قتل أليفانا ونجاة يهوديت
(1) قطع رأس أليفانا (ع1-10) :
1- و لما أمسوا أسرع عبيده إلى منازلهم و أغلق بوغا أبواب المخدع و مضى. 2- و كانوا جميعهم قد ثقلوا من الخمر. 3- و كانت يهوديت وحدها في المخدع. 4- و أليفانا مضطجع على السرير نائما لشدة سكره. 5- فأمرت يهوديت جاريتها أن تقف خارجا أمام المخدع و تترصد.
6- و وقفت يهوديت أمام السرير و كانت تصلي بالدموع و تحرك شفتيها و هي ساكتة.7- و تقول أيدني أيها الرب إله إسرائيل و انظر في هذه الساعة إلى عمل يدي حتى تنهض أورشليم مدينتك كما وعدت و أنا أتم ما عزمت عليه واثقة باني اقدر عليه بمعونتك. 8- و بعد أن قالت هذا دنت من العمود الذي في رأس سريره فحلت خنجره المعلق به مربوطا. 9- و استلته ثم أخذت بشعر رأسه وقالت أيدني أيها الرب الإله في هذه الساعة. 10- ثم ضربت مرتين على عنقه فقطعت رأسه و نزعت خيمة سريره عن العمد و دحرجت جثته عن السرير.
ع1، 2: بعد أن أدى بوغا مهمته، ونجح فى إحضار يهوديت طوعًا بسهولة إلى مخدع سيده، ومرت الدقائق هادئة وهو يسمع من بعيد همسات الحديث بين سيده ويهوديت، صرف الحرس الخاص بخيمة أليفانا، الذين أخذوا فى الشراب ابتهاجًا بهذه الليلة، التى منحهم فيها سيدهم حق اللهو والعربدة، بينما يتمتع هو بصحبة الجميلة يهوديت.
ولعل يهوديت أكدت التصريح الذى أخذته بالاغتسال من عيون بيت فلوى فى نهاية الليل وقبل الفجر، فاستأذنت من بوغا، أنه بعد قضاء الليلة مع أليفانا، ستذهب كعادتها للإغتسال فى عيون الماء، التى بجوار مدينتها “بيت فلوى”، فأذن لها، وأبلغ حراس المعسكر بذلك، وعندئذ شعر بوغا أنه ليس هناك احتياج لوجوده، وأنه من الأفضل أن يدع سيده فى خلوته مع يهوديت، فأغلق باب الخيمة عليهما، وترك جارية يهوديت فى حجرة الاستقبال، وانصرف، ليتمتع هو أيضًا بما لذ من طعام شهى وشراب وفير فى الوليمة.
ع3، 4: ووجدت يهوديت نفسها وحيدة فى مخدع أليفانا، الذى من كثرة شرب الخمر، ارتمى على سريره واستغرق فى سبات عميق.
عجيبة هى تدابيرك يا رب، فقد هيأت لخادمتك يهوديت كل ما يساعدها على تأدية مهمتها، فجعلت أليفانا، من شدة إعجابه بها، يفرط فى الشراب، ويتعدى بكثير الكمية التى اعتاد احتساءها، ففقد وعيه تمامًا ونام نومًا عميقًا. أما جنوده فانشغلوا باللهو والسكر والأكل ونسوا حذرهم وتركوا حراستهم للخيمة، وحتى بوغا وضعت فى قلبه الطمأنينة، فانصرف هو أيضًا للوليمة، تاركًا سيده بلا حراسة، واثقًا أنه غارق فى ملذاته مع يهوديت الجميلة.
تقدم إلى ممارساتك الروحية من صلوات وأصوام وقراءات، وأيضاً إلى خدمة الله بحماس واثقاً أن الله سيساعدك، ويدبر كل شئ لإتمام مشيئته فيك، لأنه يرغب فى خلاصك أكثر مما ترغب أنت، وهو العامل بنفسه فى الخدمة، وأنت مجرد أداة لمشاركته الفرح بخلاص نفوس الآخرين.
ع5: تترصد : تراقب.
