بدء الإعداد لبناء الهيكل
فى الأصحاحات من 22-27 فى هذا السفر، يظهر اهتمام داود بالإعداد لبناء الهيكل الى سيقوم به سليمان ابنه.
(1) إعداد مواد البناء (ع1-5):
1- فقال داود هذا هو بيت الرب الاله و هذا هو مذبح المحرقة لاسرائيل. 2- و امر داود بجمع الاجنبيين الذين في ارض اسرائيل و اقام نحاتين لنحت حجارة مربعة لبناء بيت الله. 3- و هيا داود حديدا كثيرا للمسامير لمصاريع الابواب و للوصل و نحاسا كثيرا بلا وزن. 4- و خشب ارز لم يكن له عدد لان الصيدونيين و الصوريين اتوا بخشب ارز كثير الى داود. 5- و قال داود ان سليمان ابني صغير و غض و البيت الذي يبنى للرب يكون عظيما جدا في الاسم و المجد في جميع الاراضي فانا اهيئ له فهيا داود كثيرا قبل وفاته.
ع1: بعدما رأى داود بعينيه النار تنزل من السماء وتقبل محرقاته وذبائحه، شعر أن هذا هو المكان الذى اختاره الله لبناء هيكله فيه، فاهتم بكل نشاط وفرح أن يعد مواد البناء لهذا الهيكل؛ لمساعدة ابنه سليمان؛ لأنه كان صغير السن والهيكل سيكون عظيمًا؛ ليليق بعظمة الله.
وقد يبدو غريبًا اختيار الله بيدر رجل أممى؛ هو أرنان اليبوسى؛ ليبنى هيكله فيه، ولكن الله يعلن هنا فى العهد القديم، أنه سيموت ليفدى اليهود والأمم، وتكون كنيسته من كل الشعوب التى تؤمن به.
ومكـان بناء الهيكل كان بيدرًا، أى مكان لجمع الحنطة وفصل الحبوب عن القش وهذا ما سـيحدث فى كنيسـة العهد الجديد والذى تكلم عنه يوحنا المعمدان بوضوح فى بشارته (مت3: 12).
ع2: الأجنبيين : الكنعانيون الذين يعيشون بين بنى إسرائيل.
استخدم داود الكنعانيين الوثنيين فى الأعمال الشاقة وهى نحت الحجارة التى سيبنى بها الهيكل وسخرهم لذلك. واشتراك الأمم فى بناء الهيكل يرمز لقبولهم فى كنيسة العهد الجديد مع اليهود.
واستخدم أيضاً سليمان هؤلاء الأجنبيين فى أعمال بناء الهيكل ويذكر عددهم وهو 153600 (2أى2: 17).
وهكذا نرى اشتراك داود وسليمان فى بناء الهيكل والاثنان يرمزان للمسيح، فداود يرمز لاتضاع المسيح واحتماله وسليمان يرمز لقوة المسيح وسلطانه.
ع3: مصاريع : ضلف الأبواب.
الوصل : الأجزاء المعدنية التى تصل الأبواب بقوائمها وهى التى تسمى المفصلات.
أعد أيضاً داود كميات كبيرة من الحديد والنحاس، وكانت قد أتت إليه هدايا من الأمم المحيطة، بالإضافة إلى الغنائم التى أخذها من البلاد التى انتصر عليها، رغم أن النحاس كان قليلاً فى هذه الأوقات؛ لكن داود أعد منه كميات ضخمة جداً، لم يستطع أن يحصيها لكثرتها.
ع4: الصيدونيين : سكان صيدون وهى مدينة ساحلية، تقع على البحر الأبيض شمال بلاد اليهود (لبنان الحالية)، اشتهرت بصيد السمك والمهارة فى قطع الأخشاب.
الصوريين : سكان صور وهى مدينة ساحلية تقع على البحر الأبيض؛ شمال بلاد اليهود (لبنان الحالية) وجنوب صيدون وكانت من أعظم المدن التجارية فى العالم، واشتهرت بالمهارة فى قطع الأخشاب.
أعد أيضاً داود كميات كبيرة من خشب الأرز الثمين، وصل إليه من الصوريين والصيدونيين.
