أمصيا ملكاً على يهوذا
(1) بداية حكم أمصيا (ع1-4):
1- ملك امصيا و هو ابن خمس و عشرين سنة و ملك تسعا و عشرين سنة في اورشليم و اسم امه يهوعدان من اورشليم. 2- و عمل المستقيم في عيني الرب و لكن ليس بقلب كامل. 3- و لما تثبتت المملكة عليه قتل عبيده الذين قتلوا الملك اباه. 4- و اما بنوهم فلم يقتلهم بل كما هو مكتوب في الشريعة في سفر موسى حيث امر الرب قائلا لا تموت الاباء لاجل البنين و لا البنون يموتون لاجل الاباء بل كل واحد يموت لاجل خطيته.
ذكرت هذه الآيات وشرحت فى كتاب الموسوعة فى تفسير سفر الملوك الثانى، فى
(2مل14: 1-6) وفيها نرى بداية حسنة للملك أمصيا ولكنه لم يكن مستقيم القلب تماماً، إذ انحرف بعد ذلك عن الله، وتكبر وعبد الأوثان، كما سنرى فى باقى هذا الأصحاح.
? ليتك تثبت فى حياتك الروحية ولا تهتز فى قانونك الروحى حسب الظروف، أو تتغير مبادئك؛ لأجل الضغوط التى تمر بها. اطلب معونة الله، فيسندك ويساعدك فى جهادك ويتدخل فى الضيقات، فتظل ثابتاً، بل نامياً فى محبة الله والسلام الداخلى كل يوم.
(2) الانتصار على أدوم وارتداد أمصيا (ع5-16):
5- و جمع امصيا يهوذا و اقامهم حسب بيوت الاباء رؤساء الوف و رؤساء مئات في كل يهوذا و بنيامين و احصاهم من ابن عشرين سنة فما فوق فوجدهم ثلاث مئة الف مختار خارج للحرب حامل رمح و ترس. 6- و استاجر من اسرائيل مئة الف جبار باس بمئة وزنة من الفضة.7- و جاء اليه رجل الله قائلا ايها الملك لا ياتي معك جيش اسرائيل لان الرب ليس مع اسرائيل مع كل بني افرايم. 8- و ان ذهبت انت فاعمل و تشدد للقتال لان الله يسقطك امام العدو لان عند الله قوة للمساعدة و للاسقاط. 9- فقال امصيا لرجل الله فماذا يعمل لاجل المئة الوزنة التي اعطيتها لغزاة اسرائيل فقال رجل الله ان الرب قادر ان يعطيك اكثر من هذه. 10- فافرز امصيا الغزاة الذين جاءوا اليه من افرايم لكي ينطلقوا الى مكانهم فحمي غضبهم جدا على يهوذا و رجعوا الى مكانهم بحمو الغضب. 11- و اما امصيا فتشدد و اقتاد شعبه و ذهب الى وادي الملح و ضرب من بني ساعير عشرة الاف. 12- و عشرة الاف احياء سباهم بنو يهوذا و اتوا بهم الى راس سالع و طرحوهم عن راس سالع فتكسروا اجمعون. 13- و اما الرجال الغزاة الذين ارجعهم امصيا عن الذهاب معه الى القتال فاقتحموا مدن يهوذا من السامرة الى بيت حورون و ضربوا منهم ثلاث الاف و نهبوا نهبا كثيرا. 14- ثم بعد مجيء امصيا من ضرب الادوميين اتى بالهة بني ساعير و اقامهم له الهة و سجد امامهم و اوقد لهم. 15- فحمي غضب الرب على امصيا و ارسل اليه نبيا فقال له لماذا طلبت الهة الشعب الذي لم ينقذوا شعبهم من يدك. 16- و فيما هو يكلمه قال له هل جعلوك مشيرا للملك كف لماذا يقتلونك فكف النبي و قال قد علمت ان الله قد قضى بهلاكك لانك عملت هذا و لم تسمع لمشورتي.
