أليفانا يحاصر بيت فلوى
(1) زحف أليفانا على بيت فلوى (ع1-5):
1- و في اليوم الثاني أمر أليفانا جميع عسكره أن يزحفوا على بيت فلوى. 2- و كان رجالة الحرب مئة و عشرين الفا و الفرسان اثنين و عشرين ألفا ما خلا الرجال المجلوين و جميع الفتيان الذين استصحبهم من الأقاليم و المدن. 3- فتأهب جميعهم لمقاتلة بني إسرائيل و جاءوا من جانب الجبل إلى القمة التي تنظر إلى دوتان من الموضع الذي يقال له بلما إلى قليمون التي قبالة يزرعيل. 4- فلما رأى بنو إسرائيل كثرتهم خروا على الأرض و حثوا الرماد على رؤوسهم و صلوا بقلب واحد إلى إله إسرائيل ليظهر رحمته على شعبه. 5- ثم أخذ كل رجل سلاحه و أقاموا في الأماكن المفضية إلى المضيق بين الجبال و لم يزالوا حارسين كل النهار و الليل.
ع1: اليوم الثانى : بعد اليوم الذى تم فيه ربط أحيور بالشجرة وتسليمه لبيت فلوى.
أصدر أليفانا أوامره لجيوشه بالتحرك نحو اليهودية لمحاربة بنى إسرائيل، فتقدموا نحو بيت فلوى وكان ذلك فى صباح اليوم الذى قضاه الشعب فى الصلاة والصوم حتى الليل، فلم يسترح الشعب إلا بضع ساعات، حتى رأوا الزحف الأشورى مقبلاً عليهم. ولعل هذا كان عكس ما توقعه اليهود، إذ ظنوا أن استجابة الله هى إبعاد الجيش الأشورى عنهم، ولكنها حكمة الله التى ستظهر فيما بعد.
ع2: رجالة : الجنود والمشاة.
المجلوين : الرجال الذين أسرهم أليفانا من البلاد التى احتلها وضمهم إلى جيشه ليحاربوا معه.
الفتيان : الشبان.
أصدر أليفانا أوامره لجيوشه بالتحرك نحو اليهودية لمحاربة بنى إسرائيل، وتحرك الجيش العظيم، الذى يذكر الكتاب المقدس، أن عدد جنود المشاة فيه مئة وعشرون ألفاً وعدد الفرسان اثنان وعشرون ألفاً، بالإضافة إلى عدة آلاف من الجنود إنضموا إلى جيش الأشوريين من البلاد التى إحتلها أليفانا، فزاد عدد جيشه بشكل كبير يصعب حصره، فى حين من غير المتوقع أن يزيد جنود مدينة بيت فلوى الصغيرة عن ألف جندى، وهذا يوضح استحالة انتصار بيت فلوى على الأشوريين، إلا بقوة الله التى تصنع المعجزات.
يلاحـظ أن عـدد الفرسان المذكور فى النص هو إثنان وعشرون ألفًا، مع أن العدد المذكور فى (ص2: 7) هو إثنا عشر ألفًا ولكن ترجمة الآباء اليسوعيين تذكر فى الأصحاح السابع أن عدد الفرسان هو اثنا عشر ألفًا، فلعل رقم اثنين وعشرين ألفًا هو خطأ فى الترجمة التى بين أيدينا، أو فى النسخ.
ع3: تحرك هذا الجيش الجبار مقبلاً على اليهودية من الشمال عن طريق سهل يزرعيل وهو سهل على شكل مثلث يقع بين الجليل والسامرة، طوله إثنا عشر ميلاً من الشمال إلى الجنوب وعرضه خمسة وعشرون ميلاً من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم تقدم نحو مكان يسمى قليمون، متجهًا إلى مدينة بيت فلوى التى تقع على جبل، وهى أول المدن التى تقابل أليفانا عند دخوله إلى اليهودية، وعسكر جيشه فى وادى يقع بين قليمون شمالاً وبيت فلوى جنوبًا (أى طولاً)، أما عرضًا فيقع بين بلما إلى تل دوتان الذى يطل على سهلها. فى هذا الوادى كان منظر الجيش – الذى يصل تعداده لعشرات الآلاف – مخيفًا وجبارًا.