ع5: غض: النبات الصغير قبل أن ينضج ويقصد هنا أنه صغير، لم تكتمل شخصيته وقوته.
كان اهتمام داود فى الإعداد لهيكل الله وراءه سببين :
- محبة الله، التى جعلته يهتم بالإعداد لهيكله ولم يتضايق من حرمان الله له أن يبنى البيت؛ لاتضاعه.
- محبته لابنه سليمان، الذى شعر بصعوبة المسئولية عليه لصغر سنه؛ لأنه قد بدأ ملكه وعمره عشرين عاماً.
? ليتك تهتم بمساعدة من حولك، خاصة فى الأعمال الروحية والخدمة؛ حتى لو لم يظهر اسمك فى هذا العمل، كن متضعاً ويكفيك بركة أنك اشتركت فى خدمة الله.
(2) وصية داود لسليمان (ع6-16):
6- و دعا سليمان ابنه و اوصاه ان يبني بيتا للرب اله اسرائيل. 7- و قال داود لسليمان يا ابني قد كان في قلبي ان ابني بيتا لاسم الرب الهي. 8- فكان الي كلام الرب قائلا قد سفكت دما كثيرا و عملت حروبا عظيمة فلا تبني بيتا لاسمي لانك سفكت دماء كثيرة على الارض امامي.
9- هوذا يولد لك ابن يكون صاحب راحة و اريحه من جميع اعدائه حواليه لان اسمه يكون سليمان فاجعل سلاما و سكينة في اسرائيل في ايامه. 10- هو يبني بيتا لاسمي و هو يكون لي ابنا و انا له ابا واثبت كرسي ملكه على اسرائيل الى الابد. 11- الان يا ابني ليكن الرب معك فتفلح و تبني بيت الرب الهك كما تكلم عنك. 12- انما يعطيك الرب فطنة و فهما و يوصيك باسرائيل لحفظ شريعة الرب الهك. 13- حينئذ تفلح اذا تحفظت لعمل الفرائض و الاحكام التي امر بها الرب موسى لاجل اسرائيل تشدد و تشجع لا تخف و لا ترتعب. 14- هانذا في مذلتي هيات لبيت الرب ذهبا مئة الف وزنة و فضة الف الف وزنة و نحاسا و حديدا بلا وزن لانه كثير و قد هيات خشبا و حجارة فتزيد عليها. 15- و عندك كثيرون من عاملي الشغل نحاتين و بنائين و نجارين و كل حكيم في كل عمل. 16- الذهب و الفضة و النحاس و الحديد ليس لها عدد قم و اعمل و ليكن الرب معك.
ع6: كان أهم شئ يوصى به داود ابنه هو بناء هيكل لله ودعا الله إله إسرائيل؛ لأنهم الشعب الوحيد وقتذاك، الذى كان يعبد الله، وسط الأمم الوثنيين، وبالتالى فهم المسئولون عن تعظيم اسمه وعبادته، لعل الأمم تفهم وتؤمن به.
ع7: أوضح داود لسليمان رغبته فى بناء هيكل لله، أنه أخبر الله برغبته هذه.
ع8، 9: رفض الله رغبة داود أن يبنى بيتاً له، بسبب دخوله فى حروب كثيرة مع الأمم المحيطة، قتل أثناءها الكثيرين منهم، أو لعله بسبب قتل أوريا زوج بثشبع. والله أراد أن يكون الذى يبنى بيته يتسم بالهدوء والسلام؛ لأن بيته هو مكان لراحة القلوب وسلامها. ووعد الله داود أن يعطيه ابناً يسميه سليمان، تتصف أيامه بالهدوء، إذ تخضع الشعوب له، فيتفرغ لهذا العمل العظيم، وهو بناء هيكل الله.
ع10: ووعد الله برعاية سليمان، فيدعى ابناً لله ويثبت ملكه إلى الأبد، لأن من نسله يأتى المسيح، الذى يملك إلى الأبد.
