استعداد اليهود لمحاربة الأشوريين
بعد أن استعرض فى الأصحاحات الثلاثة الأولى قوة الجيش الأشورى واكتساحه لكل بلاد العالم، يظهر فى الأصحاحات من 4-7 مدى إيمان شعب الله وقوته التى معهم واستعدادهم لمواجهة هذا الجيش العظيم، تمهيدًا للإنتصار عليه.
(1) الاستعداد الحربى (ع1-7):
1-وسمع بنو إسرائيل المقيمون بأرض يهوذا فخافوا جدًا من وجهه. 2-وأخذ الإرتعاد بفرائصهم مخافة أن يفعل بأورشليم وبهيكل الرب كما فعل بسائر المدن وهياكلها. 3-فأرسلوا إلى جميع السامرة فى كل وجه إلى حد أريحا وضبطوا رؤوس الجبال كلها. 4-وسوروا قراهم وجمعوا الحنطة استعدادًا للقتال. 5-وكتب آلياقيم الكاهن إلى جميع الساكنين قبالة يزرعيل التى حيال الصحراء الكبيرة إلى جانب دوتان وإلى جميع الذين يمكن أن يجاز فى أراضيهم. 6-أن يضبطوا مراقى الجبال التى يمكن أن تسلك إلى أورشليم ويحفظوا المضايق التى يمكن أن يجاز منها بين الجبال. 7-ففعل بنو إسرائيل كما رسم كاهن الرب آلياقيم.
ع1: فرائص : جمع فريصة وهى العضلة الصدرية للإنسان وترتعش عند خوفه.
عندما سمع اليهود الساكنون فى المملكة الجنوبية، أى أرض يهوذا، التى عاصمتها أورشليم، حيث يوجد هيكل الله العظيم، وعرفوا أخبار جيش أليفانا واكتساحه لكل المدن التى اجتاز بها، وتدميره لآلهتها، خافوا أن يهجم على هيكل أورشليم ويدمره، وخافوا أيضًا على أنفسهم. وهذا هو شعور الإنسان البشرى العادى من هول الأخبار المفزعة.
من الجميل أنهم خافوا على هيكل الله، فهذا يظهر محبتهم وتعلقهم بسكنى الله فى وسطهم وارتباطهم به، وإن كان خوفهم هذا يظهر ضعف إيمانهم، لأن الله قادر أن يدافع عن هيكله إن تمسكوا هم به.
ع3: السامرة : منطقة السامرة تمتد من اليهودية جنوبًا إلى الجليل شمالاً ومن نهر الأردن شرقًا إلى قرب البحر الأبيض المتوسط غربًا. وتقع فى هذه المنطقة مدينة السامرة، التى كانت عاصمة المملكة الشمالية لليهود حتى أيام هجوم الأشوريين الذى نحن بصدده وهذه المدينة تقع شمال غرب شكيم على بعد خمسة أميال ونصف.
أريحا : مدينة عظيمة تبعد خمسة أميال غرب نهر الأردن وسبعة عشر ميلاً شمال شرق أورشليم وهى أول مدينة استولى عليها يشوع عند دخوله أرض كنعان بعد دخوله الأردن.
كان ألياقيم رئيس الكهنة المقيم بأورشليم (ع5) يعتبر فى هذا الوقت الرئيس المدنى؛ لأن الملك منسى كان مسجونًا فى بابل لفترة صغيرة. وألياقيم هو يواقيم الذى أرسل رسائل إلى كل منطقة السامرة حتى أريحا جنوبًا عندما شعر باقتراب جيش الأشوريين ليستعدوا للحرب ويضعوا حراسًا على قمم الجبال؛ ليراقبوا الجيوش الآتية عن بعد؛ لأن الذى على قمة الجبل يستطيع أن يضرب بسهولة من يقترب من سفح الجبل بالسهام.
ع4: استكمالاً لاستعدادات الحرب اهتم بنو إسرائيل بعمل أسوار للقرى التى ليس لها أسوار، لأن المدن وبعض القرى كانت لها أسوار قوية. واهتموا أيضًا بجمع محصول القمح وغيره من الحبوب، مثل الشعير وخزنوها فى المدن؛ حتى إذا حوصرت أية مدينة يكون داخلها طعام يكفى الشعب لمدة طويلة.
ع5، 6: يزرعيل : سهل، أو وادى كبير مثلث الشكل قاعدته عند نهر الأردن ويمتد طرفه إلى قرب البحر الأبيض المتوسط ويقع شمال السامرة وجنوب الجليل.
الصحراء الكبيرة : غالبًا هى صحراء شبه الجزيرة العربية، أى السعودية حاليًا والتى تقع شرق نهر الأردن.
دوتان : منطقة تقع شمال غرب سهل يزرعيل، أى ناحية البحر الأبيض.
حيال : مقابل أو جهة.
مراقى : قمم.
المضايق : طرق ضيقة بين الجبال، تسع أحيانًا شخصاً واحداً، أو شخصين.