تحرك أليفانا بجيشه الجبار، واثقًا من نفسه أنه سيحطم تلك البلاد الصغيرة وأولها بيت فلوى، ولم يعلم أنه يمكن أن توجد قوة أكبر منه وهى قوة الله التى تسند الضعفاء. لا تعتمد على ذاتك وتنسى الله فى مواجهتك للمشاكل وفى علاقتك بالآخرين واتكل على الله وثق فى نفسك المتكلة عليه، فتستقر كل أيام حياتك.
ع4: عندما نظرشعب الله – فى بيت فلوى – من مدينتهم التى على الجبل، إلى الوادى الذى أمامهم ورأوا هذا الجيش العظيم، خافوا جدًا، فأسرعوا نحو الله ساجدين فى خشوع، بل وضعوا الرماد على رؤوسهم فى تذلل أمامه، وصلوا بتضرع إلى الله؛ ليرحمهم وينقذهم من الأشوريين.
ع5: المفضية : المؤدية.
أسرع جنود بيت فلوى إلى حراسة الأماكن المؤدية إلى المضيق الموجود بين الجبلين والمؤدى إلى المدينة، فهو المدخل الوحيد إلى المدينة الكائنة على الجبل ونظموا الحراسة المسلحة طوال الليل والنهار. وهكذا ارتفعت الصلوات وامتزجت بالحراسة، أى التجأوا إلى الله وقاموا بواجبهم فى نفس الوقت.
لا تنزعج أمام كثرة الأشرار، بل التجئ إلى إلهك بالصلاة والتضرع فى اتضاع وتذلل، واثقًا فى مراحمه، وفى نفس الوقت أدى واجبك بكل أمانة، فتكون متكلاً لا متواكلاً. واحرس مداخل قلبك، أى حواسك؛ حتى لا ينفذ من خلالها الشر، ولتكن يقظتك الروحية دائمة ليلاً ونهارًا، وإذ يرى الله جهادك يحفظك من كل خطية.
(2) قطع أليفانا الماء عن المدينة (ع6-11):
6- و لما كان أليفانا يطوف في الأرض وجد العين التي كانت تجري إلى داخل المدينة من ناحية الجنوب لها قناة خارج المدينة فأمر أن يقطعوا القناة. 7- و كانت عيون أخرى على قرب من السور كانوا يخرجون فيستقون منها خفية لكي يكسروا حدة عطشهم و إن كانوا لا يرتوون. 8- فتقدم بنو عمون و موآب إلى أليفانا و قالوا له إن بني إسرائيل لا يتكلون على الرمح و السهم و لكن الجبال تزرهم و التلال التي بين الهوى تحصنهم. 9- فالآن حتى تظفر بهم بلا قتال أقم أرصادا على الينابيع لئلا يستقوا منها ماء فتقتلهم بغير سيف أو يلجئهم ما يصيرون إليه من الضنك أن يسلموا مدينتهم التي يعدونها منيعة من أجل أنها على الجبال. 10- فأعجب أليفانا و سائر عبيده بهذا الكلام فجعل أرصادا على العيون من أصحاب المئة على كل عين من جميع الجهات. 11- فأقاموا على هذه المحافظة عشرين يوما حتى جفت مياه آبار بيت فلوى و حياضها بأسرها حتى لم يكن في داخل المدينة ما يرويهم يوما واحدا لان الماء كان يعطى للشعب كل يوم بمقدار.