وإذ وجدت يهوديت عدو الله ساقطاً فى نوم عميق، والله قد هيأ لها كل الإمكانيات، وخلا الجو لها تماماً، وخرجت وتأكدت بنفسها أن وصيفتها تجلس وحدها فى حجرة الاستقبال، وليس على الباب حارس واحد واختفى الجميع داخل الخيام، يأكلون ويشربون ويلهون، أمرت جاريتها أن تقف بجوار باب الخيمة الخارجى، وتنصت باحتراس لأى صوت، أو وقع أقدام تقترب، مع أن الله قد رتب كل شئ ولكن يهوديت قامت بواجبها قى تدقيق واحتراس كامل غير متواكلة، وإن كان الله قادراً وحده على قتل وإهلاك أليفانا ولكن ينبغى أن تقوم بواجبها كاملاً. وكما أن المسيح قادر على إقامة لعازر ولكن ينبغى أن يرفعوا الحجر أولاً.
لا تتهاون فى جهادك الروحى، فى صلواتك وأصوامك وقراءات، ولا تترك أية ثغرة لدخول الخطية إليك، حينئذ يتمم الله مشيئته فيك، ويقع الشيطان عدوك صريعًا تحت قدميك.
ع6: ثم دخلت يهوديت ثانية إلى المخدع وأمامها أليفانا راقدًا على فراشه ورفعت عينيها نحو السماء، فى صلاة من عمق القلب، لم يسمع فيها صوتها ولكن ظهرت فى تحريك شفتيها، ودموعها المنسابة على خديها، طالبة الله فى أحرج لحظات حياتها، وظهر هنا مدى اتضاعها وشعورها بالضعف والاحتياج إلى الله وثقتها فى قوته التى تسندها، وليست هناك أية ذرة من الإحساس بالاعتماد على نفسها وذاتها وجمالها فى هذه الخدمة، بل اعتمادها كلية على الله.
ع7: تنهض : تنقذ وتقيم وترفع شعبها من ذلهم.
وذكرته أنه إله إسرائيل وأن مدينته هى أورشليم وطالبته بإتمام وعوده بحماية أولاده. فليبارك عملها الآن بخلاص شعبه للتخلص من أليفانا عدوهم، فهى مؤمنة أن قوته قادرة على مساعدتها فى إتمام مهمتها الصعبة التى كلفها الله بها.
إن الله يفرح عندما تطالبه بإتمام وعوده وتعلن بنوتك له وتمسكك به وحده وتلح عليه، لينقذك من كل خطاياك وأتعابك.
ع8-10: خنجره : كانت عادة الملوك والرؤساء تعليق سلاح بأسرَّتهم للدفاع عن أنفسهم، وهذا الخنجر لم يكن خنجرًا عاديًا، بل يشبه سيفاً صغيراً؛ ليليق بمقام صاحبه.
استلته : أخرجته من حرابه.
خيمة سريره : الناموسية وهى غطاء قماش كبير يغطى السرير يوضع على أعمدته الأربعة، ليمنع الحشرات عن الراقدين على السرير.
وبعد هذا تقدمت يهوديت، وقد أعطاها إيمانها القوى شجاعة فائقة؛ لإتمام مهمة صعبة جدًا، تتنافى مع طبيعتها الرقيقة، إذ أن حياتها كلها قضتها فى هدوء داخل بيتها وبعد ترملها تفرغت للصلوات والتأملات.
إن الله يعطى قوة لإتمام عمله، حتى لو كان غريبًا ومخالفًا لطبيعة الإنسان الذى يقوم به، مثلما كان أرميا ذو المشاعر المرهفة، يوبخ شعبه، وكل الرؤساء والرعاة والكهنة وكذلك داود، الفتى الأشقر بحلاوة العينين، الذى قتل أسداً ودباً وجليات الجبار.
واقتربت اللحظة الحاسمة ونظرت يهوديت إلى رأس السرير، فوجدت خنجر أليفانا معلقًا ومربوطًا بعمود السرير، جهة رأس أليفانا. فحلته وأمسكته بيمناها،ومدت يدها اليسرى بشجاعة وأمسكت بشعر أليفانا، ورفعته عن الوسادة، وهو غارق فى نومه، غائبًا تمامًا عن الوعى ورفعت قلبها بصلاة مستنجدة بالله، ليؤيدها بقوته فى هذه اللحظة الرهيبة، وبكل قوتها، ضربت عنقه من الخلف مرتين، وفصلت رأسه عن جسده وسالت دماؤه غزيرة.
