تملك أبيا على يهوذا
(1) بداية ملك أبيا (ع1-3) :
1- في السنة الثامنة عشر للملك يربعام ملك ابيا على يهوذا. 2- ملك ثلاث سنين في اورشليم و اسم امه ميخايا بنت اوريئيل من جبعة و كانت حرب بين ابيا و يربعام. 3- و ابتدا ابيا في الحرب بجيش من جبابرة القتال اربع مئة الف رجل مختار و يربعام اصطف لمحاربته بثمان مئة الف رجل مختار جبابرة باس.
ع1، 2: ذكرت هذه الآيات فى (1مل15: 1، 2، 6) وتم شرحها ولكن يلاحظ هنا اختلاف واحد لأنه ذكر فى سفر الملوك الأول أن أبيا، هو ابن معكة، بنت أبشالوم، أما هنا فيقول أن أبيا، هو ابن ميخايا بنت أوريئيل، وتفسير ذلك هو أن أوريئيل ليس إبناً لأبشالوم بل زوج ثامار ابنة أبشالوم، فأبيـا هـو ابن ميخايا حفيدة أبشالوم وتدعى أيضاً معكة، كما ذكر فى (ص11: 20) و(1مل15: 2). ويلزمنا أن نعرف أن الأصل العبرى لكلمة حفيدة هو نفسه يعنى إبنة والخلاصة أن أبيا هو ابن ميخايا، التى تدعى أيضاً معكة وهى أبنة أوريئيل، زوج ثامار، ابنة أبشالوم، فيكون أبيا هو ابن ميخايا، أو معكة حفيدة أبشالوم.
ع3: أعد أبيا جيشه من مملكة يهوذا، فكان أربع مئة ألف جندياً، أما يربعام فكان جيشه ثمان مئة ألف جندياً من الأسباط، أى ضعف جيش مملكة يهوذا. ولكن قوة أبيا وجنوده كانت فى اعتمادهم على الله وعبادته فى هيكله المقدس.
? الاتكال على الله قادر أن يسندك فى كل المواقف مهما كانت صعبة، فاهتم بتوبتك وعلاقتك بالله؛ حينئذ تحيا مطمئناً أمام حروب إبليس.
(2) خطاب أبيا للأسباط (ع4-12) :
4- و قام ابيا على جبل صمارايم الذي في جبل افرايم و قال اسمعوني يا يربعام و كل اسرائيل. 5- اما لكم ان تعرفوا ان الرب اله اسرائيل اعطى الملك على اسرائيل لداود الى الابد و لبنيه بعهد ملح. 6- فقام يربعام بن نباط عبد سليمان بن داود و عصى سيده. 7- فاجتمع اليه رجال بطالون بنو بليعال و تشددوا على رحبعام بن سليمان و كان رحبعام فتى رقيق القلب فلم يثبت امامهم.
8- و الان انتم تقولون انكم تثبتون امام مملكة الرب بيد بني داود و انتم جمهور كثير و معكم عجول ذهب قد عملها يربعام لكم الهة. 9- اما طردتم كهنة الرب بني هرون و اللاويين و عملتم لانفسكم كهنة كشعوب الاراضي كل من اتى ليملا يده بثور ابن بقر و سبعة كباش صار كاهنا للذين ليسوا الهة. 10- و اما نحن فالرب هو الهنا و لم نتركه و الكهنة الخادمون الرب هم بنو هرون و اللاويون في العمل. 11- و يوقدون للرب محرقات كل صباح و مساء و بخور اطياب و خبز الوجوه على المائدة الطاهرة و منارة الذهب و سرجها للايقاد كل مساء لاننا نحن حارسون حراسة الرب الهنا و اما انتم فقد تركتموه. 12- و هوذا معنا الله رئيسا و كهنته و ابواق الهتاف للهتاف عليكم فيا بني اسرائيل لا تحاربوا الرب اله ابائكم لانكم لا تفلحون.
ع4: جبل صمارايم : صمارايم مدينة فى نصيب بنيامين وعلى حدوده (يش18: 22).