ع6: إذ رأى أليفانا أن المدينة حصينة، أخذ يدور حولها ليعرف كيف يهاجمها. كان يمر على فرسه ومعه مجموعة من الفرسان، فوجدوا خارج المدينة من الجنوب عين الماء الرئيسية، التى تروى المدينة وتخرج منها قناة تدخل إلى داخل المدينة فعلم أنها المصدر الرئيسى للماء، الذى يغذى المدينة، فأمر بردم القناة وبهذا قطع الماء الداخل إلى المدينة ليموت شعب بيت فلوى عطشًا، إذ كانت قناة الماء تصب داخل المدينة فى حفرة عميقة، تعتبر كخزان للماء، يرفع منها بعد ذلك إلى أحواض ليشرب منها الناس والبهائم.
ع7: بعد قطع الماء الآتى من العين الرئيسية المغذية للمدينة لم يبق إلا عيون ماء قليلة جدًا داخل المدينة، وبعض عيون قليلة خارج المدينة بجوار أسوارها. فلما انقطع مصدر الماء الرئيسى لم يعد الماء داخل المدينة كافيًا لإحتياجات الشعب، فكان بعض من الشعب يخرجون خفية من أبواب المدينة ويملأون من هذه العيون القريبة، رغم ما فى ذلك من خطورة تعرضهم لبطش جنود أليفانا. وبالطبع لم يكن هذا الماء كافيًا لإرواء عطش الشعب كله، فبدأوا يعانون من قلة الماء.
ع8، 9: تزرهم : تحوطهم وتحميهم.
الضنك : الضيق الشديد الذى يقارب الموت.
الهوى : جمع هوة أى الوادى.
منيعة : حصينة.
ثم تقدم المؤابيون وبنى عمون وهم الشعوب المجاورة لبنى إسرائيل بالرغم من وجود قرابة جسدية بينهم، إذ هم نسل لوط ابن أخى إبراهيم، أب الشعب اليهودى، ولكنهم كانوا يعادونهم؛ لأنهم كانوا وثنيين. أما اليهود فعبدوا الله. وتظهر هنا حيلة ومكر أليفانا فى تجنيد الموآبيين والعمونيين لمساعدته فى مقاتلة بنى إسرائيل لأنهم أعداء لهم. وهذه كانت عادة معروفة قديمًا فى الحرب، مثل استخدام بيلاطس للسامريين فى إخماد ثورات اليهود فى أورشليم واليهودية.
فلما رأوا أليفانا يستعد لمهاجمة المدينة شمتوا باليهود، بل وأسرعوا يقدمون نصيحة لأليفانا ليهلك أهل بيت فلوى. فقالوا له أن اليهود الساكنين فى بيت فلوى يعتمدون على أن مدينتهم محصنة فى أعلى الجبل والجبال تحوطها وتحميها، فلا يعتمدون للدفاع عن مدينتهم على الأسلحة المعروفة مثل السيف والرمح، فيمكنك أن تهلكهم بدون حرب عن طريق مراقبة العيون القريبة من الأسوار حتى لا يستقوا منها سرًا.
إن إبليس فى حربه مع أولاد الله يضيق عليهم فى المصادر الرئيسية لمعيشتهم، فيصيرون فى فقر ومرض ومتاعب كثيرة، لعلهم يتركون الله.
وقد يجتمع الأشرار أيضًا إذا وجدوا أولاد الله فى بلية؛ ليزيدوا ضيقهم ضيقًا، بالتضييق عليهم فى مصادر معيشتهم، حتى الفرعية منها، ليضمنوا هلاكهم، ويشيرون على أعدائهم ليهلكوهم، لعلهم بهذا يظفرون بكرامة، أو أى عطايا من هؤلاء الأعداء.
لا تخف من الذى له سلطان أن يؤذى جسدك، فهو أولاً لا يستطيع أن يؤذيك، إلا إذا سمح له الله، وبالمقدار الذى يسمحه به فقط، وهو أيضًا لا يستطع أن يمس روحك، إن الله يسمح بهذا؛ ليرى مدى ثباتك فى الإيمان واحتمالك للضيقات، وثق أنه فى النهاية ينصرك على أعدائك ولا يسمح بهلاكك.
