تملك آسا بعد آبيا
(1) البداية الحسنة لآسا (ع1-8)
1- ثم اضطجع ابيا مع ابائه فدفنوه في مدينة داود و ملك اسا ابنه عوضا عنه في ايامه استراحت الارض عشر سنين. 2- و عمل اسا ما هو صالح و مستقيم في عيني الرب الهه. 3- و نزع المذابح الغريبة و المرتفعات و كسر التماثيل و قطع السواري. 4- و قال ليهوذا ان يطلبوا الرب اله ابائهم و ان يعملوا حسب الشريعة و الوصية. 5- و نزع من كل مدن يهوذا المرتفعات و تماثيل الشمس و استراحت المملكة امامه. 6- و بنى مدنا حصينة في يهوذا لان الارض استراحت و لم تكن عليه حرب في تلك السنين لان الرب اراحه. 7- و قال ليهوذا لنبن هذه المدن و نحوطها باسوار وابراج و ابواب و عوارض ما دامت الارض امامنا لاننا قد طلبنا الرب الهنا طلبناه فاراحنا من كل جهة فبنوا و نجحوا. 8- و كان لاسا جيش يحملون اتراسا و رماحا من يهوذا ثلاث مئة الف و من بنيامين من الذي يحملون الاتراس و يشدون القسي مئتان و ثمانون الفا كل هؤلاء جبابرة باس.
ع1: مات أبيا بعد أن تملك على يهوذا مدة ثلاث سنوات ودفنوه مع الملوك السابقين له فى مدينة داود، ثم ملك مكانه إبنه آسا (1مل15: 9). وكان صغير السن ولكن يبدو أنه قد تعلم الاتكال على الله من خلال انتصار أبيه أبيا على يربعام (ص13)، وكان يقتدى بجده داود (1مل15: 11) والذى يعتبره أبيه رغم أن الجو المحيط به كان شريراً، فقد سار أبيه أبيا وجده رحبعام فى الشر زمناً ليس بقليل، بالإضافة لأن جدته معكة عبدت الأوثان وكانت ذات شخصية قوية مسيطرة. من أجل إيمان آسا وارتباطه بالله، أعطاه أماناً فى مملكته يهوذا ووضع الخوف فى قلب يربعام بعد هزيمته على يد أبيا، فعاش آسا عشر سنوات فى بداية ملكه فى أمان، ساعده ذلك على أعمال إيجابية ستظهر فى الآيات التالية.
- لا تستسلم للشر إذا أحاط بك فى سلوك المحيطين، بل تمسك بإيمانك ووصايا الله، حتى لو كنت وحدك مع الله، فالله قادر أن يسندك ويبارك حياتك ويخضع المسيئين أمامك.
ع2: يظهر صلاح آسا فى بداية ملكه، أنه وضع هدفه أن يرضى الله، فعمل كل ما هو مستقيم وصالح فى عينيه. لم يهتم أن يرضى نفسه، أو من حوله، لينال شهرة، أو شهوات؛ لذا يعتبر آسا من الملوك الصالحين فى مملكة يهوذا.
ع3: السوارى : جمع سارية، وهى خشبة تغرس فى الأرض وترتفع ارتفاعاً كبيراً؛ لتعلن أن هذا المكان هو لعبادة الأوثان، مثل عشتاروت والبعل.
يظهر صلاح آسا فيما يلى :
- إزالة المذابح الوثنية، أى التى للآلهة الغريبة.
- إزالة عبادة الأوثان المقامة على المرتفعات، وإن كان سفر الملوك الأول (1مل14: 15) يذكر أنَّ المرتفعات لم تنزع؛ لأن آسا كان قد سمح بتقديم ذبائح لله على هذه المرتفعات، مثلما فعل سليمان وهذا خطأ؛ لأن الذبائح تقدم فى هيكل الله فقط وتقديم الذبائح لله على المرتفعات يتحول مع الوقت؛ فتُقدم ذبائح للأوثان على هذه المرتفعات.
- حطم تماثيل الأصنام الوثنية.
- أزال السوارى، التى أقامها الملوك السابقون لعبادة الأوثان.