عندما وجد أبيا أن يربعام قد هجم عليه بجيش كبير عدده ثمانى مئة ألف، أعد جيش يهوذا وكان أربع مئة ألف، كما رأينا فى (ع3) ولكنه لم يندفع فى الحرب؛ لأن شمعيا النبى كان قد حذر مملكة يهوذا من محاربة مملكة إسرائيل، أى الأسباط (ص11: 4). ولكنه حاول إيقاف الحرب؛ بأن صعد إلى جبل صمارايم وهو على حدود مملكته، ووقف يخاطب يربعام وجيوشه المصطفة على حدود المملكتين وهذا يظهر شجاعة أبيا وعدم خوفه، أن يرميه أحد الأعداء بسهم.
ع5: عهد ملح : الملح يحفظ الطعام والمقصود بعهد ملح، أى عهد لا يُنقض ولا يفسد، أى عهد ثابت.
بدأ أبيا يوضح ليربعام وجيوشه الأسباب التى ستجعل جيش يهوذا ينتصر على جيش الأسباط، فأعطى الدليل الأول وهو : أن الله أعطى عهد أبدى ثابت لداود ونسله؛ حتى يملكوا على بنى إسرائيل. وهنا يقصد أبيا أن الملك لداود ونسله على كل إسرائيل وأن الانقسام الذى حدث أمر غريب وكان الأصح أن تظل الأسباط خاضعة لنسل داود، الذى له العهد.
ع6، 7: فتى رقيق القلب : وصف لرحبعام يعنى أنه ضعيف كالفتيان وأنه رقيق القلب، أى ليس له قوة وشدة الرجال، مع أن عمره كان إحدى وأربعين سنة حين ملك (ص12: 13).
بنو بليعال : بليعال تعنى الشيطان والمقصود بنى الشر.
الدليل الثانى على حتمية انتصار أبيا، هو أن يربعام مجرد عبد لسليمان ابن داود وهو عبد عاصى ومتمرد، هرب إلى مصر، ثم عاد بتمرد وجمع رجالاً أشراراً وانشق بالأسباط عن الخضوع لنسل داود، أى رحبعام، مستغلاً ضعفه. ومعنى هذا أن المُلك لأبيا الملك؛ لأنه نسل داود وليس للعبد المتمرد المغتصب الملك، وهو يربعام.
ع8: الدليل الثالث؛ هو أن مملكة يهوذا هى مملكة الرب، بيد نسل داود، أى أبيا الملك، أما مملكة إسرائيل فقد اعتمدت على الآلهة الوثنية وهى العجول الذهبية واعتمدوا على كثرة عددهم ولكنه بلا قيمة أمام قوة الرب، بل إن عبادتهم للعجول؛ ستكون سبباً فى انتقام الرب منهم.
ع9: يملأ يده : يقدم ذبيحة، أى يتخصص للكهنوت ويصير كاهناً.
الدليل الرابع هو أن مملكة يهوذا اعتمدت على عبادة الله فى هيكله وعلى الكهنة الرسميين، الذين من نسل هارون، أما مملكة إسرائيل، فقد عبدت الأوثان واعتمدت على كهنة ليسوا من نسل هارون كما أوصى الله، بل أى إنسان يقدم ذبيحة، يصير كاهناً وطردوا كهنة الله، الذين من نسل هارون.
ع10، 11: الدليل الخامس، هو تمسك شعب مملكة يهوذا بعبادة الله فى هيكله، فيقدمون الذبائح والتقدمات وكذلك يضيئون السرج ويقدمون البخور والأطياب، أى يقدمون عبادة كاملة لله وبالتالى يتمتعون برعايته وقوته التى لا تُقهر.
ع12: الدليل السادس هو أن الله القائد الحقيقى لجيوش مملكة يهوذا، وهو الرئيس الذى لا يقف أحد أمام قوته، وأمام هتاف كهنته بالأبواق، فمن يستطيع أن يحارب الله ؟! وهتاف الكهنة بالأبواق، يعنى حضور الله كقائد لجيشه.
يقدم فى النهاية نصيحة لأسباط إسرائيل، بقيادة يربعام، وهى ألا يهاجموا ويحاربوا مملكة يهوذا؛ لأنهم سينهزمون.
