عودة يهوشافاط للرب
(1) توبيخ ياهو الرائى ليهوشافاط (ع1-3):
1- و رجع يهوشافاط ملك يهوذا الى بيته بسلام الى اورشليم. 2- و خرج للقائه ياهو بن حناني الرائي و قال للملك يهوشافاط اتساعد الشرير و تحب مبغضي الرب فلذلك الغضب عليك من قبل الرب. 3- غير انه وجد فيك امورا صالحة لانك نزعت السواري من الارض و هيات قلبك لطلب الله.
ع1: بعد نجاة يهوشافاط من حربه مع الآراميين، التى فيها مات آخاب، سقط فى خطأ آخر، وهو تحالفه مع يورام ملك إسرائيل، حفيد آخاب فى حربه ضد موآب (2مل3: 7) وهى غير مذكورة فى سفر أخبار الأيام، ثم عاد بعد هذا إلى أورشليم بسلام، أى لم يلحقه ضرر جسدى، ولكنه فقد سلامه الداخلى نتيجة ارتباطه بالأشرار وتخلى الله عنه.
لأول وهلة نفهم، من هذه الآية، أن يهوشافاط، بعد رجوعه من حربه، التى تحالف فيها مع آخاب ضد الآراميين، قد عاد إلى أورشليم، لكن الحقيقة – كما أوضحنا – أن عودة يهوشافاط إلى أورشليم فى هذه الآية، هى بعد حربه، التى تحالف فيها مع يورام ضد موآب، وقد فهمنا هذا من الآيات التالية، التى توضح توبيخ الله له وتوبته، حتى نهاية حياته وابتعاده عن التحالف مع مملكة إسرائيل.
ع2: ياهو بن حنانى الرائى : هو نبى ابن حنانى الرائى، الذى وبخ آسا، فسجنه
(ص16: 10). وياهو هو الذى وبخ بعشا ملك إسرائيل (1مل16: 1-4).
عند عودة يهوشافاط إلى أورشليم، بعد تحالفه مع آخاب، ثم يورام حفيده، خرج إليه ياهو بن حنانى الرائى بتوبيخ من الله، فقال له، كيف تساعد آخاب ويورام حفيده الشريرين وكيف تتجاسر وتحب مبغضى الرب، الذين عبدوا الأوثان ورفضوا الله ؟ لذلك، غضب الله عليك. وقد حدث هذا فعلاً؛ لأنه رغم توبة يهوشافاط وعودته لله وإصلاحاته، لكن غضب الله كان على نسل يهوشافاط، أى ابنه يهورام. الذى سار فى الشر؛ إذ قتل اخوته ورؤساء شعبه، ثم أتت عثليا زوجة يهورام، ابن يهوشافاط، وساعدت ابنها أخزيا فى الشر وملكت بعد مقتله، وقتلت جميع النسل الملكى، ما عدا يوآش الذى هرب. ولأن الله قبل توبة وصلاح يهوشافاط، فلم يعاقبه فى حياته.
نرى هنا اهتمام الله بيهوشافاط، فهو ملك صالح ولكنه انزلق فى التحالف مع الأشرار، فلم يتركه الله، بل أرسل له نبياً يوبخه، حتى يتوب.
? إن الله يحبك؛ حتى بعدما تخطئ ويدعوك للتوبة ويوبخك، أو يسمح بضيقات لك؛ حتى ترجع إليه. فليتك تنتبه وترجع سريعاً؛ لتستعيد حنان الله ورعايته لك.
ع3: استكمل ياهو كلامه مع يهوشافاط واستدرج قائلاً، أن الله لم ينس محبتك له وإزالتك لعبادة الأوثان، أى المذابح والسوارى، واهتمامك بعبادة الله. ونرى هنا تشجيع الله لأولاده؛ حتى وهو يوبخهم؛ ليعطيهم رجاء فى التوبة. فرغم توبيخ يهوشافاط على تحالفه مع الأشرار يقول له، أن فيك أمرٌ حسنٌ، وهو محبتك لله ورفضك لعبادة الأوثان.
