التبرع للهيكل وصلاة داود وموته
(1) التبرع للهيكل (ع1-9):
1- و قال داود الملك لكل المجمع ان سليمان ابني الذي وحده اختاره الله انما هو صغير و غض و العمل عظيم لان الهيكل ليس لانسان بل للرب الاله. 2- و انا بكل قوتي هيات لبيت الهي الذهب لما هو من ذهب و الفضة لما هو من فضة و النحاس لما هو من نحاس و الحديد لما هو من حديد والخشب لما هو من خشب و حجارة الجزع و حجارة للترصيع و حجارة كحلاء و رقماء و كل حجارة كريمة و حجارة الرخام بكثرة. 3- و ايضا لاني قد سررت ببيت الهي لي خاصة من ذهب وفضة قد دفعتها لبيت الهي فوق جميع ما هياته لبيت القدس. 4- ثلاثة الاف وزنة ذهب من ذهب اوفير و سبعة الاف وزنة فضة مصفاة لاجل تغشية حيطان البيوت. 5- الذهب للذهب و الفضة للفضة و لكل عمل بيد ارباب الصنائع فمن ينتدب اليوم لملء يده للرب.6- فانتدب رؤساء الاباء ورؤساء اسباط اسرائيل و رؤساء الالوف و المئات و رؤساء اشغال الملك. 7- و اعطوا لخدمة بيت الله خمسة الاف وزنة و عشرة الاف درهم من الذهب و عشرة الاف وزنة من الفضة و ثمانية عشر الف وزنة من النحاس و مئة الف وزنة من الحديد. 8- و من وجد عنده حجارة اعطاها لخزينة بيت الرب عن يد يحيئيل الجرشوني. 9- و فرح الشعب بانتدابهم لانهم بقلب كامل انتدبوا للرب و داود الملك ايضا فرح فرحا عظيما.
ع1: استكمل داود كلامه مع رؤساء شعبه، الذين جمعهم فى (ص28: 1) وأظهر لهم أنه بسبب صغر سن سليمان، الذى اختاره الله وحده من بين كل أخوته ملكاً بعده على شعبه، وكذلك أمر الله بأن سليمان هو الذى سيبنى هيكل الله وأن الهيكل هو لله وليس لإنسان، أى أنه عظيم جداً ولا يقوى على بنائه أى إنسان، إلا بمعونة الله؛ لذا فقد أعد كل ما يستطيع إعداده لهذا الهيكل كما سيظهر فى (ع2).
ع2: حجارة الجزع : حجر كريم تظهر فيه ألوان فى خطوط متوازية.
الترصيع : التزيين.
حجارة كحلاء : شديدة السواد، أو بيضاء فيها أجزاء شديدة السواد.
رقماء : بيضاء بها بقع سوداء.
ذكر هنا داود أنواع المواد التى أعدها لبناء هيكل الرب، فتحوى كل ما هو ثمين، سواء الذهب، أو الفضة، أو الأحجار الكريمة، وهذا يبين مدى محبة وتعظيم داود لله، وأنه أعد بكل طاقته كل ما أستطاع، إذ يقول “بكل قوتى”، فمن يعطى الله بكل طاقته ينال بركة فوق ما يتخيل.
ع3، 4: أوفير : منطقة فى جنوب شبه الجزيرة العربية، تتميز بمناجم الذهب النقى وهى اليمن الحالية.
وزنة : لها عدة أوزان تتراوح بين 20-40 كجم.
بالإضافة إلى ما أعده داود لبيت الرب من خزائن المملكة، قدم أيضاً من ماله الخاص كميات ضخمة من الذهب الخالص والفضة النقية وأعطاها للمسئولين عن خزائن بيت الرب، الذين خصصهم لهذا العمل. هذا الذهب كان لتغطية جدران بيت الرب من الداخل. وهذا يبين أمرين :
- محبة داود القلبية لله، فيعطى من ماله الخاص، لأنه ليس عنده أغلى من الله.
- سخاء داود فى العطاء، فيعطى بوفرة أفضل ما عنده لله.
? إن العطاء لله يبين مدى محبتك له، فهو فرصتك للتعبير عن محبتك وعدم تعلقك بالماديات، أى تقديرك لله أكثر من كل شئ فى العالم وإعلم أن العطاء لأى إنسان محتاج، أو للكنيسة غالى جداً فى نظر الله، بل هو سبيلك للدخول إلى الملكوت.