لا تنزعج من اجتماع الأشرار عليك، حتى لو كانوا ذوى قرابتك، فهم لا شئ أمام قوة الله الذى يحميك، حتى لو أخذوا منك مصادر معيشتك، فالله سيعولك بطرق معجزية.
ع10: فأعجب أليفانا بفكرتهم وأقام جنودًا لحراسة هذه العيون وقتل أى إنسان يقترب إليها وكان متشددًا فأقام على كل عين فرقة من مئة جندى لمنع أية محاولة من بيت فلوى لاستقاء الماء سرًا.
ع11: حياضها : أى أحواضها وهى جمع حوض.
واصل أليفانا حراسته لكل عيون الماء التى خارج أسوار مدينة بيت فلوى، فلم يبق إلا آبار ماء قليلة وبعض تجمعات المياه، أى الأحواض المتصلة بهذه الآبار، وكانت كمية الماء التى بها لا تكفى الشعب، رغم أنها كانت توزع على كل أسرة بمقدار قليل، وبعد عشرين يومًا كادت تجف وما بقى منها كان بالكاد يكفى يومًا واحدًا.
(3) عطش الشعب وطلبهم تسليم المدينة (ع12-25):
12- حينئذ اجتمع على عزيا جميع الرجال و النساء و الشبان و الأطفال و كلهم بصوت واحد. 13- و قالوا يحكم الله بيننا و بينك فإنك قد جنيت علينا شرورا إذ أبيت أن تخاطب الأشوريين بالمسالمة و لذلك باعنا الله إلى ايديهم. 14- و الآن فانه ليس لنا من نصير و لكنا نصرع أمام عيونهم من قبل العطش و الدمار العظيم. 15- فالآن إدعوا جميع من في المدينة و لنستسلم بأجمعنا إلى أصحاب أليفانا من تلقاء أنفسنا. 16- فخير لنا أن نبارك الرب و نحن أحياء في الجلاء من أن نموت و نكون عارا عند جميع البشر بعد أن نكون عاينا نساءنا و أطفالنا يموتون أمامنا.
17- ونستحلفكم اليوم بالسماء و الأرض و بإله آبائنا الذي ينتقم منا بحسب خطايانا أن تسلموا المدينة إلى أيدي جيش أليفانا فيقضى أجلنا سريعا بحد السيف و لا يتمادى في أوار العطش. 18- فلما قالوا هذا حدث بكاء و عويل عظيم في الجماعة كلها و صرخوا إلى الله بصوت واحد ساعات كثيرة قائلين. 19- قد خطئنا نحن و آباؤنا و صنعنا الظلم و الاثم. 20- أرحمنا لانك رحيم أو فانتقم عن آثامنا بأن تعاقبنا أنت و لا تسلم المعترفين بك إلى شعب لا يعرفك. 21- لئلا يقال في الامم أين إلههم. 22- ثم أنهم كلوا من الصراخ و خاروا من البكاء فسكتوا. 23- فقام عزيا و دموعه سائلة وقال لهم كونوا طيبي القلوب يا اخوتي و لننتظر رحمة من لدن الرب هذه الخمسة الايام. 24- فلعله يكف غضبه و يقيم مجدا لاسمه. 25- فإذا انقضت خمسة ايام و لم تأتنا معونة فعلنا ما تقولون
ع12، 13: عندما زاد عطش الشعب وبدأوا يخورون وكادوا يفارقون الحياة، تحركت فيهم قوة للمحافظة على بقائهم، فقاموا بغضب بكل فئاتهم؛ الرجال والنساء والشيوخ والأطفال وأمسكوا بعزيا رئيس المدينة وأخذوا يلومونه بعنف؛ لأنه رفض التفاهم مع الأشوريين وتسليم المدينة لهم، فإحساسهم بحياتهم التى تضيع منهم، جعلهم ينسون إيمانهم بالله ومحبتهم لعزيا رئيس مدينتهم، فوبخوه بشدة، ناسبين الخطأ له، مع أنهم كانوا مقتنعين بالاستعداد الحربى والصلاة الحارة والدموع التى سكبوها أمام الله ولكن انهار كل هذا أمام مواجهة الموت.