وبعد ذلك ألقت عنها الخنجر ونزعت بيمينها خيمة سرير أليفانا ولفت بها رأسه، ووضعته جانبًا، ثم دحرجت جثته من على السرير وأحدرتها إلى الأرض، وهكذا سقط الجبار عند قدمى يهوديت، كما يسقط الشيطان تحت أقدام أولاد الله المجاهدين. ويهوديت هنا ترمز للمسيح الذى انتصر على الشيطان بالصليب.
والقتل هنا ليس جريمة؛ لأنه دفاع عن النفس، فهى تنقذ نفسها وشعبها من أليفانا الطاغية الآتى لحصار المدينة وقتل من فيها والقتل مسموح به فى الحروب؛ لأنه دفاع عن النفس.
ويموت أليفانا بخنجره، فبدلاً من أن يقتل أولاد الله بهذا الخنجر يقتل هو به، وهكذا ينجى الله أولاده، أما الأشرار فيأتى شرهم على رأسهم.
وتتألق هنا يهوديت فى الكتاب المقدس عن الكثيرين من الأبطال الذين قتلوا الأعداء؛ فإهود الذين قتل عجلون (قض3: 20-22) كان رجل حرب، أما يهوديت المرأة الرقيقة، فنالت قوة فائقة من الله جعلتها أشجع من رجال الحرب. وياعيل التى قتلت سيسرا (قض4: 17-22) قامت بذلك مع سيسرا الهارب والمختبئ فى خيمتها فى خوف، أما يهوديت فكانت وسط معسكر الأعداء، بلا سلاح إلا قوة الله.
لا تهادن الخطية، بل ينبغى أن تقطعها بكل عنف، وتؤكد قطعها أكثر من مرة، إفصل رأس الحية عن جسدها، وإقطع رأسها، لتتخلص من سمومها، أى تتخلص من مصدر الخطية الرئيسى. تجلد وتشجع، فبقوة إلهك تستطيع أن تغلب إبليس، ويذل عند قدميك.
(2) وصول يهوديت لمدينتها وتبشيرها (ع11-21) :
11- و بعد هنيهة خرجت و ناولت وصيفتها رأس أليفانا و أمرتها أن تضعه في مزودها.
12- و خرجتا كلتاهما على عادتهما كأنهما خارجتان للصلاة و اجتازتا المعسكر و دارتا في الوادي حتى انتهتا إلى باب المدينة. 13- فنادت يهوديت من بعد حراس السور إفتحوا الأبواب فان الله معنا و قد اجرى قوة في إسرائيل. 14- فكان انه لما سمع الرجال صوتها دعوا شيوخ المدينة. 15- وبادروا إليها جميعهم من أصغرهم إلى أكبرهم لأنه لم يكن في آمالهم أنها ترجع بعد. 16- ثم أوقدوا مصابيح واجتمعوا حولها بأسرهم فصعدت إلى اعلى موضع و أمرت بالسكوت فلما سكتوا كلهم.
17- قالت يهوديت سبحوا الرب إلهنا الذي لم يخذل المتوكلين عليه. 18- و بي أنا أمته أتم رحمته التي وعد بها آل إسرائيل و قتل بيدي عدو شعبه هذه الليلة. 19- ثم أخرجت رأس أليفانا من المزود وارتهم إياه قائلة ها هوذا رأس أليفانا رئيس جيش الأشوريين و هذه خيمة سريره التي كان مضطجعا فيها في سكره حيث ضربه الرب إلهنا بيد امرأة. 20- حي الرب انه حفظني ملاكه في مسيري من ههنا و في إقامتي هناك و في إيابي إلى هنا و لم يأذن الرب أن تتدنس أمته و لكن أرجعني إليكم بغير نجاسة خطيئة فرحة بغلبته و خلاصي و خلاصكم. 21- فاشكروا له كلكم لأنه صالح لان رحمته إلى الأبد.
ع11: هنيهة : لحظات قليلة.
مزودها : كيس من القماش تحمل فيه الطعام.