ع5: ينتدب : يتبرع.
ملء يده للرب : يعطى الله بسخاء.
أرباب الصنائع : المسئولون، أو رؤساء الحرف المختلفة، الذين يشتركون فى بناء بيت الله.
بعدما بين داود اهتمامه بالعطاء لبيت الله؛ ليكون مثالاً للرؤساء والشعب، عندما قدم ما أعده لرؤساء الحرف المختلفة، وداود لا يقصد بالطبع أن يتفاخر، أو يتكبر، بل يريد أن يشجع الجميع على العطاء، سأل رؤساء الشعب؛ من منكم يريد أن يتبرع لبيت الله بوفرة. ولم يرد داود أن يلزم الشعب والرؤساء بمبالغ محددة، لكن أراد أن يكون التبرع ناتج عن محبتهم لله، أى يكون اختيارياً تماماً.
ع6-8: درهم من الذهب : حوالى 8 جرام.
تحمس رؤساء الشعب وقدموا بسخاء لبيت الرب ذهب وفضة ونحاس وحديد وحجارة كريمة وأعطوها ليحيئيل، المسئول عن خزائن بيت الرب.
ع9: عندما قدم داود والشعب لبيت الرب، أنعم عليهم الله بالفرح، إذ حسبوا مستأهلين أن يشتركوا فى بناء بيت لله؛ ليسكن فى وسطهم. وهذه نعمة يفيضها الله على كل من يعطى من كل قلبه لله.
(2) صلاة داود (ع10-20):
10- و بارك داود الرب امام كل الجماعة و قال داود مبارك انت ايها الرب اله اسرائيل ابينا من الازل و الى الابد. 11- لك يا رب العظمة و الجبروت و الجلال و البهاء و المجد لان لك كل ما في السماء و الارض لك يا رب الملك و قد ارتفعت راسا على الجميع. 12- و الغنى و الكرامة من لدنك و ان تتسلط على الجميع و بيدك القوة و الجبروت و بيدك تعظيم و تشديد الجميع.
13- والان يا الهنا نحمدك و نسبح اسمك الجليل. 14- و لكن من انا و من هو شعبي حتى نستطيع ان ننتدب هكذا لان منك الجميع و من يدك اعطيناك. 15- لاننا نحن غرباء امامك نزلاء مثل كل ابائنا ايامنا كالظل على الارض و ليس رجاء. 16- ايها الرب الهنا كل هذه الثروة التي هياناها لنبني لك بيتا لاسم قدسك انما هي من يدك و لك الكل. 17- و قد علمت يا الهي انك انت تمتحن القلوب و تسر بالاستقامة انا باستقامة قلبي انتدبت بكل هذه و الان شعبك الموجود هنا رايته بفرح ينتدب لك. 18- يا رب اله ابراهيم و اسحق و اسرائيل ابائنا احفظ هذه الى الابد في تصور افكار قلوب شعبك و اعد قلوبهم نحوك. 19- و اما سليمان ابني فاعطه قلبا كاملا ليحفظ وصاياك شهاداتك و فرائضك و ليعمل الجميع و ليبني الهيكل الذي هيات له. 20- ثم قال داود لكل الجماعة باركوا الرب الهكم فبارك كل الجماعة الرب اله ابائهم و خروا و سجدوا للرب و للملك.
ع10: بعد أن ظل داود فترة راقداً على فراشه، بسبب شيخوخته، الآن تشدد ووقف أمام الجماعة؛ ليباركهم ليس وهو فى سريره، بل فى حضرتهم، وصلى صلاته التى كانت قدوة لشعبه، بل ولنا كلنا حتى الآن فى التحدث مع الله، إذ يبدأها بمباركة الله إله إسرائيل. وهنا يظهر اتضاع الله أن ينتسب لشعبه، فيقال إله إسرائيل ويعلن داود أن الله مبارك فى ذاته منذ الأزل وإلى الأبد، فهو غير محتاج لتسبيح البشر وهذا يبين إيمان داود واتضاعه.
ع11: يواصل داود تسبيحه، فيعلن لله أن له العظمة والقوة والمجد وكل ما يتصل بها فهو الخالق للكون، أى السماء والأرض، وأيضاً هو فوق جميع الآلهة التى يظنها البشر آلهة، لأن أعمال الله فاقت كل ما ينسبه البشر للآلهة الوثنية.