فى الآيات السابقة يظهر أبيا فى صورة حسنة، معتمداً على الله وعبادته ولكنه فى الحقيقة عمل الشر فى عينى الرب، مثل رحبعام أبيه ولم يكن كاملاً مثل داود (1مل15: 3). ولكن يظهر سؤالاً هاماً وهو إن كان أبيا قد سلك فى الشر مثل رحبعام، فلماذا نصره الله على يربعام ؟ والإجابة أن الله أراد أن يؤدب يربعام؛ لتزايده فى الشر واستخدم أبيا فى ذلك، ليس لصلاحه ولكن لأن شرور يربعام كانت أكثر بكثير.
وإن كان الله لم يسمح لرحبعام أن يحارب الأسباط المنشقة (ص11: 4) لكنه سمح هنا لأبيا أن يحارب الأسباط وينتصر عليهم؛ لأجل كثرة خطايا مملكة إسرائيل.
ونلاحظ تناقض بين كلام أبيا وسلوكه، ففى خطابه السابق ليربعام، يعلن أن الرب إلهه ولم يتركه، مع أنه فى نفس الوقت سمح بعبادة الأوثان، ووبخ يربعام لاعتماده على عجول الذهب، فى الوقت الذى ترك فيه الشعب يعبدون آلهة غريبة، بل وسمح بوجود أصنام داخل بيته، إذ كانت أمه معكة تعبد الأوثان. فأبيا اتخذ صورة التقوى، لكنه فى نفس الوقت ينكر قوتها، والله غضب لهذا، فلم يدم ملكه إلا ثلاث سنوات.
? تذكر عهدك مع الله فى سرى المعمودية والميرون وأيضاً فى سرى الاعتراف والتناول لترجع بقلبك إلى الله وتسلك بما يرضيه فلا يقوى عليك إبليس.
(3) انتصار أبيا على يربعام (ع13-20) :
13- و لكن يربعام جعل الكمين يدور لياتي من خلفهم فكانوا امام يهوذا و الكمين خلفهم. 14- فالتفت يهوذا و اذا الحرب عليهم من قدام و من خلف فصرخوا الى الرب و بوق الكهنة بالابواق. 15- و هتف رجال يهوذا و لما هتف رجال يهوذا ضرب الله يربعام و كل اسرائيل امام ابيا و يهوذا. 16- فانهزم بنو اسرائيل من امام يهوذا و دفعهم الله ليدهم. 17- و ضربهم ابيا و قومه ضربة عظيمة فسقط قتلى من اسرائيل خمس مئة الف رجل مختار. 18- فذل بنو اسرائيل في ذلك الوقت و تشجع بنو يهوذا لانهم اتكلوا على الرب اله ابائهم. 19- و طارد ابيا يربعام و اخذ منه مدنا بيت ايل و قراها و يشانة و قراها و عفرون و قراها. 20- و لم يقو يربعام بعد في ايام ابيا فضربه الرب و مات.
ع13: الكمين : مجموعة من الجنود مختبئة وتظهر فى الوقت المناسب لتفاجئ العدو.
لم يهتم يربعام بتحذيرات أبيا؛ لأنه كان معتمداً على أمرين :
- كثرة عدد جنوده، إذ كانوا ضعف عدد جنود مملكة يهوذا.
- مهارته الحربية، فقد وضع خطة للانتصار وهى عمل كمين.
تحرك يربعام بخطته الحربية، فهاجم أبيا ولم يتراجع، رغم كل تحذيرات أبيا له. وفى نفس الوقت جعل مجموعة من جنوده تختبئ، ثم تدور، لعلها وراء جبل من الجبال، ثم تدور لتصير خلف جيش يهوذا، أى يصير جيش يهوذا محاصراً من الأمام والخلف بجيوش إسرائيل، فيضربونه من الأمام والخلف، وبالتالى يسهل على يربعام أن ينتصر عليهم، هكذا ظن يربعام.