ونظرت يهوديت إلى الجسد المطروح على الأرض، والرأس الملفوفة بخيمة السرير، ووقفت لفترة قصيرة تشكر الله، وتتأمل بعجب وفخر عمل الله العظيم.
ثم أسرعت لإتمام عملها، فحملت الرأس الملفوف بخيمة السرير، ورفعت ستر الخيمة الذى يفصل المخدع عن مكان الاستقبال، فوجدت وصيفتها وحدها، فطلبت منها أن تفتح كيسها الذى أحضرت فيه الطعام، ووضعت فيه رأس أليفانا.
ويظهر هنا دور وصيفة يهوديت التى رافقتها فى هذه المهمة الصعبة وغالبًا كانت ملتصقة بها طوال سنوات ترملها تشاركها صلواتها وأصوامها وعبادتها، وقد اختارتها يهوديت لثقتها فيها، أنها تعبد الله بأمانة وأنها تكتم الأسرار. ولعل يهوديت كشفت لها بعض خطوات من هذه المهمة، وقد شاركت يهوديت الثلاثة أيام من الصلوات والأصوام وهى عند أليفانا، ولعلهما كانتا تشجعان بعضهما البعض، متذكرتين قوة الله واهتمامه بشعبه. وجاءت اللحظة الحاسمة، فوقفت الوصيفة تترصد وتراقب المارين حول الخيمة عن بعد وهى مملوءة إيمان بقوة الله التى تحفظهما، والآن تواجه بقلب قوى عمل الله ونجاح سيدتها فى قطع رأس أليفانا، فلم تهتز وفتحت مزودها؛ لتضع رأس هذا الشرير فيه وخرجت معها ووصلت إلى بيت فلوى وشاركتها تبشير أهلها بنصرة الله، وظلت تشارك سيدتها العبادة وحياة الوحدة طوال أيامها. ومن أجل عظمة إيمانها أعتقتها يهوديت ولكنها ظلت تتمتع بمصاحبة يهوديت كل أيامها. إنها مثال للخادمة الروحية التى تهتم بالتلمذة الروحية والطاعة، فينمو إيمانها وترتفع إلى مستويات روحية عالية.
ع12: ثم خرجتا هما الإثنتان من الخيمة، فلم تجدا أحدًا، إذ كان الجميع إما منشغلين بالأكل، أو مثقلين بالشراب داخل خيامهم، واجتازتا بين الخيام، حتى وصلتا لنهاية المعسكر ونزلتا إلى الوادى المؤدى إلى بيت فلوى، ولعل بعض الحراس فى أطراف المعسكر شاهدوهما، ولكن لم يشك أحد فيهما، نظرًا لاعتيادهم رؤيتهما ذاهبتان للاغتسال فى عيون الماء القريبة من بيت فلوى طيلة الأيام الثلاثة السابقة. بالإضافة إلى أمر بوغا بالسماح لهما بالاغتسال هذه الليلة أيضًا، ثم أكملتا طريقهما واختفيتا عن أعين الجنود، حتى وصلتا إلى أبواب المدينة.
ع13: فنادت يهوديت على حراس الباب والموجودين على سور المدينة، قائلة لهم : افتحوا الأبواب، لأن إلهنا قد عمل عملاً عظيمًا.
إن الله الذى تمجد على يد هذه المرأة الضعيفة الجسد، القوية الإيمان، قادر بالطبع أن يكمل عمله، فلا يعترضهما أحد، أو يشك فيهما.
إن انتصرت فى حربك على إبليس، وتركت أية خطية، فلا تدع إبليس يشكك باحتمال السقوط ثانية، بل تشدد وتشجع، وأكمل جهادك، حتى تصل إلى أبواب المدينة العظيمة، التى فيها أولاد الله، بيت فلوى، التى تشير إلى أورشليم السمائية. وتستطيع حينئذ أن تنادى الحراس، كما نادى الملائكة – الصاعدون بروح المسيح المنتصر، الذى قيد إبليس على الصليب – على حراس الفردوس المغلق منذ القديم فى وجه الإنسان، ليفتحوا فيدخل ابن الإنسـان، المسيح إلهنا، نائبًا عن البشرية كلها، فاتحًا وممهدًا الطريق بعده لكل المؤمنين به وقالـوا “إرفعـوا أيها الرؤسـاء أبوابكم وارتفعى أيتها الأبواب الدهرية ليدخل ملك المجد” (مز24: 7).
