يوآش يجدد الهيكل، ثم يرتد عن الله
(1) بداية يوآش الصالحة (ع1-3):
1- كان يواش ابن سبع سنين حين ملك و ملك اربعين سنة في اورشليم و اسم امه ظبية من بئر سبع. 2- و عمل يواش المستقيم في عيني الرب كل ايام يهوياداع الكاهن. 3- و اتخذ يهوياداع له امراتين فولد بنين و بنات.
ذكرت هذه الآيات وشرحت فى (2مل12: 1-3) والإضافة هنا هى (ع3)، التى يذكر فيها أن يهوياداع رئيس الكهنة، زوج عمة الملك يوآش، الذى أعتنى بتربيته وتعليمه، قد تزوج بامرأتين وأنجب بنين وبنات. وهذا لأن سفر أخبار الأيام يظهر أهمية العمل الكهنوتى، كما ذكرنا، فيهتم بحياة الكهنة.
? اهتم بتربية أبناءك، حتى لو أظهروا بعض الرفض، خاصة فى سن المراهقة، فكل ما تعلمه لهم، يؤثر فيهم ويختزنونه داخلهم، إن لم ينفذوه بالكامل ولكن يدافعون عنه فيما بعد، خاصة فى سن الشباب. فثق أن محبتك وتعبك لا يضيع أبداً فى تربية أبنائك، أو خدمتك فى مدارس الأحد والله ينظر ويكمل ويعمل فى خدمتك وتعليمك.
(2) ترميم الهيكل (ع4-14):
4- و حدث بعد ذلك انه كان في قلب يواش ان يجدد بيت الرب. 5- فجمع الكهنة واللاويون و قال لهم اخرجوا الى مدن يهوذا و اجمعوا من جميع اسرائيل فضة لاجل ترميم بيت الهكم من سنة الى سنة و بادروا انتم الى هذا الامر فلم يبادر اللاويون. 6- فدعا الملك يهوياداع الراس وقال له لماذا لم تطلب من اللاويين ان ياتوا من يهوذا و اورشليم بجزية موسى عبد الرب و جماعة اسرائيل لخيمة الشهادة. 7- لان بني عثليا الخبيثة قد هدموا بيت الله و صيروا كل اقداس بيت الرب للبعليم. 8- و امر الملك فعملوا صندوقا و جعلوه في باب بيت الرب خارجا. 9- و نادوا في يهوذا و اورشليم بان ياتوا الى الرب بجزية موسى عبد الرب المفروضة على اسرائيل في البرية. 10- ففرح كل الرؤساء و كل الشعب و ادخلوا و القوا في الصندوق حتى امتلا. 11- و حينما كان يؤتى بالصندوق الى وكالة الملك ليد اللاويين عندما يرون ان الفضة قد كثرت كان ياتي كاتب الملك ووكيل الكاهن الراس و يفرغان الصندوق ثم يحملانه و يردانه الى مكانه هكذا كانوا يفعلون يوما فيوم حتى جمعوا فضة بكثرة. 12- و دفعها الملك و يهوياداع لعاملي شغل خدمة بيت الرب و كانوا يستاجرون نحاتين و نجارين لتجديد بيت الرب و للعاملين في الحديد و النحاس ايضا لترميم بيت الرب. 13- فعمل عاملوا الشغل و نجح العمل بايديهم و اقاموا بيت الله على رسمه و ثبتوه.
14- و لما اكملوا اتوا الى ما بين يدي الملك و يهوياداع ببقية الفضة و عملوها انية لبيت الرب انية خدمة و اصعاد و صحونا و انية ذهب و فضة و كانوا يصعدون محرقات في بيت الرب دائما كل ايام يهوياداع.
ذكرت هذه الآيات وتم شرحها فى كتاب الموسوعة تفسير الملوك الثانى
(2مل12: 4-16) ونلاحظ الإضافات الآتية :
- فى (ع5) طلب الملك يوآش من الكهنة واللاويين أن يطوفوا مملكة يهوذا ويجمعوا فضة لبيت الرب، لكنهم تهاونوا ولم يمروا ببلاد يهوذا.
- جزية موسى : الفريضة المذكورة فى شريعة موسى والتى يدفعها كل ذكر وهى نصف شاقل فضة (خر30: 11-16).
فى (ع6) عاتب يوآش يهوياداع؛ لأنه لم يأمر اللاويين بجمع الفضة المفروضة على كل ذكر من إسرائيل؛ ليرمم بها الهيكل، وكذلك أية فضة يدفعها الشعب، بدلاً من الذبائح (لا27: 11، 12)، أو أية فضة يقدمونها اختيارياً لله.