أرسل رئيس الكهنة ألياقيم، على وجه الخصوص، إلى البلاد المحيطة بسهل يزرعيل والواقعة على الطرق المؤدية إلى أورشليم، لكى يتشددوا فى حراسة قمم الجبال بجنود مدربين وكذلك يقوموا بحراسة المضايق التى تقع بين الجبال وبالتالى يمنعوا مرور أى جيش يحاول الوصول إلى المدينة المقدسة أورشليم، التى فيها هيكل الله.
ع7: أطاع رؤساء المدن والقرى وكل الشعب أوامر رئيس الكهنة ونفذوا كل توصياته.
من المهم فى الحرب الروحية أن يبذل الإنسان كل جهده فى حراسة أفكاره وحواسه، وسد كل الثغرات التى يمكن أن ينفذ منها إبليس، والاهتمام بغذائه الروحى، والتسلح بكل الأسلحة الروحية : من صلوات وأصوام وقراءات روحية، وخاصة فى الأماكن والظروف التى يتوقع فيها هجوم من إبليس، معتمدًا على طعامه الروحى الأساسى، أى التناول من جسد الرب ودمه.
(2) الاستعداد الروحى (ع8-10):
8-وصرخ كل الشعب إلى الرب بإبتهال عظيم وذللوا نفوسهم بالصوم والصلاة هم ونساؤهم. 9-ولبس الكهنة المسوح وطرحوا الأطفال أمام هيكل الرب وغطوا مذبح الرب بمسح.
10-وصرخوا جملة إلى الرب إله إسرائيل أن لا يجعل أطفالهم غنيمة ونساءهم مقتسمًا للأعداء ومدنهم خرابًا وأقداسهم نجاسة وإياهم عارًا بين الأمم.
ع8: ابتهال : دعاء.
إلى جانب الاستعداد الحربى كان الأهم العمل الروحى، فتقدم الشعب كله ليس فقط بصلوات، بل بصراخ وتضرعات لله، مقرونة بالصوم؛ ليتذللوا أمام الله باتضاع طالبين معونته ورحمته. واشترك فى هذه الصلوات النساء مع الرجال، أى الشعب بكل فئاته؛ ليحمهم الله.
ع9: المسوح : ملابس خشنة تناسب التقشف والتذلل أمام الله وكان يصنع من وبر الإبل؛ أو شعر الماعز وهو قاتم اللون ويلبس إما تحت الملابس الخارجية، أو فوقها، إعلانًا للحزن وتذللاً أمام الله.
قاد الكهنة الشعب فى التذلل أمام الله فى الصلاة؛ فلبسوا المسوح وهكذا باقى الشعب، أى تركوا عنهم لبس البهاء؛ لشعورهم بضعفهم ولإظهار تذللهم أمام الله.
وطرح الشعب أطفاله أمام هيكل الرب، معلنين عجزهم عن حمايتهم وطالبين رحمته وإنقاذه لهم ولأطفالهم ثم نجد تصرفًا نسمع عنه لأول مرة، يعلن مدى الحزن والتذلل أمام الله، عندما غطى الكهنة مذبح النحاس بالمسوح، مقدمين تضرعاتهم وتذللهم هم ومذبحهم وكل ذبائحهم، طالبين من خلالها رحمة الله.
ع10: اشترك كل الشعب وقياداته فى الصلاة والصراخ إلى الله؛ ليرحمهم وينقذ أطفالهم؛ لأنهم ضعفاء وكذلك نسائهم من أن يغتصبهن الأعداء ويقتسمونهن بينهم؛ ليضطجعوا معهن. وطلبوا أيضًا إنقاذ مدنهم من تخريب الأعداء وتضرعوا بالأكثر من أجل هيكلهم المقدس؛ حتى لا يدخله الأعداء وينجسوه ويحميهم الله من العار والهزء بين الأمم، بل يرفعهم ويمجدهم. وهذا يظهر مدى إيمانهم بقوة الله وفى نفس الوقت اتضاعهم وشعورهم بحاجتهم الشديدة ليد الله المنقذة. وهم يختلفون عن باقى الأمم التى خافت من أليفانا واستسلمت فى يأس؛ لأن خوف اليهود دفعهم بإيمان للتضرع إلى الله وطلب معونته، وكذلك عملوا واجبهم فى الاستعداد الحربى كأوامر رئيس الكهنة، فحصلوا فى النهاية على قوة الله المساندة لهم، كما سيظهر فى الأصحاحات التالية.
إن ساعة الضيقة هى أقوى اللحظات التى تخرج فيها الصلوات الحارة، ويتضع فيها الإنسان أمام الله، ويلقى كل رجائه عليه، فيشعر بوجود الله معه ويتمتع برعايته.