إن رأس أليفانا، الذى تكبر وتعاظم على كل الأمم، بل وعلى الله وشعبه إسرائيل وأهلك الكثيرين بجبروت وتجبر، وألقى بشعوب بعيداً عن مدنهم، تحمله جارية ضعيفة فى مزودها، أى كيسها.
لا تتكبر بقوتك وما حققته وتتفاخر على غيرك، لئلا تنتهى طول أناة الله عليك وتذل وتحمل حيث لا تشاء، بيد أضعف الناس فى نظرك.
ع14-16: بأسرهم : كلهم.
اندهش البوابون وحراس الأسوار عندما سمعوا لصوت يهوديت، إذ كان أملهم منعدمًا فى عودتها، فقد كانوا يعتقدون أنها قامت بمغامرة غير محسوبة وأنها حتمًا ستهلك، أو تصبح من جوارى العدو. وإذ تأكدوا أنها يهوديت ووصيفتها، أسرعوا يفتحون الأبواب ويستقبلونها بفرح عظيم.
وأسرعوا لاستدعاء شيوخ المدينة لملاقاتها، فاستيقظ الشيوخ وسرى الخبر فى المدينة كلها، فهب كل الشعب مسرعين إلى ساحة المدينة، متساءلين بلهفة عن عملها مع الأشوريين وكيفية رجوعها وماذا عمل الأشوريون معها. وأحضروا مشاعلاً لينيروا المكان، وصعدت يهوديت إلى مكان عال، وبجوارها جاريتها، وأشارت للجميع ليسكتوا، فصمتوا مشتاقين لمعرفة ما جرى على يديها فهل استطاعت التفاهم مع الأعداء، أم فشلت وهربت من أيديهم وهى تجر أذيال الخيبة وخاصة أن العطش قد استبد بهم؛ لأن هذا هو اليوم الرابع ولم يبق إلا يومًا واحدًا على المهلة التى حددوها لرئيس المدينة عزيا؛ لتسليم المدينة قبل أن يموتوا عطشًا.
إنها الكنيسة المجتمعة حول خدام الله؛ ليسمعوا كلامه، ويقف الخادم، الذى ترمز إليه يهوديت، ليعطى البشارة المفرحة لكل الشعب، ويهوديت ترمز أيضًا للمسيح الذى انتصر على إبليس وقام من بين الأموات، مبشرًا بالخلاص لكل من يؤمن به فيهوديت انتصرت على أليفانا وهى الآن تبشر مدينتها بخلاصهم من الأعداء.
هل تقدم بشارة مفرحة لكل من حولك، إذ كنت مجاهداً فى الطريق مع الله، ستختبر عمله، وحينئذ تستطيع أن تشجع كل من حولك بنعمة الله وقوته، والعكس صحيح، إن كنت قاسياً فى كلامك ولا تشجع المحيطين بك، فأنت لم تعرف بعد طريق الجهاد الروحى.
ع17: دعت يهوديت كل الشعب أن يشكروا الله ويسبحوه؛ لأنه لم يترك أولاده المتوكلين عليه، مهما كان ضعفهم وقوة أعدائهم، بل يسند وينقذ كل المؤمنين به.
ع18: ثم واصلت حديثها باتضاع شديد، معلنة أنها ليست بالبطلة الشجاعة، بل العبدة الضعيفة، التى أتم الله على يديها، من محبته واتضاعه، رحمته لشعبه فى بيت فلوى، بل وفى كل اليهودية. هذه الرحمة، التى وعدهم بها على فم أنبيائه وقديسيه.
ويظهر هنا اتضاع يهوديت التى لم تنسب أى مجد لنفسها فى هذا الانتصار العظيم، بل نسبت الإيمان والاتكال على الله لكل الشعب، رغم أن إيمان الشعب كان ضعيفًا، وكان يريد تسليم المدينة، وهى التى استوقفتهم بقوة إيمانها ومن أجل هذا اليقين حقق الله لهم النصرة.