ع4: فى أيام أبيا والد آسا كانت الخدمة فى الهيكل قائمة بالكهنة واللاويين (ص13: 10) ولكن أبيا سمح بعبادة الأوثان، ولم يكن قلبه كاملاً أمام الله؛ لذا فبعد إزالة آسا لعبادة الأوثان، اهتم بدعوة الشعب لعبادة الله والتمسك بوصاياه وشريعته؛ ليثبتوا فى الحياة معه ويتخلصوا من آثار العبادة الوثنية وما يتصل بها من شرور.
ع5: تماثيل الشمس : حجارة، أو رقائق نحاسية منقوشة بشكل الشمس، تقام على أعمدة، إعلاناً أن هذا المكان لعبادة آلهة الشمس. بعد إزالة آسا للمرتفعات وعبادة آلهة الشمس وأماكن العبادة الوثنية المختلفة، استراحت مملكة يهوذا، إذ عبد الشعب الله فقط فى هيكله، فأعطاهم الله أمان وراحة من كل أعدائهم.
ع6، 7: عوارض : ألواح خشبية، تقام لتثبيت الأبواب.
انتهز آسا فرصة راحة مملكة يهوذا من هجمات الأعداء واهتم بتحصين المدن، بأسوار وأبواب وأبراج. وهنا يظهر نشاط وجهاد آسا، فلم يتكاسل بسبب راحة الأرض، بل اهتم بتحصين المدن، فأنجحه الله؛ بسبب أمانته، فاتكال آسا كان على الله، الذى طلبه، فأراح الأرض وساعده فى تحصين المدن، أى عمل ما عليه ولكن اعتماده كان على الله.
وإقامة الأسوار لتحصين المدن، يرمز لاهتمام الإنسان بحراسة حواسه وأفكاره وتحصينها بالصلاة والتأمل والتداريب الروحية، ضد هجمات العدو الشيطان. ونلاحظ هنا أن راحة الأرض كانت فرصة للعمل البناء؛ لأن الراحة الحقيقية هى فى إرضاء الله والعمل الإيجابى، وليس فقط الابتعاد عن الخطية وعبادة الأوثان. فعندما يزيل الإنسان الخطايا بالتوبة ويريحه الله ويساعده، فيجاهد لاقتناء الفضائل، أى العمل الإيجابى وينجح فى كل ما يصنعه؛ لأن الله معه.
ع8: استكمالاً للعمل الإيجابى، اهتم آسا بتسليح جيش مملكة يهوذا، فرغم راحة الأرض، استعد بجيش كبير، كان عدده ثلاث مئة ألف من سبط يهوذا، مسلحين بالأتراس والرماح، بالإضافة إلى مئتين وثمانين ألفاً من سبط بنيامين، مسلحين بالأتراس والقسى؛ لضرب السهام. ومن هذا يظهر أهمية الاستعداد الدائم واليقظة الروحية؛ حتى لا يجد إبليس فرصة، أو ثغرة؛ ليسقطنا فى خطية.
(2) انتصار آسا على زارح (ع9-15):-
9- فخرج اليهم زارح الكوشي بجيش الف الف و بمركبات ثلاث مئة و اتى الى مريشة.
10- و خرج اسا للقائه و اصطفوا للقتال في وادي صفاتة عند مريشة. 11- و دعا اسا الرب الهه وقال ايها الرب ليس فرقا عندك ان تساعد الكثيرين و من ليس لهم قوة فساعدنا ايها الرب الهنا لاننا عليك اتكلنا و باسمك قدمنا على هذا الجيش ايها الرب انت الهنا لا يقو عليك انسان. 12- فضرب الرب الكوشيين امام اسا و امام يهوذا فهرب الكوشيون. 13- و طردهم اسا و الشعب الذي معه الى جرار و سقط من الكوشيين حتى لم يكن لهم حي لانهم انكسروا امام الرب و امام جيشه فحملوا غنيمة كثيرة جدا.14- و ضربوا جميع المدن التي حول جرار لان رعب الرب كان عليهم و نهبوا كل المدن لانه كان فيها نهب كثير. 15- و ضربوا ايضا خيام الماشية و ساقوا غنما كثيرا و جمالا ثم رجعوا الى اورشليم
ع9، 10: زارح الكوشى : هو رئيس، أو قائد حربى من الكوشيين، أى الأحباش، الذين ارتحلوا إلى بلاد العرب، أى اليمن والسعودية، بدليل استيلاء آسا على خيام وأغنام وجمال العرب فى (ع15)، أو قد يكون قائداً حبشياً فى مصر، تابعاً للملك شيشق من الأسرة الثانية والعشرين وجمع جيشاً كبيراً من المصريين ومعهم مرتزقة من الكوشيين والليبيين المشهورين بقوتهم فى الحرب (16: 8).