وسليمان هنا يرمز للمسيح الإبن الوحيد للآب، الذى يملك إلى الأبد وهكذا نرى أن الله عمل بداود؛ لإخضاع الشعوب المقاومة لشعبه. ويعمل أيضاً بسليمان لبناء هيكله، فالله هو العامل فى الإثنين؛ حتى لا يتكبر أحد، كما عمل بموسى لإخراج الشعب من مصر وعبور البرية وقبول الوصايا وبناء خيمة الاجتماع، أما امتلاك أرض كنعان، فكان على يد يشوع.
ع11: تفلح : تنجح.
بعد أن أخبر داود سليمان ابنه بأوامر الله، شجعه أن يستعد لبناء الهيكل، واثقاً أن الله سينجحه، وهنا نتذكر تشجيع الله ليشوع؛ حتى يقوم ويمتلك أرض كنعان (يش1: 7، 8).
ع12، 13: فرائض : العبادة.
الأحكام : الوصايا والشريعة.
فطنة : حكمة وذكاء.
أوصى داود سليمان أن يتمسك بشريعة الله وعبادته، فهذا هو الأساس الذى يرضى به الله، فيكون معه وحينئذ يستطيع أن يبنى هيكلاً لله، ويعطيه حكمة وفهم؛ لتشييد هذا البيت العظيم. ومسئولية سليمان ليست فقط التمسك بالفرائض والأحكام، بل قيادة شعبه للتمسك بها، فيكون حينئذ ملكاً من الله؛ لإتمام مقاصده.
فى النهاية شجع داود سليمان أن يقوم بمسئولياته ولا يخشى أى مشاكل يمكن أن تقف أمامه؛ لأن الله هو المساند له والعامل فيه.
ع14-16: تشجيعاً لسليمان حكى داود له عن فترة ملكه، التى عانى فيها من متاعب الأمم المحيطة ومشاكل داخل مملكته، مثل قيام ابنه أبشالوم عليه، أثناء هذه المعاناة، كان قلب داود منشغلاً ببناء هيكل الله، فأعد :
- مواد البناء بكثرة تفوق توقعات البشر هى :
أ – 100000 وزنة من الذهب
ب – مليون وزنة من الفضة
جـ- نحاس وحديد بلا عدد
د – خشب وحجارة بلا عدد
- أعد أيضاً عمال مهرة فى جميع المجالات، التى يحتاجها الهيكل، مثل النحاتين والبنائيين والنجارين ….
وفى النهاية دعى داود سليمان أن يقوم ليبنى هيكل الله.
? حتى تنجح فى أى عمل، لابد أن تستند على الله بطاعة وصاياه والتمسك بعبادته، أى صلواتك وأصوامك وكل ما تتعلمه من الكنيسة، بالإضافة إلى التوبة الدائمة؛ لتظل نقياً وإناء صالحاً لعمل الله.
(3) وصية داود لرؤساء الشعب (ع17-19):
17- و امر داود جميع رؤساء اسرائيل ان يساعدوا سليمان ابنه. 18- اليس الرب الهكم معكم و قد اراحكم من كل ناحية لانه دفع ليدي سكان الارض فخضعت الارض امام الرب و امام شعبه. 19- فالان اجعلوا قلوبكم و انفسكم لطلب الرب الهكم و قوموا و ابنوا مقدس الرب الاله ليؤتى بتابوت عهد الرب و بانية قدس الله الى البيت الذي يبنى لاسم الرب
ع17، 18: جمع داود رؤساء الشعب وذكرهم كيف أن الله أعطاهم راحة وسلام، بإخضاع كل الشعوب المحيطة لهم على يد داود.
ع19: أوصى داود الرؤساء أن يهتموا بمحبة الله من كل قلوبهم، فهو أهم شئ فى الحياة وحينئذ يستطيعون أن يتقدموا لبناء هيكله، ويضعوا فيه تابوت عهده والآنية المقدسة.
وبهذا ساند داود سليمان ابنه، إذ جعل رؤساء الشعب مساندين له فى بناء هذا الهيكل العظيم.
? حتى تستطيع أن تنجح فى أى عمل لابد أن يكون قلبك مع الله، وإذ تحبه تتكل عليه، وتتقدم بثقة وقوة وتنجح فى كل ما تمتد إليه يداك، ولا تخشى أى متاعب يمكن أن تصادفك.