ع12، 13: من لدنك : من عندك.
يستكمل داود تسبيحه، فيقول لله أن له الغنى والكرامة، بل التسلط على كل البشر والخليقة، وبالتالى فالله وحده القادر أن يقوى البشر ويساندهم. من أجل كل صفات الله هذه، يقول داود أنه مستحق التسبيح. والتسبيح هو أعظم الصلوات؛ لأنه محبة خالصة لله، دون أى طلب منه.
ع14: باتضاع شديد يعلن داود ضعفه، هو وكل شعبه، وعدم استحقاقه أن يقدم شيئاً لله وهى العطايا المقدمة؛ لبناء هيكله؛ لأن الله هو خالق كل شئ، فما يقدمه لله هو ملكه، كأن الإنسان يأخذ من يد الله، ثم يعطيه فى يده، فالعطاء هو نعمة من الله للإنسان؛ حتى يشعر أنه يقدم شئ لله، لأن مالك كل شئ فى العالم هو الله وحده.
ع15، 16: يظهر داود محبته لله فى وصفه لنفسه ولكل المؤمنين بالله بأنهم غرباء ونزلاء فى هذا العالم، وبالتالى غير متعلقين بالماديات، فيعطونها بسهولة وبفرح لله، إذ أن هدفهم الوحيد الملكوت الأبدى. ويشعر داود أن كل الآباء من أيام إبراهيم عاشوا غرباء، فهو غريب مثلهم، حتى لو كان ملكاً وله الكثير من الذهب والممتلكات والعظمة؛ لأن محبة الله قد ملكت قلبه وغطت على كل شئ، وكل ما أعده وقدمه لهيكل الله، هو أصلاً ملك لله.
ع17: يبين داود إيمانه بالله، فهو فاحص القلوب والكلى ويفرح بمحبة أولاده له، فلذلك تقدم داود وشعبه؛ ليعطوا عطايا لبيت الله؛ فيفرحوا بهذه البركة، أن يقدموا لله ويفرح الله بهم. وهنا تظهر محبة داود القلبية لله فهو يقدم قلبه، قبل عطاياه المادية.
ع18: يتشفع داود بالآباء الذين باركهم الله من قبل، ويستدر مراحمه؛ لتظل مشاعر الحب لله فى قلوب شعبه، فيثبتها الله فيهم ويعد قلوبهم كل يوم؛ لتكون متعلقة بمحبته، وذلك عن طريق حفظ وصاياه. وسُكنى الله فى قلوب شعبه وهو الأهم من سكناه فى بيت مصنوع بالأيدى.
ع19: يطلب هنا داود طلبة خاصة لأجل ابنه سليمان؛ حتى يكون كل قلبه لله، فيهتم ببناء بيت الله، الذى أعد داود مواده، ويحفظ وصايا الله ويحيا بها. وهذا يبين أهمية القائد، فإن كان روحانياً سيقود شعبه فى الحياة مع الله.
? اهتم بحياتك الروحية لأنك قدوة لمن حولك وتؤثر فيهم دون أن تتكلم، فاحفظ وصايا الله واهتم بخدمته من كل قلبك؛ حتى لو لم ترى استكمال ما تعمله، أو ينالك شئ من المديح، كما أعد داود مواد بناء الهيكل وهو يعرف أنه لن يبنيه.
ع20: يظهر داود كقائد روحى عظيم فى دعوة شعبه أن يباركوا الله مثله، فأطاعوه وباركوا الله وسجدوا له وللملك، وهذا إعلان منهم بتأييدهم لكل كلمة قالها داود فى صلاته، أى أن داود كان اللسان الناطق لقلوب كل شعبه.
(3) تقديم الذبائح وتمليك سليمان (ع21-25):
21- و ذبحوا للرب ذبائح و اصعدوا محرقات للرب في غد ذلك اليوم الف ثور و الف كبش والف خروف مع سكائبها و ذبائح كثيرة لكل اسرائيل. 22- و اكلوا و شربوا امام الرب في ذلك اليوم بفرح عظيم و ملكوا ثانية سليمان بن داود و مسحوه للرب رئيسا و صادوق كاهنا.
23- وجلس سليمان على كرسي الرب ملكا مكان داود ابيه و نجح و اطاعه كل اسرائيل.
24- و جميع الرؤساء و الابطال و جميع اولاد الملك داود ايضا خضعوا لسليمان الملك.