ع14: نصير : سند ومنقذ.
نُصرع : نموت.
عبر الشعب عن حالته بأنهم يموتون ببطء من العطش وإذ فقدوا إيمانهم بالله قالوا أن ليس لهم من ينقذهم ويسندهم فى محنتهم.
عندما تشتد بك الضيقة بدلاً من السقوط فى اليأس والغضب على الآخرين وتوجيه الإتهامات لهم، ليتك تسرع وتلقى أتعابك عند قدمى المسيح، فهو يشعر بك، بل وقريب منك أكثر من أى وقت آخر، ومستعد لنجدتك.
ع15: أمام الخوف من الموت، طلب المتقدمون من الشعب أمام عزيا أن يدعو كل من فى المدينة ليخرجوا إلى أليفانا ويسلموا أنفسهم له؛ فيصيروا عبيدًا وأسرى، لينجوا من الموت.
ع16: شعر الشعب أن تسليم أنفسهم لأليفانا يهبهم الحياة وهذا أفضل؛ لأن الحياة أفضل من الموت، إذ يمكنهم أن يعبدوا الله ويباركوه بصلوات كثيرة وهم أحياء ولكن إن بقوا فى المدينة سيموتون ويفقدون قدرتهم على الصلاة ويتعذبون برؤية أطفالهم ونسائهم تموت أمام أعينهم وفى النهاية سيموتون هم أيضًا. فما أقسى الموت؛ لأن مواجهة الموت صعبة فعندما يشعر الإنسان بالموت يزحف ليسيطر عليه، يضطرب جدًا، خاصة وإن كان يرى بعينيه موت أطفاله؛ لأنهم أعز عنده من نفسه، فيدافع عنهم بدافع غريزة الأمومة أو الأبوة، لدرجة أن بعض الناس يندفعون فيقتلون أبناءهم، حتى لا يروهم يموتون أمام أعينهم.
ع17: أجلنا : نهاية حياتنا.
أوار العطش : العطش الشديد جداً.
ثم أكدوا على عزيا وشيوخ المدينة وحاولوا أن ينتزعوا منهم وعدًا وقسمًا بتسليم المدينة ومن فيها لأليفانا وأعلنوا أنهم خطاة وأن ما يصيبهم من ضيق هو تأديب إلهى، بل قالوا أيضًا، إن الموت السريع على يد أليفانا بالسيف، أفضل من الموت عطشًا؛ لأن الموت السريع بالسيف لا يعذب الإنسان، مثل الموت البطئ بسبب العطش، أى أنهم فى جميع الأحوال مصرين على تسليم أنفسهم للأشوريين، سواء استحيوهم، أم قتلوهم. وهذا يظهر مدى يأسهم وضعف إيمانهم.
ليت الضيقة تقودنا للتمسك بالله، وعلى قدر تعلقنا بالحياة الروحية نحتمل الضيقات المادية ونظل ثابتين على إيماننا، لا نقبل العبودية للخطية، أو تسليم حياتنا للشيطان، فالموت ونحن أنقياء أحرار من الخطية، أفضل من الحياة ونحن غارقون فى الشرور.
ع18-22: عويل : بكاء بصوت عالٍ.
خاروا : سقطوا على الأرض فى إعياء شديد.
كلوا : تعبوا.
من يأس الشعب وصعوبة مواجهتهم للموت عطشًا، أظهروا ضيقهم من عزيا واتهموه أنه سبب هلاكهم وطالبوه بتسليم المدينة. ولكن كان إيمانهم مازال حيًا وإن كان ضعيفًا فالتجأوا إلى الله ملجأهم الوحيد بالصلاة والصراخ والدموع ساعات طويلة، بل كانوا يرددون صلوات جماعية بصوت واحد، تظهر وحدانية مشاعرهم وظهر فى صلواتهم الآتى :
- توبتهم واعترافهم بأخطائهم وأخطاء آبائهم. فالتوبة هى أول شئ نستدر به مراحم الله. وذكرهم خطايا آبائهم يرجع لاعتقاد خاطئ كان سائدًا عند اليهود أن الأبناء يعاقبون بسبب خطايا آبائهم ولكن الله أوضح خطأ هذا الاعتقاد فى (خر18: 2-4).