مريشة : مدينة تقع فى سهل جنوب غرب أورشليم.
وادى صفاتة : وادى بجوار مدينة مريشة.
هجم زارح الكوشى بجيش عظيم، تعداده مليون جندى ومسلح بأسلحة كثيرة منها ثلاث مئة مركبة حربية، للإستيلاء على مملكة يهوذا، وعسكر بجوار مريشة. فخرج آسا بجيش من مملكة يهوذا والتقى بجيش زارح فى وادى صفاته.
ع11: لأن آسا ملك صالح صلى إلى الله، معلناً إيمانه به أنه قادر أن يعمل بالقليل، كما بالكثير، أى قادر أن ينصر جيش يهوذا الصغير على جيش زارح العظيم، وأعلن لله اتكاله عليه، أى أن آسا لم يتحرك للقاء زارح، إلا اعتماداً على قوة الله.
وهكذا ظهر نجاح آسا فى هذا الامتحان الإيمانى؛ لأنه اتكل على الله، ولم يخف من قوة وكثرة جيش زارح.
وظهر هنا أيضاً أهمية استعداد آسا أيام السلم، التى دامت عشرة سنوات، فالشيطان لا يستسلم، وإن كان الله منعه لمدة عشر سنوات، ولكنه يعاود الهجوم. ولأن آسا تعود الصلاة أيام السلم، كان من السهل عليه أن يطلب الله فى ضيقة هجوم زارح عليه، فاستجاب له الله، كما استجاب أيام السلم وانتصر على زارح.
ونجد اتضاع آسا واضحاً، إذ وصف نفسه أن ليس له قوة أمام كثرة جيش زارح، فاعتماده الوحيد هو على الله، وإن كان تعداد جيش آسا ليس بصغير، لأنه كان خمس مئة وثمانين ألفاً محارباً، مسلحين تسليحاً قوياً، ولكنه اتكل على الله، وليس على جيشه.
ونجد أيضاً إيمان آسا واضحاً، فى شعوره أن الله هو إلهه الخاص، الذى لا يمكن أن يتخلى عنه، فذكر أنه “دعا الرب إلهه”.
- الاتضاع هو أقصر طريق إلى قلب الله الحنون، فأعلن ضعفك أمامه وأطلب معونته، تستطيع أن تقهر كل قوى الشر.
ع12، 13: جرار : مدينة جنوب أورشليم على بعد 100 كم.
بعد الصلاة تقدم آسا والتحم بجيش زارح، فانتصر عليه وقتل معظم الجيش، حتى أن الكتاب المقدس يذكر هنا أنه لم يبق له شخص حى، أى أن معظم جنود زارح قد قتلوا.
وطارد آسا جيش زارح مسافة طويلة حوالى 100 كم، حتى جرار، قتل فيها الكثير من الأعداء وأخذ غنائمهم، التى كانت مكافأة من الله لآسا على إيمانه وعلى جهاده. فنرى فى آسا ضرورة اشتراك الجهاد الروحى مع الصلاة، أى الجهاد مع النعمة، فننال النصرة والمكافأة الإلهية.
ويظهر واضحاً سرعة استجابة الله فى الضيقة لأولاده، فينقذهم ويكافئهم.
ع14، 15: حاول جيش زارح أن يلتجئ إلى بعض المدن حول جرار، فضربها آسا؛ ليقضى على جيش زارح. وضرب أيضاً خيام العرب، التى فى الأودية، التى حاول الكوشيون أن يحتموا فيها. وأخذ غنائم كثيرة من العرب وهذه المدن، سواء من الجمال، أو الغنم، أو الخيام؛ بالإضافة إلى كل أنواع الغنائم، وعادوا منتصرين إلى أورشليم. ولعل بعض من جيش زارح كان موطنه فى خيام العرب هذه، وبهذا يكون آسا قد قضى عليهم وأبادهم فى عقر دارهم.