرامة. 12-فإستشاط حينئذ نبوكد نصر الملك غضبًا على تلك الأرض بأسرها وحلف بعرشه وملكه لينتقمن من جميع تلك البلاد.
ع7: قليقية : مقاطعة تقع جنوب شرق آسيا الصغرى، أى تركيا.
دمشق : هى عاصمة سوريا الحالية وهى مدينة قديمة من أيام أبينا إبراهيم.
لبنان : هى دولة لبنان الحالية، التى تقع على البحر الأبيض المتوسط، شمال الأردن وفلسطين.
كرر نبوكد نصر خطأ أرفكشاد، فتكبر وطلب السيطرة على بلاد العالم المحيطة به، فأرسل رسلاً إلى بلاد قليقية ودمشق ولبنان، أى ما يقابل حاليًا منطقة تركيا وسوريا ولبنان.
ع8: الكرمل : سلسلة جبال تقع شرق لبنان.
قيدار : من أهم القبائل العربية التى سكنت شمال شبه الجزيرة العربية، أى السعودية حاليًا.
الجليل : المنطقة الشمالية من بلاد اليهود، أى كنعان ومعظم سكانها من الأمم.
يزرعيل : منطقة تقع فى شمال الجليل.
وأرسل كذلك إلى مناطق الكرمل وقيدار والجليل ويزرعيل، أى ما يقابل حاليًا لبنان وشمال السعودية وشمال فلسطين.
ع9، 10: السامرة : مدينة حصينة تتبعها بلاد كثيرة، وتقع فى الجزء الأوسط من أراضى اليهود، أى كنعان قديمًا، وهى بين الجليل شمالاً واليهودية جنوبًا، وكانت عاصمة للمملكة الشمالية إسرائيل، عندما انقسمت فى عهد رحبعام ابن سليمان.
عبر الأردن إلى أورشليم : تشمل كل الأراضى المحيطة بنهر الأردن وتمتد إلى شمال مصر، وأهم مدنها أورشليم، التى تقع جنوب غرب الأردن.
أرض يسى : هى كل بلاد اليهود التى اتسعت فى أيام داود الملك إبن يسى وتمتد من نهر الأردن إلى حدود مصر.
وأرسل كذلك إلى بلاد السامرة والمناطق المحيطة بنهر الأردن حتى حدود مصر والحبشة، أى أرسل إلى كل بلاد اليهود وكذلك الحبشة، فوصل رسل الملك إلى كل البلاد السابق ذكرها.
وهكذا الكبرياء أم لخطايا كثيرة، فهى تقود للطمع واستغلال الآخرين، واحتقارهم؛ لذلك فالاتضاع أيضًا أب لفضائل كثيرة وهو – أى الاتضاع – مكروه جدًا لدى الشيطان؛ لأنه يُمتع الإنسان بعشرة الله بفضائل متنوعة.
ع11: عندما وصلت رسائل نبوكد نصر إلى كل البلاد سقطوا هم أيضًا فى الكبرياء واستهانوا به، واتفقوا على عدم الخضوع له، وطردوا رسله باحتقار، اعتمادًا على قوتهم واستهانة به. وكانت هذه هى الطريقة المعروفة وقتذاك للتعبير عن الاعتراض على الرسائل، وهى إهانة حامليها.
ع12: عندما عاد الرسل إلى نبوكد نصر، غضب جدًا وأقسم بعرشه أن ينتقم من كل هذه البلاد، وهذا يبين كبرياءه، الذى يميل إلى تأليه نفسه، فلا يقسم بالآلهة الوثنية، بل يقسم بعرشه وسلطانه. وهكذا قابلوا كبرياءه بكبريائهم، وبالطبع فإن الكبرياء لا يعالج كبرياء، بل يزيده اشتعالاً. الحل الوحيد هو الاتضاع، فتفيض مراحم الله على الإنسان المتضع ويغلب كل أعدائه، كما قهر المسيح – باتضاعه على الصليب – كل كبرياء إبليس وسلطانه.