إن أكبر قوة تصرع الشيطان هى الاتضاع، فيتمجد الله ويهزم إبليس. تمسك بالاتضاع أثناء جهادك، وبعد نصرتك عندما تشكر الله وتشجع قلوب من حولك.
ع19: ثم أعلنت البشرى العظيمة أن الله قد أهلك اليفانا على يديها،، حيث نظرت إلى جاريتها، وأخرجت من كيسها رأس أليفانا، الملفوف فى خيمة سريره وأمسكت به من شعره، ورفعته أمامهم وهى تقول : هذه هى رأس أليفانا رئيس جيش الأشوريين، وقصت عليهم كيف هلك، عندما أسرف فى الشراب حتى سكر وغاب عن الوعى، واستلقى فى فراشه، فقطعت هى رأسه وأخذت خيمة سريره ولفتها بها. وهكذا أهلك الله هذا القائد العظيم بيد امرأة ضعيفة، مؤكدة للمرة الثانية اتضاعها وناسبة المجد لله، لأن تغلب امرأة على رجل وقتله يعتبر شيئًا غريبًا من أجل القوة الجسمانية للرجل، فكم بالأحرى لو قتلت امرأة ضعيفة رئيس جيش عظيم وهو فى معسكره وبين جنوده.
قدم الدليل لمن حولك على صدق بشارتك، والدليل هو إبليس المذل تحت قدميك، فرأسه مقطوع، أى لا قوة له، فى تمسكك بالفضيلة والطهارة والصدق والأمانة ولا يكن لإبليس سلطان عليك، والخطية ذليلة تحت قدميك. أى تكون قدوة وبشارة مفرحة لكل إنسان، موجهًا الشكر والمجد لله فى كل حين، على ما أنعم به عليك من سلوك حسن، يعلو أو يرتفع فوق سلوك العالم المحيط بك.
ع20: إيابى : رجوعى.
ثم أكملت يهوديت بشارتها لكل الشعب، أى للكنيسة، ولنا كلنا، إذ قالت أنه – بحسب المنطق البشرى – فلكيما تتم هذه النصرة على يد امرأة جميلة، تجتاز وسط الآلاف من الرجال الأشرار الأشداء، ويأسرونها، وتقيم عندهم ثلاثة أيام، بل وتدخل إلى مخدع رجل قوى جبار، منغمس فى احتساء الخمر، لابد وأن تؤذى، وتتعرض لأخطار مرعبة، وبالضرورة أن تغتصب وتفقد طهارتها، ولكن الله الجبار أرسل ملاكه منذ خروجها من بيت فلوى، مدينتها، وسار معها طوال طريقها، بل وأقام معها وحفظها فى كل مقابلاتها مع الأشرار وحتى فى مخدع هذا الشرير، فلم يمسها أحد بأذى، أو تخدش طهارتها.
هكذا حققت يهوديت فى مهمتها الصعبة ثلاث انتصارات هى :
- احتفاظها بنقاوتها وسط الأشرار الشهوانيين بحفظ ملاك الله لها.
- قتل رئيس جيوش الأعداء وبالتالى انتشار الرعب بعد ذلك فى قلوب جيشه فهربوا.
- إنقاذ شعبها من الهلاك، بل استيلائه على غنائم كثيرة جدًا.
ع21: وطلبت منهم أن يفرحوا معها بخلاص الرب ويمجدوه، لأنه عظم الصنيع معهم، وحفظها وحفظهم، فهو حقًا صالح وإلى الأبد رحمته. وهذه التسبحة الرائعة تكررت فى المزمور المئة والخامس والثلاثون والذى تردده الكنيسة فى تسبحتها اليومية هو المسمى بالهوس الثانى، أو التسبيح الثانى.
إن الله قادر ليس فقط أن يحل مشاكلك وسط الضيقة بسلام، بل أن تخرج منها أكثر نقاوة وطهارة وحبًا لله، فتتنقى من خطاياك وتزداد ارتباطًا بالله ولا تنسى حينئذ أن ترفع التسبيح والشكر لله، بل تصر صلاتك تسبيحًا يوميًا أمامه على أعماله السابقة معك.