ع5: استعد أمصيا لمحاربة أدوم، ونجح رجال جيشه، فكانوا 300 ألف محارباً، متدرباً على الحرب، وهذا العدد قليل بالقياس بجيش مملكة يهوذا من حوالى خمسين عاماً، أيام جده يهوشافاط، إذ كان عددهم مليون و200 ألف تقريباً (2أى17: 14-18). وقد يكون قلة عدد الجيش بسبب عدم بركة الله؛ لأن معظم الملوك، بعد يهوشافاط، كانوا أشراراً. ولكن لماذا استعد أمصيا لمحاربة أدوم ؟ لعل أدوم هدد بالحرب، أو جمع جيوشاً على الحدود، فاضطر أمصيا للاستعداد للحرب، فوجد جيشه قليلاً، فماذا يفعل ؟ هذا ما سيظهر فى الآية التالية.
ع6: وزنة فضة : للوزنة أوزان مختلفة تتراوح ما بين 17-40 كجم.
استعان أمصيا بجنود مرتزقة؛ لمساعدته فى الحرب، فدفع ثمناً لهم مائة وزنة من الفضة وكانوا من سبط أفرايم، من مملكة إسرائيل، إذ كان هذا السبط كبيراً ومعروفاً بقوته الحربية.
ع7: ظهرت محبة الله فى إرساله نبى، لم يُذكر اسمه، وأعلن للملك أمصيا ألا يأخذ معونة من جيش مملكة إسرائيل؛ لأنهم أشرار يعبدون الأوثان والله ليس معهم، ولا يصح أن يأخذ معونة من أشرار. وبهذا بين النبى لأمصيا ضعف إيمانه؛ لأنه لم يتكل على الله، الذى يعين الضعفاء وذهب ليتكل على البشر، بل على الأشرار.
ع8: طلب النبى من أمصيا أن يذهب وحده والله سيسنده، مهما كان ضعفه، ولكن إن اتكل على الأشرار، فسينهزم ويسقط، أما إذا اتكل على الله، فحتماً سينتصر؛ لأن النصرة هى بقوة الرب.
فى بداية الآية يأمر الله بصراحة أمصيا أن يتشدد ويذهب وحده للقتال، أما الجزء الثانى فيبين له أنه سيسقط وذلك إذا ذهب مع جيش إسرائيل، ثم يعود فى الجزء الثالث من الآية، فيبين أن الله عنده القوة للمساعدة، فلا يحتاج أمصيا إلى مساعدة الأشرار.
ع9: شعر أمصيا بخسارة كبيرة إن لم يأخذ جيشاً من سبط أفرايم؛ لأنه كان قد دفع فعلاً مبلغ 100 وزنة فضة، فهو مستعد لطاعة الله ولكنه يفكر فى المبلغ الكبير الذى دفعه ولم يستفد به. وهنا أجابه النبى، بأن الله قادر أن يعوضه عن هذا المبلغ، ولكن يلزم أن ينفذ كلام الله ولا يأخذ معونة من الأشرار.
ع10: ظهرت طاعة أمصيا لله فى صرفه لجيش أفرايم، وتقبله ضياع مبلغ ضخم قد دفعه لهم، وهو مائة وزنة. ومن ناحية أخرى تذمر جيش أفرايم بشدة على أمصيا، إذ اعتبروا صرفهم إهانة وعدم احتياج لهم، أى أنهم ضعفاء، وبلا قيمة، وانصرفوا فى غيظ شديد وهم يخططون للانتقام من أمصيا وتأديبه على هذه الإهانة، ولعلهم اغتاظوا أيضاً؛ لأنه بعدم دخولهم فى الحرب حرموا من الغنائم، التى كانوا يتمنون الحصول عليها من الأعداء، وهذا يبين مدى كبريائهم، إذ لم يفكروا فى احتمال هزيمتهم أمام الأعداء وموت بعضهم.
? كن مطيعاً لوصايا الله، حتى لو كنت وحدك تنفذ الوصايا، بل لا تنزعج من أجل تهديدات الأشرار، فكل هذا بلا قيمة؛ لأن الله يسندك، فلا يقدر عليك إنسان.