- ترجيهم مراحم الله لتنقذهم من أعدائهم.
- حيث أن أخطاءهم تستحق العقاب، فلو رأى الله معاقبتهم فليعاقبهم هو ولا يسلمهم إلى أيدى أعدائهم. وهنا يتشبهون بداود النبى الذى قال “فلنسقط فى يد الرب؛ لأن مراحمه كثيرة ولا أسقط فى يد إنسان” (2صم24: 14).
- طلبهم أن ينقذهم الله ويتمجد فيهم، فتظهر قوة الله أمام كل الشعوب بدلاً من أن يقال أن الله تركهم إذا اقتحمهم أليفانا، ومن كثرة صراخهم وصلواتهم تعبوا فسكتوا فى النهاية وقلوبهم تتكلم بدلاً من شفاههم وانتظروا مراحم الله ومعونته. وهكذا بالتوبة والإيمان والصلوات لله، واضعين رجائهم فيه وليس فى الآلهة الوثنية، استطاعوا أن يستدروا مراحم الله وقدموا جهادًا كاملاً حتى الموت.
ليتنا نلتجئ إلى الله قبل كل شئ لأنه ليس سواه يحبنا وقادر على خلاصنا. وطالما نتقدم بتوبة واتضاع أمامه، فحتمًا سننال مراحمه، حتى لو سمح بعقابنا، فهو رحيم ولا يتركنا نهلك وفى النهاية يتمجد اسم الله فينا.
ع23-25: وأخيرًا تكلم عزيا رئيس المدينة والمسئول عن قيادة هذا الشعب.
وهنا تظهر القيادة الحكيمة، فلم يضطرب من اتهامهم له، أو يغضب عليهم وشاركهم مشاعرهم وصلواتهم وصراخهم ودموعهم، وشعر بمسئوليته، فوقف معهم يطمئنهم إلى وجود الله. ثم أخذ قرارًا روحيًا أفضل مما طلبوه، إذ طلب منهم الانتظار خمسة أيام، فى صلوات؛ ليروا تدخل الله وإنقاذه لهم، بدلاً من أن يسلم المدينة فى الحال كطلبهم. وإن لم يتدخل الله، فبعد خمسة أيام يسلم المدينة.
ولعله استأذنهم فى الانتظار خمسة أيام؛ لعلمه أن كمية الماء القليلة فى المدينة يمكن أن تكفيهم خمسة أيام وبهذا يظهر مدى تمسك عزيا بالاحتمال حتى أقصى ما يستطيع الشعب، فهو جهاد حتى الموت، أى إلى أقصى ما يمكن من الجهاد، كما يعلمنا العهد الجديد أن نجاهد حتى الدم (عب12: 4)
ما أجمل أن تتحمل مسئوليتك، سواء كرب أسرة، أو كخادم فى الكنيسة، أو كمسئول فى أى عمل، فتعتنى بمن معك وتحتمل اخطاءهم وتشجعهم وتوجههم توجيهًا روحيًا. واهتم أيضًا بحياتك الروحية؛ لتنمو قامتك الروحية وإيمانك، فتستطيع أن تقوم بمهام خدمتك ومسئوليتك. وعلى قدر القامة الروحية للخادم يستطيع أن يوجه ويقود شعبه روحيًا. فواضح أن عزيا ذو قامة روحية أكبر من شعبه. ولو أنه ستظهر بعد ذلك قامة روحية أكبر ليهوديت، ليس فقط عن الشعب، بل عن كل شيوخ المدينة وعن عزيا نفسه.