- بنو عثليا : أى أخوة أخزيا قبل أن يقتلهم العرب (ص22: 1) لأن عثليا كانت تعبد البعل، مثل أمها ايزابل، فعلمت أبناءها عبادة الأوثان؛ لذا استخدموا سلطانهم كإخوة الملك وهدموا أجزاء من بيت الرب وأخذوا الفضة والذهب، التى قدست لبيت الرب وقدموها لمذابح ومعابد البعل، أى شيدوا بها أماكن لعبادة الأوثان.
- فى (ع10) نرى تجاوب الرؤساء والشعب مع دعوة الله لجمع الفضة، لترميم الهيكل وشهادة الكتاب عنهم، أنهم فرحوا وهم يعطون الفضة؛ ليعود المجد لبيت الرب ويرمم.
- فى (ع13) يبين أن عاملى الشغل أكملوا ترميم بيت الرب ونجحوا فى إعادة كل شئ، كما رسم الله. وهذا النجاح تم؛ لوجود قائد غيور، هو يوآش الملك، وعمال أمناء، هم عاملى الشغل، حتى أن المسئولين لم يعدوا الفضة التى كانوا يعطونها لهم؛ بسبب أمانتهم (2مل12: 15).
- فى (ع14) نرى أن الفضة التى جمعت، زادت عن احتياجات ترميم الهيكل، فاستخدموا الباقى من الفضة فى عمل أوانى لخدمة الهيكل.
- فى (ع14) نلاحظ أن استمرار الاهتمام بالخدمة فى بيت الرب طوال أيام حياة يهوياداع؛ لأنه بعد ذلك ارتد الملك عن عبادة الله. وهذا يبين أهمية دور رئيس الكهنة يهوياداع، وفى نفس الوقت سطحية علاقة يوآش بالله؛ إذ رجع عنها؛ لأنه لم يوجد من يرشده وينبهه وهو يهوياداع.
? كن خاضعاً لأب اعترافك ومرشدك الروحى؛ لتحيا دائماً مع الله، فلا يستطيع إبليس أن يشغلك ويبعدك عن الله وحتى لو سقطت فى خطية، أو خدعك إبليس، تستطيع أن تعود ثانية؛ لأنك خاضع للإرشاد الروحى.
(3) موت يهوياداع وارتداد يوآش عن الرب (ع15-22):
15- و شاخ يهوياداع و شبع من الايام و مات كان ابن مئة و ثلاثين سنة عند وفاته.
16- فدفنوه في مدينة داود مع الملوك لانه عمل خيرا في اسرائيل و مع الله و بيته. 17- و بعد موت يهوياداع جاء رؤساء يهوذا و سجدوا للملك حينئذ سمع الملك لهم. 18- و تركوا بيت الرب اله ابائهم و عبدوا السواري و الاصنام فكان غضب على يهوذا و اورشليم لاجل اثمهم هذا.
19- و ارسل اليهم انبياء لارجاعهم الى الرب و اشهدوا عليهم فلم يصغوا. 20- و لبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب و قال لهم هكذا يقول الله لماذا تتعدون وصايا الرب فلا تفلحون لانكم تركتم الرب قد ترككم. 21- ففتنوا عليه و رجموه بحجارة بامر الملك في دار بيت الرب. 22- و لم يذكر يواش الملك المعروف الذي عمله يهوياداع ابوه معه بل قتل ابنه و عند موته قال الرب ينظر و يطالب.
ع15: أطال الله حياة يهوياداع، فعاش أكثر مما هو معتاد فى أيامه، إذ عاش 130 عاماً وبهذا يكون قد ولد أيام سليمان الملك وعاصر تسعة ملوك، أولهم سليمان وآخرهم يوآش، وتمتع بالصلاح الذى ساد أيام آسا ويهوشافاط. كل هذا كان إعداداً من الله له؛ ليقوم بدور عظيم وهو رعاية الملك الطفل يوآش، الذى رباه وله سنة واحدة من العمر، ثم توجه ومسحه ملكاً وعمره سبع سنوات، واستمر فى رعايته وإرشاده، فعبد الرب وقام بترميم الهيكل، حتى أنه عاتب يهوياداع نفسه لعدم حماسه فى جمع الفضة لترميم الهيكل. وإن كان يهوياداع له بعض العذر؛ لأن عمره وقتذاك كان قد قارب 130 عاماً. وهكذا يظهر أهمية الدور الكهنوتى فى سفر أخبار الأيام؛ لأن الصلاح، فى الجزء الأول من حياة يوآش الملك، يرجع الفضل فيه ليهوياداع
ع16: إكراماً ليهوياداع العظيم، الذى يرجع الفضل له فى صلاح المملكة أيام يوآش ولعل صلاحه كان حافظاً للهيكل حتى أيام الملوك الأشرار؛ لذا دفنوه بإكرام فى مدينة داود بجوار الملوك ولعلهم كتبوا على قبره أنه عمل خيراً مع الله وبيته”، فميزوه بدفنه مع الملوك.