(2) عودة يهوشافاط للإصلاحات الروحية (ع4-11):
4- و اقام يهوشافاط في اورشليم ثم رجع و خرج ايضا بين الشعب من بئر سبع الى جبل افرايم و ردهم الى الرب اله ابائهم. 5- و اقام قضاة في الارض في كل مدن يهوذا المحصنة في كل مدينة فمدينة. 6- و قال للقضاة انظروا ما انتم فاعلون لانكم لا تقضون للانسان بل للرب و هو معكم في امر القضاء. 7- و الان لتكن هيبة الرب عليكم احذروا و افعلوا لانه ليس عند الرب الهنا ظلم و لا محاباة و لا ارتشاء. 8- و كذا في اورشليم اقام يهوشافاط من اللاويين و الكهنة و من رؤوس اباء اسرائيل لقضاء الرب و الدعاوي و رجعوا الى اورشليم. 9- و امرهم قائلا هكذا تفعلون بتقوى الرب بامانة و قلب كامل. 10- و في كل دعوى تاتي اليكم من اخوتكم الساكنين في مدنهم بين دم ودم بين شريعة و وصية من جهة فرائض او احكام حذروهم فلا ياثموا الى الرب فيكون غضب عليكم و على اخوتكم هكذا افعلوا فلا تاثموا. 11- و هوذا امريا الكاهن الراس عليكم في كل امور الرب و زبديا بن يشمعئيل الرئيس على بيت يهوذا في كل امور الملك و العرفاء اللاويين امامكم تشددوا وافعلوا و ليكن الرب مع الصالح
ع4: خضع يهوشافاط لكلام الله، عن فم ياهو، وتاب عن خطاياه، فأقام فى أورشليم وبدأ يهتم بالحياة الروحية لشعبه، فاهتم بالشعب فى أورشليم، ثم افتقد كل مملكة يهوذا من جنوبها فى بئر سبع، إلى شمالها، فى جبل أفرايم، وهكذا نرى اهتمام يهوشافاط أن يزور كل مدن مملكته بنفسه؛ لإرجاع الشعب لله ودعوتهم للتوبة، فلعل انشغاله بالتحالف مع ملوك إسرائيل جعله يهمل معية شعبه، بالإضافة إلى أن عثليا إبنة آخاب، التى تزوجت يهورام ابن يهوشافاط، كانت شريرة جداً، ولعلها نشرت عبادة الأوثان فى أورشليم وما حولها. واهتمام يهوشافاط بدعوة شعبه للتوبة، هو دليل واضح على توبته، ومحاولة إصلاح آثار أخطاءه. فكما أعثر الشعب؛ لأن يهوشافاط اختلط بعبادة الأوثان، هكذا يهتم بدعوتهم للتوبة.
ع5: كان يهوشافاط قد أرسل رؤساء وكهنة ولاويين لتعليم الشعب (ص17: 7-9) ولكن زيغان الشعب عن الشريعة، جعل يهوشافاط يقيم قضاة فى كل مدن يهوذا؛ ليقضوا بشريعة الله فى كل المنازعات، ويحكموا على المخطئين، الذين يرفضون الرجوع للرب؛ لأن عدد القضاة الذى كان موجوداً قبلاً كان قليلاً، فاهتماماً من يهوشافاط، أقام قضاة كثيرين فى كل مكان.
ع6-11: أوصى يهوشافاط القضاة بمجموعة توصيات، عندما أرسلهم ليقضوا لبنى إسرائيل، هى :
- أن عملهم فى القضاء هو لله وليس لإنسان، وهذا يجعل عملهم فى غاية الأهمية والخطورة؛ لأنه مقدم لله قبل أن يقدم لإنسان، فيلزم أن يعملوه باستقامة قلب وكل تدقيق (ع6).
- وعدهم أن الله سيساندهم ويرشدهم فى كل مشكلة ويشجعهم ويقويهم (ع6).
- وعدهم أن يعطيهم الله مهابة فى أعين الشعب، فيحترمونهم ويخضعون لهم (ع7).
- حذرهم من أن يظلموا أحد، أو يحابوا لأحد، أو يأخذوا رشوة (إرتشاء)، فيجب عليهم أن يكونوا ممثلين لله، الذى يرفض الظلم والمحاباة والرشوة (ع7).
- بعد أن افتقد يهوشافاط مدن يهوذا وأقام فيها قضاة (ع5)، أقام محكمة عليا فى أورشليم من الكهنة واللاويين ورؤوس الآباء؛ لفض المنازعات الكبرى، وأمر القضاة أن يرجعوا إلى المملكة العليا فى كل ما يصعب عليهم حله فى مدن يهوذا (ع8).
- أمرهم أن يقوموا بعملهم وفى قلبهم مخافة الله، فيعملوا بكل أمانة (ع9).
- على القضاة أن يحذروا الشعب من مخالفة شريعة الله؛ حتى لا يخطئوا فى حقه، فيأتى عليهم غضب الله، خاصة وأن يهوشافاط قد اختبر خطورة الخطية، التى جلبت عليه غضب الله (ع2)، لذا فهو يحذر شعبه، حتى لا يسقطوا، مثلما سقط هو (ع10).
- عين اثنين لإدارة هذه المحاكم؛ سواء فى أورشليم، أو مدن يهوذا وهما أمريا الكاهن وزبديا الرئيس المدنى، ويساعد الكاهن والرئيس المدنى العرفاء، أى الضباط واللاويون، العارفون بالشريعة. وهكذا عضد المحاكم بالسـلطة المدنية، إلى جانب السلطة الدينية، التى يمثلها الكهنة واللاويون؛ حتى يكون الانضبـاط كاملاً فى مملكته.
من الأدلة على توبة يهوشافاط ورجوعه للرب، أنه كرر كلمة الرب تسعة مرات فى هذه الآيات (ع4-11).
نرى فى هذه التوصيات حكمة يهوشافاط وتدقيقه وتنظيمه للمحاكم، فى تخصيص كل شخص فى مسئوليته، سواء المدنيين، أو الكهنة واللاويين، وسواء فى أورشليم، أو فى كل مدن يهوذا، وتظهر إدراته السليمة ومساندة الله له.
? ليكن مقياسك فى سلوكك هو كلمة الله. إقرأ الكتاب المقدس كل يوم وإختر آية؛ لتكون رسالة لك من الله؛ لتطبقها فى حياتك. وراجع نفسك فى نهاية كل يوم، قياساً على كلام الله الذى قرأته، وقدم توبة عن كل ما أخطأت فيه، فتنال مراحم الله وتتأهل لنوال سرى الاعتراف والتناول.