لا تخف أن تقدم على الخدمات الصعبة، إن كانت الضرورة موضوعة عليك، وثق أن ملاك الله يحفظك، وينجحك، ويخلص نفوسًا كثيرة على يديك، بل ويخلصك أنت أولاً، فتفرح وتسبح الله.
(3) تمجيد الشعب وأحيور ليهوديت (ع22-31) :
22- فسجدوا بأجمعهم للرب و قالوا لها قد باركك الرب بقوته لأنه بك أفنى أعداءنا.
23- وقال لها عزيا رئيس شعب إسرائيل مباركة أنت يا بنية من الرب الإله العلي فوق جميع نساء الأرض. 24- تبارك الرب الذي خلق السماء و الأرض الذي سدد يدك لضرب رأس قائد أعدائنا. 25- فانه عظم اليوم اسمك هكذا حتى لا يبرح مدحك من أفواه الناس الذين يذكرون قوة الرب إلى الأبد الذين لأجلهم لم تشفقي على نفسك لأجل ضيقة و شدة جنسك بل رددت الهلاك أمام إلهنا. 26- فقال كل الشعب آمين آمين. 27- ثم دعوا أحيور فجاء فقالت له يهوديت أن إله إسرائيل الذي شهدت له بأنه ينتقم من أعدائه هو قطع في هذه الليلة بيدي رأس جميع الكفار. 28- و حتى تعلم أن الأمر هكذا فهوذا رأس أليفانا الذي أهان إله إسرائيل باستخفاف كبريائه و تهددك بالموت إذ قال لك إذا اسر شعب إسرائيل أمر أن يخترقوا جنبيك بالسيف. 29- فلما رأى أحيور رأس أليفانا ارتاع خوفا و سقط بوجهه على الأرض و هلعت نفسه. 30- و بعدما ثابت إليه روحه و انتعش خر قدامها ساجدا لها و قال. 31- مباركة أنت من إلهك في كل خيام يعقوب و في كل امة يسمع فيها باسمك يعظم لأجلك إله إسرائيل
ع22: ولما سمع الشعب هذه البشارة المفرحة، ابتهجوا وفرحوا، مثلما فرح التلاميذ، عندما شاهدوا السيد المسيح فى العلية، بعد قيامته من الأموات، منتصرًا، هكذا كانت يهوديت ترمز للمسيح القائم من الموت.
حينئذ عبروا عن شكرهم وخضوعهم لله بسجودهم جميعًا أمامه، كما يسجد الأربعة والعشرون قسيسًا أمام الله فى أورشليم السمائية.
وبعد أن باركوا الله، مجدوا يهوديت أيضًا، لأن الله باركها، وعمل فيها بقوته وأهلك بها أعداءهم.
الله يتمجد فى قديسيه ومستعد أن يباركك ويعمل بك، ان اتضعت وخضعت له وتمسكت بإيمانك به.
ع23: وكذلك تحدث عزيا رئيس المدينة بلسان الشعب، مباركًا يهوديت من الرب ومعظمًا إياها فوق كل نساء الأرض؛ لأنه ليس إيمان مثل هذا فى كل العالم.
إن كان لك إيمان فالله سيتمجد بك، وعلى قدر إيمانك يتعظم عمل الرب فيك وبك.
ع24: سدد يدك : أمسك يدك وصوبها لضرب أليفانا أو استخدم يدك لقتله.
ثم مجد عزيا الله الذى عضد هذه المرأة الضعيفة، لتقتل أعظم شجعان العالم وأكثرهم شراسة فى ذلك الوقت – وهو أليفانا – عدو شعب الله الذى كان يريد إهلاكه.
والحقيقة أن الذى هزم أليفانا هو شهواته الشريرة والذى سند يهوديت هو عفتها واتكالها على الله فعمل بها بقوة ونصرها لأجل نقاوتها كما أشار إلى ذلك القديس جيروم.
فقوة الله فوق أى قوة وهو قادر أن يعمل بالإنسان الضعيف أعظم الأعمال، كما ولد من العذراء المتضعة وهو الإله المتأنس، وكما خضعت أورشليم كلها ليوحنا المعمدان المتجرد فى البرية، وكما غلب الله بجدعون والثلاث مئة رجل عشرات الآلاف من الأعداء.