ع14: عندما وجد أبيا أنه محاصر من الأمام والخلف بجيوش يربعام، صرخ هو وكل جنوده إلى الله، الذى اعتمدوا عليه. وبوق الكهنة بالأبواق؛ ليعلنوا أن الله هو المحارب عن يهوذا، فتشجع جنود يهوذا؛ لاتكالهم على الله.
ع15: عندما تشدد جنود يهوذا، هتفوا طالبين معونة الله، وعندما هتفوا استجاب الله لصلواتهم، فتدخل وضرب يربعام وكل جيشه بضربة جعلتهم ضعفاء أمام جنود يهوذا. هذه الضربة لم يذكرها الكتاب المقدس بالتحديد، فقد تكون بمرض، أو ضعف جسدى مفاجئ، كما ضرب الآراميين، أيام أليشع بالعمى (2مل6: 18)، أو خوف ورعب فى القلب، أو أية ضربة، كما ضرب الله قبلاً أعداء شعبه بالحجارة (حز38: 22) أو بالزنابير (يش24: 12).
? الصلاة قوية جداً، خاصة عندما تصدر من إنسان ضعيف، يطلب معونة الله من كل قلبه، فلابد أن يتدخل؛ لذا أسرع إلى الله بإيمان، مهما كان ضعفك، ليحارب عنك كل الظروف المعاكسة.
ع16-18: تشدد أبيا بقوة الله وضرب جيوش يربعام التى أمامه وخلفه، فقتل منهم خمس مئة ألف. وهكذا انكسر يربعام، الذى حاول أن يخضع ويستولى على مملكة يهوذا، معتمداً على قوته، فقتل أكثر من نصف جيشه، وهرب فى خزى أمام الله المدافع عن أولاده – شعب يهوذا – الذين تقووا عندما اتكلوا عليه وهذه هى مكافأة المؤمنين، الذين اعتمدوا على إلههم.
ع19: بيت إيل : تقع شمال أورشليم على بعد اثنى عشر ميلاً، وكانت تعتبر مدينة مقدسة؛ لأن الله ظهر فيها ليعقوب (تك28: 19).
يشانة : مدينة فى جبل أفرايم تقع شمال مملكة يهوذا.
عفرون : مدينة تقع شمال أورشليم على بعد 8 كم.
إستمر أبيا فى انتصاراته، فطارد جيوش يربعام واستولى على عدد من المدن فى جنوب مملكة إسرائيل، أى بالقرب من حدود مملكة يهوذا، مثل بيت إيل وباشان وعفرون.
ع20: عاش يربعام فى خزى وذل، بعد هزيمته أمام أبيا، ولم يستطع أن يهاجم مملكة يهوذا مرة ثانية، ثم ضربه الله بمرض استمر سنوات، حتى مات، بعد موت أبيا بسنتين.
(4) أسرة أبيا (ع21، 22) :
21- و تشدد ابيا و اتخذ لنفسه اربع عشرة امراة و ولد اثنين و عشرين ابنا و ست عشرة بنتا. 22- و بقية امور ابيا و طرقه و اقواله مكتوبة في مدرس النبي عدو
ع21: عندما شعر أبيا بنصرته القوية على يربعام، تكبر متشدداً بقوته الشخصية، وانغمس فى شهواته، فتزوج بأربعة عشر زوجة وأنجب منهن اثنين وعشرين ولداً وستة عشر بنتاً ولا يذكر السفر هنا خطايا أبيا؛ لأنه مهتم بخطة الخلاص، ولكن يخبرنا سفر الملوك أن قلب أبيا لم يكن كاملاً ورغم خطابه الحسن واتكاله على الله؛ لكنه عاد وشعر بقوته واتكل على نفسه.
? إحرص أن تكون متضعاً أمام الله وتشكره فى كل حين على عطاياه؛ حتى لا يجد إبليس فرصة للدخول إليك واستخدم العالم، دون أن تنغمس فى شهواته.
ع22: مَدْرس : هى كلمة عبرية تعنى كتاب، يدون فيه تفاسير وعظات.
يخبرنا السفر هنا بأن تفاصيل حياة أبيا وسلوكه وكلماته والمعنى التى تحملها، كتبها عَدّو النبى فى كتاب.