25- و عظم الرب سليمان جدا في اعين جميع اسرائيل و جعل عليه جلالا ملكيا لم يكن على ملك قبله في اسرائيل.
ع21، 22: فى اليوم التالى لصلاة داود وإعطائه البركة لله والشعب من ورائه، اجتمع الشعب وقدموا ذبائح سلامة لله بكثرة، فرحاً بتمليك سليمان. وأعداد هذه الذبائح كانت ألفاً من الثيران وكذا الكباش وأيضاً الخراف. وأكلوا من الذبائح أمام الله وملكوا سليمان للمرة الثانية، وكان معه صادوق رئيس الكهنة، الذى ظل معه؛ لأن أبياثار رئيس الكهنة الآخر كان قد اشترك فى مؤامرة أدونيا، فاستبعد، أى صار صادوق رئيس الكهنة الأوحد لكل الشعب لذا قال “وصادوق كاهناً” وقد ذكر هذا فى (1مل2: 35)، أما التمليك الأول لسليمان، فكان عندما صب صادوق رئيس الكهنة الزيت على رأس سليمان ودخل بموكب عظيم إلى أورشليم
(1مل1: 39، 40).
وسليمان هنا يشبه داود، الذى مُسح بيد صموئيل وهو فى بيت أبيه ولكنه ملك بعد ذلك بسنوات كثيرة، بعدما مات شاول.
وداود وسليمان يرمزان للمسيح، الذى ملك أولاً على قلوب المؤمنين به بتجسده وفدائه لهم وحلول روح قدسه عليهم، ثم يملك ملكاً كاملاً ثانية فى اليوم الأخير، فى مجيئه الثانى، عندما يلقى الشيطان فى العذاب الأبدى ويمجد المؤمنين به معه فى الملكوت.
ع23-25: هكذا أُعلن سليمان ملكاً على شعب الله فى حياة داود وخضع له كل الرؤساء والأبطال، إذ أعطاه الله نعمة ومهابة فى أعينهم، رغم صغر سنه. وخضع له أيضاً كل أخوته. وكانت المهابة الإلهية، التى وهبها الله لسليمان تفوق أية مهابة أعطيت لملك آخر على إسرائيل.
? إن الله مستعد أن يعطيك مهابة فى أعين من حولك مهما كان ضعفك، إن كنت متكلاً عليه ومتضعاً، فيعمل بك بكل قوة؛ لمجد اسمه القدوس.
(4) وفاة داود (ع26-30):
26- و داود بن يسى ملك على كل اسرائيل. 27- و الزمان الذي ملك فيه على اسرائيل اربعون سنة ملك سبع سنين في حبرون و ملك ثلاثا و ثلاثين سنة في اورشليم. 28- و مات بشيبة صالحة و قد شبع اياما و غنى و كرامة و ملك سليمان ابنه مكانه. 29- و امور داود الملك الاولى والاخيرة هي مكتوبة في اخبار صموئيل الرائي و اخبار ناثان النبي و اخبار جاد الرائي. 30- مع كل ملكه و جبروته و الاوقات التي عبرت عليه و على اسرائيل و على كل ممالك الاروض
ع26-28: ذكر هذا الحدث فى (1مل2: 11، 12)، فبعد أن جعل داود ابنه سليمان ملكاً، وكان قد أكمل داود أربعين عاماً على العرش؛ سبع منها على سبط يهوذا فى حبرون وثلاث وثلاثين سنة على كل إسرائيل فى أورشليم، وكان عمره وقتذاك سبعين عاماً (2صم5: 4، 5)، مات داود بشيبة صالحة؛ لأن حياته كانت صالحة وأرضت الله؛ حتى نسب الله الملوك الآتيين من نسله إليه وحتى المسيح نفسه انتسب إلى داود، تعظيماً لبر داود ومحبته لله.
? إن كل عمل صالح تعمله يعتبره الله جداً وفى النهاية، عندما تترك هذا العالم، يكون لك مكان عظيم فى السماء، على قدر صلاحك.
ع29، 30: ما كُتب هنا عن داود وما كتب أيضاً فى سفرى صموئيل وبداية سفر الملوك الأول، قد دُون بالإضافة إلى أخبار أخرى فى أسفار تاريخية خاصة، ليست من أسفار الكتاب المقدس وهى أخبار صموئيل النبى وأخبار ناثان النبى وأخبار جاد الرائى.