ع17، 19: بعد موت يهوياداع أتى إلى الملك يوآش مجموعة من رؤساء يهوذا، الذين فسدت أذهانهم وأحبوا عبادة الأوثان، وهم الذين عاشوا أيام يهورام وأخزيا وعثليا، الملوك الأشرار. وأظهروا خضوعهم للملك بالسجود له ولعلهم تملقوه، بل أظهروا له أنه قد تخلص من رئيس الكهنة، الذى كان مسيطراً عليه وهو حر الآن؛ ليعمل ما يراه ويستعين بالآلهة الأخرى ويستفيد منها، كما يعبدها كل الأمم المحيطة به. واستمروا فى كلامهم حتى أقنعوه، فوافق على إقامة عبادة للأوثان، بتقديم العبادة عند السوارى وتماثيل الأصنام، وأهملوا عبادة الرب، فغضب الرب عليهم.
ع19: أطال الله أناته على شعبه فى مملكة يهوذا وأرسل إليهم أنبياء؛ ليرشدوهم ويرجعوهم إلى الله، ولكنهم للأسف رفضوا كلام الله واستمروا فى شرهم وعبادتهم للأوثان. وهذا يبين أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد ويبين أيضاً تمادى الشعب وإصراره على الشر.
ع20: نبه الله أيضاً شعبه، عن طريق زكريا الكاهن بن يهوياداع، إذ حل عليه روح الله، فوقف على منبر عالى، فصار أعلى من كل الشعب ونادى على كل المجتمعين؛ حتى يرجعوا عن عبادة الأوثان ويعبدوا الله، وأظهر مدى شرهم وخيانتهم لله، وحذرهم بأن تركهم لله سيعرضهم لتخلى الله عنهم وبالتالى الفشل فى كل حياتهم. وتحذيره هذا من شريعة الله
(تث29: 25، 31: 16، 17)، أى أنه أبلغهم كلام الله ليتوبوا.
ولعل زكريا هذا هو المذكور فى العهد الجديد، الذى قال عنه المسيح أنه زكريا بن برخيا (مت23: 35)، لأن يهوياداع يدعى أيضاً برخيا.
ع21: فلما سمع الرؤساء الأشرار والشعب، الذين تعلقوا بعبادة الأوثان، كلام زكريا، أبلغوا عنه الملك يوآش، إذ أنه قد خالف أوامره ويعلم الشعب ضد كلام الملك، فأمر يوآش بقتل زكريا، فرجموه وهو يعلم فى دار بيت الرب. وهذا يبين مدى الشر الذى انحدر إليه يوآش، فصار مقاوماً لكلام الله ومنساقاً لعبادة الأوثان.
ع22: إن قتل يوآش لزكريا يظهر خيانته لله وعدم تقديره لمعروف يهوياداع، الذى رباه وحفظه، بدلاً من أن يموت بيد عثليا، بل وتوجه ملكاً وأرشده فى إدارة المملكة، فنجح وعبد الرب.
وعند موت زكريا قال بروح النبوة “إن الرب ينظر ويطالب” فهو لا يريد انتقام الله منهم، بل يوبخهم فى آخر لحظات حياته؛ لعلهم يتوبون، ولكنهم للأسف رفضوا سماع كلام الله، فلم يمضى إلا عام وهجم الأراميون وانتصروا عليهم، وضرب الرب يوآش بالمرض. والذى يؤكد أن كلام زكريا هو نبوة قد تحققت أكثر من مرة، أن المسيح نفسه أشار إلى زكريا ومطالبة الله بدمه حين قال “سيأتى على هذا الجيل كل دم زكى سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذى قتلتموه بين الهيكل والمذبح” (مت23: 35).
? إن الله حرك زكريا؛ لينبه الشعب إلى كلام الشريعة فيتوبوا. والله ينبهك بأنواع كثيرة؛ لترجع إليه، فلا تتمادى فى خطاياك وترفض كلام الله؛ لأنه يحبك ويطلب خلاصك.