ع11: وادى الملح : وادى فى جنوب البحر الميت وبجواره.
بنى ساعير : الأدوميون نسل عيسو الساكنون فى جبال ساعير.
بعد أن أطاع أمصيا الله، تقدم بشجاعة وإيمان، فاستطاع أن يهزم جيوش الأدوميين، بل وقتل منهم 10000 محارباً فى مكان المعركة، الذى هو وادى الملح.
ع12: رأس سالع : قلعة حصينة فى جبال ساعير، التى يسكنها الأدوميين، وهى تقع قرب سفح أحد جبالهم، الذى يسمى جبل هور.
انبهر أمصيا بتحصينات الأدوميين وجبالهم وكذا معابدهم، التى كانوا يقدمون فيها ذبائح بشرية، فعندما انتصر عليهم، قلدهم فى وحشيتهم وألقى 10000 من الأدوميين، كان قد أخذهم أسرى من فوق قمة قلعة حصينة عندهم، تسمى رأس سالع، فسقطوا قتلى من فوق الجبل وكانت هذه الطريقة معروفة عند الأدوميين الوحشيين.
ع13: بيت حورون : مدينتين إحداهما مبنية على هضبة وتسمى بيت حورون العليا، والأخرى فى الوادى وتسمى بيت حورون السفلى، وتقعا على الحدود بين مملكتى إسرائيل ويهوذا، أى بين سبطى أفرايم وبنيامين.
السامرة : عاصمة مملكة إسرائيل، وتقع شمال أورشليم على بعد 40 ميلاً وتقع شرق البحر الأبيض على بعد 25 ميلاً.
نتيجة اغتياظ جيش أفرايم، الذى صرفه أمصيا، قاموا بمهاجمة مملكة يهوذا على حدودها الشمالية، منتهزين فرصة ذهاب جيش يهوذا لمحاربة الأدوميين، الذين يسكنون جنوب يهوذا، فقتلوا من مملكة يهوذا ثلاثة آلاف ونهبوا غنائم كثيرة.
وقد سمح الله بهذا الهجوم على مملكة يهوذا؛ لأن قلب أمصيا لم يكن مستقيماً بالكمال، فرغم أنه أطاع الله، لكنه أعجب بالأدوميين الأشرار وبأصنامهم، كما سيظهر من الآيات التالية.
ع14: ظهر شر أمصيا فى ارتداده عن الله، ولم يقف عند الإعجاب بالوثنيين، بل اعتبر أصنامهم غنيمة عظيمة، فأخذ هذه التماثيل ونقلها إلى أورشليم وأقامها هناك وسجد وقدم العبادة لها.
وهذا الارتداد الكبير يبين أن أمصيا كان سطحياً فى علاقته بالله، لذا فى أول امتحان له سقط، إذ أحب عبادة الأوثان، ولعل الدافع لذلك تكبره؛ لأنه انتصر على الأدوميين، والكبرياء تظلم العقل، فأخذ الأصنام التى لم تستطع أن تحمى من يعبدها؛ حتى يستند على هذه الآلهة الغريبة، ويسجد لها، بدلاً من الله.
وهذا يبين مدى تأثير الآلهة الوثنية على الإنسان، فرغم أن أمصيا استطاع أن يطيع الله ويتنازل عن محبة المال فى شكل المائة وزنة فضة، ولكنه لم يقف أمام إغراء التماثيل الوثنية، فحملها بإعجاب إلى أورشليم، وخضع لها.
ع15: غضب الله بسبب ارتداد أمصيا وأرسل له نبياً وبخهه؛ لأنه خضع وعبد الأوثان الضعيفة، التى لم تستطع أن تحمى الأدوميين، الذين يعبدونها، فكيف ينبهر بها وبدلاً من أن يقدم الشكر لله فى هيكله؛ لأنه نصره على الأعداء، سجد للآلهة الوثنية الضعيفة، أى للشياطين الذين يعملون فيها.