ع25: وأعلن عزيا أنه اليوم، ينضم اسم يهوديت إلى أسماء الأنبياء، ورجال الله القديسين، ليذكرهم كل المؤمنين بالمجد والكرامة على مدى الأجيال، لأنها مثال حى للتضحية والشجاعة وقوة الإيمان، إذ ألقت بنفسها فى معسكر الأعداء من أجل الله وإنقاذ شعبها، فتمجد بها الله ورد الشر والهلاك عن شعبه.
ع26: فلما سمع الشعب كلام عزيا، أعلنوا تأييدهم لكل ما قال، قائلين آمين آمين.
ما أجمل أن نبارك الله ونمجده، وما أعظم أن نسبحه فى قديسيه ونذكر أعماله فيهم على مدى الأجيال الماضية. شدد نفسك بالتسبيح، فتزداد قوة فى جهادك الروحى. إشترك فى تسبحة الكنيسة، لتنضم إلى موكب الأبطال المجاهدين المنتصرين على الخطية.
ع27: ولم يكن أحيور العمونى متواجدًا بينهم، وقت أن فرحوا ببشارة يهوديت. فأرسلوا إليه وأحضروه، فحضر مسرعًا، إذ علم بعودة يهوديت، وامتلأ قلبه خوفًا وفرحًا، عندما رأى جمهرة الشعب فى الساحة، ويهوديت واقفة على منصة عالية وسطهم، وما أن وصل إلى يهوديت حتى قالت له، أن الله إله إسرائيل، الذى شهدت بقوته أمام أليفانا، وأن قوته لا يقاومها بشر، قد تمجد اليوم على يدى، إذ قطع رأس جميع الأشرار القائمين على شعب الله، إذ أن أليفانا هو رأس ورئيس كل جيوش الأشوريين.
ع28: وأليفانا الذى أهان الله إله إسرائيل، واستخف بقوته مؤكدًا انتصاره على الله وشعبه واستيلائه على بيت فلوى، بل وكل اليهودية وعندئذ سيقبض عليك ويقتلك بأبشع صورة بأن يخترق سيفه جنبيك، أليفانا هذا قد قطع الله رأسه بيدى.
ع29: هلعت نفسه : اضطربت نفسه بشدة.
وأرته رأس أليفانا، أما أحيور الذى يعرفه جيدًا، فلم يتخيل أن يرى هذه الرأس المتشامخة المتعالية على الجميع فى هذا الذل والهوان، مرفوعة من شعرها بيد امرأة، فارتعب فى خوف عظيم أمام قوة الله على يدى يهوديت، وسقط على وجهه وغاب عن وعيه من فرط خوفه.
إذا كنت رئيسًا قويًا ذو سلطات، أو أبًا راعيًا فى بيتك، فلا تندفع بكبرياء، مهما كان مركزك وتهدد من هم دونك بسلطاتك، وتسود عليهم، بل خف الله باتضاع لئلا يذلك. وثق أيها المؤمن والخادم أن الله سيظهر حقك، مهما قاومك الأشرار واستخفوا بك وهددوك، منذرين إياك بالشر وإثبت على وعود الله وكلامه وهو سيحفظك.
ع30، 31: ثابت إليه روحه : رجعت إليه روحه أى أفاق من إغمائه.
خيام يعقوب : تعبير سائد فى هذا الوقت والمقصود به كل شعب بنى إسرائيل الذين عاشوا فى الخيام مدة أربعين عامًا فى برية سيناء ومثل يعقوب أبيهم الذى عاش فى الخيمة طوال حياته.
أفاق أحيور من إغمائه، واتجه ناحية يهوديت وسجد أمامها، معلنًا خضوعه لله، شاهدًا بقداستها وقوة إيمانها العظيمة، وأعلن أنها منذ هذا اليوم مكرمة ومكانتها عظيمة فى كل شعب الله، بل وشعوب العالم، الذين يسمعون قصتها ويمجدوا الله بسبب حياتها وإيمانها. هل حياتك تمجد الله وتشهد له وتجذب نفوسًا كثيرة إليه حتى البعيدين عن الإيمان ؟ إن الله مستعد أن يعطيك مهابة روحية فى أعين الكل، فيسجدوا أمامك ويكرموك ويمجدوا الله فيك.