(4) هجوم الأراميين وموت يوآش (ع23-27):
23- و في مدار السنة صعد عليه جيش ارام و اتوا الى يهوذا و اورشليم و اهلكوا كل رؤساء الشعب من الشعب و جميع غنيمتهم ارسلوها الى ملك دمشق. 24- لان جيش ارام جاء بشرذمة قليلة و دفع الرب ليدهم جيشا كثيرا جدا لانهم تركوا الرب اله ابائهم فاجروا قضاء على يواش.
25- و عند ذهابهم عنه لانهم تركوه بامراض كثيرة فتن عليه عبيده من اجل دماء بني يهوياداع الكاهن و قتلوه على سريره فمات فدفنوه في مدينة داود و لم يدفنوه في قبور الملوك. 26- و هذان هما الفاتنان عليه زاباد ابن شمعة العمونية و يهوزاباد ابن شمريت الموابية. 27- و اما بنوه و كثرة ما حمل عليه و مرمة بيت الله ها هي مكتوبة في مدرس سفر الملوك و ملك امصيا ابنه عوضا عنه
ع23: مدار السنة : بعد حوالى عام.
بعد نبوة زكريا بن يهوياداع، عند موته، لم يمضى إلا عام وهاجمت جيوش الآراميين على مملكة يهوذا وقتلوا رؤساء الشعب، الذين آمالوا الملك يوآش إلى عبادة الأوثان، ثم نهبوا كل ما هو نفيس فى يهوذا وأورشليم وأرسلوها إلى عاصمة ملكهم دمشق.
وهكذا نرى تخلى الله عن شعبه المتمرد، فيسمح بقتل رؤساء الشعب الأشرار ونهب غنيمة المملكة؛ ليفتقر شعبه، لعله بهذا يتوب ويرجع إلى الله.
ع24: شرذمة : مجموعة صغيرة.
أجروا قضاء : حكموا وأذلوا وعاقبوا.
ليعلن الله تخليه بشدة عن شعبه، سمح بهجوم عدد قليل من الآراميين وتصدى جيش كبير من مملكة يهوذا لهم ولكن انهزموا أمامهم؛ لأن الله أراد معاقبة مملكة يهوذا بيد أعدائهم الآراميين، وتحقيراً لشعبه، جعلهم ينهزمون أمام مجموعة صغيرة. وهذا عكس عمل الله مع شعبه عندما يتمسكون به، كما كان معهم أيام يهوشافاط، فانتصروا على جيش ضخم من تحالف الموآبيين والعمونيين والآدوميين، دون أن يحاربوهم (ص20: 20-25).
? قوة الله متاحة لك، إن كنت تؤمن بها وتتمسك بوصايا الله، ولكن إن تمردت على الله وأهملت وصاياه يتخلى عنك، فيحتقرك ويذلك الأشرار. لماذا تتنازل عن مكانتك كإبن الملك، قم سريعاً وارجع إلى الله؛ لتستعيد بنوتك.
ع25، 26: بعد أن نهب الأراميون أورشليم وقصر الملك، وجدوا يوآش مريضاً بأمراض شديدة، فتركوه.
وعقاباً من الله، قام إثنان من عبيد يوآش عليه وقتلوه وهو نائم على سريره. وكان هذا العقاب بسبب قتله نفوس أبرياء، هم بنى يهوياداع؛ زكريا الكاهن وإخوته. وهذا يبين مدى قسوة يوآش وانغماسه فى عبادة الأوثان، وبالتالى استحقاقه للعقاب الشديد، الذى حل به وبمملكته ورؤساءه الاشرار. وقد عاقب الله المملكة كلها؛ لأنهم زاغوا عن الله وعبدوا الأوثان.
وإذ شعر الشعب بالشر الذى حل بهم بسبب يوآش، لم يدفنوه، عندما مات، فى قبور الملوك ولكن دفنوه مع عامة الشعب، فى مدينة داود.
يلاحظ أن قاتلا الملك من أصل أممى، أى من نسل موآب وبنى عمون وهذا يبين مدى انتشار الزيجات المخالفة للشريعة، أى الزواج بالأمميات، فاستحق الملك هذا العقاب.
ع27: حُمل عليه : ما عاقبه الله به، أو ما حل به من عقاب.
مدرس : كتاب تفسير ويحوى عظات.
باقى أخبار الملك يوآش وبنيه، وما حلت به من عقوبات إلهية، وكل أخبار ترميمه بيت الرب، كُتبت فى كتاب سفر الملوك وهو كتاب تاريخى، غير كتاب سفر الملوك، الموجود فى الكتاب المقدس، ثم ملك ابنه أمصيا على عرش يهوذا بعد موت أبيه يوآش.