(3) تشجيع رئيس الكهنة (ع11-17):
11-وجال ألياقيم كاهن الرب العظيم فى جميع إسرائيل وكلمهم قائلاً. 12-إعلموا أن الرب يستجيب لصلواتكم إن واظبتم على الصوم والصلوات أمام الرب. 13-أذكروا موسى عبد الرب كيف قهر العمالقة الذين كانوا متكلين على بأسهم وقدرتهم وجيشهم وتروسهم ومراكبهم وفرسانهم فقهرهم مقاتلاً لا بالسيف بل بالصلوات الطاهرة. 14-هكذا يكون جميع أعداء إسرائيل إذا واظبتم على العمل الذى بدأتم به.15- وإذا خاطبهم بهذا الكلام تضرعوا إلى الرب وكانوا لا يبرحون من أمام الرب. 16- وكان الذين يقدمون المحرقات إلى الرب لابسين المسوح يقربون ذبائح للرب والرماد على رؤوسهم. 17- وكانوا بجملتهم يصلون إلى الله من كل قلوبهم أن يفتقد شعبه إسرائيل.
ع11: شعر ألياقيم بمسئوليته عن شعبه، كقائد روحى ومدنى لهم فأخذ يمر فى بلاد بنى إسرائيل ليشجعهم على الاستعداد ومواجهة الأعداء بإيمان.
ع13: أكد لهم أن الله حتمًا سيستجيب لطلباتهم إن ثابروا فى جهادهم وصلواتهم، ليس لأن الله لا يسمعهم، بل لأن لجاجتهم تُظهر إيمانهم وتمسكهم بالله وتستدر مراحمه.
ع13: ذكرهم بقوة الله الساكن فى وسطهم والذى عضد موسى رئيس الأنبياء قديمًا، عندما واجه أعداءه العمالقة المتكلين على قوتهم وأسلحتهم، فقهرهم، ليس بأسلحة أكثر مما معهم، ولكن بصلواته التى رفعها على الجبل، فاستطاع يشوع قائد الجيش أن يهزمهم وأظهر الله بهذا أن قوته هى التى قهرت الأعداء وليس قوة شعبه (خر17: 8-13).
ع14: إن كان الله قد هزم العمالقة، فبالتالى تفهمون يا شعب الله أنه قادر على أن يهزم جميع الأعداء مهما كانت قوتهم، على شرط إستمرار الشعب فى إيمانه وصلواته. وهكذا بالأدلة العملية شجع ألياقيم شعبه حتى لا ينزعجوا من قوة الأعداء وخضوع الكل لهم.
وهنا تظهر أهمية عمل الخادم، بل مسئولية كل واحد منا فى تشجيع الآخرين وتعضيدهم فى جهادهم الروحى، سواء مع إخوتنا، أو أبنائنا، مهما كان ضعفهم الظاهر، أو قوة المشاكل التى تقابلهم، فالله الذى عضد آباءنا القديسين قادر أن يسندنا فى كل خطواتنا؛ لننتصر على كل حروب إبليس، وننجح فى كل ما تمتد إليه أيدينا.
ع15: تشجع الشعب، فاستمر فى الصلاة أمام هيكل الرب وفى كل مكان بتضرعات وإيمان بقوته. تاركاً راحته واحتياجاته المادية ليتمسك بالصلوات الحارة أمام الله.
ع16: أقبل الشعب بتوبة وصلوات كثيرة، فقدموا ذبائح لله، ليرحمهم وكان الكهنة واللاويون الذين يقدمون الذبائح فى تذلل وصلوات كثيرة لابسين المسوح ضارعين إلى الله ليرحمهم، بل إمعانًا فى تذللهم وضعوا الرماد على رؤوسهم؛ ليعلنوا أنهم تراب ورماد أمام الله وأنه هو قوتهم الوحيدة.
ع17: الخلاصة أن الكل كان يطلب من الله التدخل؛ ليحفظ شعبه ويحميهم من الأعداء وألا يتركهم أبدًا لإحتياجهم له.
إن المثابرة فى الجهاد الروحى تؤكد تمسكنا بالله، وتنعم علينا بمراحمه لأن المثابرة دليل بنوتنا، فنتمتع برعاية الله – أبونا الروحى – ويخرجنا من كل أتعابنا فلا نضطرب إذا طال الجهاد الروحى، فالنصرة مضمونة لنا من الله ما دمنا متمسكين به.
نرى فى هذا الأصحاح خطوات محددة استعد بها الشعب للحرب، أى أن خوفهم تحول إلى جهاد عملى فيما يلى :
- بنوا أسوارًا للقرى (ع4).
- جمعوا الحنطة فى المدن (ع4).
- ضبطوا مراقى الجبال (ع6).
- حفظوا المضايق بين الجبال (ع6).
- صلوا إلى الله بصراخ وابتهال (ع8).
- صاموا (ع8).
- تذللوا بلبس المسوح للكهنة والشعب وحتى المذبح (ع9).
- طرحوا أطفالهم أمام الله (ع9).
- طلبوا إنقاذ نساءهم من الاغتصاب (ع10).
- طلبوا حماية مدنهم وهيكلهم من التخريب والنجاسة لأجل مجد الله، فلا يصيروا عارًا (ع10).
- جال رئيس الكهنة يشجع الشعب ويذكرهم بقوة الله التى كانت مع الآباء وأنها ستكون معهم (ع11).
- واظبوا على الصلوات أمام الله (ع15).
- تذلل الكهنة واللاويون بوضع الرماد على رؤوسهم (ع16).