ع16: رفض أمصيا الاستماع لصوت الله على فم النبى وقاطعه وقال له أصمت، بل هدده بالقتل، كما قتل قبلاً زكريا بن يهوياداع، الذى أرسله الله إلى يهوآش أبيه.
وهنا أكمل هذا النبى رسالته إلى أمصيا وقال له، لرفضك سماع صوت الله، فقد حكمت على نفسك بأنك ستموت حتماً وتهلك بسبب شرك.
ما حدث من أمصيا يظهر أنه كان فى أزمة وخوف من أدوم؛ لذا أطاع النبى الأول ولكنه عندما انتصر تكبر وشعر أنه غير محتاج لله، فرفض صوت النبى الثانى.
(3) هزيمة يهوذا أمام إسرائيل (ع17-24):
17- فاستشار امصيا ملك يهوذا و ارسل الى يواش بن يهواحاز بن ياهو ملك اسرائيل قائلا هلم نتراء مواجهة. 18- فارسل يواش ملك اسرائيل الى امصيا ملك يهوذا قائلا العوسج الذي في لبنان ارسل الى الارز الذي في لبنان يقول اعط ابنتك لابني امراة فعبر حيوان بري كان في لبنان وداس العوسج. 19- تقول هانذا قد ضريت ادوم فرفعك قلبك للتمجد فالان اقم في بيتك لماذا تهجم على الشر فتسقط انت و يهوذا معك. 20- فلم يسمع امصيا لانه كان من قبل الله ان يسلمهم لانهم طلبوا الهة ادوم. 21- و صعد يواش ملك اسرائيل فتراءيا مواجهة هو و امصيا ملك يهوذا في بيت شمس التي ليهوذا. 22- فانهزم يهوذا امام اسرائيل و هربوا كل واحد الى خيمته. 23- و اما امصيا ملك يهوذا ابن يواش بن يهواحاز فامسكه يواش ملك اسرائيل في بيت شمس و جاء به الى اورشليم وهدم سور اورشليم من باب افرايم الى باب الزاوية اربع مئة ذراع. 24- و اخذ كل الذهب والفضة و كل الانية الموجودة في بيت الله مع عوبيد ادوم و خزائن بيت الملك و الرهناء و رجع الى السامرة.
ذكرت هذه الآيات وشرحت فى (2مل14: 8-14) ونرى فيها تكبر أمصيا بعدما انتصر على الأدوميين وأرسل ليحارب ملك إسرائيل، وشجعه مشيريه على هذا، فانهزم أمام إسرائيل. وكان ذلك بسماح من الله؛ لأنه ارتد عنه وعبد أصنام أدوم.
? أشكر الله كل يوم على عطاياه، فهو صاحب الفضل فى كل مالك، فتتضع أمامه وتتمتع بما عندك وتحيا فى فرح وحماية من حروب إبليس المتكبر.
(4) مقتل أمصيا (ع25-28):
25- و عاش امصيا بن يواش ملك يهوذا بعد موت يواش بن يهواحاز ملك اسرائيل خمس عشرة سنة. 26- و بقية امور امصيا الاولى و الاخيرة اما هي مكتوبة في سفر ملوك يهوذا واسرائيل. 27- و من حين حاد امصيا من وراء الرب فتنوا عليه في اورشليم فهرب الى لخيش فارسلوا وراءه الى لخيش و قتلوه هناك. 28- و حملوه على الخيل و دفنوه مع ابائه في مدينة يهوذا
ذكرت هذه الآيات وشرحت فى (2مل14: 17-20).
نجد فى هذه الآيات قيام عبيد أمصيا عليه وقتله وسمح له الله بهذا، لأنه إرتد عن الله وعبد الأوثان.
? لا تستهن بوصايا الله ولا ترفضها إن تعارضت مع أغراضك الشخصية، لئلا تجلب على نفسك غضب الله، فيتخلى عنك وتهلك بسبب خطاياك.